تعليقات على سنن الترمذي ( 24 ) حديث ( 305- 307 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 24 ) حديث ( 305- 307 )

مشاهدات: 481

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس الرابع والعشرون

من حديث 305– 307

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب منه

حديث رقم – 305-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار والحسن بن علي الخلال الحلواني وسلمة بن شبيب وغير واحد قالوا حدثنا أبو عاصم النبيل حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة بن ربعي :   فذكر نحو حديث يحيى بن سعيد بمعناه وزاد فيه أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر هذا الحرف قالوا صدقت هكذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم

من الفوائد :

هذه الرواية تابعة للحديث السابق وهو حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحديث من ضمن الأحاديث التي وضحت صفة رسول الله صلى الله وسلم ، وهذه الرواية أضيف فيها تصديقه ، قالوا ( صدقت ) لأنه لما قال ( أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا اعرض ) فلما عرض حسب ما مر معنا في الدرس الماضي أتت هذه الرواية فأخبرت أنهم صدقوه فيما ذكر ، ولم يأت التصديق من شخص أو شخصين بل من عشرة ، ومن بينهم صحابة أجلاء كأبي قتادة ، فهذا تأكيد وتقرير لما ذكره أبو حميد الساعدي رضي الله عنه مما رآه من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهؤلاء الصحابة كانوا ألصق برسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حميد ، ومع ذلك لما أتاهم الحق ممن هو دونهم في ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلوه ، بل صدقوه ، وهذا يدل على صفاء قلوبهم رضي الله عنهم ، لأنهم لا يريدون إلا الحق ، سواء أتى هذا الحق من طريقهم أو أتى من طريق غيرهم ، وهذا فيه تربية لنا نحن ولاسيما طلاب العلم ، أن يكون طالب العلم قابلا للحق من أي شخص كائنا من كان حتى ولو كان أصغر منه سنا ، حتى ولو كان أقل منه علما ، لأن المعول عليه هو مجيء الحق ، فإذا جاء الحق فعلى العين والرأس ، ومن تربى بين هؤلاء العظماء فإنه سيفلح في دنياه وفي أخراه ، لأن من تتبع آثار أولئك القوم وجد عندهم الخير العظيم الذي لا يوجد في هذا العصر ، فأوصي نفسي أولا وأوصيكم ثانيا بهذا الأمر ، فأن تتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة يعطي العبد قوة إيمان وقربة من الله ، ولذلك امتدح الله عز وجل السابقين من الأولين ، وامتدح من ضمنهم من اتبعهم بإحسان { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100، لأننا نلحظ أن بعض من ينتسب إلى العلم الشرعي وأقول ينتسب لأنه لو كان طالب علم شرعي لما ظهرت فيه هذه السمة وهذه الصفة الذميمة ، نرى أنه لا يقبل الحق إذا أتاه ممن هو أقل منه ، وهذا خطأ شنيع ، لأن في رفضه للحق يمكن أن يكون هناك عقوبة من الله عز وجل تجعله يحرم الخير ، كما قال عز وجل { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63

باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح

حديث رقم – 307-

( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان عن زياد بن علاقة عن عمه قطبة بن مالك قال :   سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } في الركعة الأولى )

من الفوائد :

أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر كان الأغلب فيها أنه يقرأ بطوال المفصل ، بل جاء حديث عند النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن فلانا كان يطيل في الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الركعتين الأخريين ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء من أوساطه وفي الفجر من طواله ، قال أبو هريرة ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ) صححه ابن حجر رحمه الله في البلوغ .

فهذا يدل على أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تختلف في الطول والقصر ، فلو تتبعنا ما جاءت به الأحاديث نجد وما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى ، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل ، وكان يقرأ في العصر وفي العشاء بأوساط المفصل ، وفي المغرب بقصار المفصل ، مع أن قراءته صلى الله عليه وسلم في هذه الصلوات تختلف ، لكن هذا هو الأغلب ، فإذاً صلاة الفجر من طوال المفصل والظهر كذلك ، والعصر من أوساطه ، والمغرب من قصار المفصل والعشاء من أوساطه .

لو قال قائل : لماذا هذا التنوع وما هي الحكمة ؟

الجواب : قال العلماء : لأن صلاتي الظهر والفجر يسبقهما نوم ، لأن القيلولة تكون قبل الظهر ، وجاءت أحاديث تدل على أنها بعد الظهر ، يعني من نام بعد الظهر صدق عليه أنه قال ، يعني نام في القيلولة ، والفجر يسبقها نوم ، فوقتهما وقت غفلة ونوم ، فاحتيج فيها إلى التطويل حتى يدرك الناس الصلاة .

وأما المغرب : يقرأ فيها من قصار المفصل بسبب أن الناس في حاجة إلى أن يطعموا ضيوفهم وأن يأكلوا عشاءهم ، وكذلك الصُوَّام .

وأما العصر : فيقرأ فيها من أوساط المفصل لأن الناس بحاجة إلى أن ينصرفوا بعدها إلى معايشهم .

وأما العشاء : مع أن وقتها مديد إلا أنها أخذت الوسط ، بسبب أن الناس قد أنهكتهم المشاغل وتعبت أبدانهم فهم بحاجة إلى أن يناموا .

ومن الفوائد :

أن المفصل اختلف فيه ، هل يبدأ من سورة الحجرات أم من سورة ق ؟

الأقرب أنه يبدأ من سورة ق .

لو قال قائل : كيف أتى هذا المفصل ؟

الجواب : الصحابة رضي الله عنهم كما أتى في سنن ابن ماجه وغيره ، كانوا يحزبون القرآن سبعة أحزاب ، بمعنى أنهم يختمون القرآن في كل أسبوع ، فكانوا يأخذون الثلاث السور الأولى في أول يوم ، فيقرءون البقرة وآل عمران والنساء ، في اليوم الذي يليه يأخذون خمسا ثم الذي يليه سبعا – يعني سبع سور – ثم الذي يليه تسعا ، ثم الذي يليه إحدى عشرة سورة ، ثم الذي يليه ثلاث عشرة سورة ، هذه ستة أيام ، وينتهي هذا إلى ق ، ومن ق إلى الناس هذا هو المفصل ، يعني يختمون اليوم السابع بالمفصل ، من ق إلى الناس .

وسمي بالمفصل لكثرة الفواصل فيه ، لأن سوره قصار ، فتأتي البسملة فتفصل بين سورة وأخرى ، وهذا المفصل يقسم إلى ثلاثة أقسام الطوال والأوساط والقصار .

فالطوال : من ق إلى عمَّ .

والأوساط : من عمَّ إلى الضحى .

والقصار : من الضحى إلى الناس .

إذاً اتضحت مسألة المفصل والطوال والقصار والأوساط .

فمن ق إلى عمَّ هذا طوال المفصل ، ومن عمَّ إلى الضحى هذا أوساط المفصل ، ومن الضحى إلى الناس هذا قصار المفصل .

فهذا دأبهم رضي الله عنهم أنهم كانوا حريصين على قراءة القرآن ، بل كان يقرأ بعضهم في ثلاث ليال ، وهذا عجب حينما نرى أحوالنا حتى من أهل الخير والصلاح ، يمكن يمضي عليه الشهر والشهران ما ختم القرآن ، فكيف يستنير قلبه ؟ كيف تهدأ أعصابه ؟ كيف تزول همومه ؟ كيف يزداد إيمانه وهو بهذه الحال ؟

لأن المدد الإيماني يأتي من القرآن ومن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن القرآن في المرتبة الأولى ، وأكرم وأنعم إذا صحبت هذه القراءة خشوع وخضوع وتضرع إلى الله عز وجل ، فإن القلب يزداد إيمانا وخيرا وتقى ، بل من أسباب الثبات بإذن الله تعالى على الدين .

ومن الفوائد :

أن قوله ( قوله يقرأ في الفجر {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ }ق10، يفهم منه أنه قرأ هذه الآية وحدها ، ولكن الروايات الأخرى كما في صحيح مسلم ( أنه قرأ بسورة ق )  ولم يقرأ ببعض منها ، بل قرأها كلها ، بل نصت الرواية هنا أنه قرأها في الركعة الأولى ، وسورة ق كما أسلفنا من طوال المفصل .

ومن الفوائد :

فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا إلينا ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وما يتكلم به ، فتبَّا لأولئك القوم من الرافضة الذين يسبون ويقدحون في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن في قدحهم في الصحابة قدحا في القرآن ، لأنهم هم الذين نقلوه ، وقدحا في السنة لأنهم هم الذين نقلوها ، قدحا في رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يختر لنفسه الأصحاب الفضلاء ، بل قدحا في الله عز وجل إذ لم يختر لنبيه صلى الله عليه وسلم الأصحاب الفضلاء .

ثم ذكر الترمذي بعض ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته في الفجر ، فثبت أنه قرأ بالواقعة ، وقرأ بالتكوير، وقرأ بالستين إلى المائة آية ، وقرأ صلى الله عليه وسلم بالزلزلة في الركعتين كليتهما يعني قرأ في الركعة الأولى السورة كاملة وأعادها في الركعة الثانية ، وقرأ بالمعوذتين في السفر في صلاة الفجر ، لأن السفر مظنة التخفيف ، فخفف صلى الله عليه وسلم رحمة بأمته .

لو قال قائل : إذاً قرأ بالتكوير في الفجر وبالزلزلة في الفجر ، والتكوير من الأوساط والزلزلة من القصار بأيهما نأخذ ؟

الصواب أن نأخذ بجميع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن الغالب أن يقرأ في صلاة الفجر بطوال المفصل ، أما أن ندع شيئا ونأخذ شيئا فهذا غير موافق لما ورد عن العلماء المحققين في مثل هذه المسائل .

ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعلق النقارون بحديث معاذ ( أفتان أنت يا معاذ ) تعلق به النقارون الذين ينقرون الصلاة فيصلونها دون خشوع ودون طمأنينة، ظنا منهم أن هذا هو التخفيف .

والتخفيف كما قال رحمه الله أمر نسبي فالتخفيف المحمود هو ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ، لأن وراءه الضعيف وذا الحاجة والمريض ، فكان الرجل يؤتى به يهادى حتى يقام في الصف ، ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات )  فدل على أن الصافات من التخفيف ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الفجر بالروم .

وعلى كل حال من أخذ بجميع ما ورد فقد أخذ بالتخفيف فقراءة السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة من التخفيف .

 

 

باب ما جاء في القراءة ف الظهر والعصر

حديث رقم – 307-

( حسن صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما )

من الفوائد :

أن من بين السور التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر قرأ بالسماء ذات البروج ، والسماء والطارق .

هذه في ركعة وتلك في ركعة وهي من أوساط المفصل ، وكذلك قرأ بسبِّح في الركعة الأولى وبالغاشية في الركعة الثانية ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيها بسورة الليل ، وورد عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين بقدر سورة السجدة – يعني ثلاثين آية – وفي الركعتين الأخريين بخمس عشرة آية ، وفي صلاة العصر على النصف من ذلك ) فماذا على الإمام ؟

عليه أن ينوع لكن الغالب أن يقرأ بطوال المفصل في صلاة الظهر .

فمجموع ما ورد يدل على ماذا ؟

يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قرأ قراءة طويلة جعل صلاة العصر على النصف من ذلك ، أما إذا قرأ سورا قصارا في صلاة الظهر فإن العصر تشابه صلاة العصر في مثل هذا الأمر ، لأنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بسورة الليل في صلاة الظهر وفي العصر على نحو من ذلك .

وأيضا دلت أحاديث وهو حديث أبي سعيد الذي تقدم ذكره أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخريين من صلاتي الظهر والعصر ، فدل على ماذا ؟

دل على أنه في بعض الأحيان يقرأ الإمام والمأمومون في صلاتي الظهر والعصر في الركعتين الأخريين شيئا من القرآن ، لكن الغالب أنه يقرأ بعد سورة الفاتحة في الركعتين الأوليين ، وأما في الركعتين الأخريين في صلاتي الظهر والعصر يقتصر على الفاتحة ، وأحيانا يسن له أن يقرأ في الركعتين الأخريين من صلاتي الظهر والعصر .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ( كان يسمعهم الآية أحيانا ) في صلاة الظهر ، فهل رفع صوته صلى الله عليه وسلم سنة يفعل أو أنه فعلها من أجل أن ينقل عنه ؟

قد قيل بهذا وقيل بهذا ، إذاً نحن في هذا العصر أنرفع أصواتنا كأئمة في صلاة الظهر فنسمع من خلفنا الآية أحيانا ؟

الصواب نعم ، فهذه سنة تفعل ، لكي تعلم من خلفك .

وأما ما ورد عن إبراهيم النخعي أنه قال صلاة الظهر تكون القراءة فيها بقدر أربع مرار من صلاة العصر ، فهذا خلاف ما وردت به الأحاديث ، الأحاديث وردت على النصف إذا أطال في الظهر ، وإذا لم يطل في الظهر فتكون العصر مشابهة لها ، فعلى الإمام أن ينوع مرة ومرة .

واستبان لي فيما يبدو في الإطالة في صلاة الظهر – ولم أر من العلماء من ذكر هذه الفائدة – لكن استبان لي أن التطويل في صلاة الظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس ، فخليق بالمسلم أن يتعرض لنفحات الله ، ولذلك في حديث عمرو بن عبسة في صحيح مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر أوقات النهي وذكر وقت صلاة الظهر قال ( فصل فإن الصلاة مشهودة حتى تأتي العصر )

وأما صلاة الفجر فكما قال سبحانه { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }