بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله في:
باب الغسل للجمعة
حديث رقم -344-
( صحيح ) حدثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا بن وهب عن عمرو بن الحرث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن عبد الله بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك ويمس من الطيب ما قدر له ” ألا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب ” ولو من طيب المرأة ” .
من الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال إن غسل يوم الجمعة سنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرنه مع السواك والطيب ، ومعلوم حكم الطيب والسواك يوم الجمعة وهو الاستحباب .
ولكن هذا الاستدلال غير معتبر ، لم ؟
لأن الاقتران لا يدل على تساوي الأشياء في الحكم ، فإنه مر معنا حديث ( خمس من الفطرة ) أو ( عشر من الفطرة ) وذكر منها أشياء منها ما هو مستحب ومنها ما هو واجب ، فليس هذا بدليل واضح جلي لمن قال إن الغسل ليوم الجمعة سنة .
ومن الفوائد :
أن من سنن يوم الجمعة ” أن يستاك المسلم ” لأن في الاستياك تطهيرا للفم ، بحيث يقابل إخوانه مع هذا الجمع الغفير ورائحته طيبة .
ومن الفوائد :
استحباب الطيب يوم الجمعة ، بل جاء في رواية ( ما قدر عليه ) قال بعض العلماء أراد من ذلك أن يكثر من الطيب قدر المستطاع .
وقال بعض العلماء : إن رواية ( ما قُدِّر له ) تدل على الحث ، يعني أنه محثوث على التطيب ولو من طيب المرأة ، بدليل ( ولو من طيب المرأة )
فخلاصة القول أن المسلم عليه أن يتطيب يوم الجمعة وأن يحرص عليه وإن زاد من التطيب فهذا خير على خير .
ومن الفوائد :
أن طيب المرأة كما جاء بذلك الحديث ( ما ظهر لونه وخفي ريحه ، وطيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه )
فدل هذا على استحباب الطيب ليوم الجمعة ولو من طيب المرأة ، فإن لم يجد من طيب الرجل فليتطيب من طيب النساء ، وهذا يؤكد أيضا أن استعمال الرجل لطيب النساء في هذا العصر لا يجوز له لأنه من التشبه ، ولذلك أفهم هذا الحديث أن الأصل في حق الرجل ألا يتطيب من طيب المرأة ، ولذلك قال ( ولو من طيب المرأة ) يعني أن هذه المفسدة اغتفر فيها بسبب أن هذا اليوم يوم اجتماع فتأكد في حق التطيب ، ولذلك كما عند أبي داود ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ) فكونه يقول ( ولو من طيب المرأة ) يدل على أن الرجل في الأصل ممنوع من طيب المرأة .
ويمكن أن يقال إن قوله ( ولو من طيب المرأة ) أنه أضافه إلى المرأة باعتبار أن المرأة قائمة على شؤون زوجها ، ولذلك في بعض الروايات ( ولو من طيب بيته )
حديث رقم -345-
( صحيح ) حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي حبي ثنا بن المبارك عن الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني أبو الأشعث الصنعاني حدثني أوس بن أوس الثقفي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خُطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ” )
من الفوائد :
هذا الحديث تضمن بعض الأشياء التي إذا فعلت يوم الجمعة ترتب عليها الجزاء الكبير وهو حصول عمل سنة من الصيام والقيام .
ومن الفوائد :
أن قوله ( من غسَّل يوم الجمعة واغتسل )
قال بعض العلماء : معنى هذه الجملة التأكيد على أهمية الجمعة ، فمعنى ( من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ) شيء واحد ، ويدل على التأكيد قوله ( ومشى ولم يركب ) لأن ضد الركوب المشي ، فيقول كذلك هنا ( من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ) للتأكيد ، يؤكد صلوات ربي وسلامه عليه على أهمية الغسل .
وقال بعض العلماء : ( من غسَّل يوم الجمعة ) غيره ، بمعنى أنه جامع زوجته فحصل منه الغسل وحصل بسببه الاغتسال من الزوجة ، ولذا قالوا ينبغي له أن يجامع زوجته قبل الخروج إلى الجمعة ، لم ؟ قالوا لكي لا يلتفت قلبه ولا بصره إلى امرأة فيكون قلبه فارغا لهذه العبادة الجليلة، وأما قوله ( واغتسل ) يعني اغتسل هو .
ولذلك قال بعض العلماء : إن المرأة يسن لها أن تغتسل يوم الجمعة بناء على هذا القيد في هذه الجمعة ، مع حديث سيأتي معنا إن شاء الله تعالى .
وقال بعض العلماء : معنى ( من غسَّل يوم الجمعة ) يعني غسَّل بدنه ( واغتسل ) يعني غسل رأسه ، وذلك لأنهم أصحاب شعر كثيف فيحتاجون إلى أن يتعاهدوا هذا الشعر بمبالغة في الاغتسال ، وهذا يدل عليه رواية ستأتي معنا إن شاء الله ( وغسَّل رأسه )
ومن الفوائد :
أن قوله ( بكر وابتكر )
قال بعض العلماء : إن هذه الجملة تدل على التأكيد كما سبق ، فالمراد من ذلك التأكيد على أهمية التبكير إلى الصلاة يوم الجمعة .
وقال بعض العلماء : ( بكَّر ) يعني أتى مبكرا لصلاة الجمعة ( وابتكر ) يعني حضر أول الخطبة .
وقال بعض العلماء : يراد من هذه الجملة التبكير لحضور صلاة الجمعة والتصدق بالمال ، فيرون أن الصدقة قبل الخروج إلى الصلاة من السنن ، ويستدلون على ذلك بحديث ( باكروا بالصدقة )
ولذا يقول ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد ” كان شيخنا – يعني ابن تيمية – إذا خرج إلى صلاة الجمعة تصدق ويقول إن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين عند مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدموا صدقة ، فكيف عند مناجاة الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً }المجادلة12 “
ومن الفوائد :
أن جملة ( ومشى ولم يركب )
يراد منها التأكيد ، ولذلك يستحب لمن حضر صلاة الجمعة أن يأتي إليها ماشيا وليس راكبا .
ومن الفوائد :
الدنو من الإمام والحرص عليه من السنن، وهذا الدنو يختلف عن الحضور مبكرا ، فإنه قد يحضر مبكرا ويسبقه أناس آخرون .
ومن الفوائد :
أن الواجب على المسلم أن يستمع لخطبة الإمام وألا يحصل منه لغو حتى يحصل على هذا الأجر العظيم المذكور في هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أنه إذا فعل ما سبق فإن له بكل خطوة يخطوها أجر سنة ، أجر ماذا ؟ أجر الصيام والقيام ، وهذا ثواب عظيم ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل الصيام وفضل القيام ، وقال كما في الصحيحين ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ) وفي رواية ( كالقائم الذي لا يفتر والصائم الذي لا يفطر )
حديث رقم -346-
( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبادة بن نسي عن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ” ثم ساق نحوه .
من الفوائد :
أن هذه الرواية تؤكد أن القول الأصوب في جملة ( من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ) أن الأصوب هو التأكيد على غسل الرأس .
حديث رقم -347-
( حسن ) حدثنا بن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا ثنا بن وهب قال بن أبي عقيل أخبرني أسامة يعني بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا )
من الفوائد :
التأكيد على الاغتسال يوم الجمعة ، وسبق ذكر الأدلة الدالة على ذلك .
ومن الفوائد :
سنية التطيب يوم الجمعة ، فإن لم يكن له طيب فليتطيب من طيب امرأته .
ومن الفوائد :
يستحب لمن حضر الجمعة أن يلبس أحسن ثيابه ، بل لو خصص ثوبا ليوم الجمعة فقد جاءت السنة بذلك .
ومن الفوائد :
تحريم التخطي لرقاب الناس وأنه سبب إلى فوات أجر صلاة الجمعة ، فإنها تنقلب له ظهرا ، تجزئه صلاة الجمعة عن الظهر ولكنه لا يحصل على صواب صلاة الجمعة .
ومن الفوائد :
أن من لغا وتكلم بما لا يليق عند خطبة الخطيب أن صلاته تنقلب ظهرا ، فكذلك من تخطى رقاب الناس تلتغي الجمعة وتصبح له ظهرا وكذلك من لغا ، ولذلك في الحديث ( ومن لغا فلا جمعة له )
ومن الفوائد :
أن الإنسان إذا فعل ما سبق مما يستحب وترك ما نهي عنه فإنه ما بينه وبين الجمعة الأخرى تكفر خطايا ، أي خطايا ؟ الصغائر ، لكن ما هما هاتان الجمعتان ؟
أهي الجمعة الحاضرة والقادمة ؟ أم الجمعة الحاضرة والماضية ؟
في حديث أبي هريرة السابق أنها ( تكفر ما بينها وبين الجمعة التي قبلها ) وهنا قال ( كانت كفارة لما بينهما )
ولذلك قال العلماء : محتمل أن التكفير إما ما بين الحاضرة والماضية وإما ما بين الحاضرة والقادمة .
ومن الفوائد :
أن قوله ( كانت له ظهرا )
يدل على أن صلاة الجمعة تفوق صلاة الظهر في الفضل .
ومن الفوائد :
أن صلاة الظهر ليست هي صلاة الجمعة في يوم الجمعة ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء ، فليست هي الظهر وليست بديلة عن الظهر ، ولذلك لها أحكام تخصها وتلك لها أحكام تخصها ، وإنما تكون الظهر بديلة عن الجمعة في حالة واحدة ، متى ؟ إذا فاتت المسلم صلاة الجمعة فإنه يصليها ظهرا .
حديث رقم -348-
( ضعيف ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا زكريا ثنا مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أنها حدثته ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت ” )
من الفوائد :
هذا الحديث لو صح فليس فيه دليل على وجوب غسل يوم الجمعة ، لم ؟
لأنه ذكر في الحديث غسلا لا يمكن أن يكون واجبا وهو الغسل من الحجامة .
إذاً الاغتسال للجنابة واجب .
والاغتسال ليوم الجمعة إما أن يكون واجبا على قول أو مستحبا على قول .
الاغتسال للحجامة اغتسال للتنظف ، فلربما انتشر شيء من الدم على بدنه فكان من الأحسن أن يغتسل تنظفا . والاغتسال من غسل الميت سنة ، وبعض العلماء أوجبه ، ولكن الصواب أنه سنة ، لأن الحديث الوارد فيه ( من غسل ميتا فليغتسل ) إما أن يكون ضعيفا وإما أن يكون صحيحا على ما ذهب إليه بعض العلماء ، ولكن الصحابة فهموا من هذا الأمر أنه للاستحباب وليس للوجوب ، لأن الصحابة رضي الله عنهم منهم من يغتسل ومنهم من يدع الاغتسال وما كان أحد ينكر على الآخر .
ولكن حديث الباب ضعيف فلا يعول عليه .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد