تعليقات على سنن الترمذي ( 18 ) من حديث ( 279-285)

تعليقات على سنن الترمذي ( 18 ) من حديث ( 279-285)

مشاهدات: 450

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس الثامن عشر

من حديث 279-285

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود والركوع

حديث رقم – 279-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن محمد بن موسى المروزي أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال :   كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود قريبا من السواء )

حديث رقم 280-

حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم :   نحوه

من الفوائد :

أن المسنون في حق المصلي أن تكون الأركان متقاربة من حيث الطول .

ومن الفوائد :

أن هذه المقاربة بين الأركان نسبية ، يعني ليست متيقنة ، ولذلك قال ( كانت قريبا من السواء ) مما يدل على أن هناك تفاوتا بين هذه الأركان لكنه ليس تفاوتا كبيرا .

ومن الفوائد :

الرد على الحنفية الذين لا يطيلون في الرفع بعد الركوع ولا في الرفع بعد السجود .

ومن الفوائد :

أن تسبيحات الركوع والسجود ليست محددة بعدد – وقد مر معنا شيء من هذا – لأن بعض العلماء حددها ، حتى أوصلها بعضهم إلى أن أكثرها عشر ، وهذا الحديث يدفع هذا القول ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل في القراءة فإذا أطال في القراءة أطال في ركن القيام فيكون ركوعه قريبا من قيامه .

ومن الفوائد :

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا لنا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

الرد على من زعم أن الرفع من الركوع الثاني في صلاة الكسوف لا يطال فيه ، كما أن الرفع من السجود في صلاة الكسوف لا يطال فيه ، لأن حديث البراء عام .

ومن الفوائد : وهي فائدة مهمة جدا :

أن الطمأنينة ركن في جميع الأركان .

 

باب ما جاء في كراهية أن يُبادِر الإمامُ بالركوع والسجود

حديث رقم – 281- 

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد حدثنا البراء وهو غير كذوب قال :   كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه من الركوع لم يحن رجل منا ظهره حتى يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسجد )

من الفوائد :

أن جملة ( وهو غير كذوب ) اختلف في قائلها :

فقال كثير من العلماء إن القائل هو عبد الله بن يزيد ، ومن ثم فإن في هذا الكلام تزكية للصحابي ، مع أن الصحابة كلهم عدول ، ولا يحتاجون إلى مثل هذه التزكية ممن جاء بعدهم ، فكيف تحمل هذه الجملة ؟

قال ابن معين رحمه الله : إن هذه الجملة ليست من عبد الله بن يزيد ، وإنما من الراوي عن عبد الله بن يزيد يقصد عبد الله ولا يقصد البراء .

ولكن رد على بن معين رحمه الله بأن عبد الله بن يزيد أثبت بعض العلماء صحبته ، فنبقى في الإشكال السابق .

لكن ابن حجر رحمه الله قال إن ابن معين لا يرى لعبد الله بن يزيد صحبة ، فلا يعترض على ابن معين فيما ذكر ، فيكون هذا القول في حق عبد الله بن يزيد .

بينما جملة من العلماء يرون أن الجملة موجهة إلى البراء رضي الله عنه من عبد الله بن يزيد ليس لضعف في البراء وإنما من باب التقوية ، من باب تقوية الحديث وتأكيده ، كما كان بعض الصحابة – كابن مسعود رضي الله عنه – ( حدثنا الصادق المصدوق ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من باب التقوية والتأكيد ، لا لأن ابن مسعود يزكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس هذا مراده .

ومن الفوائد :

أنه ورد في رواية عند مسلم (  لا يحنو ) فتكون هناك لغتان بالواو وتكون بدون الواو مقتصرا فيها على النون مع وجود الجزم ” لم ”  إذاً ” يحنو – يحن ” هما لغتان .

ومن الفوائد :

أن السنة في حق المأموم أن يكون متابعا لإمامه ، ليس سابقا له وليس موافقا له وليس متأخرا عنه ، فإن حديث البراء يدل على أن المشروع في حق المأموم المتابعة ، ما هي المتابعة ؟

ألا ينتقل المأموم إلى الركن حتى يصل الإمام إلى الركن ، ولذلك في رواية (  حتى يمكن الرسول صلى الله عليه وسلم جبهته من الأرض ) .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء ضبط المتابعة بضابط ، ولكن هذا الضابط لا ينضبط حتى يطبق الإمام تكبيرة الانتقال في موضعها ، قال بعض العلماء إن المشروع في حق المأموم ألا يحرك ظهره للانحناء حتى ينتهي صوت الإمام ، فإذا انتهى صوت الإمام بالتكبير ينتقل ، لم ؟ لأن نهاية التكبير تدل على أنه قد وصل إلى الركن ، لكن هذا كما قلت يحتاج إلى أن يطبق الإمام تكبيرة الانتقال في موضعها .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لمن قال من العلماء إن المأموم يكون بصره إلى الأمام ولا يكون بصره في موضع السجود ، لأن كلام البراء يدل على أنهم كانوا يرون الرسول صلى الله عليه وسلم .

والصواب أن المأموم ينظر إلى موضع سجوده ، أما ما نقل إنما نقل عن بعض الصحابة فكانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق مصلحة كبرى ، وهي نقل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن الالتفات في الصلاة إذا كان لحاجة لا يكره ، لأن النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمن هم في طرف المسجد من جهة اليمين أو من جهة اليسار متعذر إلا إذا كان هناك التفات ، فدل على أن الالتفات لحاجة لا بأس به .

ومن الفوائد :

أن السنة في حق المصلي أن يمكن جبهته من الأرض .

باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

حديث رقم – 282-

( ضعيف ) حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :   يا علي أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تقع بين السجدتين )

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ولكن تؤيده أحاديث أخرى ، تلك الأحاديث الأخرى مقيدة ليست مطلقة ، لأن هذا الحديث يدل على أن الإقعاء بنوعيه منهي عنه – وليس كذلك – لأن الإقعاء نوعان ، كما قال النووي رحمه الله  ، فالإقعاء نوعان :

النوع الأول :

أن يقعي كإقعاء الكلب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه ( نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب ) وذلك بأن ينصب ساقيه ويضع إليتيه على الأرض ويتكئ بيده على الأرض كإقعاء الكلب .

والنوع الثاني :

أن ينصب قديمه ويجلس بإليتيه على قدميه ، وهذا يكون بين السجدتين ، فهنا نوعان للإقعاء .

 

 

باب في الرخصة في الإقعاء

حديث رقم – 283-

( صحيح ) حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول قلنا لابن عباس :   في الإقعاء على القدمين قال هي السنة فقلنا إنا لنراه جفاء بالرجل قال بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

أن فيه دليلا على أن الإقعاء بنوعيه أحدهما سنة والآخر منهي عنه ، فالمنهي عنه هو إقعاء كإقعاء الكلب ، أما المسنون فهو الذي يكون بين السجدتين كما سبق ، أن ينصب قدميه وأن يجلس بإليتيه على عقبيه .

وأما من يرى أن الإقعاء نوع واحد ، ويعمم النهي يقول إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور هنا ، يقول إنه منسوخ ، والصواب عدم النسخ لإمكان الجمع بين الدليلين ، فمتى ما أمكن الجمع بين الدليلين فلا يعدل إلى النسخ ، لاسيما وأن ابن عمر رضي الله عنهما فعل ذلك ، لاسيما أن ابن عباس رضي الله عنهما أضاف السنة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال ( بل هي سنة نبيكم )

بينما من يرى النسخ يقول إن السنة في الجلسة بين السجدتين هي الافتراش وليس الإقعاء  ، ونحن نقول ورد هذا وورد هذا ، ولكن أكثر الأحاديث أتت بالافتراش وذلك أن ينصب رجله اليمنى ويفرش رجله اليسرى على الأرض ويجلس بمقعدته على رجله اليسرى.

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء – وهو ابن عبد البر رحمه الله – ضبط ( جفاءُ بالرِّجل ) وقد أنكر عليه ، وقالوا إنما ( جفاء بالرَّجل ) ولكن لا ينكر عليه لأن هناك رواية في مسند الإمام أحمد ( إنه جفاء بالقدم ) والجمهور لهم رواية أيضا ( إنه جفاء بالمرء ) لكن المشهور في الضبط (  جفاء بالرَّجل ) ولو قيل ( جفاء بالرِّجل )  فقد وردت رواية تؤيد هذه اللغة .

باب ما يقول بين السجدتين

حديث رقم -284-

( صحيح ) حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا زيد بن حباب عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس :   أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني )

من الفوائد :

أن هذا الذكر هو الذكر الذي يقال في الجلسة بين السجدتين ، وهل هو واجب كله أم أن الواجب سؤال المغفرة  ؟

بعض العلماء يرى أن هذا الذكر كلها سنة وليس بواجب ، بينما المشهور من مذهب الإمام أحمد أن الواجب هو سؤال المغفرة فقط ، وما زاد فهو مستحب .

ومن قال بسنية سؤال المغفرة ، قال لعدم الدليل ، فهذا فعل مجرد من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدل على الوجوب ، بينما المشهور من مذهب الإمام أحمد أن سؤال المغفرة واجب، ومن ثم لو تركه نسيانا فيلزمه أن يسجد للسهو ، ولو تركه عمدا بطلت صلاته ، لأن الواجب إذا ترك عمدا تبطل به الصلاة ، وإذا تُرك سهوا يجبر بسجود السهو ، فيا ترى ما هو الدليل ؟

لم أر كلاما للعلماء في ذكر دليل في هذه المسألة ، ولكن يمكن – والعلم عند الله – أن حذيفة ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر على قول ( رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي ) ومعلوم أن الصلاة لا سكوت فيها فاقتصاره على سؤال المغفرة يدل على أن هذا هو الواجب ، وما عداه مستحب ، لأنه لا يشرع للمسلم أن يسكت ، لأننا لو قلنا إن هذا الذكر كله سنة لكان له أن يدع هذا الذكر .

ومن الفوائد :

أن على المصلي أن ينوع ، فمرة في الجلسة بين السجدتين يقول ( رب اغفر لي ) ومرة يقول ( اللهم اغفر لي ) ورد ( اللهم ) وورد ( رب اغفر لي ) وهذا هو المشهور عند الناس ويعرفونه ، فقول ( اللهم اغفر لي ) جاء هنا عند الترمذي .

وقد جاءت ألفاظ أخرى بالدعاء ، لعل بعضها يأتي معنا إن شاء الله تعالى .

ومن الفوائد :

أن على المصلي أن يستحضر معاني هذه الكلمات حتى يكون أدعى لقلبه وأخشع ، فلا يقلها مجردة من حضور القلب ، ولذلك عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما أمره أن يدعى بالهدى والسداد قال ( واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سدادك السهم ) يعني استحضر ما تقوله في هذا الدعاء ،كأنك تستحضر أنك في طريق تُهدى إليه  ، وأنك ترمي بسهم إلى غرض ، فيستحضر هذه المعاني حتى تكون الصلاة نافعة له ومقربة له من الله وناهية له عن الفحشاء والمنكر ، وحتى تكون الصلاة محبوبة له ولقلبه وتكون الصلاة قرة عين له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ( أرحنا بها يا بلال ) و ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) وأن يستحضر ما اشتملت عليه من خيري الدنيا والآخرة .

قال ( اللهم اغفر لي ) المغفرة : ستر الذنب والتجاوز عنه .

( وارحمني ) وهذا دعاء يستحضر فيه العبد رحمة الله في الدنيا وفي الآخرة ، وأتت الرحمة بعد المغفرة كما قال العلماء لأن [ التخلية قبل التحلية ] فلما تخلى من الذنب وأذاه أتت رحمة الله ، أتى الخير والنعيم .

( واجبرني ) فالإنسان بحاجة إلى أن يجبر من كسره ومن نقصه ، لأن الإنسان يعتريه النقص ، ويتذكر أن من معنى الجبروت لله جبر الرحمة ، وجبر القوة ، فهو بحاجة إلى أن يجبر من قِبل الله عز وجل في دنياه وفي أخراه .

( واهدني ) تشمل الهدايتين في الدنيا الهداية إلى طريق الحق ، وفي الآخرة الهداية إلى طريق الجنة إذا عبروا الصراط وأن يهدى إلى بيته وإلى غرفه إذا دخل الجنة .

( وارزقني ) يشمل الرزق في الدنيا وفي الآخرة .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .