الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء ما يقول عند افتتاح الصلاة
حديث رقم – 242-
( صحيح ) حدثنا محمد بن موسى البصري حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول الله أكبر كبيرا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )
من الفوائد :
أن من بين أنواع دعاء الاستفتاح هذا الذكر ، فهذا الذكر نوع من أنواع الاستفتاحات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخذ به الإمام أحمد رحمه الله وقال ” إن هذا النوع هو أفضل أنواع الاستفتاحات ، لم ؟ لأنه فيه ثناء وتعظيما لله سبحانه وتعالى .
بينما يرى علماء آخرون خلاف ما ذهب إليه رحمه الله ، فيقولون إن حديث أبي هريرة رضي الله في الصحيحين أصح من هذا الحديث ، وهو ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ) إلى آخره ، فأخذوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وطعنوا في هذا الحديث الذي معنا فقالوا إنه غير صحيح ، ولكن جملة من العلماء يصححونه ويرونه ثابتا لاسيما أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم أخذوا به ، حتى إن عمر رضي الله عنه ( جهر به ) كما جاء في صحيح مسلم .
ولكن القائلين بضعف هذا الحديث يقولون إنما صنعه عمر كما جاء في صحيح مسلم ليس حديثا متصلا وإنما هو حديث منقطع .
وقد قال بعض العلماء كيف يليق بمسلم أن يورد حديثا منقطعا في صحيحه مع أنه التزم ذكر الصحيح من الأحاديث !
فالجواب عن ذلك :
أن مسلما رحمه الله لم يذكره إلا في ( باب ترك الجهر بالبسملة ) فذكره ضمنا ، لأنه رحمه الله أراد أن يؤدي الحديث كما سمعه ، فليس أصلا في هذه المسألة ، وإنما ذكره رحمه الله بناء على أنه سمع الحديث بجملته فأورده بجملته كما سمعه .
وعلى كل حال ، فهذا الدعاء ثابت لورود ما يؤيد هذا الحديث كحديث عائشة ، ولذلك يرون أن أصح الأحاديث في دعاء الاستفتاح هو حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، فلتعدد طرقه يكون ثابتا لاسيما أن جمعا من الصحابة كانوا يستفتحون به .
ومن الفوائد :
أن هذا الاستفتاح يقال في صلاتي النفل والفرض ، فأما ذكره في النفل بدلالة هذا الحديث ، وأما ذكره في الفرض فلجهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك .
ومن الفوائد :
أن هذا الذكر ورد من غير جملة التكبير المذكورة هنا ، ولذلك قال بعض العلماء هو صحيح دون جملة التكبير ، وعلماء آخرون يثبتون جملة التكبير
إذاً من أنواع دعاء الاستفتاح أن تأتي بهذا الدعاء من غير جملة التكبير وأحيانا تأتي به مع جملة التكبير ، فكلاهما وارد ، والسنة أن ينوع الإنسان مرة ومرة .
ومن الفوائد :
الرد على المالكية الذين يقولون ” بعدم استحباب دعاء الاستفتاح وبعدم استحباب البسملة ، لم ؟ قالوا ( لأن النبي صلى عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) فهذا الحديث يرد عليهم من أن دعاء الاستفتاح ثابت ، وأما كون ( النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) فالمراد من ذلك القراءة ولا ينفي ثبوت دعاء الاستفتاح والبسملة .
ومن الفوائد :
أن الاستعاذة ثابتة ، فأما ثبوتها من حيث القرآن فلقوله تعالى{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98 ، وأما ثبوتها من حيث السنة فهذا الحديث ، وهذا الحديث أتى بصيغة تختلف عن الصيغة المذكورة في القرآن ، هنا ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) فهذه صيغة أخرى يمكن للإنسان أن ينوع بينها وبين ما جاء في سورة النحل في كلام الله سبحانه وتعالى .
مع أن بعض العلماء يقول : إن هذا هو الوارد في الصلاة ، أما ما جاء في كلام الله سبحانه وتعالى فلا يؤخذ به على أنه يقال في الصلاة ,
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يستحضر معناه ، فقوله ( سبحانك اللهم وبحمدك ) تنزيه لله سبحانه وتعالى عن النقائص ، ثم ذكر الحمد الذي فيه إثبات صفات الكمال ، أي أسبحك متلبسا بحمدك ، فتكون الباء للملابسة .
( وتبارك اسمك ) البركة تدل على الكثرة والسعة .
( وتعالى جدك ) يعني ارتفعت عظمتك ، فكل من اتصف بالصفات السابقة في الجمل الأُوَّل هو الذي يستحق العبادة ، ولذا قال بعدها ( ولا إله غيرك ) ومن كان إلها فإنه يستحق التكبير ، ولذا جاءت جملة ( الله أكبر كبيرا )
ومن الفوائد :
أن يستحضر معنى الاستعاذة ، فإن معناها الالتجاء والاعتصام بالله سبحانه وتعالى من شر الشيطان ، ثم ذكر بدل الاشتمال قال ( من همزه ) فالهمز : قيل هو الجنون ، وقيل الوسوسة ، وكلاهما داخلان في معنى الهمز .
( ونفخه ) النفخ : هو الكِبْر ، كأن الشطيان نفخ المتكبر ، ويمكن ترد عبارة عندنا ( فلان نافخ نفسه )
( ونفثه ) النفث : قال بعض العلماء هو السحر لقوله تعالى {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ }الفلق4، وقال بعضهم هو الشعر المذموم ، وكلا المعنيين يدخلان ضمن هذه الجملة .
حديث رقم – 243-
( صحيح ) حدثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قالا حدثنا أبو معاوية عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )
من الفوائد :
هذا الحديث يؤيد حديث أبي سعيد المتقدم ، مع أن حديث أبي سعيد أقوى من حديث عائشة ، لكن حديث عائشة مع حديث أبي سعيد يجعل هذا الحديث حديثا ثابتا ولا مطعن فيه ، لاسيما مع ما ذكرنا من حرص كثير من الصحابة رضي الله عنهم على هذا النوع من أنواع الاستفتاح .
باب ما جاء في ترك الجهر ” ببسم الله الرحمن الرحيم “
حديث رقم – 244-
( ضعيف ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن أبي إياس الجريري عن قيس بن عباية عن بن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال لي أي بني محدث إياك والحدث قال ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه قال وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا أنت صليت فقل { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } )
من الفوائد :
هذا الحديث يضعفه بعض العلماء ويصححه آخرون يقولون إنه حديث ثابت .
ومن الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعليم أبنائهم أمور الشرع ، فهذا عبد الله بن مغفل رضي الله عنه يوضح ابنه ، ولذا وصفه ابنه أنه من أعظم الصحابة ردا لما يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الحدث هو الابتداع في الدين
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث في ظاهره يؤيد ما ذهبت إليه المالكية من أن البسملة لا يسن ذكرها ، ولكن الصواب على افتراض ثبوته أن المقصود من إنكار عبد الله بن مغفل أن المقصود هو الجهر ، فالجهر بالبسملة كما قال عبد الله بن مغفل هو الممنوع ، ولذلك ربطه بالسماع ، ومعلوم أن السماع متعلق بالجهر لا بالذكر ، قال ( فلم أسمع أحدا منهم يقولها )
ومن الفوائد :
أن ابن مغفل لم يذكر عليا ، لأن مقام علي رضي الله عنه في الكوفة أكثر من مقامه بالمدينة فلم يدركه ابن مغفل رضي الله عنه في المدينة كثيرا .
باب من رأى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
حديث رقم – 245-
( ضعيف الإسناد ) حدثنا أحمد بن عبدة الضبى حدثنا المعتمر بن سليمان قال حدثنى إسماعيل بن حماد عن أبى خالد عن بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ ” بسم الله الرحمن الرحيم ” )
من الفوائد :
هذا الحديث لو صح لدل على ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه يسن الجهر ببسم الله ، ولكن يجاب عنه – على افتراض صحته – أن المقصود هنا هو الذكر لا الجهر بها ، فهو عليه الصلاة والسلام يذكرها سرا لكن لا يجهر بها ، وقد بينت ذلك الروايات الأخرى الصحيحة ( أنهم كانوا يسرون بها ) وفي رواية ( كانوا لا يجهرون بها ) والمقصود من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
باب ما جاء في افتتاح القراءة بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
حديث رقم – 246-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة ب { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } )
من الفوائد :
أن في ظاهره يدل على ما ذهبت إليه المالكية من أن البسملة ودعاء الاستفتاح لا يستحبان ، ولكن تبويب الترمذي رحمه الله يدل على أن المقصود من ذلك القراءة .
فتكون أول قراءتهم بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولا ينفي ثبوت ذكر دعاء الاستفتاح والبسملة والاستعاذة .
باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
حديث رقم – 247-
( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي أبو عبد الله العدني وعلي بن حجر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
من الفوائد :
أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة ، وذلك شامل للفرض والنفل لعموم الحديث ، وشامل للإمام والمأموم والمنفرد لعموم الحديث .
وهذا ما ذهب إليه الجمهور ، مع أن الجمهور اختلفوا هل يلزم أن تقرأ في كل ركعة ؟ أو يكفي أن تقرأ في بعض الركعات ؟
الصواب أنه في كل ركعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرشد المسيء في صلاته وأمره بقراءة أم الكتاب وذكر ما ذكر من الأركان قال ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) فدل على أن قراءة الفاتحة تقال في كل ركعة ، في فرض ، في نفل ، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا .
بينما ذهبت الحنفية إلى أن قراءة الفاتحة ليست بركن ، فلو قرأ ما تيسر من القرآن فلا بأس بذلك لقوله تعالى{ فَاقْرَؤُوامَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }المزمل20 .
ويرد عليهم بأن قوله تعالى { فَاقْرَؤُوامَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }المزمل20 ، اختلف المفسرون فيها :
فقال بعضهم : إنها في القراءة ، وبهذا يستقيم للحنفية ما ذهبوا إليه .
وقال آخرون : إن قوله تعالى { فَاقْرَؤُوامَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }المزمل20 ، يعني صلوا ما تيسر ، لأن سياق الآيات يدل على الصلاة .
وعلى كل حال سواء قيل بهذا أو قيل بهذا فالسنة أثبتت أن قراءة الفاتحة لابد منها في كل ركعة بدلالة هذا الحديث .
لكن قالت الحنفية إن هذا الحديث ليس لنفي الصحة بل لنفي الكمال ، فلا يدل على أن صلاته باطلة ، بل يدل على أن صلاته نقص أجرها لو لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
ولكن نقول وردت رواية من قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن )
فخلاصة القول والصواب : أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في النفل وفي الفرض ، على الإمام والمأموم والمنفرد ، وتأتي إن شاء الله معنا بعض الأحاديث التي قد تسقط المأموم من هذا الحكم ونجيب عنها بإذن الله تعالى ، فلا نستبق القول فيها .
باب ما جاء في التأمين
حديث رقم – 248-
( صحيح ) حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال آمين ومد بها صوته )
من الفوائد :
أن التأمين سنة ، ومعناه ” اللهم استجب “
وقال بعض العلماء : إن معناها أنها طابع وختم على الدعاء “
وقال بعض العلماء : إنها اسم من أسماء الله ، وبنو قولهم على حديث ضعيف ، فليست من أسماء الله عز وجل ، لأن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية ولا يجوز أن يثبت منها شيء إلا ما أثبته كلام الله سبحانه وتعالى أو حديث صحيح
ومن الفوائد :
الرد على القائلين بعدم رفع الصوت بآمين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مد بها صوته ، لكن من يقول بأن رفع الصوت بها غير مسنون ، قال إن المد هنا على الرواية الأخرى ، لأن ” آمين ” يمكن أن تنطق بالمد ويمكن أن تنطق بالقصر ” آمين ” هذا المد ، وبالقصر ” آمين ” على وزن ” يس “
فقالوا ليس في ذلك جهر بها ، وإنما المد هنا مد الصوت بها وليس معنى ذلك رفع الصوت بها .
ولكن يرد عليهم بأن الرواية الأخرى أتت ( ورفع بها صوته) وكذلك يرد عليهم أن المد لم يأت في الأحاديث إلا بمعنى رفع الصوت ولم يأت بمعنى القصر .
الشاهد من هذا : أن كلمة ” آمين ” يستحب رفع الصوت بها لفعله عليه الصلاة والسلام ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك .
وما ورد من رواية ( خفض بها صوته ) فإنها ضعيفة .
وما ورد من زيادة ( ومد بها صوته ليعلمنا ) فهي أيضا زيادة ضعيفة ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استمر على رفع الصوت ، والتعليم يكون بالاستمرار أو مرة واحدة ؟ مرة واحدة أو مرتين ، ويؤكد ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في عهد عبد الله بن الزبير كانوا يرفعون أصواتهم بها .
فخلاصة القول أن قول ( آمين ) في الصلاة يستحب رفع الصوت بها للإمام والمأموم على حد سواء ، ولذلك ما ذهب إليه بعض العلماء – كالمالكية – يقولون إن التأمين لا يكون للإمام ترده الأحاديث الصحيحة ، فيكون التأمين مرفوع الصوت بها في حق الإمام وفي حق المأموم .
( شاذ ) قال وفي الباب عن علي وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث وائل بن حجر حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال آمين وخفض بها صوته )
من الفوائد :
هذا حديث شاذ ، لم ؟ لأن شعبة رحمه الله مع أنه ثقة خالف سفيان الثوري الذي روى الحديث السابق ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مد بها صوته ) فكلاهما ثقة ، ولكن إذا اختلف سفيان الثوري مع شعبة فسفيان الثوري كما قال الحفاظ من أهل الحديث أثبت من شعبة ، حتى إن شعبة أقر بذلك ، وذلك سفيان الثوري تابعه أكثر من شخص في كون النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بها ، بينما شعبة لم يتابعه أحد ، فيكون الحديث شاذا ، والشاذ : ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه ، لو كان شعبة ضعيفا لكان الحديث منكرا ، فالمنكر ما خالف الضعيف فيه الثقة .
والمقصود من المخالفة: المخالفة التي لا يمكن أن يجمع فيها بين الروايتين ، ما عندنا إلا رفع صوت أو خفض صوت ، فلابد أن نرجح ، لكن لو أن الثقة أتى بشيء زائد عما أتى به من هو أوثق منه ولم يتناف فإنها زيادة من الثقة ، والتحقيق أن زيادة الثقة مقبولة بشرط ألا تنافي ما أتى به من هو أوثق منه ، إذاً ليس المقصود مطلق المخالفة .
حديث رقم – 249-
( صحيح ) قال أبو عيسى حدثنا أبو بكر محمد بن أبان حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث سفيان عن سلمة بن كهيل .
باب ما جاء في فضل التأمين
حديث رقم – 250-
( صحيح ) حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا زيد بن
حباب حدثني مالك بن أنس حدثنا الزهري عن سعيد بن
المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )
من الفوائد :
أن ظاهره يدل على أن المأموم يؤمِّن بُعيد تأمين الإمام لقوله
( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ) لأن ( الفاء ) تفيد الترتيب والتعقيب ، يعني أول ما يؤمِّن الإمام أمنوا أنتم عقيبه لا تتأخرون عنه ولا تتوافقون معه ولا تسبقونه إنما تؤمِّنون عقيبه من غير تأخر .
ولكن هذا الظاهر غير مراد ، لأن الأحاديث الأخرى أتت بأن تأمينه يكون مع تأمين الإمام سواء بسواء ، فإذا فرغ الإمام من قول غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }الفاتحة7 ، يسن له أن يقول ( آمين ) ويرفع صوته بها ، وعلى المأموم أن يتوافق معه لا يسبقه ولا يتأخر عنه ، بل معه .
ومن الفوائد :
أن الملائكة تؤمن مع تأمين الإمام والمأموم ، فإذا حصلت الموافقة لتأمين الملائكة ما الثمرة ؟ غفر لهذا المُؤمِّن ما تقدم من ذنبه .
وقد قال بعض العلماء : إن المقصود من موافقة تأمين الملائكة أن يوافقهم في الإخلاص ، في استحضار هذا المعنى ، وليس المقصود أن الملائكة يؤمِّنون .
لكن يرد عليهم أن هناك جملة ورد في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام ( فإن الملائكة تؤمِّن ) فدل على أن المقصود هو التأمين المعروف وهو قول ( آمين ) وليس المقصود أن يتوافق المؤمِّن مع الملائكة في قضية الإخلاص ، قضية الإخلاص مطلب ولكن المقصود من التأمين هنا هو التأمين المعروف وهو قول ( آمين ) .
ومن الفوائد :
أن غفران الذنوب يقصد منها الصغائر ، مع أن لفظه يدل على العموم ، وإنما اقتصر على الصغائر لأن هناك نصوصا أخرى بينت أن الصلاة برمتها تكفر الصغائر ، فما ظنكم بكلمة ( آمين ) وهي جزء مستحب من الصلاة ؟
ومن الفوائد :
أن هناك رواية ( إذا أمَّن القارئ فأمِّنوا ) فلعلها تفيد أن من سمع قارئا يقرأ في غير الصلاة سورة الفاتحة أن له أن يؤمِّن ، وكذلك القارئ نفسه فيما لو قرأ الفاتحة في غير الصلاة ، ويمكن أن يكون معنى ( القارئ ) هو الإمام ، فعلى كل حال المسألة فيها سعة .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الملائكة بوجه العموم ، فدل على أن كل الملائكة تؤمِّن ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء .
وقال بعض العلماء : إن المؤمِّن هنا من الملائكة هم الحفظة .
وقال بعض العلماء : إن المؤمِّن هنا من الملائكة هم الذين يتعاقبون فينا بالليل وبالنهار .
وعلى كل حال هناك فضل وخير ، سواء قلنا إنهم جميع الملائكة أو بعضهم فهناك خير ، وهذا يدل على أن الملائكة يشاركوننا في بعض العبادات كالصلاة .
ومن الفوائد :
أن تأمين المأموم عند تأمين إمامه يدل على أن الإمام يجهر ، ففيه رد على من قال إن الإمام لا يجهر وإنما يخفض صوته بها ، ومن يقول بخلاف ذلك قال إن هذا الحديث معناه إذا بلغ الإمام هذا الموضع فأمِّنوا ، لكن الصواب أن يبقى الحديث على ظاهره ، ففيه دليل على أنه يستحب رفع الصوت بالتأمين .
ومن الفوائد :
قال بعض العلماء إنه لا يرفع صوته بالتأمين ، لم ؟ قال لأن ( آمين ) دعاء والدعاء مطلوب فيه خفض الصوت .
ويجاب عن ذلك: بأنه ليس كل دعاء يخفض به الصوت ، فإن قول { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} دعاء ومع ذلك نرفع صوتنا بذلك ، وكذلك القنوت دعاء ومع ذلك نرفع صوتنا به ، فيكون قول ( آمين ) على اعتبار من يقول إنه دعاء ، نقول ( آمين ) يجهر بها إذا جهر بالدعاء المترتب عليه ، فإذا كان هذا الدعاء خفيا فيكون التأمين خفيا ، ولذلك في الصلوات السرية لا يجهر بآمين ، بينما الصلوات الجهرية يجهر بالتأمين .
فإذاً كون ( آمين ) دعاء – نعم – دعاء يجهر به إذا جهر بما هو مرتبط به من الدعاء أي { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} ، ويخفض به إذا كان الدعاء المرتبط بكلمة آمين منخفض الصوت .
ومن الفوائد :
أن ظاهره يدل على أن التأمين واجب لقوله ( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ) فيكون ترك التأمين تركا للواجب لأنه أمر بذلك ، والذي عليه العلماء أنه سنة ، لكن أين الدليل الصارف ؟
أرى والله أعلم أنه ما بعده ( فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) فدل على أن هذا أمر مسنون .
باب ما جاء في السكتتين
حديث رقم – 251 –
( ضعيف ) حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال : سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر ذلك عمران بن حصين وقال حفظنا سكتة فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أبي أن حفظ سمرة قال سعيد فقلنا لقتادة ما هاتان السكتتان قال إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد ذلك وإذا قرأ { وَلاَ الضَّالِّينَ } قال وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه )
من الفوائد :
هذا الحديث مختلف في ثبوته ، ولذلك يرى بعض الشافعية أنه حديث ثابت ، لأن عندهم سنة ، ما هي هذه السنة ؟
أن الإمام إذا فرغ من قراءة الفاتحة عليه أن يسكت سكتة بمقدار ما يقرأ المأموم الفاتحة .
ولكن هذا الحديث لو صح على ما ذهبوا إليه نقول لهم أين الدليل على أن هذه السكتة طويلة بقدر أن يقرأ المأموم الفاتحة ؟
فليس هناك ما يدل على ذلك – لو صح الحديث – ولكن الحديث مضطرب ، لم ؟ لأنه ذكر في صدره أنهما سكتتان ، ومع ذلك مرة يقال سكتة قبل القراءة وسكتة بعد القراءة ، وأحيانا سكتة بعد { غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}
فتلخص من ذلك أن السكتات ثلاث ، سكتة قبل القراءة لذكر دعاء الاستفتاح ، وسكتة بعد قراءة الفاتحة ليرتادَّ إليه نفسه عند بعض العلماء أو يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة ، وسكتة بعد القراءة كلها يعني قبل أن يركع ليرتادَّ إليه نفسه .
ولكن الحديث ضعيف .
ومن الفوائد :
لو صح هذا الحديث ففيه دليل لمن قال بأن التأمين لا يجهر به ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سكت بعد قول { غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} .
إذاً خلاصة القول : أن السنة في ذلك أن الإنسان يسكت سكتة قبل القراءة من أجل أن يذكر دعاء الاستفتاح ، ويسكت سكتة قبل الركوع لكي يرتادّ إليه نفسه ولا يكون هذا السكوت طويلا ، ولذلك أبو هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين ( قال يا رسول الله أرأيتك سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ؟ قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي )
فدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يسكت قبل القراءة .