تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس السبعون
حديث ( 492 ) الجزء الثاني
ــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
492 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – وَقَالَ مُوسَى فِى حَدِيثِهِ فِيمَا يَحْسَبُ عَمْرٌو – أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ ».
صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد هذا الحديث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن المقبرة مثلثة الباء عند اللغويين بمعنى أنه يجري عليه الفتح والضم والكسر تقول المقبُرة بالضم المقبَرة بالفتح المقبِرة بالكسر فيصح النطق بأحد هذه الأوجه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الصلاة في المقبرة منهي عنها كما دل على هذا هذا الحديث
وهذه المسألة مختلف فيها :
بعض العلماء كالمالكية يرون أن الصلاة في المقبرة صحيحة ولا إشكال في ذلك لم ؟
قالوا لأن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين قال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
إذاً ماذا تقولون في هذا الحديث
قالوا إن هذا الحديث في جملة الاستثناء غير صحيح
وقال بعض العلماء : ” تصح الصلاة في المقبرة شريطة ألا يظهر فيها من خلال جثث الموتى ألا يظهر فيها صديد ودم وقيح لأن هذه الأشياء نجسة فيكون بذلك صلى على مكان نجس
وبعض العلماء قال : إن الصلاة في المقبرة حرام ولا تصح وهو الصواب سواء كان في هذه المقبرة قبر أو قبران أو ثلاثة أو أكثر أو أقل
أما الحديث فصحيح كما قال شيخ الإسلام قال ومن تتبع طرقه حق التتبع فإنه يدرك أنه حديث صحيح ثابت فيكون في ذلك رد على أصحاب القول الأول
أما الرد على أصحاب القول الثاني فيقال لهم من أين الدليل لكم على أن الصديد والقيح والدم نجس ؟
لا دليل
إذاً لا تصح الصلاة في المقبرة ويأثم ، لم هذا النهي ؟
لأن الصلاة في المقبرة وسيلة من وسائل الشرك
فإذا صلى الإنسان في المقبرة لله عز وجل ربما أتاه الشيطان في يوم من الأيام فوسوس له أن لهذا القبرمزية فيصرف هذه الصلاة لغير الله
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا قبري مسجدا ))
لا يمكن أن يبني الصحابة مسجدا على قبره بجوار مسجده دل هذا على أن اتخاذ القبور مساحد نوعان حسي ومعنوي
الحسي : أن يبنى على القبور بناء
النوع الثاني بناء معنوي : وهو أن يتعبد الله في المقبرة
فلا يجوز لشخص أن يتعبد الله لا بصلاة ولا بذكر ولا بدعاء ولا بذبح ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ( لا عقر في الإسلام ) لأنهم كانوا يذبحون في المقابر ، ولا الصدقة في المقابر هذه كلها لا تجوز ومن وسائل الشرك إلا ما جاء به الدليل كأن يصلى على القبر أو أنه يدعو لأهل المقابر كما جاءت بذلك النصوص (” السلام عليكم ” ) إلى آخر ما ورد وما جاء من روايات في هذا الشأن
أما أن يتقصد فإنه لا يجوز بل قال شيخ الإسلام لو قصد حانوتا ( يعني دكانا ) حانوتا في السوق ليذكر الله عنده يرى أن له فضلا فإن هذا من الأمور المحرمات ومن وسائل الشرك
ومما يؤكد هذا :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ))
لماذا أتى بهذه الجملة ؟
لأن المقبرة ليست محلا للصلاة ، فلا تتركوا الصلاة صلاة النوافل في بيوتكم كحالكم إذا أتيتم إلى المقابر
فدل هذا على أن المقابر ليست محلا للصلاة فلا تجعل بيتك مثل المقبرة لا تصلي فيه السنن .
ولذا جاء عند مسلم ما هو أعظم من هذا :
قال عليه الصلاة والسلام : (( لا تصلوا إلى القبور )) الممنوع هنا أن تصلي في المقبرة أيضا هناك أمر ممنوع وهو أنت خارج المقبرة وتصلي لله والمقبرة في قبلتك
فمن فعل فإن صلاته لا تصح
كل ذلك من باب المحافظة على التوحيد
لكن لو قال قائل :
جاء عند البخاري أن عمر رضي الله عنه رأى أنسا يصلي فقال عمر : (( القبر القبرَ ))
ولم يعد الصلاة
فيقال : من صلى جهلا بهذا الحكم أو جاهلا أنها مقبرة فإن صلاته صحيحة للجهل
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الصلاة في الحمام ، الحمام هو المكان المعد للاستحمام بالماء الحار وكان هذا في القدم يدخلون إليه وكلما نزلوا في الأرض كلما ازداد حرارة والصلاة في هذه الحمامات لا تصح ، لم ؟
لأنها عرضة لكشف العورات
إذاً ما هو أعظم من الحمامات ؟ المكان المعد لقضاء الحاجة وهو الحش فلا تصح الصلاة فيه ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن قال : ( إن هذه الحشوش محتضرة ) يعني فيها الشياطين
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذه الجملة المذكورة في الحديث هي نوع من أنواع الاستثناء المسمى بالاستثناء التام الثابت غير المنفي يعني موجود المستثنى والمستثنى منه وأداة الاستثنتاء والسياق ليس بنفي فيكون الحكم النصب إذا كان الاستثناء تام مثبتا فيكون الحكم النصب تقول :
(( الأرض كلها مسجد إلا المقبرةَ والحمامَ ))
ليس هناك وجه آخر النصب لكن لو كان استثناء منفيا تاما أو استثناء منفي غير تام وهو ما يسمى بالمفرغ أو كان استثناء منقطعا هذه لها أحكام
لكن ليعلق في أذهانكم لأن قوله تعالى : ((وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ )) من تفسير العلماء في الربانيين هو أن يربي طلاب العلم على صغار العلم قبل كباره
فنقول : هذه فائدة في الاستثنتاء تدل على أن من أنواعه الاستثناء التام المثبت حكمه النصب
كما لو قلت جاء القومُ إلا زيداً ، ما فيها إلا النصب
س : لو كان الإنسان مضطرا للصلاة فيها فهل يصلي ؟
ج : إذا اضطر إلى الصلاة فيها فإن كانت مما تجمع إلى ما بعدها فيجمع لوجود الحرج الشرعي وإن لم يكن فإنه في مثل هذه الحال يصلي لأن مقصوده هو ابتغاء الأجر من الله في هذه الصلاة حاله كحال من حبس في حمام ، مضطر
قلنا إن الصلاة في المقبرة لا تجوز :
قد يأتي قائل ويقول إن مسجد النبي عليه الصلاة والسلام المسجد النبوي كان مقبرة وبه قبور المشركين فاشتراه النبي عليه الصلاة والسلام أو أهدي إليه على اختلاف في الروايات
المهم أنه عليه الصلاة والسلام نبش القبور من هذا المكان ونظف المكان وأقام مسجده النبوي
فيقال :
إن المقبرة لا يجوز أن يبنى فيها مسجد ولا يجوز أن تنبش القبور ليبنى مسجد عليها لكن إذا كانت هذه القبور قبورا غير محترمة لأن هذه القبور هي قبور مشركين فلا بأس بذلك أن ينبشوا لأنه لا حرمة لهم ولا قيمة ينبشوا ويدفنوا في مكان آخر وينظف هذا المكان وبالتالي لا يصدق عليه حين أنه مقبرة
ولذا :
القاعدة فيما يخص المساجد والمقابر أن الأولوية للأول أن الأولوية في الحكم للاول :
مثلا لو كان هناك قبر فبني مسجد عليه هنا يهدم المسجد لأن الأول من هو ؟ القبر ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) وليس هذا بأقل ضررا من مسجد الضرار الذي هدمه النبي عليه الصلاة والسلام : ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ)) فهدمه مع أنه ما بني إلا من أجل أن تحاك المؤمرات ضد النبي عليه الصلاة والسلام ما بني على قبر ومع ذلك هدمه ، فهذا أولى بالهدم
لكن لو كان المسجد هو الأول فالحكم للمسجد فلا يجوز أن يقبر فيه شخص ولو قبر ينبش بقطع النظر عن هذا الميت ويدفن في مقابر المسلمين
لكن يأتي شخص ويقول : حال قبر النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة
ما الجواب ؟
أجوبة :
أولا : أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقبر في المسجد النبوي بل قبر في بيت عائشة ، وكان بيت عائشة منفصلا عن المسجد من الجهة الشرقية فلما جاء عهد الأمويين وبقوة السلطان وسعوا المسجد النبوي فصارت التوسعة من الجهة الشرقية أيضا وقد عارض في ذلك كبار التابعين لكن لقوة السلطان ما سمع لهم
وهذا يدل على أنه ليس من الضروري أن الحاكم يسمع للعالم
لو كان العالم على حق فليس من الضروري ، يجب على الحاكم أن ينصاع مثله كمثل المسلمين في الاستجابة لكن إذا لم ينصع أقوم عيله أخرج عيله ؟ لا
ولذلك كبار التابعين لما فعل ما فعل السلطان الأموي حينها أنكروا بقلوبهم فوسع المسجد من جهة الشرق فدخلت الحجرة من ضمن المسجد
ولذلك : قال ابن القيم من باب الاحتياط أنهم وضعوا جدارا مثلثا بحيث من يصلي لا يكون مستقبلا القبر فعنده حواجز
لو قال قائل :
لم لا ينبش قبر النبي عليه الصلاة والسلام ويخرج مادام أنه وسع لم ؟
هذه أقولها لأنها قد تثار في مثل هذه القنوات الفضائية وتنطلي على الناس وهذا بسبب الجهل
لماذا ؟
لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة قالت خشي أن يتخذ مسجدا ولولا ذلك لأبزر قبره
وضبطت في رواية (( خَشي )) من الذي خشي ؟ النبي عليه الصلاة والسلام
ولأن الأنبياء كما في حديث أبي بكر ( يدفنون حيث يموتون ) وهو مات في بيت عائشة فيدفن في بيت عائشة ثم لو أخرج فيه مفاسد عظيمة
لما أدخل ووسع المسجد النبوي هذا أيسر من حيث المفسدة مع أنه وضعت حواجز لكن لو أخرج نخرجه إلى أين ؟ إلى البقيع ؟ انظروا إلى حال الرافضة إلى حال الصوفية ، مع من ؟ مع الصحابة كيف لو قالوا إن هذا قبر النبي عليه الصلاة والسلام ماذا سيصنع به ؟
ثم ربما يعتدى على قبره ، ولذلك دست دسائس في القدم على أنه يؤخذ قبره عليه الصلاة والسلام ولكن الله أطلع ذلك السلطان برؤيا على أن هناك اثنين سينبشون قبر النبي عليه الصلاة والسلام وكانوا يحفرون بالليل أتوا على أنهم من العباد يمكثون في المسجد يحرفون بالليل لكن الله فضحهم برؤيا
انظروا يخشى من المفاسد الشيء العظيم
لو قال لك قائل :
أنتم تقولون أن القبر لا يوضع في المساجد وقبر النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد ؟
الجواب : ما سمعتم
ولذلك:
يمكن أن يسمع أنتم أيها الوهابيون تقولون كذا وتقولون كذا
أولا : كلمة وهابي لا نعترف بها ، ولا يجوز أن ينتسب شخص إلى أي جماعة أو إلى أي طائفة نحن على ملة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الأساس ((مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32))
ولم تأت كلمة الوهابية إلا في هذا العصر عن طريق الروافض والصوفية وأشباههم وإلا لما أتى الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما قال غني وهابي ولا أسس طائفة وهابية
لكن لتعلموا :
أن هناك وهابية فاجرة فاسدة في العقيدة قبل مئات السنين هذه وهابية ضالة عقيدتها فاسدة فأراد أن يخلطوا هذه بتلك
وبالتالي لو قال لك شخص أنت وهابي قل : لا أنا أبرأ إلى الله أن أكون وهابيا
إنما أقول كما قال ابن عباس لما أتاه رجل فقال : أأنت على ملة علي أم على ملة عثمان ؟
ملة علي ملة الإسلام ملة عثمان ملة الإسلام لكن ابن عباس أراد أن يغلق باب الافتراق قال : لا على ملة عثمان ولا على ملة علي وإنما على ملة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام
س : لو كان هناك جدار غير جدار المقبرة فهل يجوز الصلاة ؟
النبي عليه الصلاة والسلام لما قال ( لا تصلوا إلى القبور ) المقصود من ذلك الاستقبال المباشر أو القريب لكن لو كان هناك جدار غير جدار المقبرة أو كان أمام جدار المقبرة لكن هناك طريق أو مسافة شاسعة بحيث لا يصدق عرفا أنني مستقبل لها فلا إشكال في هذا
وأيضا :
لا تصح الصلاة في مسجد وضع فيه قبر سواء كان في المقدمة في المؤخرة على الجانب الأيمن على الجانب الأيسر
وكون الإنسان يصلي منفردا في بيته خير له من أن يصلي في مسجد جماعة هذا المسجد فيه قبر
س:
ما الحكم فيما يفعله بعض الناس إذا أتى إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليسلم عليه وعلى قبر صاحبيه استقبل القبلة ورفع يديه ودعا ؟
هنا أمر وهو أن بعض الناس إذا أتى إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليسلم عليه وعلى قبر صاحبيه استقبل القبلة ورفع يديه ودعا
هذا ينظر فيه من أمرين :
بعض العلماء يرى أنه إذا فرغ واستقبل القبلة ورفع يديه فإنه لا بأس به لأنه لم يستقبل القبر
أما إن استقبل القبر فإن هذا لا يجوز
والصواب :
أنه لا دليل صحيح على فعل ذلك
بل على المسلم يسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وهو مار لا يقف السلام عليك يارسول الله السلام عليك يا أبا بكر وعمر ثم يخرج شأنه كشأن من يزور مقبرة ، لا فرق ، بل إن تلويث العقيدة بتعظيم قبر النبي عليه الصلاة والسلام أعظم من قبر غيره
إذا كان قبور الأولياء الذين يرون أنهم أولياء تعظم هذا التعظيم فكيف لو كان هذا في قبر النبي عليه الصلاة والسلام