تعليقات على سنن الترمذي ( 19 ) من حديث ( 286-289)

تعليقات على سنن الترمذي ( 19 ) من حديث ( 286-289)

مشاهدات: 458

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس التاسع عشر

من حديث 286-289

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في الاعتماد في السجود

حديث رقم – 286-

( ضعيف ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال :   اشتكي بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا فقال استعينوا بالركب )

من الفوائد :

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، مع أن غيره من العلماء يرون ثبوته ، ولذا كان لابن حجر رحمه الله كلام متفرع على هذا الحديث ، وتفريعه الحكم على الدليل يدل على ثبوته عند العالم ، فالتفريع دليل على الصحة .

ومن الفوائد :

أن بعض النسخ خلت من كلمة ( تفرجوا ) فاستدل من هذا الحديث مع خلو هذه الكلمة على أن الإنسان يستعين على القيام من السجود بالركب ، فيكون المعنى هذا الحديث إذا قمتم من السجود للقيام فاستعينوا على الاعتماد بالركب .

ولكن رواية الانفراج موجودة في بعض السنن كما قال ابن حجر رحمه الله ، بل إن هناك نسخا من سنن الترمذي جاءت مذكورة كهذه النسخة التي بين أيدينا ، فيكون معنى الصحيح لهذا الحديث أن المصلي إذا شق عليه التجافي بأني يجافي بيديه وأن يرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، فإذا شق عليه السجود على مثل هذه الحال فليستعن بالركب ، بمعنى يضع يديه على ركبتيه .

ومن الفوائد :

أن هذه الاستعانة بالركب فيما لو كان الإنسان مأموما ، أما إذا كان منفردا فلا يشق على نفسه هذه المشقة التي تحوجه إلى أن يستعين بالركب .

باب كيف النهوض من السجود

حديث رقم – 287-

( صحيح ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي أنه :   رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسا )

من الفوائد :

هذا الحديث اشتمل على جلسة تسمى عند العلماء بـ ( جلسة الاستراحة )

وهذا الجلسة تكون في وتر من الصلاة ، إذا قام إلى الركعة الثانية وإذا قام إلى الركعة الرابعة ، فيجلس ثم يقوم .

وهذه الجلسة اختلف العلماء في سنتيها ، فبعض العلماء يرى أنها ليست بسنة ، لأنها لم يروها إلا مالك بن الحويرث وقد أتى في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته متعباً ، ولا أدل من قول عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم ( أنه ظل يصلي الليل سنة كاملة يصلي الليل قاعدا ) وكان يقول للصحابة رضي الله عنهم ( إني قد بدَّنت ) يعني كبر سني ( فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود )

وهؤلاء العلماء يقولون إن الصحابة رضي الله عنهما لما ذكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا هذه الجلسة .

وبعض العلماء يرى أنها سنة مطلقا لورودها في هذا الحديث ، وهذا الحديث رواه مالك بن الحويرث وهو الذي روى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فلو كانت هذه الجلسة لا تفعل لخصص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة من عموم حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ولأن أبا حميد الساعدي رضي الله عنه قد جاء في بعض رواياته في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء عنه ثبوت هذه الجلسة .

وبعض العلماء يتوسط ويقول هي سنة إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ويستدلون على ذلك بما استدل به أصحاب القول الأول ، ولأنها جلسة ليست مقصودة لذاتها إذ لو كانت مقصودة لذاتها لشرع فيها ذكر ، فيقولون متى ما احتاج فيجلس هذه الجلسة وإذا لم يحتج فلا يجلسها ، لم ؟ لأن السنة في حقه أن يقوم من السجود معتمدا على ركبتيه ، كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى ، ولأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري كانوا يقومون على صدور أقدامهم إذا قاموا من السجود .

وأقرب الأقوال هو القول الثاني أو الثالث ، وإن كان الميل يكون إلى الثالث لفعل الصحابة رضي الله عنهم مع ما جاء في حديث مختلف في ثبوته ، فالأرجح هو القول بالسنية عند الحاجة ، والقول بالسنية مطلقا قول قوي .

باب منه أيضا

حديث رقم – 288-

( ضعيف ) حدثنا يحيى بن موسى حدثنا أبو معاوية حدثنا خالد بن إلياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال :   كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه)

من الفوائد :

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ويصححه آخرون ، بل جملة من العلماء يرون أن السنة إذا قام المصلي من السجود أن ينهض على صدور قدميه ، ويؤيد ما ذهبوا إليه ما ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، ولذلك يقول هؤلاء العلماء لو كانت جلسة الاستراحة مستحبة لذاتها لكبر في الصلاة أربعا وعشرين تكبيرة ، لأن رجلا صلى وكان خلفه ابن عباس رضي الله عنهما فكبر في صلاته اثنتين وعشرين تكبيرة كما جاء عند البخاري ، فقيل إنه أحمق ، فقال هي سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، فجلسة الاستراحة تفعل في الصلاة مرتين ، فلو كانت ثابتة مستقرة لكبر أربعا وعشرين تكبيرة ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع ، ولذلك من يرى ضعف هذا الحديث كالألباني رحمه الله يقول إن ما ورد عن الصحابة إنما هذا عند القيام من التشهد الأول ، ولكن لا دليل على ما ذكر رحمه الله من تخصيص فعلهم عند القيام من التشهد .

باب ما جاء في التشهد

حديث رقم – 289-

( صحيح ) حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال :   علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدنا في الركعتين أن نقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )

من الفوائد :

هذا التشهد هو تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهو وارد في الصحيحين ، ولذا يختاره كثير من العلماء لأنه أقوى من حيث السند ولأن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( تلقيتُ التشهد من النبي صلى الله عليه وسلم كلمة كلمة )

وبعض العلماء يرى تشهد ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي معنا إن شاء الله .

وآخرون رأوا تشهد عمر رضي الله عنه الذي ذكره على المنبر ، ولم ينكر عليه الصحابة .

والصواب في مثل هذه المسألة أنها سنن تنوعت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى المصلي – ولاسيما طالب العلم – أن يحرص على أن ينوع ، فمرة يقرأ بتشهد ابن مسعود ومرة بتشهد ابن عباس ومرة بتشهد عمر ومرة بتشهد أبي موسى الأشعري ، وهذا هو الأفضل في حقه ، وليس هناك تشهد أفضل من التشهد الآخر .

ومن الفوائد :

أن هذا التشهد المذكور لم تسبقه ” البسملة ” فما ورد من حديث صدر التشهد فيه ( ببسم الله ) فهو حديث غير صحيح ، فلم ترد ” البسملة ” في التشهد من وجه صحيح .

ومن الفوائد :

أن ( أل ) هنا في ( التحيات و الصلوات و الطيبات ) تفيد الاستغراق ، فجميع التحيات لله سبحانه وتعالى ، ولذا يلام بعض المذيعين وهم حتى من أهل الصلاح يلامون حينما يستضيفون شخصا فيقولون له ( لك كل التحية ) فكل التحية لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى ، فالتحيات كلها لله ، صحيح أن العبد يُحيَّى ، قال تعالى {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86 ، تقول للشخص لك منِّي تحية ، لكن تعمم هذا لا يكون إلا لله ، وكذلك الشأن في الصلوات فإنها عامة ، الصلاة التي بعد الدعاء والصلاة الفعلية من الفرائض والنوافل .

وكذلك الشأن في الطبيات ، فكل قول وعمل طيب فهو لله ، لأنه جاء في الحديث ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) فلا يقبل إلا ما طاب من الأقوال والأعمال .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم أن يقولوا ( السلام عليك ) فهل تقال هذه الجملة ( السلام عليك ) بعد وفاته ؟

بعض العلماء يقول لا تقال ، وإنما يقال ” السلام على النبي ” فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأنا التشهد نقول السلام على النبي ، ولا نأتي بصيغة الخطاب لأنه توفي عليه الصلاة والسلام ، ويدل لذلك ما جاء عند البخاري ( أن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبي ، فلما توفي قلنا السلام على النبي ) بصيغة الغيبة .

بينما علماء آخرون يرون ثبوت هذه الكلمة على ما هي عليه ، سواء قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته ، لم ؟ قالوا لأن عمر رضي الله عنه في تشهده ذكر ذلك على محضر من الصحابة على المنبر ولم ينكر عليه .

وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه ( كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبي ، فلما توفي قلنا السلام على النبي ) فصيغة الجمع لعل المراد منها أصحابه أو من يرى رأيه .

ومن الفوائد :

أننا نطلب السلامة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لو قال قائل هذا ممكن في حياته ، لكن بعد وفاته ؟

نقول السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أي يسلِّم بدنه الشريف من الأعداء ، وأن يسلمه من المهلكات في ذلك اليوم العصيب في يوم القيامة ، لأن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام يوم القيامة ( اللهم سلِّم سلِّم ) وكذلك ندعو أن يسلم رسالته ونبوته من عبث العابثين .

ومن الفوائد:

أنه لما ذكر ما يحيى به الله جل وعلا ثنى بتحية النبي صلى الله عليه وسلم ثم بتحية المؤمنين ، فقدم الله عز وجل في التحية لعظمته ثم النبي صلى الله عليه وسلم لم له من القدر عند الله ثم بعباد الله الصالحين .

ومن الفوائد :

أن تعظيمنا لله سبحانه وتعالى في التحيات لا ينتفع منها ، فهو جل وعلا غني { إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6وإنما فوائدها تعود علينا نحن الخلق .

ومن الفوائد :

أن السنة في حق المسلم إذا دعا لأحد أن يبدأ بنفسه ثم بغيره ، فإنه قال ( السلام علينا ) ثم قال ( وعلى عباد الله الصالحين ) والنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الترمذي ( إذا دعا دعا لنفسه أولا ثم دعا لغيره ) وهذه سنة الأنبياء  عليهم الصلاة والسلام ، فنوح عليه السلام ماذا قال ؟ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }نوح28 .

ومن الفوائد :

أن على العبد أن يحرص على الصلاح والتقى حتى ينال بركة دعوة إخوانه المسلمين ، فإن من خلا من الصلاح فهو محروم من هذه الدعوة ، وكم من شخص من المسلمين يدعون له ؟ ملايين الأشخاص ، لكن متى ؟ إذا تحلى بصفة الصلاح ، والصالح من عباد الله : هو من قام بحق الله وحق المخلوقين

ومن الفوائد :

أن كلمة ( السلام ) في حديث ابن مسعود كما قال ابن حجر رحمه الله لم تخل من الألف ، لم يأت ( سلام عليك أيها النبي ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فما أتت في حديث ابن مسعود ، نعم أتت في حدث ابن عباس عند مسلم ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

ومن الفوائد :

أن هناك زيادة ( وحده لا شرك له ) ولكن هذه الزيادة أتقال في حديث ابن مسعود أم تقال في حديث أبي موسى الأشعري ؟

محتمل هذا ومحتمل هذا ، وهي واردة في حديث أبي موسى الأشعري ، لكن ابن حجر رحمه الله في البلوغ زادها في حديث ابن مسعود .

ومن الفوائد :

أن التشهد جاء بعد السلام ، وقد جاءت روايات أخرى في غير الصحيح وأسانيدها صحيحة أنه قدم التشهد على السلام ، ومن ثم قال بعض العلماء إن ترتيب الجمل في التشهد ليس واجبا ، بخلاف ما لو قدم آية في سورة الفاتحة ، فيقولون إن ألفاظ التشهد لم تأت موقوفة على الترتيب .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .