تعليقات على سنن ابن ماجه ( 44 ) من حديث ( 483- 485 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 44 ) من حديث ( 483- 485 )

مشاهدات: 442

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الدرس الرابع والأربعون

483- 485

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الرخصة في ذلك

 

حديث رقم – 483-

( صحيح ) عن قيس بن طلق الحنفي عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر فقال ليس فيه وضوء إنما هو منك )

من الفوائد :

ذكر ابن ماجه رحمه الله هذا الحديث بعد الأحاديث السابقة التي توجب الوضوء ، لبيان أن الشرع رخص في هذا الأمر ، وأن من مس ذكر فليس عليه الوضوء .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح هنا فقال ( ليس فيه وضوء ) وعلل بعلة من أن هذا العضو منك قال ( إنما هو منك ) فكما أن مسَّك بيدك لقدمك أو لبطنك أو لأي عضو من أعضاء بدنك لا ينقض الوضوء فكذلك إذا ممست ذكرك لا ينتقض الوضوء .

وهذا الحديث وبأمثاله أخذ به بعض العلماء فقالوا إن مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقا .

وبعض العلماء أخذ بظاهره فقال إن قوله عليه الصلاة والسلام ( إنما هو منك ) يشعر بأنه لا شهوة حاصلة بمسِّك له ، فإذا مسسته كأنك تمسُّ عضوا من أعضاء بدنك فإنه لا ينقض الوضوء ، لكن لو مسسته بشهوة فإنه ينقض الوضوء وبعض العلماء جمع فقال إن الأمر بالوضوء يقتضي الاستحباب ، وأن هذه الأحاديث الواردة يقصد منها عدم الوجوب ، فهذا رأي رآه بعض العلماء جمعا بين الأدلة ، من أن الأمر للاستحباب وليس للوجوب ، ما الذي صرف الأمر الوارد فيما مضى من أحاديث ؟ هذا الحديث .

وبعض العلماء – كما هو ظاهر تبويب ابن ماجه رحمه الله – بعض العلماء رأى الأخذ بهذا الحديث ولم يوجب الوضوء ، ورأى أن الحديث السابق منسوخ ، أو أن حديث طلق مقدم على الأحاديث السابقة لاعتبار البراءة الأصلية ، فالأصل عدم إيجاب الشيء إلا بدليل واضح .

وبعض العلماء رأى أن الأحاديث السابقة ناسخة لحديث طلق ولأمثاله ، ولعل ما يقوي هذا القول أن طلق رضي الله عنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام لما كان يبني المسجد النبوي فحدثه بهذا الحديث ، وطلق رضي الله من رواة الأحاديث التي أمرت بالوضوء من مس الذكر ، فقالوا هذا احتمال أن طلق رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأن مس الذكر يوجب الوضوء .

والصواب : أن مس الذكر يوجب الوضوء ، ويؤيد هذا مع ما ذكر من أدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود ( سئل عن مس الذكر حال الصلاة ؟ فقال إنما هو بضعة منك ) ومعلوم أنه وقت الصلاة لا يمكن أن يكون إلا بحائل ، فقوله ( إنما هو بضعة منك ) باعتبار أنه مسه وهناك حائل .

حديث رقم – 484-

( ضعيف جدا ) حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا مروان بن معاوية عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر فقال إنما هو جذية منك )

من الفوائد :

هذا اللفظ ضعيف كما قال الألباني رحمه الله ، وهو في سياق الحديث السابق من حيث المعنى ، وقد ضبط هذا الحديث بضابط آخر ( هو جزء منك ) وضبط أيضا ( هو حذوة منك ) والحذوة أو الحِذية هو ما قطع من اللحم طولا ، فشبه الذكر بمثابة اللحمة التي تكون في بدن الإنسان ، فإذا كان كذلك فإنه لا معنى لأن يوجب وضوء على من مس ذكره ، فكأنه قد مس أنفه أو أصبعه أو أي عضو من أعضاء بدنه .

والأحاديث السابقة التي جاءت بوجوب الوضوء من مس الذكر من رواتها ؟ بسرة بنت صفوان وجابر وأم حبيبة وأبو أيوب ، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم رووا أن مس الذكر يوجب الوضوء ، ولذلك نرى أن بعض العلماء حينما يذكر هذه المسألة يذكر حديث بسرة في إيجاب الوضوء وحديث طلق في عدم إيجاب الوضوء، لكن لنعلم أن هناك غير بسرة رضي الله عنها قد روى هذا الحديث .

باب الوضوء مما غيرت النار

حديث رقم – 485-

( حسن ) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال توضئوا مما غيرت النار فقال ابن عباس أتوضأ من الحميم فقال له يا ابن أخي إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلا تضرب له الأمثال )

من الفوائد :

أن القياس إذا خالف النص يضرب به عرض الحائط ، فإن أبا هريرة رضي الله عنه لما روى هذا الحديث ( توضؤوا مما غيرت النار ) ومعلوم أن النار توجب حرارة في المطهي ، فاستفهم ابن عباس رضي الله عنها عن الحميم وهو الماء الحار إذا مس بدن الإنسان ألا يوجب الوضوء ؟ فكأنه يقول كما أمر بالوضوء مما دخل في باطن البدن مما أصابته النار كذلك ما أصاب ظاهر البدن يؤمر فيه بالوضوء ، فرد عليه أبو هريرة رضي الله عنه من أنه لا يضرب الأمثال للحديث وإنما عليه أن يمتثل ما جاء به الشرع ، وهذا هو حقيقة الإذعان  لشرع الله عز وجل ، ولذا بعض الناس إذا قيل له ” قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا على إيجاب شيء أو على تحريم شيء ” جلس يذكر العلل ويأتي بالأمثال ألا يكون الأمر كذا ؟ أو يكون الأمر كذا ؟ فحقيقة الإيمان أن يمتثل الإنسان لشرع الله عز وجل { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }الأحزاب36، فليكن حاله كحال السابقين من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، قالوا { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285 ، من حين ما يسمعون يطيعون ويمتثلون

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث أمر بالوضوء مما غيرت النار فيشمل كل شيء أدخله الإنسان بطنه مما أصابته النار ، فإذا شرب قهوة أو أكل لحما أو أكل أرزا أو خبزا ، فهذه كلها غيرتها النار فيؤمر بالوضوء ، ولكن هل هذا الأمر بالوضوء على وجه الإيجاب أم على وجه الاستحباب ؟

هذا الأمر على وجه الاستحباب ، فيستحب لمن أكل شيئا قد مسته النار يستحب له أن يتوضأ ولا يجب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى – أكل بعض الأشياء التي مستها النار ولم يتوضأ ، لكن حديثنا هنا عن الأفضل والأحسن .