تعليقات على سنن ابن ماجه ( 45 ) من حديث ( 486-491 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 45 ) من حديث ( 486-491 )

مشاهدات: 492

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الدرس الخامس والأربعون

486-491

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الوضوء مما غيرت النار

 

حديث رقم – 486-

( صحيح ) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضئوا مما مست النار )

من الفوائد :

هذا الحديث يتوافق مع الحديث السابق في حكم الأمر بالوضوء مما مسته النار ، وهذه اللفظة لا تتعارض مع اللفظة الأخرى وهي ( توضؤوا مما أنضجت النار ) فإن هذه الرواية تدل على أن ما مسته النار يتوضأ منه ، ومن باب أولى رواية ( أنضجت النار ) ولذا قد تمس النار شيئا ولم تنضجه ، فيكون داخلا في هذا الحكم فإن أنضجته فهذا من باب أولى.

وهذا الأمر ليس على سبيل الوجوب لما سيأتي معنا إن شاء الله من حديث جابر ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار )

وهذا الحديث وهو حديث جابر رضي الله عنه هل يفيد النسخ ؟ بمعنى أنه لا استحباب ولا وجوب ؟ أم يقال إن الوجوب انتفى وبقي الاستحباب ؟ هذا هو القول الصحيح أن الوجوب انتفى فبقي الاستحباب ، لأن الجمع بين الأدلة والأخذ بالدليلين أولى من ترك أحدهما دون الآخر ، وتتضح هذه المسألة إن شاء الله أكثر وأكثر إذا أتينا إلى حديث جابر .

إذاً خلاصة القول أن ما مسته النار فأُكل وكان المسلم على وضوء يستحب له أن يتوضأ ، فلو شرب الإنسان قهوة يستحب له الوضوء ، لو أكل لحما يستحب له الوضوء ولو كان على وضوء سابق .

سؤال : ما الحكمة من الوضوء مما مسته النار ؟

الجواب : الحكمة هي أمر الشرع ، هذه أعظم الحكم وهذه قاعدة يجب على طالب العلم أن يتخذها وأن يربي الناس عليها ، الشرع أمر نأتمر ، الشرع نهى ننتهي ، هذه أعظم الحكم { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }الأحزاب36 ، في الصحيحين لما سألت تلك المرأة عائشة رضي الله عنها ( ما باب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت عائشة كان ذلك يصيبنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) ولم تذكر علة ، لكن لا بأس أن يبحث عن العلة ، ولعل من العلل أن ما مسته النار يتناسب معه الماء ، لأن الماء مطفئ للنار .

حديث رقم – 487-

( ضعيف ) حدثنا هشام بن خالد الأزرق حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن أنس ابن مالك قال كان يضع يديه على أذنيه ويقول صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول توضئوا مما مست النار )

هذا الحديث لو صح ، فإنه يفيد ما أفادته الأحاديث السابقة ، والجملة التي ذكرها الراوي  ( كان يضع يديه على أذنيه ويقول صمَّتا ) قد ترد في بعض الأحاديث الصحيحة ، ويراد منها أن الراوي تأكد تأكدا كبيرا من أنه سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه وأتقنه وأن مصدر إتقانه هاتان الأذنان ، ولذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول ( وعاه قلبي وسمعته أذناي ) من باب التأكيد على أنه سمعه هو بنفسه ولم يتلقه من غيره وأنه متأكد مما يرويه .

 

باب الرخصة في ذلك

حديث رقم 488-

( صحيح ) عن ابن عباس قال أكل النبي صلى الله عليه وسلم كتفا ثم مسح يديه بمسح كان تحته ثم قام إلى الصلاة فصلى )

من الفوائد :

أن هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام يدل على أن الوضوء مما مست النار ليس واجبا لأنه أكل كتف الشاة ، ومعلوم أن الكتف مسته النار ، فقام إلى الصلاة وصلى ولم يتوضأ ، فهذا يؤكد ما قررناه من أن الأمر السابق ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب .

ومن الفوائد :

أن المِسْح : هو كساء من شعر غليظ ، فيكون مسحه عليه الصلاة والسلام دليلا لمن يمسح يديه بالمناديل بعد الفراغ من الطعام ، ولكن الأولى قبل أن يمسح يديه الأولى به أن يلعق أصابعه ثم يمسح ما بقي .

ولماذا لم يلعق النبي صلى الله عليه وسلم هنا ؟

لأنه كما هو معلوم أن الكتف لا يبقي أثرا من آثار الطعام في اليدين، بخلاف الأطعمة الأخرى السائلة ، لكن مسحه عليه الصلاة والسلام دليل على أن ما يفعل في هذا الزمن من مسح اليدين بعد الفراغ من الطعام بالمناديل لا بأس به .

ومن الفوائد :

أن بقاء الدسم في يد الإنسان لا يؤثر على صلاته ، لأن في هذا ردا على من قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( توضئوا من لحوم الإبل ) قال إن الوضوء هنا أمر بغسل الكفين ، فنحن مأمورون إذا أكلنا لحم إبل أن نغسل الكفين ولا نلزم بالوضوء ، ولكن يمكن أن يرد على هذا من أن الكتف هو كتف شاة وليس كتف إبل ، وعلى كل حال بقاء الدسم في يد الإنسان لا يؤثر على صلاته ، بخلاف موضع الفم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( تمضمضوا من اللبن فإن له دسما ) فبقاء الدسم في الفم مما لا ينبغي أن يكون حال الصلاة ، بينما لو كان في موضع آخر فلا بأس ويدل له هذا الحديث ، وسيأتي أيضا حديث حول شرب اللبن .

ومن الفوائد :

أن الصلاة عقيب الأكل لا بأس بها ، ولو لم يتمضمض ، لأنه ما جاء في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام تمضمض ، ولذا لو أن الإنسان أكل أكلة ثم صلى بعدها ولم يتمضمض فلا بأس بذلك ، فإن كان من غير دسم فلا إشكال ، لكن إن كان دسما فالأفضل على وجه الاستحباب أن يتمضمض وليس بواجب ، مع أن العلماء قالوا إن الأمر سواء ، سواء كان له دسم أو لم يكن فليتوضأ .

حديث رقم – 489-

( صحيح ) عن جابر بن عبد الله قال أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر خبزا ولحما ولم يتوضئوا )

من الفوائد :

أن ذكر الخبز مع اللحم يدل كما سبق من أن أي شيء تمسه النار يتوضأ منه ، لكن جابرا رضي الله عنه ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر لم يتوضئوا ليؤكد ما كان يذكره رضي الله عنه من  أن آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ، وهذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام ومن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يدل على أن الأمر السابق ليس على سبيل الوجوب ، ولكن هل هو على سبيل الاستحباب أم لا ؟ ففرق بين الأمرين ، فجابر رضي الله عنه في ظاهر ما يرويه وكذلك أخذ به بعض العلماء من أنه لا أمر فالأمر السابق نسخ وهو الأمر مما مسته النار ، فلا استحباب ولا وجوب .

ولكن نحن نقول يستحب جمعا بين الأدلة ، فهو عليه الصلاة والسلام توضأ لما أكل مما مست النار وأمر بذلك ، وترك الوضوء فنأخذ بالأدلة كلها ، والمشكل ليس هنا ، وإنما المشكل كما سيأتي معنا إن شاء الله في بعض السنن ( كان آخر الأمرين ) هذا هو دليل من يقول بأنه ليس مستحبا ولا واجبا ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار )

والراجح أنه يستحب أن يتوضأ مما مست النار .

ومن الفوائد :

أن أكل الطعام ولو تعدد وتنوع فلا بأس به ، فقد ينكر على بعض الناس فيما لو أكل نوعين من أنواع الطعام ، ولكن الشرع جاء بالتسامح في ذلك ، لا شك أن الاقتصار على نوع واحد من أنواع الطعام أقرب إلى الزهد ، ولكن لو فعل أحيانا كما فعل عليه الصلاة والسلام فلا بأس ، ولو استمر عليه أيضا لا بأس ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تعدد عنده الطعام هنا ، فأكل من أكثر من نوع ، وقد ذكر بعض المفسرين تحت قول الله عز وجل { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا }الأحقاف20 ، أن عمر رضي الله عنه قدِّم له نوعان من الطعام،  فذكر الآية ) وهذا من باب تزهيد الناس في الدنيا ، وإلا فقد فعل رضي الله عنه كما جاء في هذا الحديث ، لكن ينبغي للإنسان أن يمرن نفسه على الاقتصاد في الطعام ، هذا هو الأفضل ، لكن نريد هنا بيان الجواز، لكن الأكمل يختلف ، وذكر الخبز واللحم يدل على أنه من ألذ الأطعمة ، لأن الجمع بين الخبز وبين اللحم يكون من ألذ الطعام ، ومعلوم أن اللحم له قدره فيما مضى وحتى في حاضرنا ، وكذلك الخبز ، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ( أكرموا الخبز )

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كثرة الطعام وكثرة المتع لا تدل على خيرية في الدين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم ( كيف بأحدكم يغدى عليه بقصعة ويراح عليه بأخرى ؟ قالوا يا رسول الله نكون كما أمرنا الله ، قال لأنتم اليوم خير من يومئذ ) فكيف لو رأى حالنا ؟ قصعات وليست وجبتان في اليوم ، بل ثلاث وجبات رئيسية ويتخلل هذه الوجبات وجبات متقطعة ، ويا ليتنا نقتصر على أقل ما يكون من الطعام إذا تناولناه ، لا نقوم من الطعام إلا وقد امتلأت المعدة كلها ، لا مجال للماء ولا للنفس ، ثم إذا قدِّم الأكل بين يدي الإنسان مع كثرته كأن هذا الأكل سيرفع منه بعد ثوان يأكل أكلا نهما ، وهذه مشكلة لدينا ، وظاهرة ليست طيبة ، والله المستعان .

 

 

حديث رقم – 490-

( صحيح ) عن الزهري قال حضرت عشاء الوليد أو عبد الملك فلما حضرت الصلاة قمت لأتوضأ فقال جعفر بن عمرو بن أمية أشهد على أبي أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل طعاما مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ )

هذا الحديث يؤكد ما سبق ، من أن الأمر السابق ليس على سبيل الوجوب ، ولكن هل هو على سبل الاستحباب أو الجواز ؟ مر معنا .

حديث رقم – 491-

( صحيح ) عن أم سلمة قالت أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف شاة فأكل منه وصلى ولم يمس ماء )

من الفوائد :

قولها  ( ولم يمس ماء ) يدل على نفي الوضوء وعلى نفي غسل اليدين ، إذاً لا وضوء حاصل لا من حيث اللغة ولا من حيث الشرع .

وذكر ابن ماجه رحمه الله لهذه الأحاديث مع اختلاف الرواة من ذكور وإناث يريد أن يؤكد ويقرر أن الأمر السابق ليس على سبيل الوجوب ، وأن الأكل مما مست النار ليس ناقضا للوضوء .