تعليقات على سنن ابن ماجه ( 48 ) من حديث ( 504-507 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 48 ) من حديث ( 504-507 )

مشاهدات: 561

تعليقات على سنن (  ابن ماجه )

الدرس الثامن والأربعون

 504-507    

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الوضوء من المذي

حديث رقم – 504-

( صحيح ) عن علي قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي ؟ فقال فيه الوضوء وفي المني الغسل )

من الفوائد :

أن عليا رضي الله عنه قال ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي ؟ ) فيمكن أن يكون هناك من وقع في المذي هل هو ملزم بالغسل أو لا ؟ فيكون مشاركا لعلي رضي الله عنه لما وقع فيه ، كما مر معنا في السنن الأخرى ، أوأن قول علي رضي الله عنه ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) باعتبار من وكَّله في السؤال ، كعمار بن ياسر أو المقداد رضي الله عنهم ، كما مر معنا .

ومن الفوائد :

أن المذي ماء رقيق يخرج عند المداعبة أو عند تذكر الجماع ، ولما كان هذا المذي شبيها من حيث السبب وهو وجود الشهوة ومن حيث المخرج ومن حيث القرب في الصفات جعل عليا يغتسل منه ، وكان رجلا مذَّاء ، حتى تشقق جلده رضي الله عنه ، ولذا أمرا عمارا أو المقداد فسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، ومن بين ما أخبره قال ( يغسل ذكره ويتوضأ ) ولذا لما كان هذان الماءان قريبين من بعض جُمِعَا في هذا الحديث فكان حكم المذي الوضوء وحكم المني الغُسل ، وهذا يدل على أن ما خرج من السبيلين يكون ناقضا للوضوء ، لأن المذي أوجب فيه النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء ، ثم إن ذكر هذين النوعين من السوائل يدل على أن ما خرج من الذكر مما يشبه المني أن لكل خارج حكما ، ولذا نجد أن ما يخرج من ذكر الإنسان مما يشابه المني ” المذي ” وهناك ” الودي ” فنجد أن المني حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن فرضه الغسل ، بأن يعمم الإنسان بدنه بالماء

” المذي ” جعل النبي صلى الله عليه وسلم فرضه الوضوء ، وقبل الوضوء – كما مر معنا في الروايات الأخرى ( أن يغسل ذكره وأنثييه ) يعني خصيتيه .

” الودي ” وهو سائل يخرج من الذكر لونه كلون المني تماما ، وهو يخرج عقيب البول فإذا انقطع البول خرج ، فهذا حكمه كحكم البول يغسل منه ما أصاب الذكر فقط ، ولا يلزم أن يغسل الذكر كله ولا يلزم من باب أولى أن يغسل أنثييه .

والفرق بين الودي والمني حتى يتبين فرض كل سائل أن ما خرج بشهوة في حال اليقظة يكون منيا ، وكذلك ما خرج في المنام سواء كان بشهوة أو لم يكن ، ففي حال المنام سواء خرج بشهوة أو لم يكن يجب فيه الغسل لأنه مني ، لكن في حال اليقظة يكون منيا إذا كان بشهوة ، أما إذا خرج من غير شهوة فهو الودي ، فلو ضرب الإنسان في عموده الفقري أو أجريت له عملية في عموده الفقري فخرج منه مني من غير شهوة فليس بمني وإنما هو ودي ، إذاً الفرق في حال اليقظة أنه إذا نزل بشهوة فهو مني وإن لم ينزل بشهوة فهو الودي ، ويكون حكمه كحكم البول .

حديث رقم – 505-

( صحيح ) عن المقداد بن الأسود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدنو من امرأته فلا ينزل قال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه يعني ليغسله ويتوضأ )

من الفوائد :

أن من علامات المذي كما أسلفنا أنه يكون عند مداعبة الزوجة ، ولذلك سأل المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عن الرجل يدنو من امرأته ) هو لم يجامعها وإنما دنا منها ، وهذه هي المداعبة .

ولذلك لو قال قائل : من أين لكم الدليل على أن الذي يخرج من الذكر عند المداعبة أو عند تذكر الجماعة أنه المذي ؟

فاذكر له هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أنه يبين ما أجمل في الحديث السابق ، فإن الحديث السابق قال ( فيه الوضوء ) ولم يذكر نضح الفرج ، ومن ثم فإنه يلزم قبل الوضوء بناء على هذا الحديث أن ينضح فرجه ، والنضح معناه في الأصل رش الماء ، لكن قد يخرج عن هذا المعنى إلى معنى الغَسل كما هنا ، ولذلك فُسِّر بأنه ( الغسل ) ولم يُذكر في هذا الحديث أنه يلزم غسل الأنثيين ، ولكن مر معنا أنه ثبت عند أبي داود ، وعليه العلماء المحققون من أهل الحديث ، بينما هناك من العلماء من لا يرى غسل الأنثيين ، لم ؟ قالوا لأن البخاري ومسلم رحمهما الله عدلا عن ذكر هذه اللفظة ، ونحن نقول إن تركهما لأحاديث لا يدل على أنها ضعيفة ، ولذلك في غير الصحيحين أحاديث كثيرة ولكنها صحيحة .

ومرت معنا مسألة ” الوضوء قبل الاستنجاء ” وبينا خلاف أهل العلم في ذلك .

ومن الفوائد :

أن الأمر بالغَسل هنا يدل على أن الاستجمار لا يجزئ في المذي ، بخلاف البول ، فإن للإنسان أن يستجمر بورق أو بحجر مع وجود الماء ، لكن بالنسبة إلى المذي إذا كان الماء موجودا فلا يجزئ الاستجمار ، لم ؟ لأنه نص هنا على الغسل ، ويؤكده رواية أبي داود ( أنه نص على غسل الأنثيين ) فدل على أن الاستجمار غير مجزئ في تطهير المذي .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أن المذي نجس ، فيغسل منه البدن والثياب ، فكما أن البدن إذا أصيب بالمذي يجب غسله كذلك إذا أصاب الثوب يغسل ، والمسألة خلافية في هذا ، لأن من العلماء من قال بأن المذي إذا أصاب البدن – هذا في غير المخرج  ، فالمخرج يغسل مع الأنثيين – لكن إذا أصاب البدن أو الثوب فإنه ينضح بالماء يعني يرش بالماء ، والصواب أن يقال جمعا بين الأدلة ما أصاب البدن من المذي يجب غسله لهذا الحديث ، وما أصاب الثوب ينضح ، لما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .

حديث رقم – 506-

( حسن ) عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة فأكثر منه الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال إنما يجزيك من ذلك الوضوء ، قلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي ؟ قال إنما يكفيك كف من ماء تنضح به من ثوبك حيث ترى أنه أصاب )

من الفوائد :

أن سهل رضي الله عنه كان مصابا بمثل ما أصيب به علي رضي الله عنه لما قال ( كنت رجلا مذاء ) وكان يفعل فعل رضي الله عنه ، وهذا يدل على أن الفرق بين المذي والمني عسير ، ولذلك فعل ما فعل رضي الله عنهما .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لما رجحناه من أقوال العلماء من أن المذي إذا أصاب البدن غسل وإذا أصاب الثوب نضح ، فهنا فرَّق بين الأمرين ، فإنه لما سأله عن الثوب اكتفى بالنضح  .

ومن الفوائد :

أن المفعول به قد يحذف للعلم به ، قال ( حيث ترى أنه أصاب ) يعني أصابه ، بل يحذف الفاعل والمفعول معا إذا كان السياق يوضح ذلك ، فالأصل ” ترى أنه أصاب الماء الثوب المتنجس ” .

حديث رقم – 507-

( ضعيف الإسناد ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا مسعر عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية عن ابن عباس أنه أتى أبي بن كعب ومعه عمر فخرج عليهما فقال إني وجدت مذيا فغسلت ذكري وتوضأت فقال عمر أو يجزئ ذلك قال نعم قال أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم )

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن كبار الصحابة رضي الله عنهم قد يجهلون بعض الأحكام ويعلم بها من هو دونهم ، ولهذا نظائر ، فقد خفي على كبار الصحابة بعض الأحكام التي علم بها من هو أقل منهم ، وهذا يدل على أن الأمة أمة تكاملية ويجب على أفراد الأمة أن يكونوا كذلك ، فلا يستنكف الكبير من أن يأخذ من الصغير ، ولا يستنكف العالم أن يأخذ ممن هو أقل منه علما إذا كان ما أتى به حقا ، لأن الأمة تكاملية ولا يمكن أن يكون لأمة قدر وشأن إلا بهذا الأمر ، فإن ما تعلمه قد يخفى على غيرك ممن هو أعظم قدرا وشأنا وعلما .

ولو صح هذا الحديث لدل على أن الحوار في طلب العلم مطلب شرعي ويكون بتؤدة ، لأن المقصود هو الوصول إلى الحق ، ولذلك كان الحوار هادئا ، لم ؟ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانت قلوبهم تقية نقية ، تريد أن تصل إلى الحق ، سواء كان هذا الحق من حيث الوصول إليه من طريقي أو من طريق شخص آخر ، وهذا أعلى درجة في الإخلاص ، فيا ليت الأمة الإسلامية في هذا العصر تحذو حذو هؤلاء العظماء ، حتى يسعدوا ويفوزوا بخيري الدنيا والآخرة .