بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في النَّضح بعد الوضوء
حديث رقم -461-
( صحيح ) عن الحكم بن سفيان الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه ” )
من الفوائد :
أن السنة أن ينضح الإنسان على فرجه إذا توضأ ، ولاسيما من كان موسوساً حتى يقطع الوسواس عنه ، وهذا يدل على أن الإسلام يحرص على ألا يكون المسلم واقعا في حبائل الشيطان وألا يكون مترددا فسد الشرع هذا الباب ، ولكن كثيرا من أولئك الموسوسين لا يرعوون إلى ما جاء في الشرع حتى يستريحوا ، ولذلك شددوا على أنفسهم فشدد الله عز وجل عليهم .
ومن الفوائد :
أن الانتضاح من سنن الفطرة ، كما صح بذلك الحديث ، ولو فعله الإنسان في بعض الأحيان وتركه في بعض الأحيان فحسن ، ولا يلزم الاستمرار عليه ، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتضح كلما توضأ ، ولذلك قال بعض العلماء إن في الانتضاح فائدة وهي أن الشيطان إذا جاءك بعد الوضوء وقال خرج منك شيء ، فقل إنه هو الماء ، وقد ذكرت مثالين قد ذكرهما ابن القيم رحمه الله – في إحدى الكلمات – أن ابن آدم مع الشيطان له مثالان :
المثال الأول : الغزال مع الأسد ، فالغزال أسرع من الأسد ولكنها تقع فريسة له ، وسبب ذلك لأنها تلتفت ، فمن التفت إلى هذه الأحاسيس فإنه يوشك أن يتمكن الشيطان منه ، فعلى الإنسان أن يعزم ويتوكل على الله عز وجل ولا يلتفت إلى هذه الوساوس .
المثال الثاني : قال رحمه الله كمثل رجل خرج إلى الصلاة فاستقبله رجل فخاصمه وجادله فإن جادله فاته الصف الأول ، فإن استمر معه في المجادلة فاتته تكبيرة الإحرام ، فإن استمر معه في المجادلة يوشك أن تفوته الصلاة كلها ، لكن لو تركه من أول الأمر أدرك الصف الأول والقرب من الإمام وتكبيرة الإحرام .
سؤال : بعض المبتلين بالوسواس يأتيه الشيطان من باب الحرص فيبالغ في الإسباغ حتى يصل به إلى الوسوسة ؟
الجواب : الخير كل الخير فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد فعل الإسباغ الشرعي وكذلك سار على نهجه الصحابة رضي الله عنهم ولست بأفضل ولا أخير منهم ، هذا إذا كان حريصا على التمسك بالسنة ، نقول هذه هي السنة بين يديك ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكفيه مد ، بل عند أبي داود ( يكفيه ثلثا مد ) يعني أقل من المد ، وقد أكمل وأسبغ الوضوء على أكمل وجه ، ولعلاج الوسوسة يكون بالانتهاء ، قال صلى الله عليه وسلم ( فليستعذ بالله ولينته ) من لم ينته عن الوسوسة ويقطعها فإنها مهلكة له لا محالة ، وهي لا تهلك دينه فقط وإنما إذا أهلكت دينه أتت على دنياه ، حتى يوسوس هل طلَّق زوجته أم لا ؟ هل ولده طاهر أم غير طاهر ؟ هل أيدي أولئك الناس الذين صافحهم ولامسهم هل هي طاهرة أم غير طاهرة ؟ هل مركوبه طاهر أم غير طاهر ؟ فتنفتح عليه أبواب الشرور ، والشيطان يأتي هؤلاء فيقول أنت لم تحسن الوضوء إذاً صلاتك غير صحيحة فلو مت كيف تواجه ربك ؟ فهذه من مداخل الشيطان ، فليثق الإنسان بربه عز وجل وليتمسك بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وليعمل بما جاءت به السنة ، فإن هذه حجة له أمام رب العالمين ، فعلت كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، هذه حجة وأكرم بها من حجة .
حديث رقم – 462-
( حسن دون الأمر ) عن زيد بن حارثة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” علمني جبرائيل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء ” )
من الفوائد :
هذا الحديث يضاف إلى الحديث السابق في التأكيد على الانتضاح .
حديث رقم – 463-
( ضعيف ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا توضأت فانتضح ” )
هذا الحديث لو صح لكان الانتضاح واجبا ، ولو اعتبر أنه صحيح فيحمل على من لديه وسوسة ، فيلزم بهذا حتى تسلم عبادته من الشيطان .
حديث رقم – 464-
( صحيح ) عن جابر قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه ” )
يفيد هذا الحديث ما أفادته الأحاديث السابقة .
باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل
حديث رقم – 465-
( صحيح ) عن سعيد بن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل حدثه أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته أنه لما كان عام الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به )
من الفوائد :
بيان فضل النساء في ذلك العصر ، فإن النساء كالرجال ينقلن ما يرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذه أم هانئ نقلت إلينا هذا الأمر ، وكان هذا الأمر في غزوة الفتح ، وكان لها قريب تريد أن تستأمنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ وأمَّنا من أمَّنت ) أتت إليه لهذا الغرض فرأته يغتسل وقد سترته ابنته فاطمة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم التحف بثوبه بعدما اغتسل ، وقد قال العلماء إن التحافه يدل على التنشيف ، فإنه التحف بثوبه لكي ينشف الماء الذي علق ببدنه .
والتنشيف بعد الغسل أو بعد الوضوء مختلف فيه ، هل هو سنة أو أنه مباح أو أنه مكروه ؟
بعض العلماء يرى أنه سنة : لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عند الترمذي ( كان له خرقة ينشف بها بعد الوضوء ) وحسنه الألباني رحمه الله .
وكذلك حديث ميمونة رضي الله عنها ( أنها أتته بالمنديل فلم يُرِده ) فإتيانها له بالمنديل يدل على أنه من عادته كان ينشف وإلا لم تأت به ، وإنما رده في تلك الحال لاعتبارات أخرى ، إما لضيق الزمن فقد يكون مستعجلا ، وإما لبيان جواز ترك التنشيف ، أو لأن بالمنديل علة من العلل .
وبعض العلماء : كره المنديل ، قالوا لأنه يفضي إلى الكبر ومشابهة أهل الترف ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رده كما في حديث ميمونة رضي الله عنها ، وأما الحديث الذي عند الترمذي ( كان له خرقة ينشف بها بعد الوضوء ) قد ضعفه بعض العلماء كابن القيم رحمه الله وحكموا عليه بالضعف الشديد .
ومنهم من قال : إنه مباح ، وهذا هو الأقرب أنه مباح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أحيانا وتركه أحيانا ، ويمكن أن يقال بالسنية في بعض الأحيان ، لأن تركه في بعض الأحيان من السنة ، ولذا من يقول بكراهيته لأن القطرات أثر من آثار العبادة ، قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12، ثم إن هذا الحديث المذكور لا يدل دلالة واضحة على أنه تنشف به إنما التحف به .
حديث رقم – 466-
( ضعيف ) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا ابن أبي ليلى عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن محمد بن شرحبيل عن قيس بن سعد قال أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه )
هذا الحديث لو صح لكان فيه دلالة على استحباب التنشيف ، ووصف الملحفة بأنها ورسية يعني من الورس وهو نبت أصفر يصبغ به الثياب، وعكن البطن هي الأماكن المنعكفة بعضها على بعض ، وهذا معلوم لا يكون إلا من سمنة ، والسمنة قد تكون سمنة كبيرة وقد تكون صغيرة .
حديث رقم – 467-
( صحيح ) عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حين اغتسل من الجنابة فرده وجعل ينفض الماء” )
من الفوائد :
أن هذا الثوب يقصد منه المنديل كما جاء في الحديث الآخر ، وأن قولها ( فرَدَه ) يضبط لنا جملة ( فلم يُرِده ) في الحديث السابق ، لأن بعضهم أخطأ فقال ( فلم يَرُدَّه ) فقولها ( فرده ) يبين ضبط كلمة ( فلم يُرِدْه ) لأنها لو كانت ( فلم يَرُدَّه ) لما كان دليلا على ترك التنشيف .
حديث رقم – 468-
( حسن ) عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه )
من الفوائد :
استحباب التنشيف ، وخصص بذلك الوجه ، لأن الوجه هو الذي يكون ظاهرا للهواء ، ولأن تأثر الوجه بالجو الخارجي أكثر من غيره .
ومن الفوائد :
بيان ما كان عليه لبس النبي صلى الله عليه وسلم من الخشونة ، فهي جبة صوف وفيها من الخشونة ما فيها ، وليس فيه دليل للصوفية الذين يرون لبس الصوف ، لأنه تقشف وترك الدنيا وملاذها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر عليها فله ألبسة كثيرة ، فيكون الإنسان معتدلا لا يترك الصوف من أجل أن الصوفية يرغبون فيه ، ولا يلتزمه تقشفا وتعبدا ، بل يلبس ما تيسر له من صوف ونحوه .