بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد
حديث رقم – 465-
( صحيح ) حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي ثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك )
فهذا الحديث ذُكر فيه أدب من آداب دخول المسجد ، وهذا الأدب أدب قولي .
من الفوائد :
استحباب هذا الذكر قبل الدخول إلى المسجد .
ومن الفوائد :
أن هذا الموطن وهو موطن دخول المسجد وكذلك موطن الخروج من المسجد هو موطن يصلى ويسلم فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، والمواطن التي يصلى فيها عليه صلى الله عليه وسلم كثيرة ، فواجب على المسلم أن يتقيد بما جاء به الشرع ، لأن هناك من يتناقل رسائل عبر وسائل التواصل من أنه إذا ذكر عددا معينا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يحصل له كذا أو أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كذا يحصل له كذا ، وهذا من البدع ، فواجب على المسلم أن يقتفي أثر الشرع ، ما جاء به الشرع على رؤوسنا وما لم يأت به الشرع فإنه لا عبرة به ولا اعتداد ، لأننا لسنا بمشرعين حتى نقول هذا يقال في موطن كذا وهذا يقال بعدد كذا ، وإلا فما الفرق بين ما وقعت فيه النصارى وبين ما تقع فيه هذه الأمة من الابتداع في دين الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر الدخول ذكر الرحمة ، ولما ذكر الخروج ذكر سؤال الله عز وجل الفضل ، فلماذا اختلف الدعاءان ؟
اختلف الدعاءان لأنه لما قدم إلى المسجد يطلب بذلك رحمة الله عز وجل ، وهذا لا شك أنه سيجعل الدنيا وراء ظهره ، وهذا مما ينبغي لنا أن نتفطن له ، أنه لما يدخل المسلم المسجد يدع الدنيا وراء ظهره ، فيجرد ذهنه وكيانه منها ، فكان هذا من المناسب ، ومن المناسب إذا خرج أن يسأل الله عز وجل فضله ، لأنه سيضرب في الأرض ويبتغي فضل الله ، وذلك قال عز وجل في سورة الجمعة بعد أن ذكر وجوب الحضور لصلاة الجمعة ، قال { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ }الجمعة10 ، فعلى المسلم أن يستحضر مثل هذه المعاني لأن القلب إذا استحضر هذه المعاني ودخل المسجد وقال ( اللهم افتح لي أبواب رحمتك ) هنا لما يستحضر هذه الكلمات سيقبل على صلاته بإقبال حسن ، ولما يخرج من المسجد ويستحضر فضل الله عز وجل يعلم أنه قد خرج من عبادة ، وقد وعد الله عز وجل عباده المتقين بالرزق ، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }
ومن الفوائد :
أن الرحمة واسعة ، وكما هي واسعة فإن لها أبوابا ، لم يقل بابا واحدا – لا – دل هذا على أن رحمة الله عز وجل لها أبواب ، وإذا كانت هذه الرحمة لها أبواب فخليق بنا أن نتعرض لرحمة الله عز وجل ، فنلج من هذه الأبواب ، ولكن كيف يصل الإنسان إلى مثل هذا ؟ يصل كلما كان قريبا من الله عز وجل ، ويتخذ الأسباب التي تستدعي رحمة الله عز وجل ، مثل ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) وما شابه ذلك من هذه الأسباب التي تستدعي رحمة الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن رحمة الله عز وجل تضاف إلى الله عز وجل إضافة مخلوق وإضافة صفة ، فإضافة المخلوق إلى خالقه كقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق مائة رحمة ) هذه رحمة مخلوقة ، وإضافة صفة إلى موصوف ، فلا تحرَّف ولا تؤول ، وعلى النوع الأول يرد ابن القيم رحمه الله ما نهي عن أن يقال ( اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك )
ونحن نقول بهذا الاعتبار الرحمة هنا في هذا الدعاء هي ” الجنة ” لأن الجنة كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) فلا بأس بذلك ، لأن الرحمة هنا في قول ( اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك ) ليس المراد صفة الله عز وجل – لا – إنما تريد الرحمة المخلوقة ، لأن الجنة رحمة ، ولذلك قال عز وجل {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }آل عمران107 .
ومن الفوائد :
أنه جاء في حديث فاطمة رضي الله عنها عند الترمذي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد يصلي ويسلم على نفسه ) فدل هذا على أنه صلى الله عليه وسلم كما أنه آمر للأمة أن تصلي عليه ، كذلك هو مأمور بأن يصلي على نفسه ، للتنصيص في هذا الحديث ، ولأن أي أمر يصدر منه صلى الله عليه وسلم للأمة فهو داخل فيه ، إلا ما خصصه الشرع بخصائص تميزه صلى الله عليه وسلم، وإلا فالأصل أنه عليه الصلاة والسلام أنه مثل الأمة في جميع الأوامر .
ومن الفوائد :
أن الأذكار توقيفية ، فلا يجوز للإنسان أن يزيد فيها ، وبالتالي من باب أولى فلا يجوز للإنسان أن يحدث ذكرا معينا يخصصه بزمن أو بموطن أو بعدد إلا ما جاء به الدليل ، حديث البراء رضي الله عنه كما في الصحيحين لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة وقل اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) البراء لما أعادها قال ( وبرسولك الذي أرسلت ) فصوَّب له النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( لا ، وبنبيك الذي أرسلت ) فدل هذا على أن الأذكار توقيفية ، لأني أرى وللأسف أرى في وسائل التواصل فلان من الناس يقول هذا دعاء يريح القلب إذا قيل في كذا أو أن هذا الدعاء إذا قيل عند الحجر يكون له نفع ، أو أن هذا الدعاء يأتي بالرزق ، فهذا ليس بصحيح، يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء لا إشكال في ذلك {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ }الأعراف180 ، بعض الناس يقول – وللأسف أنه ينسب أهل العلم – يقول لا تقل اللهم إني أسألك الجنة ، وإنما قل اللهم إني أسألك الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب ، لماذا أمنع الناس من دعاء ورد به الشرع وأقول قولوا هذا ولا تقولوا الأول؟! هذا ليس بصحيح ، هل أنت أبلغ من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ثم أيضا لما تقول اللهم إني أسألك الجنة هل تقصد الجنة التي سبقها عذاب ؟ لا، ولذلك في الأحاديث ( اللهم إني أسألك الجنة ) يأتي بعدها ( وأعوذ بك من النار ) فهما متلازمان ، فلا يمنع الناس مما أتى به الشرع .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد