بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في التشهد
حديث رقم – 289( م ) –
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن خصيف قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا في التشهد ؟فقال عليك بتشهد بن مسعود )
من الفوائد :
هذا الأثر هو رؤيا منام ( وليس موجودا في النسخة التي عندنا للترمذي ، ولذا لم يحكم عليه الألباني رحمه الله بشيء ) وعلى كل حال ، فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم – كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح – من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بشيء فإن هذا الشيء المأمور به يعرض على الكتاب والسنة ، فإن وافق فيؤخذ به وإن لم يوافق فإنه لا يؤخر به ، ولا شك أن مثل هذه الرؤيا يستأنس بها باعتبار ما ذهب إليه بعض العلماء من ترجيح تشهد ابن مسعود رضي الله عنه ، لم ؟ لأنه هو الحديث الثابت في الصحيحين ، وما عداها من التشهدات فإنها إما في صحيح مسلم أو في غيره ، فمما اتفق عليه الشيخان هو تشهد ابن مسعود رضي الله عنه ، ولكن كما قلنا كل عالم وكل إمام من الأئمة أخذ بتشهد أحد الصحابة الأجلاء ، والصواب ، أن العبد مأمور بأن ينوع في هذه التشهدات ، لأن التنوع في العبادات – وهذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله ، يستفاد منه فوائد ، من بين هذه الفوائد أننا نأخذ بالسنن كلها .
ومن بينها : أن بعض الأنواع قد يكون أسهل وأيسر من غيره .
ومنها : إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذ عمل بهذه الأنواع كلها .
ومنها : حضور القلب ، فإن المصلي إذا نوع العبادة التي جاءت بوجوه مختلفة يحضر قلبه ، بينما لو أخذ نوعا واحدا فهو من حين ما يجلس يذكر هذا التشهد ، وقد لا يحضر قلبه فيه ، لكن لو كان من طبيعته أنه ينوع كان قلبه حاضرا ، فحينما يجلس ينظر هل سيتشهد بحديث ابن مسعود أو أبي موسى أو ابن عباس أو عمر ، فيكون بذلك حاضر القلب .
باب منه أيضا
حديث رقم – 290-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن بن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )
من الفوائد :
هذا التشهد هو تشهد ابن عباس رضي الله عنهما الذي يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن لفظة ( أل ) في ( سلام ) ليست موجودة ، ولذا يقول ابن حجر رحمه الله ” لم يرد خلو أل من كلمة ” السلام ” في حديث ابن مسعود ، إنما الوارد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند مسلم .
ويقول النووي رحمه الله جاء لفظ السلام بأل وبدون أل .
ومن الفوائد :
أن الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم هنا ليست كالشهادة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، هنا ( وأشهد أن محمدا رسول الله ) أين كلمة ( العبد ) غير موجودة هنا .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( المباركات ) موجودة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما دون حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ومن الفوائد :
أن ابن عباس رضي الله عنهما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم القرآن ) فدل هذا على واحد من أمرين :
أولا : أن تكون ألفاظ التشهد ألفاظا موقوفة ، فيجب أن يؤتى بها في أماكنها كما أن القرآن إذا تعلمه العبد لا يجوز له أن يقدم كلمة على أخرى .
ثانيا : الحث على ضبط التشهد كما أن هناك حثا على ضبط القرآن .
باب ما جاء أنه يخفي التشهد
حديث رقم – 291-
( صحيح ) حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : من السنة أن يخفي التشهد )
من الفوائد :
أن جمهور المحدثين يرون أن قول الصحابي ( من السنة كذا ) أنه من قبيل الحديث المرفوع حكما ، وهناك طائفة من أهل العلم قليلة ترى أن هذا من قبيل الموقوف على الصحابي ، ولكن الصواب ما ذهب إليه الجمهور ، من أن قول الصحابي ( من السنة كذا ) أنه من قبيل الحديث المرفوع حكما .
ومن الفوائد:
أن السنة في التشهد إذا قرأه المصلي أن يخفيه وألا يرفع صوته به ، وإنما يسمع نفسه ولا يسمع غيره ، وهكذا هو الشأن في كل ذكر وفي كل دعاء { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً }مريم3، {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55، هذا هو الأصل ، أن يسر العبد عبادته ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، اللهم إلا إذا وجدت المصلحة في الرفع وفي الجهر فهذا شيء آخر ، كأن يعلم غيره ، أو ما شابه من هذه الأسباب فلا بأس به بل يثاب عليه ، ويحمل على ذلك قول الله تعالى {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271، فبين أن في إظهار الصدقة فضلا ، مع أن الإسرار بها أفضل ، لكن حملت هذه الآية على إرادة المتصدق أن يقلده غير في هذه العبادة .
باب كيف الجلوس في التشهد
حديث رقم – 292-
( صحيح ) حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن وائل بن حجر قال : قدمت المدينة قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جلس يعني للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى يعني على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى )
من الفوائد :
أن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أن السنة في التشهد الأول والأخير هو الافتراش ، وذلك أن يفرش رجله اليسرى ويقعد عليها وينصب رجله اليمنى في التشهد الأول وفي التشهد الأخير، هذا ما ذهب إليه بعض العلماء .
وذهب آخرون إلى أن السنة في التشهد الأول والأخير هو التورك ، وذلك بأن يقعد مقعدته على الأرض وينصب رجله اليمنى وتكون رجله اليسرى مبسوطة على الأرض تحت رجله اليمنى ، وهذا يكون في التشهد الأول والأخير .
وذهب آخرون إلى أن السنة في التشهد الأول هو الافتراش وفي التشهد الأخير التورك ، لحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه عند البخاري إذ فرَّق لما ذكر صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّق بين التشهدين ، فيكون في التشهد الأول الافتراش ويكون في التشهد الثاني التورك ، لكن لو كان هناك تشهد واحد كصلاة الفجر فماذا يصنع أيتورك أم يفترش ؟
قولان لأهل العلم ، قال بعض العلماء إنه يتورك بناء على أن حديث أبي حميد الساعدي بين أن التورك في التشهد الذي يسبق السلام ، وهذا شامل .
بينما المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا كان هناك تشهد واحد فإنه يكون الافتراش ، لم ؟
بناء على حديث أبي حميد ، فإن حديث أبي حميد فصَّل فإذا كانت الصلاة فيها تشهدان ففي الأول الافتراش وفي الثاني التورك ، وأما إذا لم يكن فيها إلا تشهد واحد فلم يذكر شيئا في حديث أبي حميد فنرجع إلا الأصل والأصل هو الافتراش ، ولعله الأقرب .
ومن الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على تتبع أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عباداته ولاسيما في الصلاة .
ومن الفوائد :
ومن السنة في التشهد أن تكون اليد اليسرى مبسوطة على الفخذ الأيسر ، بينما اليد اليمنى يكون لها حال سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى .
باب منه أيضا
حديث رقم – 293-
( صحيح ) حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا فليح بن سليمان المدني حدثني عباس بن سهل الساعدي قال أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه يعني السبابة )
من الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال بالتفريق بين التشهدين ، فذكر في الأول الافتراش وذكر في الثاني التورك .
ومن الفوائد :
أن اليد اليسرى تكون على الفخذ الأيسر وتكون الأصابع عند الركبة ، بينما اليد اليمنى تكون على الفخذ الأيمن ولكن يشار بها ، إذاً تكون الأصابع لها شأن غير شأن الأصابع التي في اليد اليسرى ، والوارد في ذلك كما جاءت بذلك السنة إما أن ” يعقد ثلاثا وخمسين بأصابعه ” كما جاء عند مسلم ، وكانوا فيما سبق إذا أرادوا أن يذكروا عددا جعلوا لأصابعهم مواضع وحركة يفهم الناظر أن المقصود من هذه الأصابع هو العدد الفلاني ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد ثلاثا وخمسين ، ما صفتها ؟
صفتها : أن يضم الخنصر والبنصر والوسطى ويشير بالسبابة ويكون الإبهام تحت السبابة ، وقد قال ابن حجر رحمه الله في تلخيص الحبير صفتها هكذا ، أن تكون الإبهام تحت السبابة وتكون الأصابع الأولى مضمومة إلى باطن الكف .
ووردت رواية عند مسلم أيضا ” ضم الأصابع كلها إلى باطن الكف ويشار بالسبابة فقط ” .
وورد في السنن ” ضم الخنصر والبنصر ووضع طرف الوسطى على طرف الإبهام ، فتكون كحلقة ويشار بالسبابة .
ووردت رواية مطلقة عند مسلم ” ببسطها ” كاليسرى تماما اللهم إلا أنه يشير بالسبابة ، فتكون باطن الأصابع على فخذه الأيمن ويشير بالسبابة .
فيا ترى كيف نصنع بهذه الروايات ؟
ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد جمع بينها واستخرج الصفة ، قال بعض العلماء – والقول ما قال – إن فيها تكلفا ، فقد تكلف رحمه الله ، إذاً نريد جوابا آخر .
الجواب الآخر أن تبقى الروايات كلها على ما هي عليه والسنة في حق المصلي كما سبق أن ينوع ، لكن رواية الإطلاق دون أن تكون هناك أصابع مضمومة إلى باطن الكف ، قال بعض العلماء إنها رواية مطلقة تحمل على الروايات المقيدة .
ولو أن شخصا طبق الرواية المطلقة وجعل باطن أصابعه على فخذه الأيمن فله سنة في ذلك ، لكن الأفضل كما سلف أن ينوع المسلم بين هذه السنن .
لو قال قائل : متى يشير بالسبابة ؟
سيأتي معنا إن شاء الله تعالى ما يبين القول الراجح في ذلك بإذن الله تعالى .
باب ما جاء في الإشارة في التشهد
حديث رقم -294-
( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان ويحيى بن موسى وغير واحد قالوا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته ورفع أصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعو بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه )
من الفوائد :
هذا الحديث استفاد منه بعض العلماء أن الإشارة تكون من حين ما يجلس للتشهد إلى أن يسلم .
وهناك أقوال أخرى سيأتي بيانها في السنن الأخرى إذا مرت معنا أحاديث تؤيد آراءهم ونبين حينها القول الراجح بإذن الله تعالى .
ومن الفوائد :
أنه يدعو بها ، وهذه الكلمة استدل بها من قال من العلماء إن الإشارة تكون عند الدعاء لا في جميع التشهد لأنه قيد الإشارة بالدعاء ، فمتى مر به دعاء فيشير بسبابته .
ومن الفوائد :
أن الإشارة بالسبابة لها مزية ، فهي يشار بها إلى التوحيد ، ومن ثم فيها دليل لمن قال من العلماء إنه لا يشير إلا عند التشهد ، وفيها دليل أيضا لمن قال – وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – أنه يشير بها كلما مر عليه اسم لله ، لأنه إذا مر عليه اسم لله فإن هذا الاسم يتعلق بالتوحيد .
ومن الفوائد :
أنه ورد عند أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن في الإشارة فائدة ، قال صلى الله عليه وسلم ( لهي على الشيطان أشد من الحديد ) كأنك إذا أشرت بها كأنك تقمع الشيطان بحديد بل هو أشد من ذلك .
ومن الفوائد :
أن في هذا الحديث ردا على بعض الحنيفة الذين قالوا لا يشير بالسبابة لأن هذا نوع من العبث ، بل كرهها بعضهم ، وهذه آراء باطلة مردودة لا يلتفت إليها .
وصلى الله وسلم على بينا محمد