تعليقات على سنن الترمذي ( 16 ) من حديث ( 267-269 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 16 ) من حديث ( 267-269 )

مشاهدات: 458

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس السادس عشر

من حديث 267-269

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب منه آخر

حديث رقم – 267-

( صحيح ) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )

من الفوائد :

أن الإمام يقول ( سمع الله لمن حمده ) وهل يضيف إلى ذلك قول ( ربنا ولك الحمد ) كما هو في حق المأموم ؟

قولان لأهل العلم ، بعض العلماء يقول إنه لا يقول ( ربنا ولك الحمد ) لظاهر هذا الحديث .

والصواب أنه يقول ( ربنا ولك الحمد ) لم ؟

لما ثبت في حديث أبي هريرة وقد أخرجه الشيخان ( من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول “سمع الله لمن حمده ” فإذا استتم قائما قال ” ربنا ولك الحمد ” )

ويكون المنفرد حكمه كحكم الإمام .

ومن الفوائد :

أن قول الإمام ( سمع الله لمن حمده ) يكون حال القيام من الركوع ، فكذلك قول ( ربنا ولك الحمد ) يكون في حق المأموم إذا رفع من الركوع ، فيكون قول ( ربنا ولك الحمد ) من المأموم في نفس الموضع الذي يقول فيه الإمام ( سمع الله لمن حمده ) متى يقول الإمام سمع الله لمن حمده ؟ حينما يرفع ، كذلك المأموم لهذا الحديث .

وأما الإمام فإنه لا يقول ( ربنا ولك الحمد ) إلا إذا استتم قائما لما ذكرنا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم  .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث خصص المأموم فيه من عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فما ذهبت إليه الشافعية من أن المأموم يقول ( سمع الله لمن حمده ) مع قول ( ربنا ولك الحمد ) كشأن الإمام لعموم حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فهذا الحديث يخصص ما ذهبوا إليه ، فيكون المأمور به في حق المأموم أن يقول ( ربنا ولك الحمد ) وهل يجمع مع ذلك قول ( سمع الله لمن حمده ) ؟ قولان ، والصواب أنه لا يجمع ، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله وغيره لم يصح حديث أن المأموم يجمع بين قول ( سمع الله لمن حمده  ) وقول ( ربنا ولك الحمد )

ومن الفوائد :

أن الملائكة يحمدون الله سبحانه وتعالى ويشهدون الصلاة ، لقوله ( فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )

وغفران الذنوب كما سلف هي الصغائر ، لأن الصلاة تكفر الصغائر فكيف بجزء من هذه الصلاة ؟

ومن الفوائد :

أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر العلة ( فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) فهذا تشجيع للمصلين أن يحرصوا على أن يقولوا هذا القول في هذا الموطن حتى يتوافق قولهم مع قول الملائكة فتحصل لهم المغفرة ، وسبق وأن ذكرنا معنى قول ( ربنا ولك الحمد )

باب ما جاء ف وضع الركبتين قبل اليدين في السجود

حديث رقم – 268-

( ضعيف ) حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن إبراهيم الدورقي والحسن بن علي الحلواني وعبد الله بن منير وغير واحد قالوا حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال :   رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه )

من الفوائد :

هذا الحديث هو حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ، وقد اختلف العلماء في ثبوته ، فهناك من قوى هذا الحديث وأكد على تصحيحه وقوته أكثر من غيره وهو حديث أبي هريرة ، وممن ذهب إلى ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ، وسبقه علماء آخرون ، وهم كثر ، أخذوا بظاهر هذا الحديث ، وهو رأي الجمهور من أن السنة في حق المصلي إذا سجد أن يقدم ركبتيه قبل يديه ، بينما ذهبت المالكية ورواية في مذهب الإمام أحمد أنه يقدم يديه قبل ركبتيه ، وهناك رواية في مذهب الإمام أحمد أتت بالتخيير ، مخير بين هذا وبين هذا ، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” الأمر في ذلك واسع ” من قدم يده قبل ركبتيه أو قدم ركبتيه قبل يديه ، فالأمر في ذلك واسع .

ومن الفوائد :

أن حديث وائل بين حال النبي صلى الله عليه وسلم أثناء القيام وأنه ما كان يجلس جلسة الاستراحة ، إنما كان يعتمد أثناء القيام على ركبتيه ، وجلسة الاستراحة سيأتي إن شاء الله لها حديث .

ومن يرى صحة حديث وائل بن حجر ويرى تقديم اليدين قبل الركبتين يقول إن حديث وائل فعل وحديث أبي هريرة – الآتي – قول ، والقاعدة كما هي في الأصول [ القول مقدم على الفعل عند التعارض ] لأن الفعل يحتمل الخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا يصار إليه متى ؟ إذا لم يمكن الجمع .

باب آخر منه

حديث رقم – 269-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل )

 

من الفوائد :

أن همزة الاستفهام لما كثر استعمالها تحذف كثيرا ، وهذا يتضح من خلال السياق الأصل ( أيعمد أحدكم ) فحذفت همزة الاستفهام تخفيفا لكثرة استعمالها .

ومن الفوائد :

أن المسلم منهي في صلاته عن أن يشابه البعير أثناء البروك ، فالمصلي إذا أراد أن يسجد منهي عن أن يشابه البعير في صفة بروكه ، ما صفة بروك البعير ؟

يقدم يديه قبل رجليه ، هذا شيء واضح  ، فالمقدمة قبل المؤخرة ، ومن ثم فإن من يرى تقديم الركبتين على اليدين يستدل بهذا الحديث،  لأنه ( قال بَرْك الجمل ) يعني مثل بروك الجمل ، ولم يقل – كما سيأتي – ” على ما يبرك عليه البعير ” فإن كل دابة من ذوات الأربع ركبتاها في يديها ، هذا معروف ، ولذلك في صحيح البخاري في حديث الهجرة سراقة بن مالك لما تبع النبي صلى الله عليه وسلم قال ( حتى ساخت يدا فرسي فبلغت الركبتين ) فدل على أن الركبتين في ذوات الأربع تكون في اليدين .

فمن يرى أن الركبتين تقدم على اليدين أثناء السجود ، بعضهم يقول هو حديث ضعيف ويكون حديث وائل أقوى منه ، ومن يرى تقديم الركبتين – وهم صنف آخر – يثبتون حديث أبي هريرة ولكن يقولون إن حديث أبي هريرة ليس فيه النهي عن البروك على الركبتين ، إنما النهي عن أن يبرك مثل بروك البعير ، لأن البعير يقدم المقدمة على المؤخرة ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه له شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح ابن خزيمة ، وورد موقوفا على ابن عمر كما عند البخاري من فعل ابن عمر ، وورد مرفوعا عند ابن خزيمة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا يكون حديث أبي هريرة أقوى من حديث وائل – وأنا أسهب في هذه المسألة لأنها محل نزاع وشقاق بين طلاب العلم المبتدئين ، وهي ولله الحمد مسألة سهلة وميسرة ولا ينبغي أن تخلق شيئا في النفوس ، وقد سمعنا كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، من فعل هذا أو فعل هذا فالأمر فيه سعة – فحديث أبي هريرة يقويه حديث ابن عمر مرفوعا عند ابن خزيمة وموقوفا على ابن عمر عند البخاري ، وأما حديث وائل فيقويه حديثان لكنهما ضعيفان .

ونحن نحصر هذه المسألة حتى نخرج منها بحكم

وحديث أبي هريرة ورد بلفظ ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يبرك كما يبرك البعير ، وليقدم يديه قبل رجليه )

قال ( كما ) يعني مثل البروك ،  فيكون النهي منصبا على الصفة والهيئة ، ما هيئة البعير حينما يبرك ؟ يقدم المقدمة ثم المؤخرة ، ولم يقل على ما يبرك ، لو قال على ما يبرك عليه البعير لصح ، لأن البعير إذا قدم يديه أول ما يصل إلى الأرض ركبتاه ، فلو قال على ما يبرك ، لصح ما ذهبت إليه المالكية ، لكن لما قال ( كما يبرك ) فيه دليل للجمهور.

لكن من يقول إن اليدين تقدمان على الركبتين يقول ماذا قال في آخر الحديث ؟ قال ( وليقدم يديه قبل ركبتيه )

قال الجمهور إن هذا الحديث فيه قلب ” منقلب ” فإن الأصل ” وليقدم ركبتيه على يديه “بدليل رواية أخرى جاءت بذلك ، لكن المالكية ومن يأخذ بهذا الرأي يطعنون في هذه الزيادة ، فيقولون الأصل ( وليقدم يديه قبل ركبتيه )

والمسألة تحتاج إلى مزيد كلام فيما لو أتت إن شاء الله أحاديث أخرى في السنن الأخرى .

خلاصة القول : أن الجمهور يرون – وهم أكثر أهل العلم كما نقل ذلك الترمذي رحمه الله – يرون أن السنة في حق المصلي أثناء السجود أن يقدم ركبتيه قبل يديه ، والمالكية يرون خلاف ذلك ، وهناك رواية بالتخيير عند الإمام أحمد ، وشيخ الإسلام رحمه الله ينقل أن العلماء لم يعنفوا على من فعل هذا أو فعل هذا ، فالأمر في ذلك واسع .

والمسألة لاشك أن فيها شيئا من القوة ، ولذلك ذهب جماهير العلماء على أن الأمر فيه سعة ، فلو لم يكن هناك تعارض قوي لكان من صنع إحدى الصفتين واقعا في الإثم ، لأن هناك نهيا وهناك تشبيها بالحيوان ، فلما كانت الأدلة فيها ما يحتمل رجحان قول هؤلاء و رجحان قول هؤلاء خلصوا من ذلك إلى الجواز ، خلافا لابن حزم رحمه الله فقد شدَّد في هذه المسألة ، ومعلوم شدته رحمه الله في مسائل كثيرة ، والأقرب – مع أن القول الآخر فيه وجهة – الأقرب ما ذهب إليه الجمهور والعلم عند الله .

سؤال : لو قلنا إن ( كما يبرك ) أي لا يبرك كما يبرك البعير البعير في النزول بقوة ، مع قوله في آخر الحديث ( وليقدم يديه قبل ركبتيه ) استقام الحديث ولم يحتج إلى القلب ؟

الجواب / لا ،  لأن الملاحظ أن من قدم ركبتيه – والواقع يشهد بهذا – أن من قدم ركبتيه على يده يكون أقل هدوءا ، بينما نرى أن من يقدم يديه على ركبتيه نجد أن هناك شدة لأنه نازل من علو على اليدين ، مع أن الإمام مالك رحمه الله يقول إن تقديم اليدين على الركبتين أقرب للخشوع ، وهذه تحتاج إلى دليل ، مع أن من يرى تقديم الركبتين على اليدين يقول الأصل أن الإنسان في صلاته – إذا لم يأت دليل – يفعل ما اقتضته الطبيعة / ما طبيعة الإنسان حينما يهبط ؟ يقدم الأسفل ثم الأعلى وهلم جرا ، فهذه طبيعة الإنسان ، فتقديم اليدين قبل الركبتين فيها خلاف لطبيعة فعل الإنسان ، وكما قلنا الأمر في ذلك واسع ولا تكن هذه المسألة مسألة نقاش طويل ، إذا كان جماهير العلماء وسعت عقولهم هذه المسائل وهم علماء راسخون في العلم فكيف بمن أتى بعدهم ؟ واجب عليه أن يكون عقله أكبر من ذلك وألا تضيع الأوقات والجلسات في تكرار هذه المسائل في أكثر من مجلس بحيث يذهب الوقت فيما لا طائل من ورائه ، لو أن النقاش أودى  بهؤلاء المتحاورين إلى نتيجة قاطعة فاصلة لكان ذلك خير ، لكن إذا كانت المسألة تعاد وتكرر ، فهذا مما لا نفع فيه كثير بل قد يورث ضغينة في الصدور .