( سنن الترمذي )
الدرس الأول / من الحديث ( 1- 21 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
قال المؤلف رحمه الله :
كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) باب ما جاء ” لا تُقبل صلاة بغير طُهور “
الحديث رقم – 1-
( صحيح )
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ»، قَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ: «إِلَّا بِطُهُورٍ».
يستفاد من هذا الحديث :
أن هذا الحديث هو مستند إجماع الأمة على أن الطهارة شرط من شروط .
( من الفوائد )
أن أيَّ صلاة يشترط فيها الطهارة ، فيرد بهذا الحديث على مَنْ زعم فقال ” إن صلاة الجنازة يجوز أداؤها من غير طهارة ” .
( ومن الفوائد )
ما يرد به بعض العلماء على بعض الأئمة الذي اختاروا جواز التيمم إذا خشي أن تفوته صلاة لا يمكن تعويضها مثل صلاة الجنازة ، ومثل صلاة الجمعة ، ومثل صلاة العيدين ، وهذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله أنها لا تقضى على وجه الانفراد ، فإن ما لا يُدرك ويخشى فواته لو توضأ يمكن أن يتيمم ، والصواب هو رأي الجمهور أنه لابد من الوضوء .
(2) بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الطُّهُورِ
الحديث رقم –2-
( صحيح )
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ، أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا – وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ – حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». )
يستفاد من هذا الحديث :
بيان فضل الوضوء ، وأنه مطهر للذنوب، والمقصود من هذه الذنوب ” الصغائر “
ولو قال قائل لماذا قلتم الصغائر مع أنه عمَّم ؟
فيقال : ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسلم قوله : ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر )
فإذا كانت الصلاة تكفر الصغائر ، فما ظنكم بالوضوء ؟!
( ومن الفوائد )
استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الخطايا تخرج بنفسها ، وليس المقصود – كما قاله بعض العلماء – ليس المقصد هو أثر الخطيئة ، وإنما الخطيئة هي بذاتها تخرج ، كيف ؟ قال : لأن الأصل أن يؤخذ بظاهر الحديث ، ولأنه جاء عند الترمذي كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في أبواب قادمة ، قوله عليه الصلاة والسلام ( إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب واستغفر صقل منها ، وإذا زاد زادت حتى يغلَّف على قلبه ، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين14) فدلَّ على أن لها سواداً ، هذا السواد يخرج بإذن الله تعالى مع الوضوء ، أو مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، و ( أو ) هنا للشك .
-3-بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ
الحديث رقم –3-
( حسن صحيح )
(عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».)
يستفاد من هذا الحديث :
هذا الحديث استدل به على شرطية الطهارة في الصلاة ، لم ؟ لأنه عبَّر عن المفتاح بالطهور ، ولا يمكن أن تفتح صلاة ولا أن تُقبل إلا بفتاح ، كما أن الباب لا يمكن أن يفتح إلا بمفتاح .
( ومن الفوائد )
استدل بهذا الحديث بعض العلماء الذين قالوا : بأن أي نوع من أنواع التعظيم لله سبحانه وتعالى يدخل به في الصلاة – وهو رأي الحنفية – قلت ” الله أكبر ، الله أجل، الله أعظم ” لقوله تعالى :{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } المدثر3 { فَكَبِّرْ } يعني [ عظِّم ] .
( ومن الفوائد )
استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن أي لفظ من ألفاظ التكبير يمكن أن يدخل به في الصلاة ، قلت ” الله أكبر ، الله الكبير ، الله الأكبر ” لأنه أطلق .
والصواب / أنه لا يصح ولا يجزئ إلا قول ” الله أكبر ” لأنه الفعل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر ، ولأنه كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في سنن أبي داود ، قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ثم يقول ” الله أكبر ” ) فصدَّر الحديث بقوله ( لا يقبل الله صلاة أحدكم )
( ومن الفوائد )
أنه بتكبيرة الإحرام يحرم على المصلي ما كان مباحا له قبل الصلاة .
( ومن الفوائد )
الرد على الحنفية القائلين بأنه يمكن أن يخرج من الصلاة بأي ناقض من نواقض الصلاة ، فلو فرغ من التشهد ثم أحدث ولم يسلم ، فإن صلاته مقبولة ، أو أنه أكل أو شرب أو ضحك مثلا ، فإنه لما أتى بناقض من نواقض الصلاة فإنه تحلَّل من الصلاة ، ويرد عليهم بهذا الحديث لأنه خصَّص وحصر ، فقال : ( وتحليلها التسليم ) .
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء قال : يجوز في التسليم من الصلاة أن يقول ” سلام عليكم ” دون قول ” السلام ” يعني دون ” أل ” لأنه أطلق هنا .
( ومن الفوائد )
أن بالسلام يحل للمصلي ما كان محرما عليه داخل الصلاة ، لأنه قال : ( وتحليلها التسليم ) .
( ومن الفوائد )
ويؤيده ما جاء في حديث جابر في صحيح مسلم أنه لو قال ” السلام عليكم ” لكفى ، لأنه قال : ( التسليم ) فدل على أن كلمة ( ورحمة الله ) من السنن .
( ومن الفوائد )
أنه دليل على أن تكبيرة الإحرام أعظم ركن من أركان الصلاة ، ولذلك لو أنه أخلَّ بركن ، ماذا يقول العلماء ؟ يقولون بطلت صلاته ، لكن لو لم يأت بتكبيرة الإحرام قالوا ” لم تنعقد صلاته ” يعني أنه ليس في صلاة ، لأنه ما دخل فيها ، ما الدليل على أعظمية تكبيرة الإحرام وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها ؟ لأنه قال ( وتحريمها التكبير ) فلا يمكن أن تكون في صلاة إلا إذا كبَّرت .
( ومن الفوائد )
الرد على بعض الأئمة الذين قالوا بأن الدخول في الصلاة يمكن أن يكون دخولا بالنية ، فيرد عليهم بهذا الحديث ، لم يقول ” وتحريمها النية ” قال : ( وتحريمها التكبير ) .
الحديث رقم –4 –
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ، وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ» )
قال الشيخ الألباني : حديث ضعيف ، والشطر الثاني صحيح بما قبله .
الجملة الأولى يضعفها الألباني رحمه الله ، لأن مفتاح الجنة كلمة ( لا إله إلا الله ) وأما بالنسبة للجملة الثانية فإن الحديث السابق يدل عليها .
ــــــــــــــــــــــ
-4- بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ
الحديث رقم – 5-
( صحيح )
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ” قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ – أَوِ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ -»)
هذا الحديث مر معنا بالأمس في سنن أبي داود ، لكن يضاف على ما ذكر هناك .
أن المسلم ينبغي له أن ينوع في صيغة هذا الذكر ، مرة قال ( اللهم إني أعوذ بك ) ومرة قال ( أعوذ بك ) فيستفاد من هذا أنه ينوع .
( ومن الفوائد )
أن الشك الوارد هنا من ( الخبث أو الخبيث ) قد رفع برواية عامة الرواة ، فإنه لم يأت شك في رواياتهم ، وقد مر معنا في سنن أبي داود ( اللهم إني أعوذ بك من الخبْث والخبائث ) .
الحديث رقم – 6-
( صحيح )
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ».)
يستفاد من هذا الحديث :
أن هذا الذكر يقال عند إرادة الدخول لا بعد الدخول ، فقوله: ( إذا دخل ) يعني إذا أراد الدخول ، كقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } يعني إذا أردت أن تقرأ {فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } النحل98 ، وقد جاءت رواية في الأدب المفرد للبخاري تدل على ما ذكرنا ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخلاء ) ثم ذكر الحديث .
( ومن الفوائد )
أن كلمة ( الخبْث ) ذكرها وضبطها بعض الرواة بتسكين الباء ( الخبْث) وبعضهم بضم الباء ( الخبُث ) فينبغي للمسلم أن ينوع بين هذين ، فإذا سكنَّا الباء كان المعنى ( الخبْث ) الذي هو الشر ( والخبائث ) الذين هم الشياطين ، وإذا ضممنا ( الخبُث ) فهو ذكرنا الشياطين ( والخبائث ) إناثهم .
-5- بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ
الحديث رقم – 7-
( صحيح )
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ، قَالَ: «غُفْرَانَكَ»)
يستفاد هذا الحديث :
قال بعض العلماء إن مناسبة ذكره وهو طلب المغفرة ، مناسبة ذكره بعد خروجه من الخلاء لأنه انحبس في ذلك الوقت عن ذكر الله سبحانه وتعالى ، فيستغفر عن هذا التقصير ، وهو لم يتعمده ، وليس في إرادته
وقال بعض العلماء : إن طلب المغفرة هنا لأن المسلم عاجز عن أن يشكر نعمة الله في إخراج هذا البلاء من بطنه ، ولذلك جاء عند ابن ماجة وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى الحديث حوله هل هو ثابت أو لا ؟ ( كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني )
وبعض العلماء كابن القيم رحمه الله يقول : إن هذا من باب تذكر الشيء بالشيء ، فإنه لما أزاح الله – سبحانه وتعالى – عنه أذى هذا الغائط أو هذا البول ، تذكر الأذى الأعظم الذي يكون في يوم القيامة وهو أذى الذنوب ، فاستغفر الله عن ذنوبه .
-6- بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ
الحديث رقم –8-
( صحيح )
(عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ )
هذا الحديث مر معنا بالأمس في سنن أبي داود ، ويضاف إلى ما ذُكر هناك :
أن بعض فقهاء الحنابلة قالوا : ” يكره استقبال النيرين ” وهما الشمس والقمر ” حال قضاء الحاجة ”
وقولهم هذا مردود بهذا الحديث لأنه عليه الصلاة والسلام قال : ( ولكن شرقوا أو غربوا ) .
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء قال : إنهم يستغفرون الله للذين بنوا هذه المراحيض تجاه القبلة .
وبعض العلماء يقول : هذا الاستغفار لأنفسهم ، لأن الشام كانت دولة كافرة ، فالذي بناها الكفار .
قال أصحاب القول الأول : يمكن أن يكن بناها بعض المسلمين .
بَابُ مَا جَاءَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
الحديث رقم – 9-
( صحيح )
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ»، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا. )
هذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود ، وقد استدل به بعض العلماء على أن أحاديث النهي منسوخة بحديث جابر ، ومن ثَمَّ يجوز استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء والبنيان ، وقد أجبنا عن هذا الحديث وأنه خاص بالبنيان دون الصحراء .
الحديث رقم – 10-
( ضعيف الإسناد )
(عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» )
هذا الحديث ضعيف ، والضعيف لا تقوم به حجة .
الحديث رقم – 11-
( صحيح )
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ»)
هذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود ، ومر معنا أنه قال ( رقيت على البيت ) وفي رواية ( رقيت بيتي ) فإنه سماه بيته معه أنه بيت أخته ” تجوزا ” فبيت الأخت يطلق عليه بيتا للإنسان .
وقال بعض العلماء : باعتبار ما آل إليه هذا البيت ، لأن عبد الله هو الشخص الوحيد الذي كان شقيقا لحفصة ، فلما ماتت رضي الله عنها ورثها هو ، فلما حدَّث بهذا الحديث حدَّث بناءً على ما آل إليه أمر هذا البيت ، إذ انتقل هذا البيت إليه .
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا
الحديث رقم –12-
( صحيح )
(عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا».)
هذا الحديث يستفاد منه :
أن غالب حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبول جالسا ، وأن هذا الحديث الذي حدَّثت به عائشة رضي الله عنها هو منتهى علمها ولم تعلم حاله عليه الصلاة والسلام إذا كان في بيت غيرها من زوجاته عليه الصلاة والسلام ، أو كان خارج البيت .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
الحديث رقم –13-
( صحيح )
(عَنْ حُذَيْفَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَذَهَبْتُ لِأَتَأَخَّرَ عَنْهُ، فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»)
هذا الحديث مر معنا بالأمس ، ويضاف إلى ما ذُكر هناك :
أن ( الوَضُوء ) قال العلماء : هو الماء ، فإذا فتحت ( الواو ) كان المراد به الماء ، وإذا ضمت ( الواو ) كان المراد به الفعل ، ومثله ( السَحور ، والسُحور ) و ( الطَهور ، والطُهور ) .
( ومن الفوائد )
أن الإضافة هنا – كما مر معنا بالأمس – أنها إضافة تخصيص ، فقوله : ( سباطة قوم ) لأن هذه السباطة وهي ” النفاية ” هي منهم ، وليست ملكا لهم .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث قد يقول قائل : إن الحديث والكلام أثناء قضاء الحاجة جائز ، لأنه لما بال عليه الصلاة والسلام قائما ، قال حذيفة ( دعاني ) فدل على أنه تحدَّث أثناء قضاء الحاجة ، وهذا يخالف ما مر معنا في سنن أبي داود ، ولكن ورد رواية ( أن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بالإشارة ) .
بَابٌ فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
الحديث رقم – 14-
( صحيح )
(عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» ) .
هذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود .
بَابٌ فِي كَرَاهَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ
الحديث رقم – 15-
( صحيح )
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ»)
هذا الحديث مر معنا جزء منه في سنن أبي داود – حينما أقول في سنن أبي داود من باب التذكر فقط ، وإلا قد يمكن أن يكون في الصحيحين أو أصحاب السنن الأخرى ، لكن أقول مر معنا من باب أن أذكر الجميع بأن هذا الحديث مر معنا ، وسبق وأن قُرِأ ، فذكري لأبي داود لا يدل على التخصيص .
هذا الحديث يمكن أن يستدل به من قال من العلماء : إن المسلم ممنوع من أن يمس ذكره بيمينه في جميع الأحوال لا في قضاء حاجة ولا في غيرها ، لأنه أطلق .
بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ
الحديث رقم –16-
( صحيح )
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قِيلَ لِسَلْمَانَ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ «نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ ببَوْلٍ، أوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوِ أنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ» )
مر هذا الحديث معنا في سنن أبي داود .
بَابٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرَيْنِ
الحديث رقم – 17-
( صحيح )
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: «الْتَمِسْ لِي ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ»، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: «إِنَّهَا رِكْسٌ»)
هذا الحديث يستدل به بعض الأئمة على أن الحجرين كافيان ، ولا يلزم الثلاثة كما في حديث سلمان الذي سبق ذكره ، لأنه قال ( فأخذ الحجرين وألقى الروثة ) وهو دليل قوي .
لكن يرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يلتمس ثلاثة أحجار في أول أمره ، ويرد عليه أيضا بما جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( التمس لي حجرا ثالثا ) فهذا يفيدنا بأن تتبع طالب العلم للروايات يفيد في الترجيح بين الأقوال .
( ومن الفوائد )
أن كلمة ( ركس ) صيغة من صيغ ذكر النجاسة .
بَابُ كَرَاهِيَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ
الحديث رقم – 18-
( صحيح )
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ، وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ»)
هذا الحديث يستدل به بعض العلماء عن أن النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث بأنه طعام الجن – وهذا هو رأي الألباني رحمه الله – أن هذين النوعين هما طعام للجن ، لأنه يُضعِّف ما جاء في صحيح مسلم ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام للجن ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لداوبكم ) وهذا هو رأيه رحمه الله ، ولكن الجمهور يخالفونه ، وقد صححه أئمة في الحديث ، وإنما ذكر أن الروث طعامهم من باب التجوز ، وذلك لأن البهيمة هي تعد طعاما للآدميين ، فكذلك هي يمكن أن تكون طعاما للجن .
( ومن الفوائد )
أن أي بعرة وأن أي عظم لا يطهر ، لأنه أطلق هنا وعمَّم ، فالعظم لكونه لزجا لا يمكن أن يزيل النجاسة ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند الدارقطني ( إنهما لا يطهران ) وأما الروثة فإما أن تكون طاهرة – كأن تكون روثة مأكول اللحم – لكن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأنها غير مطهرة ، باعتبار أنها طعام لدواب إخواننا من الجن .
بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
الحديث رقم – 19 –
( صحيح )
(عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالمَاءِ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ» )
هذا الحديث يرد به على من قال بالمنع من الاستنجاء بالماء ، لم ؟ قالوا لأن الماء مطعوم ، ففيه تعريض للنعمة لما لا يليق بها ، وكذلك يكون هناك نتن من رائحة هذا الغائط ، فمنعوا من هذا الباب .
ولكن الحديث يرد عليهم .
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ
الحديث رقم –20-
( صحيح )
(عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ، فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ)
هذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود .
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ
الحديث رقم – 21-
(صحيح إلا الشطر الثاني منه )
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِي مُسْتَحَمِّهِ، وَقَالَ: «إِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ»)
ومقصود الألباني رحمه الله بهذا الكلام ، المقصود منه العلة ( فإن عامة الوسواس منه ) فهو لا يراها من جهة السند صحيحة ، وإلا لا شك أنها من حيث المعنى صحيحة .
وهذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود .
الأسئلة :
س1: هل تكفي تسليمة واحدة في الفرض ؟
ج1 : حديث علي رضي الله عنه ( وتحليلها التسليم ) يمكن أن يستدل به من قال : بأن التسليمة الواحدة كافية ، لأنه أطلق ، وهذه المسألة مسألة خلافية بين أهل العلم هل تكفي السليمة الواحدة أم لابد من تسليمتين ؟
الناظر في جميع الأدلة الواردة في التسليم يتبين له من أن التسليمتين لابد منهما كلتيهما في صلاة الفرض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر في صحيح مسلم ( كان يكفي أحدكم أن يقول عن يمينه السلام عليكم وعن شماله السلام عليكم ) ومعلوم أنه ليس هناك شيء دون الكفاية ، فدل على أن أقلَّ ما يكون أن يأتي بهذه الصيغة من جهة اليمين وجهة الشمال .
بينما النافلة فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أنه كان يقتصر على تسليمة واحدة .
س2 : هل تكفي التسليمة الواحدة في النفل ؟
ج2 : هذا ليس قولا للألباني رحمه الله ، وإنما هو قول لعلماء سابقين ، وهي قاعدة [ وهو أن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض وكذلك العكس ما لم يدل دليل يخص أحدهما دون الآخر ] ونقول هنا جاء الدليل بتخصيص صلاة النفل ، وهو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقتصر في النفل في بعض الأحيان على تسليمة واحدة .
س 3: لماذا حثت عائشة رضي الله عنها عن الاستنجاء ؟
ج3: معنى هذا الحديث : أن عائشة رضي الله عنها أمرت النساء أن يخبرن أزواجهن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستنجي بالماء ، لأنه أبلغ في التطهير ، وأبلغ في الإنقاء من الحجارة ، لأن الماء يزيل النجاسة كلها ، بينما الاستجمار يبقى معه شيء من النجاسة ، لكنها معفى عنها شرعا .
س4 : حكم الأخذ من باب مال المسلمين بنية التصدق ؟
ج4: ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول )
لأن هذا يتنافى مع الشرع أولا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) وهذا ليس بطيب ، ويتنافى مع العقل إذ كيف تسرق من بيت مال المسلمين ثم تتصدق ؟! فهذا فيه تلاعب ، ولا يرشد إليه عقل ، لا كما يقوله بعض اللصوص الذين يظنون أنهم مهرة حينما يسرق شيئا فيتصدق به ، فيقول سرقتُ وهذه سيئة وتصدق به فهذه عشرة حسنات ، اخصم واحد من عشرة يبقى تسع حسنات ، وغفل عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) .
س5: ما موقفنا تجاه السنة التي أتت بصيغ متعددة ؟
ج 5: الصيغ المتعددة إذا وردت في محل ما ، فإنه ينبغي تطبيقها لأنواع السنة ، فينبغي له أن يأتي بها بين الفينة والأخرى ، مرة هذه ومرة تلك.
س7 : لو نسى هذا الذكر ماذا يفعل ؟
ج 7 : إذا نسي هذا الذكر فلم يتذكره إلا وهو يقضي حاجته أو بعد الدخول فقد قال بعض العلماء : يقولوه سرا ، بناء على ما ذكرنا أمس ( فننحرف عنها ونستغفر الله ) على اعتبار أن هذه الاستغفار استغفار قلبي، والصواب أنه لا يقال لأنه سنة فات محلها .