تعليقات على سنن ابن ماجه ( 20 ) من حديث (  328- 336 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 20 ) من حديث (  328- 336 )

مشاهدات: 434

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس العشرون  )

  328- 336

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

 باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق

حديث رقم – 328 –

( حسن ) حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه قال كان معاذ بن جبل يتحدث بما لم يسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما سمعوا فبلغ عبد الله بن عمرو ما يتحدث به فقال والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء فبلغ ذلك معاذا فلقيه فقال معاذ يا عبد الله ابن عمرو إن التكذيب بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق وإنما إثمه على من قاله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق )

من الفوائد  :

أن معاذا رضي الله عنه اختص بصفه دون غيره من الصحابة ، فإنه كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله غيره ، ويسكت عما بلغه غيره ، فترتيب على ذلك أن أكثر معاذ رضي الله عنه من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه غيره  من الصحابة رضي الله عنهم ، فوقف عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما هذا الموقف ، منكرا على معاذ ، لأن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما كان كثيرا ما يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إن أبا هريرة رضي الله عنه يقول ” إنه لا يدانيني أحد في نقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة سوى عبد الله بن عمرو بن العاص ) لكثرة ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ( ما يريد معاذ إلا أن يفتننكم ) يعني أن يوقعكم في الحرج والتعب والمشقة ، ويرمي بذلك إلى أن معاذا رضي الله عنه كغيره ربما يقع في الزلل والخطأ والتوهم والنسيان ، لا أنه يشكك في مقام معاذ ، فما كان هذا ليحصل من عبد الله بن عمرو في شأن معاذ ، وإنما أراد أن يبين للملأ أن كل ما قاله معاذ لا يمكن أن يكون على وجه اليقين ، فإنه بشر كغيره ، ولكن معاذا رضي الله عنه رد عليه مبينا أن من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه شأن المنافقين ، لأن من لا يقبل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يبلغه هذا هو المنافق ، ولم يرد معاذ رضي الله عنه أن ينسب إلى عبد الله بن عمرو النفاق – كلا – وإنما أراد أن يزجره لأنه ظهر بصورة واقع المنافقين لا أنه من المنافقين أو أنه منسوب إلى النفاق وأهله ، فأوضح له معاذ رضي الله عنه أن الإثم ليس على من بلغه حديث رسول صلى الله عليه وسلم إنما الإثم على من قاله ، فإن كنت قد تعمدت الكذب أو عدم التريث فإن الإثم علي لا على من بلغه الحديث ، فإن من بلغه الحديث عن شخص ثقة يلزمه أن يأخذ به ، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم ” كلهم عدول ” ثم أكد معاذ رضي الله عنه موقفه وأنه على الحق، لأن المُنكَر على معاذ هو في ذكره أحاديث تتعلق بالخلاء ، فأراد أن يبين أنه مازال على هذه الطريقة فذكر حديثا يتعلق بالخلاء ، وأكد ذلك بأنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا المنهج وهو منهج معاذ رضي الله عنه اتخذه المصنف ابن ماجه رحمه الله ، فإن ابن ماجه رحمه الله أتى بأحاديث لم يأت بها أصحاب السنن الأخرى ، ولذا يسمون ما أتى به زائدا يسمونه بـ ( زوائد ابن ماجه ) وإن كان في أغلبها أنها أحاديث ضعيفة .

ومن الفوائد :

أن الواجب على المسلم أن يتقي الأسباب الموجبة للعن الناس وسخطهم ومن بينها هذه الأشياء الثلاثة المذكورة في الحديث

أولا : ( البَراز في الموارد ) يعني التغوط في المياه ، لأن التغوط فيها يسبب أذى وتلوثا للماء وللبيئة .

ثانيا : ” قارعة الطريق ” أي ما يقرع ، فالطريق الذي يقرع ويسار فيه لا يجوز التخلي فيه ، لأنه سبب وموجب للعن الناس ، لأنه يفسد عليهم طريقهم ، وربما تتلوث أقدامهم وخفافهم .

ثالثا : ” الظل ” فإن الظل الذي يستظل به ما كان ظلا منتفعا به لا يجوز التخلي فيه ، لأن في ذلك إفسادا على أصحابه .

ومن الفوائد :

أن التخلي في الطريق غير المقروع لا بأس به ، لأنه قيد هنا بأنه الطريق المقروع ( قارعة الطريق )

ومن الفوائد :

أنه ليس كل ظل يحرم التخلي فيه ، فإن السنة جاءت بالتخلي في بعض الظل ، فدل هنا على أن كلمة ( الظل ) أن ( أل ) الموجودة فيها ليست على سبيل العموم ، لأن الأصل في ( أل ) أنها تفيد العموم ما لم يرد دليل يصرفها عن ذلك ، وهنا الناظر يلمح إلى أن ( أل ) من حيث الظاهر أنها للعموم في كل ظل ، ولكن هذا العموم ليس مرادا ، لم ؟ للأدلة الأخرى ، وسيأتي شيء يدل على ذلك بإذن الله تعالى .

ومن الفوائد :

أن التقوى يمكن أن تضاف إلى غير الله كما هنا ( اتقوا الملاعن الثلاث ) فيمكن أن تضاف إلى غير الله ، ولكن إضافة محدودة وليست مطلقة ، ولذلك يمكن أن يقول شخص لآخر ( اتقي فلانا ) ولا بأس بهذه الكلمة ، لأن تقوى العبد تختلف عن تقوى الله عز وجل ، فالمضاف إليه سبحانه وتعالى ليس كالمضاف إلى غيره ، بل إن اتقاء هذه الملاعن الثلاث من تقوى الله سبحانه تعالى .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث طعن فيه بعض العلماء فلا يرونه ثابتا ، بينما آخرون يرون ثبوته ، ومن ثم فإن ذكر هذه الأشياء الثلاثة يُلحق بها ما يماثلها أو ما هو أولى منها بالحكم ، فلو أن شخصا جاء إلى مكان يجتمع فيه الناس فبال وتغوط فالحكم هو هو ، فلو أن شخصا بال وتغوط في المسجد مثلا من باب أولى بل أشد وأعظم ، وعلى هذا فقس ، فليس مقصورا على ما ذُكر ، ولذلك ألمح الحديث إلى علة بقوله ( اتقوا الملاعن ) إذاً كل فعل يترتب عليه سخط وغضب الناس يحرم ، فلو تغوط أو تخلى في مكان يوجب سخط الناس فيبقى هذا الحكم ، إذاً ما لا يوجب غضب الناس فيكون جائزا ، ومن ثم يمكن أن يلحق بالتخلي ما يشابهه مما يفعله بعض الناس من التنخم في الطريق المقروع ، يمكن أن يتنخم إنسان في الطريق فيمر إنسان فتتلوث قدمه أو يتقذر حينما يراه ، فلا شك أنه إثم لأنه من الأذى الذي يلقى في الطريق ، فيكون بهذا الفعل آثما .

حديث رقم – 329-

( حسن دون ( الصلاة عليها ” ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير قال قال سالم سمعت الحسن يقول حدثنا جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والتعريس على جواد الطريق والصلاة عليها فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها من الملاعن )

من الفوائد :

أن ( جوادِّ الطريق ) هو الطريق المقروع الذي مر معنا في الحديث السابق – والسنة يفسر بعضها بعضا – فحذر النبي صلى الله عليه وسلم منها التخلي في الطريق لأنها موجبة للعن وسخط الناس .

ثانيا : الصلاة فيها ، وهذه اللفظة فيها مقال ، ولذلك لأن الصلاة في جوادِّ الطريق يترتب عليه أن يذهب خشوع العبد ، ولذلك جاء حديث عند المصنف ” ابن ماجه ” ولكنه ضعيف ( سبعة مواطن لا يصلى فيها ) ذكر منها ( قارعة الطريق )

ثالثا : ” التعريس على جوادِّ الطريق ) والتعريس : هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح من عناء السفر ، لأن التعريس فيها أو الصلاة فيها قد يحصل للعبد ضرر من الهوام والسباع ، فإن السباع والبهائم تبيت فيها ، فليكن المسلم على حذر من التعريس والنزول آخر الليل في مثل هذه الطرقات للعلة المذكورة .

حديث رقم – 330 –

( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن قرة عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على قارعة الطريق أو يضرب الخلاء عليها أو يبال فيها )

هذا الحديث ضعيف ، ولكن معناه مقبول باعتبار الأحاديث الأخرى .

باب التباعد للبَراز في الفضاء

حديث رقم – 331-

( حسن صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسمعيل ابن علية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد )

من الفوائد :

هذا الحديث مر معنا في السنن الأخرى وتحته فوائد ، منها :

أن السنة في حق المتخلي في الفضاء أن يبعد حتى لا يراه أحد ، ولكن هل هذا على سبيل الوجوب ؟ لا ، إنما يكون على سبيل الوجوب فيما لو تخلى في الفضاء وترتب على ذلك أن تُرى عورته ، فإذا رؤيت عورته فيحرم عليه قضاء الحاجة في هذا المكان ، بل يجب عليه أن يبتعد .

ولو قال قائل : ما ضابط السنية في البعد ؟

جاء في الأحاديث الأخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ( انطلق حتى لم يره أحد ) في حديث المغيرة ( حتى توارى عني ) لكن ما الضابط ؟

الضابط في السنية ” أن يبعد بحيث لو تخلى لم تُشم منه رائحة ولم يسمع منه صوت “

لكن لو أنه كان في مكان ولا يسمع منه صوت ولا تشم منه رائحة ولكن عورته ترُى ؟ فلا يجوز ويكون آثما .

ومن الفوائد :

أن هذا الفعل والصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستمرار ، بدليل أن ( كان ) تفيد الاستمرار في أصلها ، ولكن يمكن أن تخرج عن هذا المعنى .

لو قال قائل : أعترض عليكم بحديث حذيفة رضي الله عنه كما في الصحيحين ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما وأمر حذيفة أن يقف عند عقبه ليستره ) فيا ترى ما التوفيق بين الحديثين ؟

حديث حذيفة لبيان الجواز ، وليس على سبيل الوجوب ، فالبعد المذكور هنا ليس على سبيل الوجوب وإنما على سبيل الاستحباب .

ووجه آخر : أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا في حديث حذيفة إنما كان في غير الفضاء ، أما حديث المغيرة وما شابهه إنما هو في الفضاء ، ولأنه قال ( أتى سباطة قوم ) فدل على أنه في البيان وليس في الصحراء .

ومن الفوائد :

أن المكان الذي يتخلى فيه أتت السنة بإطلاق عبارات وألفاظ عليه ، منها ( المذهب – والخلاء – الغائط – البَراز – الكنيف )

حديث رقم – 332-

( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن عبيد عن محمد بن المثنى عن عطاء الخراساني عن أنس قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتنحى لحاجته ثم جاء فدعا بوضوء فتوضأ )

من الفوائد :

أن ( الوُضوء ) إذا ضمت واوه كان المقصود منه الفعل ، وإذا فتحت واوه كما هنا ( وَضوء ) فالمقصود منه الماء ، ولذلك قال هنا ( بوَضوء ) ولم يقل ( بوُضوء ) ومثل ( الطَهور والطُهور ) و ( السَحور والسُحور ) .

ومن الفوائد :

أن الأفضل بعد قضاء الحاجة أن يتوضأ الإنسان وليس واجبا، إنما الواجب في حقه إذا قام إلى الصلاة لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ }المائدة6 الآية ، فلا يلزم العبد إذا أحدث أن يتوضأ .

حديث رقم – 333-

( صحيح ) حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن يونس بن خباب عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد )

من الفوائد :

أن هذا الحديث يدل على ما سبق من فوائد ذكرت في الحديثين السابقين .

حديث رقم – 334-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبي جعفر الخطمي قال أبو بكر بن أبي شيبة واسمه عمير بن يزيد عن عمارة ابن خزيمة والحارث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته فأبعد )

تلك الأحاديث تدل على أهمية الصحابة رضي الله عنهم ، وأنهم نقلة ورواة لما يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل ، فهذا يدل على رفعة مكانتهم ، وفيه صفعة للروافض الذين يسبون صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم نقلة هذا الدين ، فإذا سُب هؤلاء الأفاضل فإنه سب للدين ، لأنهم هم الذين أوصلوا هذا الدين إلينا ، ولذلك من طعن في الصحابة رضي الله عنهم فقد طعن في القرآن وطعن في السنة وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يختر الصحبة المناسبة بل طعن في الله عز وجل لأن الله سبحانه وتعالى – على معتقدهم – أنه لم يختر للرسول صلى الله عليه وسلم الصحبة المناسبة التي تليق به .

حديث رقم – 335-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا إسمعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى )

حديث رقم – 336-

( صحيح بما قبله ) حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الله بن كثير بن جعفر حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد )

من الفوائد :

أن هذا الحديث قيد البعد من النبي صلى الله عليه وسلم ، ما تقييده ؟ بأنه غاب عن أنظار الصحابة رضي الله عنهم .