تعليقات على سنن ابن ماجه ( 12 ) من حديث ( 247-266 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 12 ) من حديث ( 247-266 )

مشاهدات: 576

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس الثاني عشر  )

247-266

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الوصاة بطلبة العلم

حديث رقم – 247-

( حسن ) حدثنا محمد بن الحارث بن راشد المصري حدثنا الحكم بن عبدة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحبا مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقنوهم قلت للحكم ما اقنوهم ؟ قال علموهم )

من الفوائد :

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بطلاب العلم عند العلماء ، فإن على العلماء أن يرفقوا وأن يرحبوا بمن أتى طالبا للعلم ، كما أنه من الواجب على طالب العلم أن يعطي هذا العلم والمعلم له قدرا ، فكلٌ له حق على الآخر .

ومن الفوائد :

أن الدعاء بالترحيب مشروع بقول ( مرحبا ) لا كما توهمه بعض عوام الناس من أن كلمة ” مرحبا ” هي كلمة يستقبل بها أهل النار {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ }ص59 ، فكلمة ( مرحبا ) وردت بها السنة ، ومعناها رحبت بكم الدار واتسعت .

ومن الفوائد :

أن هذا الخطاب موجه للصحابة رضي الله عنهم ومن يأتي بعدهم من العلماء ، ولا شك أن الوصية تدل على أهمية الشيء الموصى به ، لأن الوصية معناها هي ” الأمر المؤكَّد ” فكأنه عليه الصلاة والسلام أكد على الاهتمام بطلاب العلم والترحيب بهم مع تعليمهم ما ينتفعون به .

حديث رقم – 248-

( موضوع ) حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا المعلى بن هلال عن إسمعيل قال دخلنا على الحسن نعوده حتى ملأنا البيت فقبض رجليه ثم قال دخلنا على أبي هريرة نعوده حتى ملأنا البيت فقبض رجليه ثم قال دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ملأنا البيت وهو مضطجع لجنبه فلما رآنا قبض رجليه ثم قال إنه سيأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم فرحبوا بهم وحيوهم وعلموهم قال فأدركنا والله أقواما ما رحبوا بنا ولا حيونا ولا علمونا إلا بعد أن كنا نذهب إليهم فيجفونا )

هذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله بالوضع ، وآخرون حكموا عليه بالضعف ، لأن الحكم على الحديث بالوضع حكم ينفي كون النبي صلى الله عليه وسلم نطق به فيكون مختلقا ، بينما الضعيف قد ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار شواهد أخرى ، هذا هو الفرق بين الضعيف والموضوع ، فالضعيف أهون من الحديث الموضوع .

ولو صح هذا الحديث فمعناه : أن قبض الرجلين إما لاحترام القادمين أو لازدحام المكان .

وأما كلمة الحسن ( أدركنا قوما ) يعني من العلماء غير الصحابة ، لأن أكثر علمه رضي الله عنه تلقاه من غير الصحابة ، ولا شك أن النفوس تختلف فليس العلماء على درجة واحدة ، فبعضهم قد يجفوا إما طبيعة وخلقة وإما لعلة يرى أن من المصلحة أن يجفى من أجل أن يكون هذا الطالب حريصا على العلم ، مع أن الأصل ما جاء في الحديث السابق من الترفق والتلين مع طلاب العلم .

حديث رقم – 249-

( ضعيف ) حدثنا علي بن محمد حدثنا عمرو بن محمد العنقزي أنبأنا سفيان عن أبي هارون العبدي قال كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا إن الناس لكم تبع وإنهم سيأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيرا )

هذا الحديث لو صح فيكون فيه التطبيق من الصحابة رضي الله عنهم لوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل معنى الحديث قبل السابق يؤكد هذا المعنى من الحرص على طلاب العلم ، لأن طلب العلم شاق والنفوس ضعيفة والشيطان حاضر والصوارف كثيرة ، فإذا وجد طالب العلم عالما يرفق به ويسهل له كان ذلك أدعى في استمراره ، وأما إذا وجد خلاف ذلك مع وجود الصوارف وحضور الشيطان وضعف النفس قد ينصرف انصرافا كاملا عن تعلم العلم ، ثم في المقابل على طالب العلم ألا يكون حساسا بدرجة عالية ، فليس كل ما يصدر من شيخه يحمله محمل الإساءة – كلا – فإن العالم بشر وهو مثل البشر قد يعتريه ما يعتريه في موقف من المواقف فيكون غاضبا أو يتكلم بكلمة قد لا يراها طالب العلم مناسبة في حقه أو قد يتحدث بها يريد التربية ، فقد يخطئ في أسلوبه فلا يوفق وقد يوفق ، فعلى كل حال يجب أن تكون الأمور متوازنة بين الجانبين لاسيما أن الطرفين كليهما في عبادة ، وهذه العبادة يجب أن تكون النفوس فيها خالية من وساوس وهمزات الشيطان ، لأن الشيطان أحرص ما يكون في التفريق بين الأخوة فيما ظنكم بين العالم وطلابه !

باب الانتفاع بالعلم والعمل به

حديث رقم – 250-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع )

من الفوائد :

أن على طالب العلم أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن يعلمه العلم النافع الذي يستفيد منه ويستفيد منه غيره ، فقد يتعلم العلم ولا يكون لهذا العلم أثر عليه في سلوكه ولا في أخلاقه ولا في تعامله ، أو يتعلم العلم فينتفع به بنفسه دون أن ينتفع به غيره ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله ” إن العالم لا يكون عالما ربانيا إلا إذا تعلم العلم وعمل به ودعا إليه وصبر على تحمل الأذى في الدعوة إليه ” هكذا يكون العالم عالما ربانيا ، وهذا يندرج تحت قوله تعالى { وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} .

ومن الفوائد :

أن معنى ( من دعاء لا يسمع ) أي لا يستجاب لها كما بينت الرواية ذلك ، وليس معناها أن الله لا يسمعها – كلا – فالله جل وعلا من صفاته صفة السمع ، ولذلك معنى قول المصلي بعد أن يرفع من الركوع ( سمع الله لمن حمده ) يعني استجاب الله لمن حمده .

ومن الفوائد :

أن ذكر العلم مع ذكر دمعة العين وخشوع القلب أن في ذكره حثا لطلاب العلم أن يكونوا أصحاب قلوب حاضرة وأصحاب أعين دامعة ، لأن هذا العلم يقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى فيخشع قلبه وتدمع عينه ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله ” فإذا قسا القلب قحطت العين ” فبينهما ارتباط ، فزوال قسوة القلب بالعلم ، لكن هذا العلم لابد أن يظهر له أثرٌ حتى على الجوارح فتدمع العين ، ولذلك ذكر جملة ( ومن نفس لا تشبع ) لأن الإنسان إذا كان ذا نفس لا تشبع ، فإن قلبه يكون معلقا بهذه الأشياء الدنيوية وإذا تعلق بها وهو لا يشبع منها صرفته عن خشوع القلب وعن دمعة العين وعن تعلم العلم ، والمقصود من ( نفس لا تشبع ) أي مما لا فائدة منه ، أو يكون في فائدة لكن له فيها مضرة ، أما إذا كانت النفس لا تشبع من العلم فهذا شيء محمود ، ولذا قال تعالى وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114 ، ولذلك جاء في حديث يحسنه بعض العلماء ( منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال ) لكن ذكر طالب العلم فيما يتعلق بطريق الآخرة ، وذكر طالب المال فيما يتعلق بأمور الدنيا ، إذاً الواجب على المسلم أن يكون متزنا في أموره كلها .

حديث رقم – 251-

( صحيح بدون الحمد ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال )

من الفوائد :

أن على طالب العلم أن يحرص تمام الحرص على هذا الدعاء بأن يسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمه العلم النافع وأن ينفعه بما تعلمه فقد يتلقى الإنسان علما نافعا ولكنه لا ينتفع به ، فعليه أن يدعو الله سبحانه وتعالى بهذه الدعوات .

وبعض العلماء أثبت صحة الجملة الأخيرة وهي ( والحمد لله على كل حال ) فكأن فيها تفويضا إلى الله سبحانه وتعالى بما أخذه من هذا العلم ، فهذه دعوتي وفعلت السبب ولا يمكن لهذا السبب أن يكون له أثر إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى .

ومن الفوائد :

أن جملة الحمد تجعل الإنسان – أعني طالب العلم – ألا يستهين بما أخذه من علم ، وهذه فرصة للشيطان يدخل من خلالها إلى بعض طلاب العلم فيقول حضرتُ ودرستُ وقرأت واستمعتُ ولم أستفد شيئا !  وهذا من الشطيان ، فإنه يرى أنه ما استفاد في ظنه ، لكنها فائدة جليلة ، لم ؟ لأنك لو سألت أي طالب علم أو أي عالم ممن انطبق الثناء عليه بسعة العلم وقلتُ له هل وصلت ؟ ستكون إجابته ( لا ) فأنا لم آخذ شيئا من العلم ، لم ؟ لأن طالب العلم لا يشبع ، ومن ثم فإن على طالب العلم إذا أتاه مثل هذا المدخل ألا يكون هذا المدخل مثبطا له وإنما يدعوه إلى أن يزداد ، وللأسف نجد أن هذا المدخل لما دخل على كثير من طلاب العلم المبتدئين صرفهم عن العلم ، يعني لم يدعهم هذا الأمر إلى أن يتزودوا ويقولوا نحن ما زلنا في جهل فنزداد من العلم ، وإنما تركوا العلم فخسروا خيرا كثيرا ، فعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا الأمر .

ومن الفوائد :

أن على طالب العلم مع فعله للسبب وهو طلب العلم أن يسأل الله سبحانه وتعالى زيادة العلم ، فأحوج الناس إلى الدعاء هو طالب العلم ، لم ؟ لأنه في جهاد ، فالعلم ليس بذاك الأمر الهين السهل وإنما هو صعب ومن دخله بنية خالصة سهل الله له طريقه .

حديث رقم – 252-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد وسريج بن النعمان قالا حدثنا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة عن سعيد ابن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ، يعني : ريحها )

من الفوائد :

أن طالب العلم الشرعي لا يخلو في طلبه للعلم الشرعي من ثلاث حالات :

الحالة الأولى : أن يطلبه ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى دون أن تكون هناك رغبة لغرض من أغراض الدنيا ، فهذا في مرتبة عالية .

الحالة الثانية : أن يطلب هذا العلم الشرعي لغرض الدنيا دون أن تكون له رغبة في أمر الآخرة ، وهذا مذموم ويصدق عليه هذا الحديث .

الحالة الثالثة : أن يطلب العلم الشرعي ابتغاء وجه الله ولكن له ميل إلى الدنيا ، قال بعض العلماء هذا الشخص في مثل هذه الحال لا يصدق عليه الحديث ، لأنه لم يُمحِّض هذا الطلب للدنيا فقط وإنما كانت نيته في الأصل أن يكون للآخرة ولكن له رغبة في أمور الدنيا ، ومع ذلك ينبغي للمسلم أن يكون في الهمة في أعلى ما يكون فيطلب العلم الشرعي ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى ، وليعلم أنه إذا طلب هذا العلم الشرعي ابتغاء وجه الله أتته الدنيا وهي راغمة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق في أغراض الدنيا ولم يحدد شيئا ، مع أنه في الأحاديث القادمة سيحدد ، لكن هذا الحديث أطلق من أجل أن يشمل أي غرض من أغراض الدنيا ، يريد ثناء ، يريد أن يتصدر المجالس ، يريد أن يُخدم ، يريد الحصول على وظيفة ، يريد أن يتحصل على مال ، يريد أن يتحصل على وساطة أو شفاعة ، هذه كلها داخلة ضمن هذا الوعيد الشديد .

ومن الفوائد :

أن طالب العلم الدنيوي لا يدخل في هذا الوعيد ، لأن الحديث قيَّد ( مما يبتغى به وجه الله ) والذي يبتغى به وجه الله هو العلم الشرعي .

ومن الفوائد :

الشخص الذي لا يشم رائحة الشيء بعيد أن يتناوله ، فإذا كانت الرائحة بعيدة عنه فمن باب أولى أن لا يتحصل عليها ، فهذا وعيد شديد .

ولذا قال بعض العلماء : إن مصيره إلى الجنة ، ولكن لو دخلها يحرم من ريحها ، لأن للجنة رائحة ، فيعاقب نظير ما ذهب إليه ونظير ما دعته نفسه إليه من أغراض الدنيا ، فلا يشم رائحة الجنة .

وقال بعض العلماء : إن هذا في موقف الحساب قبل أن يدخلوا الجنة ، فإن العلماء الربانيين الذين ابتغوا وجه الله بهذا العلم يشمون رائحة الجنة وهم في المحشر تكريما لهم وكلٌ على حسب درجته في هذا العلم ، بينما من أراد بهذا العلم الشرعي غرضا من أغراض الدنيا وإن وصف بأنه عالم لا يجد هذه المنقبة .

حديث رقم – 253-

( حسن بما قبله ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن حدثنا أبو كرب الأزدي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار )

من الفوائد :

هذا الحديث يبين بعض أغراض الدنيا التي يطلب بها العلم الشرعي مثل أن يتعلم العلم ليماري السفهاء فيكون له رفعة على هؤلاء السفهاء ، لأن السفيه من كان ذا رأي ضعيف ، أو ليباهي به العلماء فإذا في مجلس العلماء أظهر أنه صاحب عليه وأنه ليس كآحاد الناس ليس عنده علم .

أو ليصرف وجوه الناس إليه أما لخدمته ، وإما لتقديره واحترامه أو لتصديره المجالس ، فتكون العاقبة هي النار ، ولا شك أن هذا الحديث من أحاديث الوعيد ، بمعنى أنه يكون مآله إلى الجنة لكنه من ضمن أصحاب الكبائر الذين هم تحت مشيئة الله عز وجل ، إن شاء الله رحمهم وأدخلهم الجنة ابتداء وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم في النار ثم يكون مصيرهم إلى الجنة .

حديث رقم – 254-

( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنارُ النارُ )

من الفوائد :

أنه مع الحديث السابق يحدثان قوة في السند ، وكلمة ( النار ) إما أن تضم ( فالنارُ ) أي فله النار ، على أن ( النار ) مبتدأ مؤخر و( له ) خبر مقدم محذوف ، أو (فالنارَ) على أنها مفعول به أي يستحق النارَ ، فتنطق بها النارُ وتنطق النارَ .

ولذلك يحذر طالب العلم من هذا الأمر ، ولذلك ذكر في هذا الحديث تصدر المجالس ، قد لا تكون همة طالب العلم أن يتصدر المجالس ولكن قد يحضر مجلسا من المجالس فلا يفسح له من في صدر المجلس مكانا فيجد في نفسه شيئا ، فهذا أيضا من دقائق الرياء ، فليتنبه لهذا الأمر ، ولا شك أن على الآخرين أن يقدروا الشخص وكلٌ على حسبه ، فإن تقدير العلماء يدل على أن الأمة ما زال فيها خير ، لأن الله سبحانه وتعالى امتدحهم { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }المجادلة11 ، والرفعة هنا شاملة في الدنيا وفي الآخرة ، فهناك أمران متقابلان على طالب العلم ألا يجد في نفسه شيئا فيما لو لم يقدم ، وفي المقابل على الحاضرين أن يعطوا كل شخص حقه وقدره .لا يجد في نفسه

 

حديث رقم – 255-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن عبد الرحمن الكندي عن عبيد الله بن أبي بردة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين ويقرءون القرآن ويقولون نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم ونعتزلهم بديننا ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الشوك ، قال محمد بن الصباح كأنه يعني الخطايا )

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، ولو صح فإن هذا الحديث في معناه قد تؤيده أحاديث أخرى ، من بينها قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم وأبواب السلطان فإنها أصبحت صعودا هبوطا ) إذا أتي إلى أبواب السلطان من أجل الدنيا فإن السلطان قد يقربه ويرفعه فيصعد ، لكن لا يأمن ربما أن يهبط هبوطا أشد مما لو لم يأته – وهذا شيء مشاهد – فربما كلمة تسخط عليه الأمير فيحط من قدره ، وربما يكون العكس، ولذلك على طالب العلم أن يكون رفيعا بعلمه وألا يهين هذا العلم ، لا شك أن حضور العلماء إلى السلطان من أجل مصلحة الأمة سواء كانت مصلحة دينية أو دنيوية لا شك أن هذا أمر يحمد عليه لأن فيه خيرا للأمة ، أما الإتيان من أجل حظوظ النفس فهذا لا يجني منه إلا ما يضره في دينه ، وقد يضره في دنياه في يوم من الأيام لأنه لا يُؤمَن غضب السلطان أن يأمر بقتله ، ولذلك كما في الحديث ( كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك ) هذا الشجر لا يثمر إلا الشوك ، كذلك القرب من السلطان من أجل الدنيا لا يجتنى منه إلا المضرة الدينية ، حتى لو انتفعوا بأمور دنيوية لا يجتنون من ذلك إلا المضرة الدينية – والواقع مليء بهذا الصنف ولا يخفى على الناظر البصير الذي كان يعلم بشأن علماء ودعاة سابقين لهم قدر ومنزلة ورفعة عن الناس ثم اختلطوا وتقربوا لأجل حظوظ النفس والدنيا فانقلبت أحوالهم على خلاف ما كان معروفا عنهم ، كون الإنسان يقرب من السلاطين من أجل مصالح الأمة فهذا شيء يحمد عليه ، ولذا قال ابن القيم رحمه الله ” إن العالم إذا اقترب من السلطان فهو بين أمرين إما أن يرى ما يخالف الشرع فيسكت فيقرب فيخسر دينه ، وأما ألا يسكت فيبعد فيخسر دنياه ، ولذلك يكون طالب العلم رفيع القدر بهذا العلم وألا يهين علمه ، والمعصوم من عصمه الله ، لأن النفس البشرية ضعيفة عند الجاه وعند الوظائف وعند المال ، ولكن الإنسان يعرف نفسه فلا يقترب من أبواب الشبهات ومواطن الفتن ولاسيما في هذا العصر الذي أصبح جل اهتمام الناس بالمادة

حديث رقم – 256-

( ضعيف ) حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسمعيل قالا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا عمار بن سيف عن أبي معاذ البصري ح و حدثنا علي بن محمد حدثنا إسحق بن منصور عن عمار بن سيف عن أبي معاذ البصري عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تعوذ منه جهنم كل يوم أربع مائة مرة قيل يا رسول الله من يدخله قال أعد للقراء المرائين بأعمالهم وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء – قال – المحاربي:  الجورة )

هذا الحديث ضعيف ولو صح فإن في جهنم جُبَّا وهو بئر ، هذا البئر لشدة العذاب الذي فيه جهنم بذاتها تتعوذ منه ، أعد لمن ابتغى بهذا العلم غير وجه الله سبحانه وتعالى ، وينطق ( جُبَّ الحُزْن ) أو  ( جُبَّ الحَزَن ) .

حديث رقم – 257-

( ضعيف ) دون ما بين المعقوفتين فهو ( حسن ) حدثنا علي بن محمد والحسين بن عبد الرحمن قالا حدثنا عبد الله بن نمير عن معاوية النصري عن نهشل عن الضحاك عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم [ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك ] )

من الفوائد :

هذا الكلام من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه يفسر ما سبق من أن العالم أو طالب العلم يجب عليه أن يصون علمه وألا يجعل هذا العلم سبيلا له إلى طلب الدنيا عند السلاطين ، وإنما يصون هذا العلم فيكون علمه نافعا لنفسه ولغيره من عوم الناس فيسود بذلك ، والواقع يشهد بهذا فهناك علماء سخروا أنفسهم لنفع الناس فسادوا بهذا العلم وسطر التاريخ أسماءهم حتى بعد مماتهم ، وآخرون لم يصونوا هذا العلم وأهانوا هذا العلم فأهانهم الله عز وجل فلم يبق لهم قدر لا في وقت حياتهم ولا فيما بعد ذلك في وقت الممات ، ولذلك استدل رضي الله عنه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه أن على المسلم ولاسيما العالم أن يجعل همه هما واحدا وهو هم الآخرة ، فإذا جعل همه واحدا ماذا سيكون له بعد الموت ؟ ماذا سيكون له في الحشر ؟ ويكفيه الله سبحانه وتعالى هم دنياه ، فيتيسر له أمره ، لم ؟ لأنه علَّق قلبه بالله سبحانه وتعالى وأصبح غرضه الآخرة ، فيسر الله سبحانه وتعالى له أمر دنياه { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  } { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }الأعراف96، بينما من تشعبت به الهموم في هذه الدنيا مرة هنا ومرة هنا لم يبالِ الله في أي أوديتها هلك ، فكأنه عليه الصلاة والسلام يشير إلى أن هذه الدنيا لا تبقي الإنسان على هَمِّ واحد أو على همين أو على ثلاثة – لا – كلما دخل في هَمِّ هذا الهم فتح له همَّا آخر ، ثم بعدها يهلك ، وهذا ما نراه عند طلاب الدنيا الذين لا يرغبون إلا في الدنيا نجد أن عندهم من الأمراض والقلق والأوجاع والمشاكل ما الله بها عليم ، فما ظنكم فيما يلقونه في  أخراهم ، ولذلك يقول الحسن البصري رحمه الله ” إياكم والدنيا فإن الإنسان لا يفتح على نفسه بابا من أبواب الدنيا إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب ” وإذا انفتحت عليه ولم يراع حق الله عز وجل فيها فسيخسر آخرته ولذلك قال تعالى { َومِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ{76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ{77}

وليس معنى هذا أن الإنسان لا يهتم بدنياه – لا – {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }البقرة201 ، والنبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في المسند قال ( نعم المال الصالح للمرء الصالح ) فإذا كان هذا المال صالحا واكتسب من وجوه شرعية ووقع في يد رجل صالح وصرفه في حقوقه الشرعية هذا يمتدح ، لكن ليحذر الإنسان من هذه الدنيا وأنها خداعة ، ولذلك في بعض الآثار عن السلف ” اتقوا الدنيا فإنها تسحر قلوب العلماء ” إذا كانت الدنيا تسحر قلوب العلماء إذاً من تحتهم من باب أولى .

حديث رقم – 258-

( ضعيف ) حدثنا زيد بن أخزم وأبو بدر عباد بن الوليد قالا حدثنا محمد بن عباد الهنائي حدثنا علي بن المبارك الهنائي عن أيوب السختياني عن خالد بن دريك عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار )

معناه مؤيد بما سبق .

حديث رقم – 259-

( حسن ) حدثنا أحمد بن عاصم العباداني حدثنا بشير بن ميمون قال سمعت أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك فهو في النار )

حديث رقم – 260-

( حسن ) حدثنا محمد بن إسمعيل أنبأنا وهب بن إسمعيل الأسدي حدثنا عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم العلم ليباهي به العلماء ويجاري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم )

باب من سئل عن علم فكتمه

حديث رقم – 261-

( حسن صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر حدثنا عمارة بن زاذان حدثنا علي بن الحكم حدثنا عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يحفظ علما فيكتمه إلا أتي به يوم القيامة ملجما بلجام من النار )

من الفوائد :

أن على العالم أن يبين للناس ما يحتاجون إليه ، بل متى ما سئل عن شيء فعليه أن يجيب فإذا لم يجب عوقب يوم القيامة بلجام من نار نظير ما ألجمه الشيطان في حياته عن إجابته عن سؤال المحتاج إلى هذا السؤال .

ومن الفوائد :

أن فيه إشارة إلى أن الإنسان لا يكون عالما بالشيء إلا إذا حفظه ، لأنه ذكر هنا كلمة الحفظ ، فدل على أنه متقن لما سئل عنه ، فلماذا يعرض عن الإجابة ؟ ما أعرض عن الإجابة إلا من تسويف من الشيطان ، فعوقب بهذا العقاب .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء قال إن المقصود من هذا هو ما احتاج إليه السائل أو كان من فروض العلم ،أما ما كان من نوافل العلم وسئل عنه فلم يجب فلا يدخل ضمن هذا الوعيد .

حديث رقم – 262-

( صحيح ) حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول والله لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدثت عنه يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا لولا قول الله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ }البقرة174 و175، إلى آخر الآيتين )

من الفوائد :

المقصود من كلامه رضي الله عنه ليس في هاتين فحسب بل وما في معناهما من الآيات التي حذرت من كتمان العلم ، فهو أراد أن يتورع عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هذا التورع ليس محمودا شرعا مطلقا وإنما هو تورع مذموم في بعض الأحوال ، لم ؟ لأن الله سبحانه وتعالى توعد من كتم العلم ، فلا يأتي إنسان ويقول أنا متورع ، نقول لا ، إذا احتاج الناس إليك يجب أن تجيب ، ولذلك كما أشار شيخ الإسلام رحمه الله عن بعض السلف الذين تورعوا عن الفتيا قال ” مع أنه ثبت عنهم في آثار أخرى أنهم أجابوا لما سئلوا ، فقال رحمه الله ” إنهم أجابوا فيما علموا وتورعوا فيما لم يعلموا ” فكما أنه يجب على العالم أن يقول فيما لا يعلمه الله أعلم ، كذلك يجب عليه أن يجيب فيما يعلم .

حديث رقم – 263-

( ضعيف جدا ) حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني حدثنا خلف بن تميم عن عبد الله بن السري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله )

هذا الحديث ضعيف ولو صح فإن لعن آخر هذه الأمة لمن كان في الأول يدل على الجهل ، لأنهم لو كانوا علماء ما لعنوا أسلافهم ، حتى قال بعض العلماء إن المقصود من اللعن هو الجهل بفضائل الصحابة كما تصنع الروافض في ذم الصحابة رضي الله عنهم ، فلو كانوا يعلمون بفضائلهم ما أقدموا على ذلك .

حديث رقم – 264-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا الهيثم بن جميل حدثني عمر بن سليم حدثنا يوسف بن إبراهيم قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)

من الفوائد :

هذا الحديث يرد على من قال من العلماء إن نوافل العلم لو لم يجب عنها ليس بداخل في ذلك الوعيد ، نقول – كلا – العلم هنا نكرة في سياق الشرط فتعم ، فأي علم يخص الشرع سواء كان من فروضه أو من نوافله يجب أن تجيب عنه ، ولذلك بعض علماء أصول الفقه يقولون ” إن المفتي لا يجب عليه أن يجب إلا إذا كانت هذه المسألة واقعة ، أما إذا لم تكن واقعة وإنما هي افتراضية فإنه لا يجب عليه ” وفيه نظر .

حديث رقم – 265-

( ضعيف جدا بهذا التمام ) حدثنا إسمعيل بن حبان بن واقد الثقفي أبو إسحق الواسطي حدثنا عبد الله بن عاصم حدثنا محمد بن داب عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتم علما مما ينفع الله به في أمر الناس أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار )

حديث رقم – 266-

( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك حدثنا أبو إبراهيم إسمعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار )