تعليقات على سنن ابن ماجه ( 14 ) من حديث ( 281- 287 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 14 ) من حديث ( 281- 287 )

مشاهدات: 440

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

( 281- 287 )

الدرس الرابع عشر

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ثواب الطهور

حديث رقم – 281-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله عز وجل بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد )

من الفوائد :

أن المستحب في حق المصلي صلاة الجماعة أن يخرج من بيته متوضئا ، فإن توضأ في دورات مياه المسجد فإن ظاهر هذا الحديث والأحاديث الأخرى التي أتت بهذا الفضل ، ظاهرها كما قال ابن حجر رحمه الله ظاهرها أنه لا يحصل على هذا الثواب ، فدل على أفضيلة الوضوء في البيوت .

ومن الفوائد :

بيان فضل صلاة الجماعة وأنه بصلاة الجماعة يحصل على رفعة الدرجات وتكفير الخطيئات في كل خطوة يخطوها ، فهذه تعد ميزة من مزايا صلاة الجماعة ، ولذا قال ( لا ينهزه إلا الصلاة ) يعني لم يخرجه من بيته إلا أداء الصلاة .

ومن الفوائد :

أن هذا الأجر يؤتاه من حين ما يخرج من بيته إلى أن يدخل المسجد ، مع أنه جاء عند مسلم ( أنه يعطى أجره إلى أن يعود إلى بيته مرة أخرى ) كما في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه .

حديث رقم – 282-

( صحيح ) حدثنا سويد بن سعيد حدثني حفص بن ميسرة حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فمضمض واستنشق خرجت خطاياه من فيه وأنفه فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه حتى يخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت خطاياه من يديه فإذا مسح برأسه خرجت خطاياه من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة )

من الفوائد :

بيان فضل الوضوء وأن الوضوء مع المحافظة عليه كما مر دلالة من دلالات الإيمان ( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) ومع تلك الفضيلة يحصل على هذه الفضائل وهي تكفير السيئات ، والمقصود من هذه السيئات هي الصغائر ، كما دلت الأحاديث الأخرى على ذلك ، إذ الصلاة وهي الصلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى ما لم يغش الكبائر ، كما جاء في صحيح مسلم .

ومن الفوائد :

أن الشعور التي تكون في الوجه مطلوب غسلها في الوضوء ، ولكن إلى حد لا يوصل الإنسان إلى الوسوسة ، ولذلك لما ذكر غسل الوجه ذكر أن الخطايا تخرج من تحت أشفار عينيه

ومن الفوائد :

أن الأذنين من الرأس ، فإنه لما ذكر مسح الرأس ذكر أن الذنوب تخرج من أذنيه ، فدل على أنهما داخلتان في مسح الرأس فيجب أن تمسحا على الصحيح من قولي العلماء ، خلافا لمن قال إن مسحهما سنة .

ومن الفوائد :

أن خروج هذه الخطايا مع أن الخطيئة معنى وليست شيئا محسوسا أن خروجها إما أن يكون شيئا معنويا ، وأما كنهه وطبيعتهافلا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يحول الأعراض إلى أجسام ، ولذلك توزن الأعمال الصالحة يوم القيامة ، ويؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش .

وإما أن يكون المقصود من خروج الخطايا بيان عظم الأجر الذي يناله المتوضأ .

ومن الفوائد :

أن النافلة إذا أطلقت في النصوص الشرعية لا يقصد بها حصرا على ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، فإن النافلة يمكن أن تكون بمعنى الزيادة كما هنا ( وكان مشيه إلى الصلاة نافلة ) يعني خير على خير ، كما قال تعالى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ }الأنبياء72، لأن يعقوب هو  إسحاق ، والسياق في قصة إبراهيم عليه السلام ، فكان يعقوب نافلة يعني زائدة .

 

 

حديث رقم – 283-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا حدثنا غندر محمد بن جعفر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عبسة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا توضأ فغسل يديه خرت خطاياه من يديه فإذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه فإذا غسل ذراعيه ومسح برأسه خرت خطاياه من ذراعيه ورأسه فإذا غسل رجليه خرت خطاياه من رجليه )

من الفوائد :

أن هذا الحديث أطلق في بيان تكفير السيئات التي تكون على مواضع الوضوء ، فهو مطلق ، لكن بين الحديث السابق من أين تخرج خطايا الوجه ومن أين تخرج خطايا اليدين والرأس والرجلين .

وهذه فائدة تتبع الروايات فإن بعض الروايات تبين ما أبهمته الروايات الأخرى .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( جرت ) يعني سالت ، و ( خرَّت ) يعني سقطت ، فهي متقاربة من حيث المعنى ، وإن كان الخرور أبلغ .

حديث رقم – 284-

( حسن صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا حماد عن عاصم عن زر بن حبيش أن عبد الله بن مسعود قال قيل يا رسول الله كيف تعرف من لم تر من أمتك قال غر محجلون بلق من آثار الوضوء )

من الفوائد :

أن سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يدل على أنهم قد علموا أمرا أُخبروا به من قِبله عليه الصلاة والسلام وهو أنه يستقبلهم يوم القيامة ، وإلا لم يكن لهذا السؤال فائدة ، لو لم يكن هناك علم سابق لما قالوا ( كيف تعرف أمتك ؟ ) فإنه أخبرهم أنه في يوم القيامة يستقبلهم عند الحوض .

ومن الفوائد :

بيان فضل الوضوء وأن المتوضأ يحصل له نور في مواضع الوضوء يوم القيامة ، فالتحجيل بياض يكون في يدي وقدمي الفرس ، والغرة بياض في جبين الفرس ، فعبر عن النور بهذا البياض الذي يكون في وجه وقوائم وأيدي الفرس ، وأكد أنهم امتازوا بهذه المزية ، ولذا يقول ابن حجر رحمه الله ” إن من مزايا هذه الأمة الغرة والتحجيل ” فإن الوضوء موجود في الأمم السابقة كما جاءت بذلك الأحاديث ، لكن ما الذي امتازت به هذه الأمة من حيث الوضوء ؟ امتازت أن لها نورا يوم القيامة يفترقون به عن غيرهم من الأمم السابقة ، ولذلك أتى بكلمة ( بُلق ) والبلق : الخيول التي فيها بياض وسواد ، وحاشاهم أن يكون في أعضائهم سواد ، ولكنه ذكر البلق من باب أن هذا النور في مواضع الوضوء يختلف عن ألوان أجسادهم الأخرى ، فشبههم بهذا الوصف تشبيها يظهر من خلاله أنهم امتازوا عن غيرهم بهذه الخصيصة وبهذه الميزة ، وليس معنى ذلك أن يكون عندهم سواد ، فإن الله سبحانه وتعالى بين أن وجوههم تبيض .

ومن الفوائد :

أن للعبادة آثارا ، ولذلك قال تعالى في سورة يس { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ }يس12 ، ولذلك من آثار الوضوء هو هذا الماء المتساقط الذي تتساقط معه الذنوب ، فهذا دليل على أن أثر العبادة يؤجر عليه العبد ، كما أنه يؤجر على الوسائل ، فالوسائل التي تعينه على أداء العبادة يؤجر عليها ، كذلك الآثار التي تعقب العبادة يؤجر عليها ، ولا أدل من حديث ( إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج من بيته لا ينهزه إلا الصلاة ) وإلا كيف تكتب له الحسنات عند خروجه وكذلك عند رجوعه  ، فهذه آثار عبادة كتبت له ، مثل حديث ابن عمر عند البزار في الحج ( أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفا ولا تضعه إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ) الحديث ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة

 

حديث رقم – 285-

( صحيح ) عن حمران مولى عثمان بن عفان قال : رأيت عثمان بن عفان قاعدا في المقاعد فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقعدي هذا توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : من توضأ مثل وضوئي هذا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ولا تغتروا ” )

من الفوائد :

أن ( المقاعد ) هي مكان قرب المسجد جلس فيه عثمان رضي الله عنه لقضاء حوائج الناس ، وهو مكان ظاهر بارز ، فتوضأ هذا الوضوء لكي يطلع عليه عموم الناس ، وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل العلم الذي تلقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق القول وعن طريق الفعل ، لأنه فعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن الوضوء يغفر الذنوب المتقدمة ، والمقصود من ذلك الصغائر .

ومن الفوائد :

ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة الفتح ” أن أي حديث ورد في ثواب الأعمال يذكر فيه أن فاعل هذا العمل يحصل له مغفرة الذنوب المتقدمة والمتأخرة فهي أحاديث ضعيفة لأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولا يشاركه أحد في هذه الميزة .

ومن الفوائد :

أن هذا ا لحديث يبين ما جاء في بعض الروايات من كلمة ( نحو ) وأنها تدل على المقاربة ، يعني من قارب هذا الفعل فقد حصل له هذا الأجر ، لكن هذه الرواية تبين أن كلمة ( نحو ) يمكن أن تكون بمعنى ( مثل ) والمثلية تستلزم المطابقة

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( ولا تغتروا ) معنى ذلك أن هذا عمل يسير تحصل به مغفرة الذنوب ، فلا يغتر أحدٌ بهذا العمل {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }الأعراف99 ، لكنها عبارة عن تشجيع لهذه الأمة أن هذا العمل اليسير تجتنى منه هذه الأجور الكثيرة ولا يغتر أحد بعبادة لها مثل هذا الفضل ، بل إن مثل هذا الفضل يدعو العبد إلى أن يزداد حرصا على العبادة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال في حق حاطب بن أبي بلتعة لما أراد عمر أن يقتله مستأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت للكم ) يقول ابن القيم رحمه الله كأن في هذا دليلا على أن لهم أن يفعلوا ما يشاءون ، وليس في هذا ما توهم من هذا القول ، لم ؟ لأن الله سبحانه وتعالى اطلع على قلوب هؤلاء وعلم من هؤلاء القوم مع وجود هذا الفعل وهذا الثواب علم من قلوبهم أنهم لن يفرطوا في طاعة ولن يقترفوا معصية الله وهذه منقبة أخرى ، ولذلك شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأناس من صحابته أنهم من أهل الجنة ، ومع ذلك ما اغتروا ، ففيه توجيه لهذه الأمة أن أي عمل يقوم به المسلم وله فضل كبير لا يغتر به ، بل يزيده هذا شكرا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى  {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58 ، فالإنسان يفرح بنعمة الله سبحانه وتعالى إذ يسر له هذه العبادة التي تتحصل منها هذه الأجور الكبيرة .

باب السواك

حديث رقم – 286-

( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية وأبي عن الأعمش ح و حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد يشوص فاه بالسواك )

من الفوائد :

أن السواك سنة في جميع الأحوال ويتأكد عند القيام من النوم ، ولاسيما نوم الليل ، لأن نوم الليل يستغرق فيه الإنسان مدة أكثر فتتغير رائحة فمه .

والشوس : هو الدلك .

ومن الفوائد :

أن السواك قبيل فعل الصلاة أمر مندوب إليه كما جاءت بذلك الأحاديث الأخرى .

حديث رقم – 287-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )

الرد على الظاهرية الذين أوجبوا السواك ، وقالوا إن تاركه يأثم  والصواب أنه سنة ، فلولا وجود المشقة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالسواك ، فهذا دليل صريح على أن السواك في أصله مشروع ، وليس واجبا ، إذ لو كان واجبا لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشقة فترك معها الأمر ، لماذا ترك الأمر ؟ لوجود المشقة .

ومن الفوائد :

أن السواك يتأكد عند الصلاة ، وهذا شامل لأي صلاة ، سواء كانت صلاة فرض أو نفل .

ومن الفوائد :

الرد على بعض الحنفية القائلين بعدم سنية السواك قبل الصلاة ، قالوا لأنه ربما يستاك فيخرج من فمه دم ، فهذا الحديث يرد ما ذهبوا إليه .