بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب فيما أنكرت الجهمية
حديث رقم – 188-
( صحيح ) عن عائشة رضي الله عنها قالت ( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ، تشكو زوجها ، وما أسمع ما تقول ، فأنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } )
من الفوائد :
أن سبب النزول يوضح الآية ، فأحسن طريق لفهم الآية أن يعرف السبب ، فإن قوله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }المجادلة1 ، سببها ما ذكرته عائشة رضي الله عنها هنا .
ومن الفوائد :
إثبات صفة السمع لله سبحانه وتعالى ، بل إن سمعه واسع ، ولا يعني أن عائشة رضي الله عنها لا تعرف أن الله عز وجل له سمع ، بل هي تعرف ، لكن استبان لها وظهر لها أن سمعه سبحانه وتعالى وسع الأصوات كلها .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى يُحمد ويثنى عليه بما له من الصفات العظيمة ، ولذلك صدَّرت عائشة رضي الله عنها كلامها هذا بقولها ( الحمد لله ) .
ومن الفوائد :
أن سمع الله سبحانه وتعالى ليس كسمع المخلوق ، خلافا لمن زلت قدمه في هذا الباب { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 ، فعائشة رضي الله عنها كانت في ناحية من البيت وكانت قريبة جدا ومع ذلك ما سمعت تفاصيل ما جرى بين هذه المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بينما سمع الله سبحانه وتعالى كلامها من فوق سبع سماوات ، فتبين ضلال من نفى صفات الله جل وعلا من أجل أن ينفي عنه مماثلته للمخلوقين في الصفات ، فهو يسمع لا كسمعنا ، كما قال أبو حنيفة رحمه الله، يبصر لا كبصرنا .
ومن الفوائد :
الرد على الجهمية وما شابهم في هذا الباب ممن نفى صفات الله سبحانه وتعالى ، ومن بينها صفة السمع .
ومن الفوائد :
أن المجادلة في بيان الحق أمر محمود ، ولا يلام العبد عليه ، فإن هذه المرأة جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديث رقم – 189-
( حسن صحيح ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق ، رحمتي سبقت غضبي )
من الفوائد :
إثبات صفة الكتابة لله سبحانه وتعالى ، فإن الصفة يكون إثباتها من ثلاثة طرق :
الطريق الأول : أن تثبت عن طريق الاسم ، فكل اسم متضمن صفة ، اسم ” السميع ” يتضمن صفة ” السمع ” البصير يتضمن صفة البصر ، وهلم جرا .
الطريق الثاني : أن ينص الله سبحانه وتعالى أو ينص رسوله صلى الله عليه وسلم على الصفة ، قال تعالى {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ }الأنعام133 .
الطريق الثالث : أن تكون عن طريق الفعل ، فهنا ( كتب ) فعل ، فيؤخذ من هذا الفعل صفة ، فنثبت صفة الكتابة لله سبحانه وتعالى ، وأنه يكتب بيده .
وهنا قاعدة تؤخذ من موقف لابن عباس رضي الله عنهما وتدل عليه النصوص الأخرى في باب الأسماء والصفات ، هناك رجل ذكرت عنده صفة من صفات الله جل وعلا فاقشعر ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما ( ما فَرَقُ هؤلاء ! ) أي ما خوف هؤلاء ( يؤمنون بمحكمه ويهلِكون عند متشابهه ) معنى هذا أنه متى ما أتت صفة لله سبحانه وتعالى عن طريق الكتاب أو السنة فيجب أن تثبتها ولا تتردد ، إذا أخبر الله سبحانه وتعالى وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل صفة من الصفات ، أثبتها ولا تتردد ، ولكن يجب عليك أن تتوقى التمثيل ، نحن نكتب ، الله عز وجل يكتب ، لكن كتابته سبحانه وتعالى ليست ككتابتنا .
ومن الفوائد :
إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى ، وبهذا يرد على المعطلة الذين قالوا إن اليد معناها النعمة ، فكيف تكتب النعمة ؟! ( إن ربكم كتب على نفسه بيده ) فتحريفها بأنها النعمة أو بأنها القدرة كلام باطل .
ومن الفوائد :
أن العبد يجب أن يكون بين الرجاء والخوف ، وأنهما طريقان لابد أن يسلكهما العبد ، ولكن ليعلم أن رحمة الله أسبق من غضبه ، فلا يؤخذ هذا الحديث على أنه يفعل ما يشاء ، فكما أنه عز وجل يرحم كذلك هو يغضب .
ومن الفوائد :
إثبات صفة الغضب لله سبحانه وتعالى بما يليق بجلاله وعظمته خلافا لمن نفى ذلك وحرَّفه .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال قبل أن يخلق المخلوقين ، لا أنه كمل لما خلقهم – كلا – فهو الكامل سبحانه وتعالى ، ومن كماله أنه كتب قبل أن يخلق خلقه ، فلم تحصل له صفة الخلق لما خلقهم – كلا – بل هو الخالق جل وعلا .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى يتكرم ويتفضل بأن كتب على نفسه ، خلافا للمعتزلة الذين يقولون إن من باب العقل أنه ملزم – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا – وما قالوا هذا القول إلا لأنهم أدخلوا عقولهم في هذا الباب ، بل ليبشر المسلم وليؤمل فيما عند الله من الخير ، ولكن ليحذر سخط الله وغضبه .
حديث رقم – 190-
( حسن ) عن موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري الحزامي ، قال سمعت طلحة بن خراش ، قال سمعت جابر بن عبد الله يقول ” لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام – يوم أحد – لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” يا جابر ألا أخبرك ما قال الله لأبيك ” ؟ وقال يحيى في حديثه : فقال يا جابر ما لي أراك منكسرا ؟ ” قال قلت ” يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالا ودَيْنا ، قال ” أفلا أبشرك ما لقي الله به أباك ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا ، فقال يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال الرب تبارك وتعالى إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال يا رب فأبلغ من ورائي ، قال فأنزل الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169 )
من الفوائد :
كما أسلفت في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة أن سبب النزول يوضح الآية ، فإن سبب نزول قوله تعالى {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169، هو ما ذكر في حديث جابر رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن من حقوق المسلم على أخيه المسلم إذا رآه منكسرا حزينا لما أصابه من فقدان محبوب أو من حصول مكروه أن يخفف عنه ، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بتبشيره بما جرى لأبيه .
ومن الفوائد :
إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى بما يليق بجلاله وعظمته ، خلافا لمن نفى ذلك أو حرَّفه ، ولهم كلام طويل ، وهو في حقيقته مبعثر لا أريد أن أدخل فيه ، لأن مراد المصنف رحمه الله أن يبين الرد على الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات .
ومن الفوائد :
بيان فضل والد جابر رضي الله عنهما ، فإن له فضلا لم يحصل لغيره ، حيث إن الله سبحانه وتعالى كلمه كفاحا من غير حجاب .
ومن الفوائد :
أن النص العام يخصص ، لا يشترط أن يكون تخصيصه من نفس النص – كلا – بل من طريق آخر ، قال ( تمنَّ علي أعطيك ) وفي بعض النسخ ( أعطك ) لأنها جواب الأمر ، فيكون مجزوما بحذف حرف العلة ، وفي نسخة أخرى ( أعطيك ) قيل لأن المعتل إذا جزم يمكن أن تشبع الكسرة فيتولد منها ياء ، أو أن المعتل يعامل معاملة الفعل الصحيح ، ويستدلون على ذلك بهذا وبأمثلة أخرى ، الشاهد من هذا أن الله سبحانه وتعالى قال ( أعطيك ) يعني سيعطيه كل ما يريد ، ومع ذلك منعه من أن يعود إلى الدنيا ، لم ؟ لأن هناك نصا آخر منع { أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }الأنبياء95
ومن الفوائد :
فضل الشهادة في سبيل الله ، وأن الشهيد إذا رأى فضل الله تمنى أن يعود مرة أخرى فيقتل في سبيل الله فينال هذا الأجر الكبير .
ومن الفوائد :
بيان ترابط المسلمين بعضهم ببعض ، حتى وهم في عالم البرزخ ، فكيف يليق بالمسلمين وهم في عالم الدنيا يتلاقون أن يكون بينهم حقد أو لا يتمنى أحدهم للآخر خيرا ، انظروا إلى عبد الله بن حرام رضي الله عنه ماذا طلب من الله عز وجل ؟ طلب من الله عز وجل أن يبلغ إخوانه في هذه الدنيا حتى يبين لهم فضل الشهادة فينالوا هذا الخير ،فهي تربية لنا نحن في عالم الدنيا أن نشابه عبد الله بن حرام رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن قوله ( تحييني ) فيه إثبات أن الحياة الدنيا لا تشابه حياة البرزخ ، لأن الشهداء كما هو معلوم أحياء ، فدل على أنه إذا أثبت شيء في البرزخ لا يقاس عليه ما يكون في الدنيا ، إذ لو كانت حياتهم في البرزخ كحياتهم في الدنيا لما قال ( تحييني )
ومن الفوائد :
أنه قال ( تحييني ) ولم يقل ( أحيني) بيان اشتياق عبد الله بن حرام رضي الله عنه إلى الرجوع ، فغير الأسلوب من الطلب إلى الخبر من باب حبه إلى الرجوع إلى هذه الدنيا .
حديث رقم – 191-
( صحيح ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على قاتله فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد )
من الفوائد :
إثبات صفة الضحك لله سبحانه وتعالى وأنه من الصفات الفعلية التي متى ما شاء أن يفعلها فعلها ، خلافا لمن نفى ذلك فقال إن الله لا يضحك وإنما إثبات الضحك له هنا هو إعجابه بهذا الشيء ، وإثابة المخلوق على هذا الشيء ، وهذا تحريف للنص عن ظاهره ، فكما أسلفت لكم القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن الصفة متى ما جاءت عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت من غير أن نحرف ومن غير أن نمثل صفته عز وجل بصفة المخلوق .
ومن الفوائد :
أنه لا يجوز لنا كمخلوقين أن نحكم على المخلوقين لما يكون إليه مآلهم ، فإن الكافر قد يسرف في قتل المسلمين ثم يمن الله سبحانه وتعالى عليه بالهداية ، فيكون من أولياء الله ، وهذا نستفيد منه في هذا الزمن ، فهناك أئمة في الكفر والطغيان من أوقع في المسلمين شرورا فلا يستبعد أن يلقي الله عز وجل في قلبه الهداية فيتغير الحال ، ولذلك معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لمعين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الشرع ، لأنك لا تعرف ماذا سيؤول إليه هذا الشخص ، وكذلك معتقد أهل السنة والجماعة في جمهورهم أنهم لا يجوزون أن يُلعن الكافر بعينه ، أما أن يلعن الكفار على وجه العموم فلا بأس بذلك ، لكن شخص بعينه من الكفار يلعن فلا يجوز، لأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل ، ونحن لا نعلم ماذا يؤول إليه هذا الشخص .
حديث رقم – 192-
( صحيح ) عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول ” أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ )
من الفوائد :
إثبات صفة القبض لله سبحانه وتعالى ، وكذلك الطي .
ومن الفوائد :
بيان عظمة الله عز وجل ، إذ كيف تكون هذه الأرض في قبضته مع سعتها .
ومن الفوائد :
وعيد وترهيب لمن طغى وتكبر ، لاسيما الملوك ، لأنه في الغالب – ولا يعمم – لأنه في الغالب أن الطغيان يحصل مع القوة والقدرة من السلطة والمال ، ففيه ترهيب وتهديد لملوك الأرض من أن يظلموا ، فإن أمامهم يوما عصيبا وُضِّح في قوله ( أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ )
ومن الفوائد :
إثبات صفة الملك لله سبحانه وتعالى .
ومن الفوائد :
إثبات صفة القول لله سبحانه وتعالى .
حديث رقم – 193-
( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال كنت بالبطحاء في عصابة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت به سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قال أبو بكر قالوا والعنان قال كم ترون بينكم وبين السماء قالوا لا ندري قال فإن بينكم وبينها إما واحدا أو اثنين أو ثلاثا وسبعين سنة والسماء فوقها كذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالى )
من الفوائد :
هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، وهو ما يسمى بحديث ( الأوعال ) وقد أثبت الذهبي رحمه الله أن له طرقا ، وكذلك يرى شيخ الإسلام رحمه الله ثبوت هذا الحديث وما يشابهه .
ومن الفوائد :
أن السحاب له أسماء متعددة ، منها ” المزن – والعنان ” قال تعالى {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ }الواقعة69 يعني السحاب .
ومن الفوائد :
أن هناك رواية ( أن ما بين كل سماء وأخرى خمسمائة سنة ) فلماذا اختلف العدد هنا ؟
اختلف العدد هنا مع الرواية الأخرى باختلاف المركوب ، فإن السائر على قدمه والسائر على جمل والسائر على فرس يختلف ، فلعل العدد تنوع بتنوع واختلاف السائر .
ومن الفوائد :
عظم السماوات وأن ما بين كل سماء وأخرى هذا العدد ، كيف وقد جاء في الرواية الأخرى ( خمسمائة سنة ) وورد ( أن كثف كل سماء خمسمائة سنة ، ثم بين كل سماء وأخرى خمسمائة سنة ، ثم هناك بحر فوق السماء السابعة ، ما بين أعلاه وعمقه خمسمائة سنة ) ثم هذه الملائكة الثمانية { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }الحاقة17 ، ثم هؤلاء الملائكة الذين هم في صورة أوعال ، وما بين الظلف والرُكب من هذه المسيرة ، ثم هم يحملون العرش الذي هو أكبر المخلوقات ، ثم الله سبحانه وتعالى قد استوى على عرشه ، فهذا يدل على عظمة الله عز وجل إذ عظمت هذه المخلوقات فكيف بخالقها سبحانه ؟
وكذلك عظمة الله من حيث إنه فوق العرش مع هذه المسافة الشاسعة ويعلم ما العباد فاعلون ، فلا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ، فهذا يدل على علوه مع معيته ، وأن المعية لا تنافي علو الله ، فهو” قريب في علوه ، علي في دنوه ” وهذا كله يجعل المسلم يؤمن ويعتقد ويوقن بأن الله سبحانه وتعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 ، فلا تدخل العقول ولا الأوهام في باب المعتقدات ” فلا يثبت قدم الإسلام إلا على قنطرة التسليم ” كما قال بعض السلف .
حديث رقم – 194-
( صحيح ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا قضى الله أمرا في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ، فـ { إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }سبأ23 ، قال فيسمعها مسترقو السمع ، بعضهم فوق بعض ، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها إلى الذي تحته ، فيلقيها على لسان الكاهن أو الساحر فربما لم يدرك حتى يلقيها ، فيكذب معها مائة كذبة ، فتصدق تلك الكلمة التي سمعت من السماء )
من الفوائد :
بيان عظمة الله سبحانه وتعالى وأنه هو المستحق للعبادة ، فكيف يليق ببعض البشر أنه يصرف العبادة لغير الله ، مع ضعفه إذا قورن بقوة الملائكة ، فالملائكة مع قوتها إذا قضى الله الأمر في السماء ماذا تصنع بأجنحتها ؟ تخضع ، وهذا يدل على الخوف والوجل من الله سبحانه وتعالى ، وهم الملائكة ، ثم كيف يعبد هؤلاء الملائكة ؟ كما يصنع البعض أو كما صنعوا من قبل { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41} .
ومن الفوائد :
إثبات صفة القضاء لله سبحانه وتعالى ، قال تعالى {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }غافر20 .
ومن الفوائد :
أن للملائكة أجنحة ، ويختلف عدد هذه الأجنحة من ملك إلى آخر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1 ، ولذلك جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناح كما بين المشرق والمغرب )
ومن الفوائد :
أن الفزع الذي يكون في قلوبهم مثل ما يحصل للإنسان إذا سمع صوت سلسلة على حجر أملس ، يكون له صوت رهيب.
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى لا يقول إلا الحق لأنه هو الحق .
ومن الفوائد :
ما يتكلم به السحرة والكهنة إنما هو من معونة الجن ، فقد يخبر الكاهن فيقع بناء على ما سمعه هذا الجني مما استرقه قبل أن يدركه الشهاب ، فيأتي هذا الكاهن ويُحسن ما يقول بالكذب فيروج على الناس ، كيف يروج عليهم إذ صدقوا مائة كذبة وغفلوا عن تلك الكلمة الواحدة .
حديث رقم – 195-
( صحيح ) عن أبي موسى قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
من الفوائد :
بيان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبلغ أمته ما يحتاجون إليه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128 .
ومن الفوائد :
أن الكلام الكثير يمكن أن يصدق عليه بأنه كلمة ( إن الله لا ينام ) هذه كلمة ، فيطلق على الكلام المكون من أكثر من كلمة يطلق عليه كلمة ، كما يقال كلمة التوحيد مع أنها أكثر من كلمة ” لا إله إلا الله ” .
ومن الفوائد :
إثبات كمال حياته وقيوميته سبحانه وتعالى ، فإنه لا ينام ، وهذا مُتأمَل في آية الكرسي { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }البقرة255، لا نعاس الذي هو أول النوم ، ولا الاستغراق في النوم .
ومن الفوائد :
أن الصفات السلبية يعني المنفية لا تكون صفة مدح إلا إذا أثبت كمال ضددها ، هنا نفى عنه النوم ( إن الله لا ينام ) لكمال حياته وقيوميته { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46 ، لكمال عدله ، وهلم جرا .
ومن الفوائد :
بيان بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه بما يسمى عند البلاغيين ( بالتتميم ) فأتى بالجملة الثانية ( ولا ينبغي له أن ينام ) حتى لا يأتي آت ويقول ” هو لا ينام لكن لا يستحيل عليه النوم ” نقول مستحيل أن يقع عليه النوم ، ولذلك قال ( ولا ينبغي له أن ينام )
ومن الفوائد :
أن كلمة ( لا ينبغي ) في النصوص الشرعية تعني الاستحالة عقلا وشرعا {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }مريم92 ، كما أفاد ذلك ابن القيم رحمه الله .
ومن الفوائد :
بيان كمال حياة الله سبحانه وتعالى وقيوميته بأنه يرفع القسط ويخفضه يعني يرفع ( الميزان ) كما جاء في رواية أخرى .
ومن الفوائد :
أن الأعمال تعرض على الله سبحانه وتعالى ، فيعرض عليه عمل الليل قبل عمل النهار ، ففيه حث لنا على ألا نفعل إلا ما هو مرضي عند الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن بصره سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء ،ولذلك في صحيح مسلم في حديث أبي ذر رضي الله عنه ( قيل يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال نور أنَّى أراه ) جاء بعض الروايات المحرفة فقال ( نوراني أراه ) وهي ( نور أنَّى أراه ) .يأ
حديث رقم – 196-
( صحيح ) عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ثم قرأ أبو عبيدة { أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }النمل8
من الفوائد :
أنه مُفسِّر لما جاء في هذه الآية { أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }النمل8 .
حديث رقم – 197-
( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن إسحق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يمين الله ملأى لا يغيضها شيء سحاء الليل والنهار وبيده الأخرى الميزان يرفع القسط ويخفض قال أرأيت ما أنفق منذ خلق الله السماوات والأرض لم ينقص مما في يديه شيئا
من الفوائد :
إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى ، وفيه رد على من قال بأن اليد هي النعمة أو القدرة ، لأنه لو كانت كذلك إذاً يمين الله نعمة، ويده الأخرى نعمة ، نعمتان ؟!
ولو كانت بمعنى القدرة لأثبتنا له قدرتين ، فقوله ( يمين الله ) دل على أنه سبحانه وتعالى له يد وهي اليمين .
قوله ( بيده الأخرى ) لم يقل ( الشمال ) فهل لله سبحانه وتعالى يد يمين ويد شمال؟
جاء في رواية عند مسلم ( أن الله سبحانه وتعالى له يد شمال ) أنكرها بعض العلماء ، والصواب إثباتها ، ولذلك في الحديث ( وكلتا يديه يمين ) ليست شماله كشمالينا ، وهذا هو الخطأ أن نقيس أنفسنا بالله ، نثبت لله سبحانه وتعالى أن له يمينا وأن له شمالا ، ولكن ( كلتا يديه يمين ) ليس هناك نقص يلحقها كما ينقص المخلوق صاحب اليد الشمال، كما قلت لكم في القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن تثبت الصفة وتنتبه من أن تمثل الله سبحانه وتعالى بخلقه .
ومن الفوائد :
بيان غنى الله سبحانه وتعالى فيمينه ملأى ، ولا ينقصها شيء ( لا يغيضها ) الغيض هو النقصان ، كما قال تعالى { وَغِيضَ الْمَاء }هود44 ، بل من كثرة عطائه وتدفق عطائه وغنى ما في يده ولا مانع لما يعطي قال ( سَحَّاء ) السحَّاء هو المتصبب من العلو إلى الأسفل ، الشيء الذي ينزل من الأعلى يدل على الكثرة والقوة والتدفق ويدل على أنه لا يُمنع ، فهذا يدل على غنى الله عز وجل وعلى كثرة عطائه وعلى أنه لا مانع لما يعطي ( سَحَّاء الليل والنهار ) يعني أنه سبحانه وتعالى سَحَّاء بالليل وبالنهار ، فهما ظرفان لهذا العطاء المتدفق الكثير منه سبحانه وتعالى ، ففيه إشارة وتنبيه لنا أن ندعو الله سبحانه وتعالى بالليل وبالنهار .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى مهما أعطى وأعطى فإنه لا ينقصه شيء ، ويدل لذلك ما في صحيح مسلم في الحديث القدسي ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد ثم سألني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المِخيط إذا أُخل البحر ) كما تدخل الإبرة في البحر ، هل تأخذ شيئا من مياه البحر ؟! لا تأخذ شيئا ، فهذا يدل على كمال الله سبحانه وتعالى .
حديث رقم – 198-
( صحيح ) حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي عن عبيد الله بن مقسم عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول أنا الجبار أين الجبارون أين المتكبرون قال ويتميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إعطاء الصورة الواضحة لما سيكون في يوم القيامة حتى يرتدع الناس ، وكان ذلك على المنبر .
ومن الفوائد :
إثبات صفة القبض والأخذ لله سبحانه وتعالى ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أشار بيده فقبضها وبسطها ، فيجوز للإنسان حينما يتحدث عن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى أن يشير بإشارة تفهم ، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون في ذلك تمثيل وتشبيه لله سبحانه وتعالى بما يحصل منا ، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السمع والبصر لله ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى سمعه وإلى بصره ، لكن إن كان عند قوم يمكن أن يلبس عليهم فلا يفعل ، فلو أن إنسانا قال وهو يعظ الناس ( إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ) وحرَّك أصبعيه لا يكون بذلك واقعا في الإثم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يوضح للناس صفة القبض وصفة البسط ولا يعني أن صفة قبضنا أو صفة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه وبسطه ليده كقبض الله عز وجل – كلا – { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 .
ومن الفوائد :
تحذير الجبابرة والمتكبرين والمتغطرسين والظلمة من ذلك الموقف الرهيب الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون ، فتزول تلك الأموال وتلك المناصب وتلك القوى ، فيكون الملك كله لله وحده .