تعليقات على سنن الترمذي ( 21 ) من حديث ( 295- 301 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 21 ) من حديث ( 295- 301 )

مشاهدات: 506

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس الحادي والعشرون 

من حديث 295- 301

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في التسليم في الصلاة

حديث رقم – 295-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم :   أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله )

من الفوائد :

أن السنة المعتادة من النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنه يسلم تسليمتين ، ومن ثم فإن ما ورد من الاقتصار على تسليمة واحدة ذهب جمع غفير من العلماء إلى تضعيف تلك الأحاديث ، وحسنه بعضهم ولكن الأكثر يرون أن الأحاديث الواردة في الاقتصار على تسليمة واحدة أنها أحاديث ضعيفة ، وإنما الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمتان .

ومن الفوائد :

أن التسليمتين ركن من أركان الصلاة ، ولذلك أحاديث كثيرة ، لأن ما ذكر هنا من حديث لا يدل على ركنية السلام ، وإنما يدل على اعتياد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على التسليمتين  .

وبعض العلماء يرى أن التسليمة الواحدة كافية وأن الثانية سنة من أتى بها فبها ونعمت وإلا فإن صلاته صحيحة ، ويأتي لهذه المسألة إن شاء الله مزيد حديث .

ومن الفوائد :

أن المقصود في الركنية في السلام هو لفظ السلام ، أما الالتفات عن اليمين وعن اليسار فإنه سنة كما نقل الإجماع ابن قدامة رحمه الله في المغنى ، فإذاً لو سلم الإنسان ” السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله “دون أن يلتفت ، فإنه أتى بالركن ، لكن لو التفت من غير أن يأتي بلفظ السلام فإن صلاته لا تصح ، إذاً المقصود بالركنية لفظ السلام ، أما الالتفات فسنة .

 

 

 

 

 

باب منه أيضا

حديث رقم – 296-

( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عمرو بن أبي سلمة أبو حفص التنيسي عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئا )

من الفوائد :

أن الألباني رحمه الله كما ذكر هنا يصححه ، بينما يضعفه كثير من العلماء كالنووي وابن حجر وغيرهما ، فإنهم لا يرون في الاقتصار على التسليمة الواحدة لا يرون فيها حديثا صحيحا ، حتى قال بعض العلماء لو كانت الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة صحيحة بانضمام بعضها إلى بعض فإن الأحاديث الواردة بالتسليمتين أكثر وأقوى .

ومن الفوائد : على القول بصحته :

أن بعض العلماء قال إن الركنية تكمن في تسليمة واحدة ،-استدلالا بهذا الحديث – وأما التسليمة الثانية فسنة ، ويقولون في ذلك إذا اقتصر على تسليمة واحدة فالأفضل في حقه أن يكون وجهه تلقاء القبلة إلى اليمين قليلا .

وبعض العلماء – وهم الحنفية – لا يرون التسليم مطلقا ، فيرون أن التسليم سنة ، ولذا لو أنه تشهد وفرغ من التشهد وأتى بما يناقض الصلاة من حدث أو من كلام أو من أكل فقد انتهت صلاته .

ولكنه قول ضعيف .

والصواب في هذه المسألة : إن قلنا بصحة الأحاديث التي جاءت بالاقتصار على تسليمة واحدة ، الصواب أن التسلمتين ركن من أركان الصلاة المفروضة ، لأنه ورد عند مسلم في حديث جابر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أما يكفي أحدكم أن يقول عن يمينه السلام عليكم وعن يساره السلام عليكم ) فدل على أن ما دون ذلك لا يكفي ، لأنه ذكر تسليمتين ، فدل على أن الاقتصار على تسليمة واحدة غير كافٍ .

وأما في النفل فيقتصر على تسليمة واحدة لورود بعض الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النفل ، هذا هو الأقرب .

لكن لو اقتصر على تسليمة واحدة في النفل فالأفضل في حقه أن يكون وجهه تلقاء القبلة إلى اليمين قليلا .

باب ما جاء أن حذْف السلام سنة

حديث رقم – 297-

( ضعيف ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا عبد الله بن المبارك وهقل بن زياد عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :   حذف السلام سنة )

من الفوائد :

هذا الحديث أخذ به بعض العلماء مع أنه حديث ضعيف ، فيرون أن السنة في السلام أن يحذف بمعنى أنه لا يمد مدا ، فيقول ” السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ” أما تمديده وتمطيطه فليس من السنة ، لذكر هذا الحديث وإن كان فيه ما فيه من الضعف ، فهذا معنى حذف السلام ، وهو ألا يمده مدا .

باب ما يقول إذا سلَّم من الصلاة

حديث رقم – 298-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام  )

حديث رقم – 299-

( صحيح ) حدثنا هناد بن السري حدثنا مروان بن معاوية الفزاري وأبو معاوية عن عاصم الأحول بهذا الإسناد :   نحوه

من الفوائد :

أن السنة الغالبة من النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلَّم  لم يستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ( أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله  ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ثم يلتفت فيجعل وجهه إلى المأمومين ، هذا في الغالب، لكن لو اقتضت حاجة في إطالته مستقبل القبلة بعد السلام فهذا من السنة ، ودليله ما جاء عند البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت ( كان النساء يصلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث في الصلاة كنا نظن من أجل أن ينصرف النساء قبل أن يراهم النساء ، وهذا يتطلب وقتا أكثر من قول ( أستغفر الله ثلاثا ) وقول ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام )

ومن الفوائد :

أن من بين أسماء الله سبحانه وتعالى ( السلام ) لأنه السالم من الآفات والمعائب ، ولذلك يطلب السلام منه ، ولذا قال ( ومنك السلام ) ولذلك إذا سلم أحدنا على أخيه المسلم فقال ( السلام عليكم ) فيكون طلب السلامة من الله للمسلَّم عليه .

ومن الفوائد :

أن بعض المأمومين يزيد في ذلك فيقول ( تباركت وتعاليت ) وكلمة ( تعاليت ) لم أر حديثا يدل عليها في هذا الموطن ، نعم في قنوت الوتر في حديث الحسن رضي الله عنه ، لكن بعد الصلاة لم أر حديثا يدل عليها .

وكذلك قول ( فحينا ربنا بالسلام ) فهذه كلمة منكرة سندا في هذا الموطن ، كما نص على ذلك العلماء .

ومن الفوائد :

أن ذكر ( السلام ) هنا بعد الانصراف من الصلاة بقول ( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ) كأن في ذلك إشارة إلى أن فيه طلبا من الله أن يسلم لهذا العبد صلاته ، لأنه لا يأمن أن يكون فيها نقص ، وذلك جاء قبلها الاستغفار ، فكيف يستغفر بعد أداء عبادة ؟ لأنه لم يأت بها على وجهها المطلوب ، ولأنه يمكن أن يكون قد قصَّر في شيء منها .

ومن الفوائد :

أن معنى ( تباركت ) مأخوذ من البركة ، وهي النماء والزيادة ، وهذا اللفظ ( تبارك ) أو ( تباركت ) لا يطلق إلا على الله سبحانه وتعالى ولا يطلق على غيره .

ومعنى ( ذا الجلال ) أي العظمة .

ومعنى ( الإكرام ) إما من اسم الفاعل ” المُكْرِم ” يعني أكرم عباده من الأنبياء والصالحين .

أو من اسم المفعول ” المُكْرَم ” أي مُكرَّم عن النقائص والآفات والعيوب .

حديث رقم – 300-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن محمد بن موسى حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار حدثني أبو أسماء الرحبي قال حدثني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر الله ثلاث مرات ثم قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام )

من الفوائد :

أن السلام يطلق عليه انصراف .

ومن الفوائد :

أن الاستغفار المذكور هنا ثلاث مرات مبهم ، قيل للأوزاعي  كيف يستغفر ؟ قال يقول ” أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله

ومن الفوائد :

أنه وردت رواية بحذف ياء النداء ( تباركت ذا الجلال والإكرام ) ومن ثم فإن على المسلم أن ينوع ، مرة يقول ( تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ومرة يقول ( تباركت ذا الجلال والإكرام ) وهذا يدل على ما ذكره النحاة من أن ياء النداء كثيرا ما تحذف إذا دل عليها السياق ، كقوله تعالى {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ }يوسف46، يعني ( يا يوسف ) .

ومن الفوائد :

أن العلماء اختلفوا هل يُدعى بعد السلام أو أنه لا يدعى إلا قبل السلام ؟

بعض العلماء أجازه ، وبعض العلماء منعه كابن القيم رحمه الله ، وقال إن الدعاء قبل السلام أولى ، لأن العبد مقبل على الله مناجي لله ، فهو أولى ، وإنما عليه بعد الصلاة أن يأتي بالأذكار الشرعية الواردة بعد الصلاة .

ثم استدرك رحمه الله فقال ” لو أنه ذكر الأذكار الشرعية بعد الصلاة فله أن يدعو ” لم ؟ لأن هذه الأذكار ثناء على الله ، والثناء يكون بعده دعاء ولا بأس بذلك ، وإنما يمنع الدعاء بعد السلام مباشرة وقبل الأذكار .

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سئل أي الدعاء أسمع ؟ ) يعني أكثر إجابة وأحرى ، قال ( جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات )

وبعض العلماء أجازه مطلقا حتى ولو قبل الأذكار ، بل أجاز بعضهم أن الإمام إذا انصرف بوجهه إلى المأمومين رفع يديه ودعا وأمَّنوا، واستدل على ذلك بأحاديث ولكن هذه الأحاديث إذا تُمعِن في إسنادها فإنها أحاديث ضعيفة جدا .

إذاً الصواب ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله من أن لا يدعى بعد السلام مباشرة وقبل الأذكار ، إنما يكون الدعاء بعد الأذكار المشروعة ، لأن في الأذكار ثناءً على الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا صلى أحدكم فليثنِ على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم )

ثم إذا قلنا بجواز الدعاء بعد الأذكار الشرعية أيرفع يديه أم لا ؟

بعض العلماء لا يرى رفع اليدين ، وحجته في ذلك أنه لم يرد في هذا الموطن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في ذلك ، وكثير من العلماء أجاز رفع اليدين ، لأن من آداب الدعاء أن ترفع اليدان ، والأحاديث في ذلك كثيرة ، بل جعل البخاري رحمه الله جزء في رفع اليدين ، وألَّف السيوطي في ذلك كتابا ،  إذاً الأمر في ذلك واسع ، وإن فعل أحيانا إذا دعا وأحيانا ترك كان أفضل وأحسن  .

باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

حديث رقم -301-

( حسن صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله )

من الفوائد :

أن السنة في حق الإمام إذا استغفر الله وقال ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) السنة في حقه أن ينصرف إلى أي جهة ؟

هذا الحديث يدل على أن السنة أن يفعل هذا تارة وذاك تارة أخرى ، فلا يحدد جهة معينة ، لهذا الحديث، لأنه نوَّع مرة ينصرف عن يمينه ومرة ينصرف عن يساره .

ولكن يعارض هذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ( لا يجعل أحدكم للشيطان نصيبا من صلاته يرى أنه لا ينصرف إلا عن يمينه ، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينصرف عن يساره )

ويعارض حديث ابن مسعود رضي الله عنه حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم قال ( لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينصرف عن يمينه )

إذاً في حديث ابن مسعود ما يدل على أن الانصراف إلى جهة اليسار ، وحديث أنس إلى جهة اليمين ، فأيهما نرجح ؟

قال بعض العلماء : نرجح حديث ابن مسعود لأنه أقوى فهو في الصحيحين ، وحديث أنس في صحيح مسلم ، ولأنه إذا تعارض رأي ابن مسعود وأنس فرأي ابن مسعود مقدم ، لأنه أكبر وأعلم وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم من أنس ، فلديه من العلم ما لا يكون لأنس رضي الله عنه .

وبعض العلماء : جمع بينهما ، لأن الحديث الذي معنا يدل على أنه ينصرف جهة اليمين وجهة اليسار ، فقال بعض العلماء نجمع بين حديث ابن مسعود وحديث أنس ، كيف ؟

قالوا نضمهما إلى هذا الحديث الذي معنا ، فيكون ابن مسعود رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يساره وأنس رأى النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ، ففهم كل واحد منهما أن هذا هو الأكثر .

وأحسن من هذا الجمع ما نقله ابن حجر رحمه الله ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الحضر انصرف عن يساره ، لأن له حاجة في انصرافه عن يساره ، لأنه إذا انصرف عن يساره رأى بيوته وحُجُرَه، لأن بيوته عن يساره ، فيكون له حاجة في النظر إلى بيوته وما يكون فيها ، وأما الانصراف عن يمينه فيكون ذلك في السفر ، لأنه لا حاجة إلى أن ينصرف عن يساره ، وذلك لأن اليمين أفضل ، ولذا يقول علي رضي الله عنه ( من كانت له حاجة فلينصرف إليها ) فلو كان المأموم يصلي وله حاجة بعد صلاته من جهة يمينه فلينصرف إلى جهة اليمين ، وإن كانت هذه الحاجة إلى جهة يساره فلينصرف إلى جهة اليسار .