تعليقات على سنن ( أبي داود ) ـ الدرس الستون حديث 469

تعليقات على سنن ( أبي داود ) ـ الدرس الستون حديث 469

مشاهدات: 458

تعليقات على سنن (  أبي داود  ) ـ الدرس الستون

حديث 469 

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في فضل القعود في المسجد

حديث رقم – 469-

( صحيح ) حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث أو يقم اللهم اغفر له اللهم ارحمه )

من الفوائد :

بيان فضل المكوث في المسجد ، ويزاد هذا الفضل فضلا إذا كان ينتظر الصلاة الأخرى ، لما مر معنا في السنن وهو عند مسلم ( وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) وهذا داخل ضمن قوله تعالى – على أشمل ما قيل في التفسير – داخل تحت قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران200 .

ومن الفوائد :

أن الصلاة من الملائكة لها معنى يختلف عن معنى الصلاة من الله عز وجل وعن معنى الصلاة من المخلوق على المخلوق ، فهي من الله عز وجل مختلف فيها هل الصلاة من الله عز وجل على العبد بمعنى الرحمة ؟ أو أنها ثناء الله عز وجل على عبده في الملأ الأعلى ؟

خلاف بين أهل العلم ، وأقرب ما يكون وإن كان في هذا القول ما فيه ، لكن أقرب ما يكون هو قول أبي العالية رحمه الله ” أن الصلاة من الله عز وجل على العبد هي ثناء الله عز وجل عليه في الملأ الأعلى”

لأنه لو قيل إن الصلاة هي بمعنى الرحمة فإن الله عز وجل يقول  {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ }البقرة157 ، عطف الرحمة على الصلاة ، فدل على أن الصلاة تختلف عن الرحمة .

وأما الصلاة من المخلوق على المخلوق فهي بمعنى الدعاء ، قال عز وجل { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ }التوبة103 يعني ” ادع لهم “

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أتته صدقة قوم صلى عليهم ) يعني دعا لهم .

وأما الصلاة من الملائكة على العبد فهي مفسرة في قوله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا }غافر7 ، فالصلاة من الملائكة على البشر هي الدعاء لهم بالمغفرة

وجاءت السنة تزيد شيئا آخر وهو الدعاء بالرحمة كما في هذا الحديث ( اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه )

ومن الفوائد :

بيان عظم اللغة العربية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر صلاة الملائكة أضاف بعد ذلك جملة وهي جملة ( اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ) وهذه الجملة يسميها أهل اللغة ” جملة بيانية ” تبين الجملة السابقة ، لو قال قائل : ما صلاة الملائكة الواردة في الحديث ؟ نقول بينتها جملة ( اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ) .

ومن الفوائد :

أن هذا النص في ظاهره أن الصلاة من الملائكة تنقطع فيما لو قام عن مصلاه إلى موضع آخر من المسجد ، ولذلك قال هنا ( ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ) وقال ( ما لم يحدث أو يقوم ) يقوم إلى ماذا ؟ يقوم إلى موطن آخر ؟ أو يقوم ليخرج من المسجد ؟

ابن حجر رحمه الله يقول الذي يظهر أنه لا يقصد من ذلك البقعة التي صلى فيها ، وإنما يقصد من ذلك أنه يبقى في المسجد ، ولكن ذكر المصلى الذي صلى فيه من باب التأكيد على أفضلية هذا المكان .

ومع هذا كله لظاهر النص وإن كان ابن حجر رحمه الله يحتمل هذا الاحتمال إلا أن الإنسان لا يبرح مكانه ، هذا هو الأفضل ، لكن لو قام ففضل الله عز وجل واسع بما أنه لم يخرج من المسجد .

ومن الفوائد :

أن هذه الصلاة تنقطع إذا أحدث أو قام ، وفي الصحيحين ( ما لم يؤذِ فيه ) فإن بقي في المسجد ولم يخرج منه ولم يحصل منه حدث ولكن حصلت منه أذية من قول أو فعل فإن هذا الأجر ينقطع ، وهذا يؤكد ماذا ؟ يؤكد على أن الأذية من أعظم ما يحرم الإنسان من الخير ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح ( المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده ) فدل على أن الأذية شر ، ولذا على المسلم ولاسيما المأموم أن يتنبه لمثل هذا الأمر وأن يُذَكر الناس بهذا فبعض المصلين قد يؤذي غيره بالكلام في المسجد ، قد يؤذي مثلا الإمام بالتأنيب أو كثرة الملاحظة ، قد يؤذي المؤذن ، قد يؤذي خادم المسجد ، قد يؤذي أخاه المسلم ، فإنه في مثل هذه الحال يحرم ، لأن الأذية حصلت منه .

ومن الفوائد :

ما هو هذا الحدث في قوله ( ما لم يحدث ) ؟

رجل من حضرموت سأل أبا هريرة رضي الله عنه راوي الحديث ( قال ما الحدث ؟ قال ظراط أو فساء ) فاستفدنا من هذا أن في هذا الحديث دليلا لقاعدتين كثيرا ما نذكرها :

القاعدة الأولى : [ أن الفعل المنفي  يدل على العموم ] ماذا قال هنا ؟ قال ( ما لم يحدث ) و ( لم ) نافية ، فالفعل المنفي يدل على العموم ، لو لم يكن عاما لما سأل هذا الرجل ، فإنه قال ( ما لم يحدث ) دل على أن الحدث عندهم أنواع ، منه حدث الوضوء ومنه حدث الابتداع ، فأفادتنا هذه الجملة أنها دليل على أن الفعل المنفي يدل على العموم .

القاعدة الثانية : [ حذف المعمول يدل على العموم ] لما قال ( ما لم يحدث ) لم يذكر نوع الحدث ، فدل بسؤال هذا الرجل على أن حذف المعمول من حيث الأصل يدل على العموم ، لو لم يسأل هذا الرجل أبا هريرة رضي الله عنه ومر بنا هذا الحديث لقلنا إن الحدث شامل للابتداع ولحدث الوضوء .

ومن الفوائد :

أن راوي الحديث هو أعلم بما رواه ، ويكون رأيه مقدما بشرط ألا يخالف رأيه الحديث ، مثل حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( وفروا اللحى ) جاء عند البخاري ( أنه كان يمسك لحيته بقبضة يده وما زاد أخذه )

بعضهم يقول إن الراوي أعلم بما روى ، نقول في مثل هذا نقف ، هو أعلم ويقدم رأيه ما لم يخالف النص ، لأنه قد يجتهد ، فإذا كان اجتهاده لا يخالف النص فيكون قوله أولى من غيره ، لكن إذا خالف النص الذي أتى بالتوفير يقدم النص .

ومن الفوائد :

أنه ذكر هنا المغفرة والرحمة ، كما نقول بين السجدتين ( رب اغفر لي وارحمني ) لتعملوا أن الرحمة إذا أتت وحدها كما لو قال الإنسان ( رب ارحمني ) يشمل أنه طلب من الله عز وجل أن يزيل عنه المكروب وأن يحصل له المحبوب ، وإذا قال ( رب اغفر لي ) فكذلك ، لكن إذا اجتمعت الكلمتان تكون المغفرة طلب زوال المكروب ، والرحمة طلب حصول المحبوب ، ولذلك يعبر عنها العلماء بقولهم [ التخلية قبل التحلية ] يعني لما يغفر الله عز وجل للإنسان خلصه من ذنوبه ، ثم إذا أتى الخير كان أكمل ، أعطيكم مثالا ” لو أن إنسانا فيه رائحة ليست طيبة فلبس ثيابا حسنة وتعطر يفترض قبل ذلك يتخلى من الأوساخ والروائح ، فإذا اغتسل وتنظف ثم لبس الثياب الطيبة وادهن وتعطر كان أكمل وأكمل .

ومن الفوائد :

أن الأصل فيما لا ينبغي أن يذكر صراحة أن يكنى به ، ولذلك نجد هذا في القرآن لم يذكر الجماع صراحة وإنما قال { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } وقال { وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }النساء21 ، لكن إذا لم يفهم السائل أو إذا لم يتضح هذا الأمر إلا بالصراحة يصرح  ، ولذلك أبو هريرة رضي الله عنه ( لما سئل ما هو الحدث ؟ قال ظراط أو فساء )

الضراط : هو خروج الريح من الدبر بصوت .

والفساء : هو خروج الريح من الدبر من غير صوت .

فأبو هريرة رضي الله عنه وضَّح وصرح ، دل على أن هذا الرجل بحاجة إلى أن تكون المعلوم واضحة إليه ، ولذلك الرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال ( إني زنيت ، وأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة لعله أن يتوب ويرجع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلك قبلت ؟ قال لا ، قال لعلك غمزت ؟ قال لا ، فلما زاد معها وقال طهرني يا رسول الله ، فقال أنكتها ؟ ) صراحة ( قال نعم ) دل هذا على أن الأصل أن يكون الإنسان في أقواله صاحب سمت ، لأن بعضا من الناس في المجالس تجد أنه يذكر أشياء يستقبح من ذكرها ، يمكن أن يذكر بعض الأشياء التي تحصل بينه وبين زوجته ، وهذا محرم عليه ، ونحن نقول هذا محرم ولا يجوز للإنسان أن يربي لسانه على هذه الألفاظ ، لكن متى يصرح الإنسان ؟ إذا لم يكن هناك طريق إلا بالتصريح كما فعل أبو هريرة رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

بيان فضل صلاة الجماعة ، لأن الملائكة لا تصلي على هذا الإنسان إلا إذا حضر المسجد وانتظر الصلاة ، فلو صلى في بيته ما حصل له هذا الفضل .

ومن الفوائد :

أن هذا الفضل وهو دعاء الملائكة للإنسان لا يحصل إلا إذا توضأ الإنسان في بيته ، بعض الناس يفرط تجد أن الأمر متاح عنده في بيته ويخرج من بيته ويأتي إلى دورات مياه المسجد ويتوضأ فيها – هذا خطأ – لو أتى الإنسان لعارض وبيته بعيد أو لم يأت من البيت أصلا فلا إشكال في ذلك ، ولذلك في صدر هذا الحديث في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صلاة الرجل جماعة تعدل صلاته في سوقه وفي بيته بخمس وعشرين درجة وذلك أنه إذا توضأ ثم خرج إلى المسجد ) يعني توضأ في بيته ، بل جاء في حديث حسنه الألباني رحمه الله كما عند أبي داود ( من توضأ في بيته ثم أتى إلى المسجد فهو كالحاج المحرم ) هذا يدل على فضل الوضوء وأنه بهذا الوضوء في بيته إذا أتى إلى المسجد يكون بمثابة أجر من حج ، ولذلك قال ( المُحْرم ) من باب التأكيد ، وهذا كما أسلفت لا يمكن أن يتسنى هذا الأجر إلا إذا صلى الإنسان في الجماعة ، فدل على فضل صلاة الجماعة ، ودل على أن هذا الفضل لا يكون إلا بصلاته في المسجد ، لأنه قال في صدر الحديث ( ثم خرج إلى المسجد ، لا ينهزه إلا الصلاة ) ومن الفوائد :

أن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الإنسان يكره له أن يُحْدِث في المسجد ، فهذا الحديث يرد عليه ، لم ؟ قالوا إذا أراد أن يحدث يخرج ويظرط أو يفسو خارج المسجد ، فهذا الحديث يرد به عليهم ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت أن هذا الفضل ينقطع بحصول الحدث ولم يقل ” كان عليه لزاما أن يخرج ” .