تعليقات على سنن ابن ماجه ( 35 ) من حديث ( 430-439 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 35 ) من حديث ( 430-439 )

مشاهدات: 479

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الدرس الخامس والثلاثون

 430-439

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما حاء في تخليل اللحية

حديث رقم – 430-

( صحيح ) عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته )

من الفوائد :

أحاديث تخليل اللحية اختلف العلماء في ثبوتها من عدم ذلك ، فهناك من الأئمة من رأى أن أحاديث تخليل اللحية لم يثبت منها شيء ،وهذا القول بناء على أنه رأى كل حديث على حدة ، فرأى أن سنده ضعيف .

بينما يرى أئمة آخرون أن أحاديث تخليل اللحية ثابتة وثبوتها من تعدد طرقها ، فلما تعددت طرقها ارتقت إلى درجة الصحة أو درجة الحسن لغيره ، ولا شك أن الصواب مع من قال إن أحاديث تخليل اللحية ثابتة ، لأن الناظر في ورود الأحاديث يجد أنها أحاديث كثيرة ، وأحاديث تخليل اللحية تدل على أن اللحى من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فأحاديث تخليل اللحية تدل على سنية اللحية وأن أخذها ليس من شرع الله عز وجل ، بل إن تخليلها منه صلوات ربي وسلامه عليه يوحي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يأخذ منها شيئا ، بل تركها على حالها ، كما دلت الأحاديث الأخرى على ذلك ، وما ورد أنه صلوات ربي وسلامه عليه ( كان يأخذ من لحيته ) فهو حديث لا يصح .

ومن الفوائد :

أن تخليل اللحية سنة ، فإذا كانت اللحية كثيفة فالواجب غسل ظاهرها ، لأن ظاهرها يعد من الوجه ، وما كان من الوجه فإنه يجب غسله كما يغسل الوجه ، لأنه جزء منه .

ويسن تخليلها وليس بواجب ، أما إذا كانت اللحية خفيفة تُرى البشرة من ورائها فيجب غسل ظاهرها وباطنها ، لم ؟

لأن الظاهر منها والباطن يكون من الوجه ، فالشعر الظاهر من الوجه والبشرة التي ترى من الوجه.

ومن الفوائد :

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا لنا ما فعله صلوات ربي وسلامه عليه في وضوئه .

ومن الفوائد :

أن الفاء هنا في قوله ( توضأ فخلل لحيته ) ليست للترتيب والتعقيب ، وإنما للبيان والتفسير ، ففسر الوضوء أن من بينه تخليل اللحية ، لأن تخلل اللحية لا يكون بعد الوضوء ، فلو قلنا إن الفاء للترتيب والتعقيب كان تخليها بعد الفراغ من الوضوء ، وهذا بعيد ، وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى كيفية تخليل اللحية ، فالحديث هنا مجمل ( توضأ فخلل لحيته ) كيف خللها ؟

حديث رقم – 431-

( صحيح دون المرتين ) عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين )

من الفوائد :

أن قول أنس رضي الله عنه هنا يبين الفاء المذكورة في الحديث السابق من أن تخليل اللحية إنما كان في ثنايا الوضوء لما غسل وجهه .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث بيَّن كيفية تخليل اللحية ، وذلك أنه فرَّج أصابعه في لحيته .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء لم ير بأسا في ثبوت كلمة ( مرتين ) فهل تكون كلمة ( مرتين ) متعلقة بخلل أو بفرَّج ؟ بمعنى هل خلل مرتين أو فرَّج مرتين ؟

مرتين تعود إلى خلل ، فكان التخليل منه مرتين ، ولعل ذلك يراد منه أنه خلل الجانب الأيمن من شعر لحيته والجانب الأيسر منها ، فصدق عليها تخليلها مرتين ، فإذا أثبتنا كلمة ( مرتين ) على ما قاله بعض العلماء فتكون ( الواو ) في قوله ( وفرَّج ) تكون حالية ، يعني خلل لحيته حال كونه مفرجا أصابعه ، وكونها حالية يستفاد منها في اللغة أنه ما فصل بين المتعلق والمتعلق به بفاصل أجنبي ، لأنه فصل بين قوله ( خلل ) وبين المتعلق بها ( مرتين ) بقوله ( وفرَّج أصابعه ) لأن كلمة ( وفرَّج أصابعه ) في كونها حالية لم تكن أجنبية عن كلمة ( خلل ) فلم يفصل بين كلمة ( خلل ) وكلمة ( مرتين ) بفاصل أجنبي .

 

 

حديث رقم – 432-

( ضعيف ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب حدثنا الأوزاعي حدثنا عبد الواحد بن قيس حدثني نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها )

هذا الحديث لو ثبت لبين كيفية تخلل اللحية ، وأن التخليل حصل للعارضين ، وهنا عارضان أيمن وأيسر ، ولم يكن التخليل متعمقا لأنه قال (بعض العرك ) والعرك هو الدلك، فتكون أصابعه داخلة في ثنايا اللحية .

ولو صح أيضا هذا الحديث : لكان فيه ما يقوي ثبوت كلمة ( مرتين ) على ما وجهناه سابقا من أنه خلل جانبها الأيمن ثم جانبها الأيسر ، والجانبان هنا العارضان .

والراوي هنا هو ابن عمر رضي الله عنهما ، والذي قبله أنس و عثمان وعمار  رضي الله عنهم رووا أحاديث تخليل اللحية

 

حديث رقم – 433-

( صحيح بما قبله ) عن أبي أيوب الأنصاري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته )

هذا الحديث أيضا رواه أبو أيوب ، فكان خامس الصحابة رضي الله عنهم ممن روى أحاديث تخلل اللحية ، ويقال في الفاء هنا ما قيل في الفاء الواردة في حديث عثمان .

باب ما جاء في مسح الرأس

حديث رقم – 434-

( صحيح ) عن عمرو بن يحيى عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فقال عبد الله بن زيد نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه )

من الفوائد :

بيان أن التعليم بالفعل أبلغ وأثبت من القول ، ولا شك أن في كليهما خيرا ، ولكن التعليم العملي أبلغ .

ومن الفوائد :

أنه دعا بوَضوء ، وسبق وأن قلنا إن الواو إذا فتحت تدل على الماء ، ويؤيد ما ذكرناه أن رواية البخاري ( أنه دعاء بماء ) فبينت رواية البخاري معنى كلمة ( وَضوء )

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل كفيه مرتين ، بينما أتت رواية أخرى ( أنه صب الماء على كفيه ثلاثا ) فهل تكون واقعتين ؟ أم أنها واقعة واحدة فتقدم رواية الثلاث ؟

الأقرب الثاني ، لأن القصة واحدة ، والأصل عدم التعدد .

ومن الفوائد :

أن الأكمل في المضمضة والاستنشاق أن تكون ثلاثا ، وكذلك غسل الوجه ، وكذلك غسل اليدين ، ولكن هنا ذكر غسل اليدين مرتين ، ودلت الأحاديث الأخرى على أنه غسل يديه ثلاث مرات .

ومن الفوائد :

أن الصواب في الرأس أن يمسح مرة واحدة ، وفُسِّر مسح الرأس هنا بقوله ( فأقبل بهما وأدبر ) هذه جملة مبهمة ، كيف الإقبال وكيف الإدبار ؟

فأتت الجملة بعدها مفسرة ، ولذلك لم يأت حرف عطف بعدها ، مما يدل على أن لها صلة بما قبلها وأنها مفسرة لما قبلها ، فقال ( بدأ ) ولم يقل ( فبدأ أو وبدأ ) وإنما قال ( بدأ بمقدم رأسه )

ومن الفوائد :

أنه لو مسح رأسه على أي صفة كانت أجزأ ، ولكن فائدة الإقبال والإدبار أن يستوعب أطراف الشعر المقبل منه والمدبر .

ومن الفوائد :

أن فيه ردا على الرافضة الذين لا يرون غسل القدمين وإنما يرون مسح ما تكعب من القدم أي ما ارتفع وهو مقدمة القدم ، فمع أنهم لا يرون الغسل فهم لا يرون إلا المسح للمقدمة فقط ولا يرون مسح القدمين استيعابا لهما ، وسيأتي معنا إن شاء الله من الأحاديث ما يرد به عليهم .

حديث رقم – 435-

( صحيح ) عن عثمان بن عفان قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه مرة )

من الفوائد :

أن الفاء كما قلنا في قوله ( توضأ فخلل لحيته ) أنها لا تدل على الترتيب والتعقيب ، لأن مسح الرأس لا يكون بعد الوضوء وإنما يكون في ثنايا الوضوء .

ومن الفوائد :

أن الرأس يمسح مرة واحدة ، ووردت أحاديث بأنه ( مسح مرتين ) و ( مسح ثلاث مرات ) وسيذكر المصنف رحمه الله شيئا منها، وسيجاب عنها بإذن الله تعالى ، وقد أجبنا عنها في سنن أبي داود والترمذي ، لكن الوارد المتواتر من فعله صلوات ربي وسلامه عليه أنه مسح رأسه مرة واحدة .

حديث رقم – 436-

( صحيح ) عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة )

يقال في هذا الحديث ما قيل في حديث عثمان ، واللفتة هنا أن عليا رضي الله عنه ممن نقل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما ذكر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم غسل قدميه ، ففيه من الحجج الساطعة العظيمة ما يرد به على الرافضة الذين يعظمون عليا رضي الله عنه تعظيما يوصلونه إلى حد الإله ، فهذا إمامهم رضي الله عنه ، ولا شك أنه إمام لأهل السنة ، ولكن بالقدر الذي وضعه الشرع له ، فهو ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه غسل قدميه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

 

 

حديث رقم – 437-

( صحيح بما قبله ) عن سلمة بن الأكوع قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه مرة )

يقال فيه ما قيل في سابقيه .

حديث رقم – 438-

( حسن ) عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء قالت توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه مرتين )

من الفوائد :

أن الربيع نقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرتين ، فمنهم من رأى تكرار المسح للرأس مرتين بناء على هذا الحديث وعلى أحاديث أخرى ، ولعل الرواية التي أتت عن الربيع رضي الله عنها مخبرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة يدل على أنها أرادت بالمرتين هنا ما مر معنا أنه بدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم عاد ، فتحمل المرتان المذكورتان هنا على استيعاب أطراف الشعر لا أنه كرر مسح الرأس مرتين ، ويقوي هذا ما جاء عنها رضي الله عنها أنها رأت الرسول صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة .

ولو لم نأخذ بهذا الجواب فإن هذه الرواية شاذة ، لم ؟ لأنها خالفت من هو أوثق منها وأكثر ، ولأنها خالفت روايتها الأخرى ، ولو كرر مسح الرأس لأصبح في صورة الغسل ، ولذلك ما جاء من أحاديث تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا أجاب ابن حجر رحمه الله عنها من أنه استوعب الرأس بمسحات ثلاث دون تكرار مسح المحل ، فيكون مسح جزءا من رأسه ثم مسح الجزء الآخر ثم مسح الجزء الأخير ، فتكررت المسحات دون المرات .

باب ما جاء في مسح الأذنين

حديث رقم – 439-

( حسن صحيح ) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما )

من الفوائد :

 

أن الأذنين تمسحان كما يسمح الرأس ، ومسح الأذنين يدل على أنهما من الرأس ،لأنها اشتركت مع الرأس في الصفة وهي صفة المسح ، ولذلك لم يتكرر مسحهما ثلاثا ، فكانت مثل الرأس في الصورة وفي العدد ، وستأتي أحاديث إن شاء الله تعالى منها ( الأذنان من الرأس ) وسيذكره المصنف رحمه الله مما يدل على أنهما تمسحان وأن مسحهما فرض ، لأن بعض العلماء يرى أن مسح الأذنين سنة ، ومما يدل على أنهما من الرأس أنهما يسمحان بما فضل من ماء مسح الرأس ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ذكر صفة مسح الأذنين ، ولو مسح أذنيه بأي صفة أجزأ للإطلاق في قوله تعالى { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } لكن أفضل الصفات ما ذكر هنا ، أن يمسح باطن أذنيه بالسبابتين ويمسح ظاهرهما بإبهاميه ، وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام مسح أذنيه كلتيهما جملة واحدة ، فلم يمسح اليمنى ثم اليسرى بل مسحهما كلتيهما مرة واحدة .

ومن الفوائد :

أن السبابة هي التي تلي الإبهام ، وهذا الاسم جاهلي ، لأن العرب كانوا يشيرون بها عند السب ، فجاء الإسلام وأضاف لها اسما آخر وهي السباحتين .