تعليقات على سنن ابن ماجه ( 6 ) من حديث ( 157 ـ 176 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 6 ) من حديث ( 157 ـ 176 )

مشاهدات: 461

شرح  سنن ( ابن ماجه )

الدرس السادس / ( 157 ـ 176 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

 

فَضْلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ

 

حديث رقم – 157-

 ( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟» فَقَالُوا لَهُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» )

من الفوائد :

أن قبول الهدية التي هي محرمة في ذاتها على الرجل قبولها جائز ، فإن الحرير لا يجوز لبسه للرجل في جميع الأحوال ، فيمكن أن تقبل الهدية وتعطى لمن يجوز له أن يستخدمها .

 

ومن الفوائد :

أن في الجنة مناديل .

 

ومن الفوائد :

فضل سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وما كان مذكورا من نعيم الجنة إنما هي يتوافق من حيث الاسم مع ما لدينا في هذه الدنيا ( ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء ) كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، قال تعالى : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } البقرة25 ، على أحد وجوه التفسير ، هو هو من حيث الاسم لكن من حيث الطعم ومن حيث المعنى يختلف اختلافا كبيرا .

 

ومن الفوائد :

أن الشيء المحرم لبسه يجوز أن يمس باليد ، فلو أن إنسانا أخذ سرقة من حرير يعني قطعة من حرير فمسها بيده ، أو أخذ قطعة من الذهب فوضعها في يديه دون أن يلبسها فجائز كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم .

حديث رقم – 158-

( صحيح )

 

 (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»)

من الفوائد :

الرد على الجهمية وما شابههم إذ فسروا العرش بأنه المُلْك ، ولذلك يقولون : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } طه5 ، يعني استولى على المُلك ، وهذا تعطيل للنص الشرعي عن معناه الحقيقي ، فيقولون إن العرش هو الملك ، وهذا خطأ ، لأن الملك شيء معنوي ، فكيف يهتز ؟!

 

فَضْلُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ

 

حديث رقم – 159-

( صحيح )

 

 (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا»)

 

من الفوائد :

فضل جرير رضي الله عنه إذ دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة المباركة ، فكون الإنسان يكون هاديا لغيره مهديا في نفسه ، لا شك أنه جمع الخصال الحسان ، وهي خصلة العلم والعمل الدعوة .

 

 

ومن الفوائد :

بيان قرب جرير بن عبد الله من النبي صلى الله عليه وسلم قربا جعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع جريرا من الدخول عليه .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص بعض أصحابه بمزيد من التبسم كلما رآه ، فهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه سلم لا يتبسم في وجه كل أحد كلما رآه ، فأصبحت هذه مزية لجرير رضي الله عنه .

 

ومن الفوائد :

أن الثبات على الخيل مطلب شرعي ، لأنه يدل على رجولة الإنسان ، ولأن في الثبات على الخيل تعويدا للإنسان على آلات الحرب والجهاد ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة )

 

فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ

 

حديث رقم – 160-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِيكُمْ؟» قَالُوا: خِيَارَنَا، قَالَ: «كَذَلِكَ هُمْ عِنْدَنَا خِيَارُ الْمَلَائِكَةِ»)

 

من الفوائد :

أن الملائكة شاركت أهل بدر في تلك الغزوة ، وهذا شيء معروف ومذكور في كلام الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }الأنفال9

ومن الفوائد :

فضل أهل بدر رضي الله عنهم ، فإنهم استحقوا هذا الفضل باعتبار أنها أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وفيها من المتاعب والمشاق ما الله به عليم ، وهذا يفيدنا أن العمل كلما كان متعبا للإنسان – أقصد العمل الصالح – فإن فضله يعظم ، ففرق بين حال السعة وحال الضيق ، بين حال الفقر وحال الغنى ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند النسائي يقول ( سبق درهم مائة ألف درهم ) يعني في الأجر ( رجل له درهمان فتصدق بأحدهما وأبقى الآخر ) إذاً كأنه تصدق بنصف ماله ، لأنه لا يملك إلا هذين الدرهمين ( ورجل أخذ من عرض ماله مائة ألف ، فسبق درهم مائة ألف درهم )

 

ومن الفوائد :

أن الملائكة يتفاوتون في الفضل ، ولذلك أثنى الله سبحانه وتعالى جبريل {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ }التكوير20 ، كذلك من شهد بدرا من الملائكة لهم فضل وخيرية ما ليست لغيرهم .

 

حديث رقم- 161 –

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» )

 

حديث رقم – 162-

( حسن )

 

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلوقٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ» )

من الفوائد :

الرد على الروافض الذين سبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الخطاب قيل إنه موجه لمن سيأتي بعد الصحابة ، وقيل إنه موجه لمن أسلم بعد الفتح ، فمن أسلم بعد الفتح ليس له من الفضل مثل من أسلم قبل الفتح {  لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا }الحديد10

 

والمقصود من الفتح هو ” صلح الحديبية ” ومما يؤكد هذا القول أن سبب هذا الحديث أن خالدا جرى بينه وبين عبد الرحمن بن عوف مغاضبة ، فسب خالد عبد الرحمن ، ليس سبا ولعنا – لا – وإنما عدم الرضا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقولة ( لا تسبوا أصحابي ) مع أن خالدا من أصحابه ، فدل على أن الصحبة تتفاوت ، فليس الصحابة على درجة واحدة ، وهذا يؤكد ما أسلفت من أن من أنفق في حال العسر وجاهد ووقف مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس كمن لم تحصله له هذه الحال ، ففرق بين من عانى قبل الفتح ومن عانى بعد الفتح .

 

ومن الفوائد :

أن ( النصيف ) لغة في النصف .

 

ومن الفوائد :

أن العمل القليل في وقت الحاجة يعظم العمل الكبير ، لأن إنفاق المد أو نصف المد معلوم أنه لا يساوي من حيث الأثر في الواقع لا يساوي مثل إنفاق ذهب مثل جبل أحد ، لكن المعول عليه ما في القلب عند الله سبحانه وتعالى .

 

ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله : ” إن الأعمال تتفاوت بحسب ما يتفاوت في القلوب ” يقول ” قد يصلي إنسان ركعتين وآخر يصلي ألف ركعة ، فما بينهما من الأجر كما بين السماء والأرض ” فصاحب الركعتين أفضل لما في قلبه .

وهذه قاعدة يسير عليها طالب العلم ، فلو جاء نص آخر من الكتاب أو السنة يقعِّد ، فطالب العلم ينبغي له ألا يأخذ الشتات – كلا – وإنما إذا أخذ فائدة كقاعدة يسير عليها و يطبقها على أي نص يمر به ، يقول هذا الحديث مثل ذلك الحديث ، هذا الحديث مثل سياق تلك الآية ، فحينها لو شاء أن يتكلم في يوم من الأيام عن فضل العلم النافع  في وقت الحاجة يمكن

أن يسرد من الآيات والأحاديث الشيء الكثير .

 

فَضْلُ الْأَنْصَارِ

 

حديث رقم – 163-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِعَدِيٍّ: أَسَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؟ قَالَ: إِيَّايَ حَدَّثَ )

من الفوائد :

بيان فضل الأنصار ، لأنهم ناصروا النبي صلى الله عليه وسلم ووقفوا معه ، فمحبة هؤلاء علامة الإيمان ، وبغض هؤلاء علامة النفاق ، لم ؟ لأن بغض هؤلاء يدل على أنه غير راغب في الإسلام ، أما ما يجري من بغضاء تحصل بينهم في الأمور الدنيوية ، فهذا قد سبق الحديث عنه ولا يدخل ضمن الحديث ، فالمراد هنا البغضاء الدينية .

 

حديث رقم – 164-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اسْتَقْبَلُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، وَاسْتَقْبَلَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ»)

من الفوائد :

أن الأنصار قريبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم كقرب الثوب الذي يلي الجسد ، وليس الثوب الذي بينه وبين الجسد ثوب آخر الذي هو الدثار ، فالشعار هو الثوب الذي يلاصق البدن ، والدثار هو الثوب الذي بينه وبين البدن حائل ، فهذا يدل على قربهم ، بل يدل على أنهم أصحاب سِرٍّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب ستر .

 

ومن الفوائد :

بيان فضل الهجرة ، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار ، ولذلك قدمهم الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر ، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية ، من أن المهاجرين أفضل من الأنصار ، كلاهما له فضل لكن المهاجرين يفوقونهم ، ولذلك قال تعالى : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحشر8

ثم ذكر الأنصار { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر9 .

ثم ذكر من يأتي بعدهم {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10 .

حديث رقم -165-

( ضعيف جدا بهذا اللفظ )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ»)

 

من الفوائد :

هذا الحديث يصححه بعض العلماء بهذا اللفظ ، ويقول إن المقصود منه القرون المفضلة ، لأنه لو كان يقصد أحفاد الأنصار لاكتفى بالجملة الثانية ولما زاد الجملة الثالثة ، وذلك لأن أبناء الأبناء يعدون أبناء ، فكأنه أراد بذلك القرون المفضلة الثلاثة ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )

والأبناء هم الذكور ، لكن قالوا إن الإناث يدخلون ضمنا ، فإن صح ما ذهب إليه هؤلاء العلماء فإن الابن يمكن أن يطلق على الذكر والأنثى .

فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

 

حديث رقم – 166-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ، وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ»)

 

من الفوائد :

أن ابن عباس رضي الله عنهما ظفر بدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ضمه عليه الصلاة والسلام يدل على القرب ، ولأن موضع الضم هو الصدر ، والصدر هو محل العلم ، فهذه فضيلة لابن عباس رضي الله عنهما ، ولذلك يعد ” حبر الأمة وترجمان القرآن “

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بعلمين علم الحكمة وعلم القرآن ، هذا إذا كانت الحكمة هي السنة ، كما قال بذلك بعض العلماء وله وجه قوي ، من أن الحكمة هي السنة ، لأن الله سبحانه وتعالى جمع بينهما في كلامه : { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }البقرة129 ، وبعضهم قال : ( الحكمة ) هي وضع الشيء في موضعه المناسب له ، ففيه معرفة أسرار القرآن .

 

ومن الفوائد :

أن التأويل في الشرع ليس مذموما ، فإن من التأويل المحمود نوعين ، من بين هذين النوعين هذا النوع تأويل القرآن يعني تفسير القرآن .

 

بَابٌ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ

 

حديث رقم – 167-

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ، فَقَالَ: «فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، أَوْ مُودَنُ الْيَدِ، أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ، وَلَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» : قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )

 

من الفوائد :

فضيلة علي رضي الله عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الخوارج وذمهم أخبر بأن من بينهم رجل ناقص اليد ، فكان المقاتل لهم هو علي رضي الله عنه ، فهذه منقبة له .

 

ومن الفوائد :

أن في قتال الخوارج أجورا كبيرة ، ولذلك قال : ( ولولا أن تبطروا ) يعني لولا أن تتركوا العمل اتكالا على العمل الذي قمتم به من قتال الخوارج ، لأخبرتكم بهذا الفضل ، ويدل على أن من بين أنواع البطر أن يترك الإنسان العمل الصالح ، فإذا ترك النعمة الدينية وهي نعمة العمل الصالح يعد من أهل البطر .

 

حديث رقم – 168-

 

( حسن صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ النَّاسِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَمَنْ لَقِيَهُمْ فَلْيَقْتُلْهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ»)

 

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفة الخوارج ، وأن من بين أوصافهم أنهم حدثاء الأسنان ما زالوا صغارا ، وأنهم سفهاء الأحلام ، يعني أنهم ناقصو العقول ، وأنهم يقرءون القرآن قراءة مجردة خالية من المعنى والفهم السليم ، ولذلك  قال ( لا يتجاوز تراقيهم ) وهي العظام التي في أعلى الصدر ، فالقرآن لا يصل إلى قلوبهم حتى ينفعهم ، وأنهم يخرجون من الدين خروجا سريعا كما يخرج السهم ، لأن خروج السهم سريع .

 

ومن الفوائد :

أن قوله : ( يمرقون من الإسلام ) أخذ منه بعض العلماء أنهم كفار ، ولكن الجمهور كما قال شيخ الإسلام رحمه الله يرون أنهم ليسوا بكفار وإنما هم بغاة عصاة ارتكبوا كبائر لا يخرجون بسببها من الدين ، وقال رحمه الله إن قتال علي رضي الله عنه لهم إنما هو من أجل أن يكف شرهم لأنهم استباحوا دماء المسلمين ، وكفروا المسلمين بارتكاب الكبائر

 

وتوجيه هذا الحديث ( يمرقون من الدين ) أن هذه النصوص من نصوص الوعيد ، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة نمَّام ) فهذه من باب نصوص الوعيد التي لا يخرج صاحبها من ملة الإسلام .

 

حديث رقم – 169-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِي الْحَرُورِيَّةِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ «قَوْمًا يَتَعَبَّدُونَ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصَوْمَهُ مَعَ صَوْمِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَخَذَ سَهْمَهُ فَنَظَرَ فِي نَصْلِهِ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَنَظَرَ فِي رِصَافِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَنَظَرَ فِي قِدْحِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَنَظَرَ فِي الْقُذَذِ فَتَمَارَى، هَلْ يَرَى شَيْئًا أَمْ لَا»)

 

من الفوائد :

بيان صفة أخرى من صفات الخوارج وأن لديهم عبادة هذه العبادة عظمت إلى درجة أن الصحابي الذي بلغ من الحرص على العمل ما بلغ يحقر صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، ولكن هذه العبادة لا تفيد صاحبها شيئا ما لم تربط العبادة بالعلم الصحيح ، ففيه إشارة إلى أن الإنسان بإذن الله ينجو بالعلم السليم الصحيح الذي يتلقاه من أهله .

 

ومن الفوائد :

أن فيه بيانا أوضح لجملة ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) يعني حينما يرمي سهمه على صيد هذا الصائد ينظر إلى آثار الدم في سهمه في ريشه في خشبته في نصله ( فتمارى ) يعني يشك ، ما يرى دما ، فهذا يدل على سرعة خروجهم من الدين .

 

حديث رقم – 170-

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو، أَخِي الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: وَأَنَا أَيْضًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

من الفوائد :

أن هذا الحديث ذكر ( الحُلوق ) بينما الحديث السابق ذكر ( التراقي ) وذلك بسبب قرب الموضعين ، فالتراقي والحلوق قريبة من بعض .

 

ومن الفوائد :

أن هؤلاء الخوارج متى ما خرجوا من الدين وبعدوا عنه وعن آدابه وأحكامه فصعب أن يعودوا ، لأن عندهم متمسك سليم وهو القرآن لكن ما فهموه ، يقولون القرآن يقول بكذا ، لكن فهموا من القرآن الذي هو مستند صحيح ، فهموا منه فهما على غير الفهم الذي فهمه السلف رحمهم الله .

 

ومن الفوائد :

أن الخوارج بزغوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، صحيح أنه لما أتى رجل وأنكر على النبي صلى الله عليه وسلم في القسمة ، فقال صلى الله عليه وسلم ( يخرج من ضئضئي  هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ) فهذه علامة على أن هناك خوارج سيأتون ، وبالفعل أتوا في أواخر خلافة عثمان وبداية خلافة علي رضي الله عنهما .

 

ومن الفوائد :

أن الخوارج شرار الخلق والخليقة ، إما أن تكون ( الخليقة ) كما قال بعض العلماء من باب التأكيد .

وإما أن تكون الدواب ، فالخلق يرجع إلى بني آدم ، والخليقة إلى الدواب ، وهذا أولى لأن النص الشرعي إذا دار بين التأسيس وبين التوكيد ، فحمله على التأسيس أولى إلا بدليل ، فكونه يقال إن الخليقة بمعنى الدواب يعطي معنى آخر زائدا عن المعنى الزائد .

 

حديث رقم – 171-

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»)

 

حديث رقم – 172-

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالْجِعْرَانَةِ وَهُوَ يَقْسِمُ التِّبْرَ وَالْغَنَائِمَ، وَهُوَ فِي حِجْرِ بِلَالٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ بَعْدِي إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا فِي أَصْحَابٍ، أَوْ أُصَيْحَابٍ لَهُ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»)

من الفوائد :

أن الخوارج لم يظهروا ظهورا عيانا بيانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما بزغ منهم هذا الرجل الذي أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم في القسمة ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم ، فدل على أن هؤلاء سموا خوارج لأنهم خرجوا على أئمة المسلمين وعلى ولاة المسلمين وحكامهم .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهذه الرجل أصحابا ، وشك فقال أصحاب أو أصيحاب ) وهذا تصغير يراد منه التحقير ، لأن من أعظم معاني التصغير هو التحقير .

حديث رقم – 173-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَوَارِجُ كِلَابُ النَّارِ»)

 

من الفوائد :

أن في النار كلابا ، وأن هؤلاء الكلاب هم الخوارج .

 

ومن الفوائد :

أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أنهم كفار ، وقد سبق الجواب عن هذه المسألة .

 

ومن الفوائد :

أن وضعهم في النار ككلاب يدل على حقارة ما يفعلونه ، لأن الله سبحانه وتعالى وصف الكلب بوصف غير حميد ، ولعل وصفهم بالكلاب باعتبار فهمهم القليل أو أنك مهما لقنته لا يستجيب لك ، كما قال تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }الأعراف176 ، الكلب إن وضعته في الظل يلهث ، وإن وضعته في الشمس يلهث ، كذلك هؤلاء إن دعوته أو لم تدعوه فالأمر سواء ، ليس معنى ذلك أنهم يتركون ولا يدعون – لا – يدعون ، فعلي رضي الله عنه أرسل ابن عباس رضي الله عنهما لكي يناقشهم حتى عاد النصف منهم إلى الحق ، هم يدعون لكن في أصالة الأمر بعدهم عن الحق كبير ، ولذلك لما أتاهم علي رضي الله عنه رفعوا المصاحف قالوا ” لا حكم إلا لله ” قال رضي الله عنه ( كلمة حق أريد بها باطل ) فهم كانوا يتمسكون بالقرآن لكن على غير هدى .

 

حديث رقم – 174-

 

( حسن )

 

(حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ» )

 

من الفوائد :

أنهم صغار السن ، ولذا عبر عنهم بالنشء ، والنشء ما زال صغيرا .

 

ومن الفوائد :

أن الخوارج كلما قطع دابرهم خرجت بقية أخرى منهم إلى أن يخرج أواخرهم في عهد المسيح الدجال ، فيلبس عليهم بناء على عدم فهمهم فيلبس عليهم فيدخلون معه ضمن جيشه ، فالعِراض هو الجيش .

 

حديث رقم – 175-

 

( صحيح )

 

(حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَوْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، أَوْ حُلُوقَهُمْ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ، أَوْ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»)

 

من الفوائد :

أن من علامات الساعة الصغرى أن تخرج طوائف الخوارج  ، لأنه عبر عن خروجهم بأنه في آخر الزمان .

 

ومن الفوائد :

أن هؤلاء الخوارج متى ما خرجوا ولم يرتدعوا فإنهم يقتلون ويقاتلون وجوبا ، يقاتلهم الإمام وعلى رعيته أن يقفوا معه .

 

ومن الفوائد :

أن قوله : ( سيماهم التحليق ) لا يدل على أن حلق الرأس منهي عنه بناء على أن من سماتهم التحليق ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء ، والصواب أن هذه سمة تدل على واقعهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لما رأى طفلا قد حُلِق بعض رأسه قال احلقوه كله أو اتركوه كله )

 

حديث رقم – 176-

 

( حسن صحيح )

 

(حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، يَقُولُ: «شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا» قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

 

من الفوائد :

يستدل به على ما ذهب إليه بعض العلماء من أنهم كفار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بكفرهم هنا ، ولكن حمله الجمهور على كفر النعمة ، ليس كفرا مخرجا عن الملة ، لأن عندنا قاعدة وهي قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء48 ، بما أنهم لم يأتوا بموجب كفري أو شركي فإنهم باقون على الإسلام .

 

ومن الفوائد :

حث النبي صلى الله عليه وسلم على قتالهم ، فإنهم شر من قُتِل تحت أديم السماء ، مما يدل على فظاعة ما ذهبوا إليه ، لم ؟ مع أن الكفار أشر منهم ؟

لأنهم يتسمون بسيما الصلاح والمصلحين ومع ذلك يفعلون فعل الكفار ، ما فعل الكفار ؟ مقاتلة المسلمين ، وهؤلاء يقاتلون المسلمين ، ثم جاء حث آخر على قتالهم من أن الإنسان إذا أقدم على قتالهم فهو قتيل من خير القتلى ، فأنت على خير إن قتلتهم فأنت قتلت أشر من قُتِل تحت أديم السماء ، وإن قُتِلت فأنت خير قتيل قتل على وجه الأرض .

 

 وهذا يؤكد ويقرر أن التلبيس والتدليس من أعظم الشرور ، وذلك ما وصلت طائفة الروافض من الحكم الغليظ من علماء المسلمين عليهم إلا لأنهم ينتسبون إلى الإسلام ويتزيون بزيه ظاهرا ، لكن في قلوبهم من البغض والشر ما الله به عليم ، ولذلك حكم الله عز وجل على المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }النساء145 ، وهذا يدعو المسلم عموما أن يجتنب كل وسيلة وكل سمة يدلس بها على الغير ، حتى ولو كانت يسيرة في الشرع حتى لا يقع فيما هو أكبر ، الآن الكذب من علامات المنافقين ، لأن الكذب فيه تدليس ، هذا الكذب قد يودي به في المستقبل إلى النفاق الاعتقادي الأكبر .