تعليقات على سنن ابن ماجه ( 39 ) من حديث ( 458-460 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 39 ) من حديث ( 458-460 )

مشاهدات: 497

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الدرس التاسع والثلاثون

  458-460

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في غسل القدمين

حديث رقم – 458-

( حسن دون قوله ” فقال ابن عباس ” فإنه منكر ” ) عن الربيع قالت أتاني ابن عباس فسألني عن هذا الحديث تعني حديثها الذي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل رجليه فقال ابن عباس إن الناس أبوا إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نقل وضوءه الرجال والنساء وكلهم نص على أنه غسل رجليه ، فدل هذا على أن المسح غير كافٍ .

ومن الفوائد :

أن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يسأل بعضا للبحث والوقوف على الحق ، حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما يسأل المرأة ، والمرأة تسأل الرجل ، كل هذا طلباً للحق وطلباً للسنة ، وذلك لأن تلك القلوب كانت قلوبا صافية طيبة لا تريد إلا الحق سواء جرى الحق على لسانها أو على لسان غيرها ، المهم أن يظهر الحق  .

ومن الفوائد :

أن الألباني رحمه الله أنكر مقولة ابن عباس رضي الله عنهما ( إن الناس أبوا إلا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح )

ولعله إنكاره رحمه الله لما يقوله ابن عباس رضي الله عنهما من باب أن الغسل موجود في كلام الله عز وجل ، وهناك من يرى عدم نكارة ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لأن لها توجيها ، قال ( إن الناس أبوا إلا الغسل ) الناس من هم ؟ الصحابة رضي الله عنهم ، فهذا يدل على أن الصحابة اتفقوا على أن فرض الرجلين في الوضوء الغسل ، لكنه رحمه الله يقول ( لا أجد في كتاب الله إلا المسح ) لم ؟ لأن الله عز وجل قال في آية الوضوء { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }المائدة6 ، هناك قراءة أخرى بالخفض { وَأَرْجُلِكم }

فعلى قراءة الخفض هو ما أراده ابن عباس رضي الله عنهما ، كيف ؟ لأن نصب الأرجل هنا تحمل على قراءة الخفض ، فتكون قراءة الخفض هي المقدمة لأن حمل قراءة الخفض على قراءة النصب أبعد في اللغة ، كيف أبعد ؟ لأن الخفض عن طريق المجاورة ، لأنهم يقولون الخفض { وَأَرْجُلِكم } ومعلوم أن المجاورة قليل ذكرها في اللغة ، ولأن قراءة الخفض لا يكون هناك ممسوح بين مغسولات ، فلو رجحنا قراءة الخفض فممسوح معطوف على ممسوح ، وأما قراءة النصب فتحمل على قراءة الخفض ، لم ؟ لأن العطف على المحل في اللغة أقوى من العطف على المجاورة { وَأَرْجُلِكم } نصبت على المحل ، لأن الذي أُوِقع عليه الماء هي الأرجل ، فإن الرأس وإن كان مجرورا لفظا إلا أنه مجرور محلا ، هذا ما أراده ابن عباس رضي الله عنهما .

وقال بعض العلماء : لعل ابن عباس رضي الله عنهما لم تبلغه قراءة النصب ، فقال ( لا أجد في كتاب الله إلا المسح )

ويمكن أن يكون هذا بعيدا لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان عالما بكلام الله عز وجل .

وعلى كل حال قراءة الخفض تحمل على قراءة النصب – هذا هو الصواب – فإنه وإن كان العطف على المحل أقوى من العطف على المجاورة إلا أن الصحابة رضي الله عنهم أقروا هذا ، لم ؟ لأن هذا الإقرار يترتب عليه فوائد ، منها :

أن قراءة الخفض تحمل على ما إذا كانت القدم مستورة بخفين فتمسح ، فلا تعارض إذاً بين القراءتين من حيث الحكم .

ومنها : أن قراءة الخفض أتت من باب التخفيف في غسل القدمين ، لأن القدمين مظنة أن يسكب الماء الكثير عليها لأنها تلامس الأذى أكثر من غيرها ، فهذا أمر بتخفيف الماء فيها ولا يتجاوز بالماء على القدمين أكثر من الأعضاء الأخرى .

وأما إدخال الممسوح بين المغسولات أتى غسل الوجه ثم أتى مسح الرأس ثم أتى غسل القدمين على قراءة النصب فإنه يستفاد منها أن الترتيب واجب ، فلو لم يكن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجبا لما أدخل الممسوح وهو الرأس بين المغسولات .

باب ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى

حديث رقم – 459-

( صحيح ) عن عثمان بن عفان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلاة المكتوبات كفارات لما بينهن ” )

من الفوائد :

أن حمران وهو مولى لعثمان رضي الله عنه نقل ما نقله عثمان قولا وتطبيقا لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، وعثمان رضي الله عنه نقل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم للأمة قولا وتطبيقا .

ومن الفوائد :

أن ما ذكره الله عز وجل في كتابه في آية الوضوء هو الواجب، قال ( كما أمره الله تعالى ) والذي أمر عز وجل به هو الواجب، فما جاء من زيادة على ما في الآية فإنه يكون مستحبا وليس بواجب .

لو قال المضمضة والاستنشاق لم تذكرا في آية الوضوء ؟

نقول هما داخلتان ، فهما من الوجه ، وقد سبق الحديث عن هذا والخلاف فيه .

ولو قال قائل : الترتيب ؟

نقول أدخل الممسوح من بين المغسولات ، فدل على وجوب الترتيب .

ومن الفوائد :

إسباغ الوضوء أنواع ، من أنواعه أن يأتي بما أوجب الله عز وجل عليه في الوضوء ، والذي أوجب الله عز وجل عليه في الوضوء في الآية الإطلاق ، والإطلاق يقتضي الفعل مرة واحدة ، فيغسل الوجه مرة واليدان مرة والرأس يمسح مرة والقدمان تغسل مرة ، فدل على أن من أنواع الإسباغ والإتمام للوضوء أن يؤتى بالواجب ، فلو لم يكن ما في الآية كافيا لما ترتب عليه هذا الفضل وهو تكفير الذنوب إذا صلى العبد بعد هذا الوضوء .

ومن الفوائد :

أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة ، لأنه أتى بالوضوء قبل الصلاة ، واشترط في هذا الوضوء أن يكون تاما على وفق ما جاء في الآية ، ولا شك أنه شرط والأدلة في ذلك كثيرة  منها قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) وقوله ( لا صلاة بغير طُهور )

ومن الفوائد :

فضل الصلوات الخمس وأنها تكفر الذنوب ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنها بمثابة النهر ( لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يا رسول الله ، قال فكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )

وهذا التكفير من الصلاة للسيئات المراد منها الصغائر وليس للكبائر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم ( الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )

حديث رقم – 460-

( صحيح ) عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنها لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين )

من الفوائد :

أن فيه بيان أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة ، ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن تتم له صلاة حتى يسبغ الوضوء ، فإذا أسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل فإن صلاته تكون صحيحة ، وإذا أنقص شيئا مما جاء في كلام الله عز وجل في آية الوضوء فإن صلاته غير صحيحة ، لأن الوضوء مفتاح للصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في السنن من حديث علي رضي الله عنه ( مفتاح الصلاة الطهور )

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أعضاء الوضوء الأربعة [ الوجه واليدان والرأس والقدمان ] وأطلق هنا لم يبين صفة غسل الوجه ولا صفة غسل الدين ولا صفة مسح الرأس ولا صفة غسل القدمين ، فدل هذا على أنه متى ما غسل هذه الأعضاء الأربعة بأي طريقة كانت فإن وضوءه صحيح .

وأيضا من باب التبيين والتأكيد على أن ما أمر الله عز وجل به هو هو ما ذكره في هذا الحديث ، لأن الآية أطلقت ولم تذكر وصفا للمغسول ولا الممسوح ، وهنا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر وصفا للمغسول ولا الممسوح .

سؤال : ما حكم الموالاة في الوضوء ؟

الجواب : الموالاة اختلف فيها العلماء ، منهم من قال إنها سنة لأن الآية والحديث لم يذكراها .

ومنهم من قال إنها فرض وهو الصواب – لأنه لا يقال إن هذا وضوء لمن غسل وجهه وأتى بعد ثلاث ساعات وغسل يديه وأتى بعد ساعة ومسح رأسه وأتى بعد ساعة وغسل قدميه ، فالفاصل الزمني يجعل الحكم على من غسل وجهه وجلس هذه المدة نقول هذا  غسل وجهه فقط ، فليس لدينا ما نحكم به من أن هذا متوضأ أو أن هذا غير متوضأ .

وضابط المولاة كما قال الفقهاء [ ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله بزمن معتدل ] بمعنى أنه إذا غسل وجهه لا ينتظر زمنا ينشف فيه ماء وجه ثم يغسل يديه ، فإذا نشف الوجه ثم غسل يديه انتفت الموالاة ، إذا كان في زمن معتدل ، أما إذا كان في زمن غير معتدل فلا يؤثر طول بقاء الماء ولا سرعة زواله ،  قد يكون الإنسان في فصل الشتاء ، فالماء الذي في الوجه يبقى طويلا أم يذهب سريعا ؟ يبقى طويلا ، لو كان في الصيف يذهب ماء الوجه سريعا ، فنقول في زمن معتدل .

وإذا فاتت المولاة لمصلحة الوضوء فلا بأس ، مثلا إنسان غسل وجهه ثم غسل يديه وإذا في إحدى يديه وسخ يحول بين الماء والبشرة فجلس ينظفه حتى نشف الوجه في زمن معتدل فالوضوء صحيح ، لم ؟ لأن هذا التأخر لمصلحة الوضوء .