تعليقات على سنن ابن ماجه ( 53 ) من حديث ( 526-530 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 53 ) من حديث ( 526-530 )

مشاهدات: 472

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس الثالث والخمسون   )

526-530

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم

حديث رقم – 526-

( صحيح ) عن أبي السمح قال كنت خادم النبي صلى الله عليه وسلم فجيء بالحسن أو الحسين فبال على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رشه فإنه يغسل بول الجارية ويرش من بول الغلام )

من الفوائد :

هذا الحديث مر ما يشابهه مما يتعلق بهذه المسألة وهي مسألة بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، ويمكن أن يضاف إلى ما ذكر فيما مضى :

أن أبا السمح رضي الله عنه ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي خدم النبي صلى الله عليه وسلم كثر ، وقد ذكرهم ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد فبلغوا ثمانية .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن النضح هو الرش، كما في هذه الرواية ، فهناك روايات ( ينضح بول الغلام ) لأن النضح له معنيان إما الغسل وإما الرش ، فاستبان هنا أن النضح الوارد في الأحاديث الأخرى هو الرش ، لأن هناك من العلماء من يقول إن النضح هو الغسل .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من حبه للصغار ، ولذلك كان يلاعبهم ويداعبهم ، وكان صلى الله عليه وسلم أحيانا يخرج لسانه للحسن أو للحسين ، وكان يتلطف عليه الصلاة والسلام مع هؤلاء الأطفال ، ولذلك بال على صدره عليه الصلاة والسلام مما يدل على أنه كان في حالة ضمَّ فيها الصغير الذي هو الحسن أو الحسين .

حديث رقم – 527-

( صحيح بما قبله ) عن أم كرز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل )

ما قيل فيما مضى يقال هنا ، ثم إن إيراد هذه الأحاديث مع أن حديثا منها واحدا يكفي هذا يدل على أن الأدلة كلما كثرت كلما قوي المدلول ، فكون الشيء يأتي عليه دليل واحد ولو كان صحيحا ليس في القوة كأن يأتي عليه دليلان أو ثلاثة أو أكثر ، وهذه قاعدة ذكرها بعض العلماء [ كلما كثرت الأدلة كلما قوي المدلول ] وهذا المدلول يمكن ألا يكون قويا لو جاء نص واحد ، بأن يكون في هذا النص ما فيه من الضعف ، فإذا أتت أحاديث أخرى ارتقت به من درجة الضعف إلى درجة الحسن لغيره ، وقد يكون صحيحا لغيره وينتقل إلى الصحيح لذاته .

باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل ؟

حديث رقم – 528-

( صحيح ) عن أنس أن أعرابيا بال في المسجد فوثب إليه بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه )

من الفوائد :

وجوب احترام المساجد بألا يوضع القذر فيها من بولٍ ونحوه ، فما فعله هذا الأعرابي منكر ، ولذلك أنكر عليه الصحابة رضي الله عنهم ، بل بين له النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره ( أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من القذر إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن والصلاة )

ومن الفوائد :

أن على الداعية أن يكون على بصيرة بأحوال الناس ، فالناس ليسوا على درجة واحدة من العلم والفهم ، فلابد أن يتعامل مع كل شريحة من شرائح الناس بما يناسبهم ، لأنه يريد بذلك أن ينفعهم ، فمن ينفع معه اللين لا ينفع مع شخص آخر ، ومن تنفع معه الشدة لا تنفع مع شخص آخر .

ومن الفوائد :

أن وصف هذا الرجل بأنه ” أعرابي ” يدل على أنه كان جاهلا ، والأعرابي هو من سكن البادية حتى لو لم يكن في الأصل من أهل البادية ، فمن كان من المدن وسكن في الصحراء فهو من الأعراب ، ومن كان ساكنا في الصحراء وسكن في المدن فإنه لا يعد أعرابيا ، ولا يعد من أهل البادية ومن الفوائد :

أن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها وإزالة المفاسد وتقليلها ، ولذا أخذ العلماء من هذا الحديث ومن غيره قواعد منها [ يختار أهون الشرين ] ومنها [ ترتكب أدنى المفسدتين دفعا لأعظمهما ]

فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك هذا الأعرابي يبول ونهى الصحابة رضي الله عنهم أن يقطعوا عليه بوله ، مع أن في بوله في المسجد مفسدة ، لكن هذه المفسدة أقرها النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تترتب مفاسد أخرى أكثر إذا دفعت هذه المفسدة ، من بينها :

أن هذا الأعرابي بال في بقعة محصورة فلو أزرموه فقام تنجس أكثر من موضع من المسجد .

ومن المفاسد : أنه إذا أُزرم قد تتلوث ثيابه وسراويله .

ومن المفاسد : أنه قد يكره الإسلام ويكره أهله ، لأنه كان جاهلا ، ولذلك كما سيأتي معنا قال ( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ) فهذا يدل على جهله ، فربما لو أزرم لكان ذلك سدا لباب الخير أمامه .

ومن المفاسد : أنه إذا أزرم وقطع عليه بوله أصيب بأمراض في أعضائه التناسلية ، فلأجل هذه المفاسد تركه النبي صلى الله عليه وسلم على حاله ، وهذا كما أسلفنا على الداعي أن يكون بصيرا بأحوال من يدعوه ، فإنه بمثابة الطبيب ومن يعص الله عز وجل بمنزلة المريض ، وكل مريض يحتاج من الأسلوب ما لا ينفع مع المريض الآخر .

ومن الفوائد :

أن بول الآدمي نجس نجاسة متوسطة فيكتفى فيها بالغسل ، ولذا أمر عليه الصلاة والسلام أن يصب على بوله بدلو من ماء ، ولم يكرر الغسل ، ومن ثم فإن قول من يقول بأن الأنجاس يلزم أن تغسل ثلاثا أو أن تغسل سبعا ، فهذه لا دليل عليه .

ومن الفوائد :

أن الأرض متى ما تنجست بنجاسة بقطع النظر عن هذه النجاسة سواء كانت مخففة أم مغلطة أم متوسطة فإن تطهيرها يكون بصب الماء عليها حتى يزول أثرها ، فإن زال أثرها بالصبة الأولى كفى ، وإن لم يزل الأثر فيصب عليها صبة أخرى حتى يحصل التطهير ، وإذا كان لها جرم كأن يكون ما على الأرض من النجاسة له جرم كالغائط فإن الواجب أن يزال هذا الجرم ، لأن هذا الجرم لو صببت عليه مياه غزيرة ما طهر ، لم لأنه نجاسة عينية ، فيزال هذا الجرم ثم يصب الماء على هذه الأرض ، لكن إن كان لا جرم له فيكفي فيه صب الماء .

هل يلزم الإنسان بأن يأخذ التراب ويلقيه بعد أن يصب الماء عليه ؟

الجواب : لا يلزم بهذا ، وما ورد من الأمر بذلك فإنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن شيخ الإسلام رحمه الله قال في الفتاوى إن الأرض إذا حكم بطهارتها جاز التيمم عليها ، فمثل هذا الموطن الذي وقعت فيه النجاسة فصب عليه الماء حتى طهر فهذا الموطن لو جف وأراد الإنسان أن يتيمم عليه فله ذلك لأنه طاهر .

ومن الفوائد :

أن على الإنسان أن يسد أبواب الوساوس ، فإن هذا الصب قد يصيب الماء من هذه النجاسة فيتطاير هذا الماء ، فلا يقل أحد ربما أن النجاسة انتشرت حول هذا المكان ، فعلى المسلم أن يأخذ بجانب اليقين وألا يفتح عليه باب الوساوس .

ومن الفوائد :

أنه قال هنا ( دلو من ماء ) فقيد بالماء ، لم ؟ لأن الدلو هو الإناء العظيم ولا يسمى سجْلا أو ذنوبا إلا إذا كان فيه ماء ، أما إذا خلا من الماء فلا يسمى سجلا ولا يسمى ذنوبا وإنما يسمى دلوا .

حديث رقم – 529-

( حسن صحيح ) عن أبي هريرة قال دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقال اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لقد احتظرت واسعا ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول فقال الأعرابي بعد أن فقه فقام إلي بأبي وأمي فلم يؤنب ولم يسب فقال إن هذا المسجد لا يبال فيه وإنما بني لذكر الله وللصلاة ثم أمر بسجل من ماء فأفرغ على بوله )

من الفوائد :

أن هذا الدعاء من هذا الأعرابي صدر قبل بوله ، وهذا يدل على جهله .

ومن الفوائد :

أن قوله ( احتظرت ) أي منعت ، فالحظر هو المنع، والذي منعه هو رحمة الله عز وجل ، ورحمة الله عز وجل واسعة ، ولذا كان هذا من الاعتداد في الدعاء ، وأما ضحكه عليه الصلاة والسلام فهو إما أن يكون إنكارا لمقولته وإما تأنيسا له ، وبيانا لعظم جهله لما دعا بهذا الدعاء .

ومن الفوائد :

أنه قام ” فَشَجَ ” يبول بالتخفيف ورويت بالتشديد ” فشجَّ ” والمراد من ذلك أنه  فرَّج ما بين رجليه لكي يبول .

ومن الفوائد :

أن بول الإنسان قريب من الناس بحيث لا تُرى عورته ليس به بأس ، ولذلك أتت أحاديث كما في حديث حذيفة في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يستره وأمره أن يجلس عند عقبه  فكان حذيفة قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم لما بال ، فدل على الجواز ، لكن الأفضل أن يكون الإنسان بعيدا ، بحيث لا يرى كما هو الراتب من فعله عليه الصلاة والسلام في حديث المغيرة .

ومن الفوائد :

أن النبي عليه الصلاة والسلام علَّم هذا الأعرابي حرمة المسجد ، وأن المسجد لا يصلح فيه شيء من هذه القاذورات ، وإنما بني لذكر الله وللصلاة ولقراءة القرآن وسائر ما يتقرب به إلى الله عز وجل .

حديث رقم – 530-

( صحيح بما قبله ) عن واثلة بن الأسقع قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا فقال لقد حظرت واسعا ويحك أو ويلك قال فشج يبول فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه ثم دعا بسجل من ماء فصب عليه )

من الفوائد :

أن كلمة ( ويل ) تدل على أن الإنسان وقع في محظور فيزجر عنه ، وأما كلمة ( ويح ) فإنها كلمة تدل على أن الإنسان وقع في محظور فيترحم عليه ، وهذا كما أسلفنا يرجع فيه إلى ما ذكرنا من ضحك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال هذه المقولة ، وقد يترحم على من فعل المنكر من باب أنه جاهل ، أما من كان عالما فإنه لا يقال له ويحك وإنما يقال له ويلك .

ومن الفوائد :

أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا ( مَهْ ) وهي اسم فعل ، معناها ” اكفف ” يعني كف عما تريد أن تفعله ، لأنه فعل منكراً وهو البول في المسجد ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بتركه .