تعليقات على سنن الترمذي ( 38 ) حديث ( 338 ) الجزء الأول

تعليقات على سنن الترمذي ( 38 ) حديث ( 338 ) الجزء الأول

مشاهدات: 446

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الثامن والثلاثون

حديث  338 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء : أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة

حديث رقم -338-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد ومنصور بن زذان عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال سمعت أبا ذر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   إذا صلى الرجل وليس بين يديه كآخرة الرحل أو كواسطة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود والمرأة والحمار ” فقلت لأبي ذر ما بال الأسود من الأحمر من الأبيض ؟ فقال يا بن أخي سألتني كما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الكلب الأسود شيطان ” )

قال : وفي الباب عن أبي سعيد والحكم بن عمرو الغفاري وأبي هريرة وأنس قال أبو عيسى حديث أبي ذر حديث حسن صحيح وقد ذهب بعض أهل العلم إليه قالوا يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود قال أحمد الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء قال إسحاق لا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود 

من الفوائد :

ذكر الترمذي رحمه الله هذا الحديث بعد الحديث السابق ، وهو حديث ( لا يقطع الصلاة شيء )

فحديث الباب قال بعض العلماء : هو منسوخ بحديث ( لا يقطع الصلاة شيء )

وقال بعض العلماء : إن هذا الحديث قبل أن يأتي بيان أن الصلاة لا يقطعها شيء ، فيكون معنى هذا الحديث على عدم نسخه عند من يقول بأن الصلاة لا يقطعها شيء يقول إن قطع الصلاة هنا المقصود هو نقصان ثوابها وليس إبطالا لها .

وقال بعض العلماء – وهو الصواب : أنه لا نسخ مع إمكان الجمع ، لاسيما وأن هذا الحديث الذي ذكرتموه ضعيف وهو حديث ( لا يقطع الصلاة شيء ) فلا يعارض به هذا الحديث الصحيح ، ولو سلمنا بصحته فإن هذا الحديث مخصص لما استدللتم به ( لا يقطع الصلاة شيء ) عام ، وهذا خاص ، فاستثني من ذلك المرأة والكلب الأسود والحمار .

فيكون الصواب أن قطع الصلاة هنا هو إبطال للصلاة ، فمتى ما مر صنف من هذه الأصناف الثلاثة فإن على الإنسان أن يعيد صلاته .

وهل هذا عام في جميع الأحوال ؟

قال بعض العلماء : نعم ، هذا عام .

وقال بعض العلماء : إن مكة والمدينة تستثنيان من هذا الحديث ، وذلك لأن القاعدة الشرعية تقول [ المشقة تجلب التيسير ] وجاء حديث ضعيف ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى أمام الكعبة والناس يطوفون بين يديه ) ولعل هذا الحديث يتقوى بفعل السلف رحمهم الله فكانوا لا يتشددون في أمر المسجد الحرام والمسجد النبوي .

وهذا هو رأي شيخ الإسلام والشيخ ابن باز رحمها الله ، بينما يرى البخاري العموم ، وكذلك هو رأي يراه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

والصواب أنه يستثنى مكة والمدينة ، لأنه لو قيل بأن على الإنسان أن يقف أو أن يُوقِف لذهب يومه كله ، بل لذهبت أيامه كلها وهو يعيد الصلاة .

وكذلك إن وجدت العلة في غير الحرمين فكذلك ، فلو فتح الله عز وجل على المسلمين بيت المقدس وازدحم الناس فيه فكذلك .

مسألة :

لو أن المرأة غلبت الرجل فمرت ، أو مرت دون شعور منه بها ؟

قولان ، والأحوط أنه يعيد .

ومن الفوائد :

أن الشيخ البسام رحمه الله نقل إجماع العلماء – وأنا لم أرجع إلى هذه المسألة ، لكن أنقل ما نقله الشيخ رحمه الله في كتابه توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام – من أن العلماء أجمعوا على أن المرأة لو مرت بين يدي المرأة لا تقطع صلاتها ، لأن الحديث نص على الرجل .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا لمن قال إن السترة واجبة ، لأن هذه السترة تحفظ صلاة الإنسان من أن يأتي ما يقطعها ، وقد سبق الحديث عن هذا ، والصحيح أنها سنة لأن هناك أحاديث أخرى بينت سنيتها .

ومن الفوائد :

أن السترة يستحب أن تكون مثل مؤخرة الرَّحل ، وكلمة ( آخرة الرَّحل ) كما جاء في الحديث هذه لغة من لغات مؤخرة الرحل ، لأنها ضبطت هذه الكلمة بعدة ضوابط :

منها ( مُؤخِّرة الرّحل ) بضم الميم وفتح الهمزة وكسر الخاء المشددة .

وضبطت : مثله ، ولكن تفتح الخاء المشددة ( مُؤَخَّرة )

وضبطت : بضم الميم وتسكين الهمزة وكسر الخاء بدون تشديد ( مُؤْخِرة )

وضبطت فتح الميم وسكون الواو من غير همز وكسر الخاء بدون تشديد ( مَوْخِرة )

وقد ذكرنا هذه الضوابط في أول حديث في الباب .

ومن الفوائد :

أن مؤخرة الرحل قدرها بعض العلماء بذراع ، والذراع من أصابع المرفقين إلى المرفق  .

وقدرها بعض العلماء : بثلثي ذراع .

وذكروا أن مؤخرة رحل ابن عمر رضي الله عنهما بمقدار الذارع .

وآخرة الرحل  : هي الخشبة التي يستند عليها راكب البعير بظهره ، فالسنة أن تكون السترة في الارتفاع بمقدار ذراع أو ثلثي ذراع ، وما قلَّ يجوز ، لأن الأحاديث الأخرى أطلقت .

وأما بالنسبة إلى الغلظة فقد استحب بعض العلماء ألا تنقص عن غلظ الرمح ، وقد ثبت في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استتروا ولو بسهم ) فالسهم دقيق ، فمتى ما وضع الإنسان أي سترة علا ارتفاعها أو دق حجمها أجزأ ، لكن في الأفضل أن تكون في العلو بمقدار ذراع أو ثلثي ذراع .

سؤال : ما هي العنزة ؟

الجواب : العنزة هي عصا منحنية من الأعلى ، كانت تركز له عليه الصلاة والسلام في الفضاء فيصلي أمامها .

ومن الفوائد :

أنه قال هنا ( أو كواسطة الرَّحل )

فهل ( أو ) للشك من الراوي ؟

قيل بهذا ، ويحتمل أن تكون للتنويع ، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها في موضع وتلك في موضع آخر .

وواسطة الرَّحل : أي وسط الرحل أو مقدمة الرحل .

ومن الفوائد :

أن المرأة يقصد منها البالغة ، لأنه عبَّر عنها بالمرأة ، فيخرج من ذلك الصغيرة التي لم تبلغ فلو مرت فإن هذا الحكم لا يشملها ، فلا تقطع الصلاة .

ولو قال قائل : ورد حديث عند أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما ( بوصف المرأة بالحائض )

فقال بعض العلماء : إن هذه اللفظة غير صحيحة وأنكرها ، قال لا علاقة بحيض المرأة بهذا الأمر  ، فإن المرأة لا تكون حيضتها لا في يدها ولا في رجلها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن حيضتك ليست في يدك )

ورد عليه : بأن إسنادها صحيح ، ولا يضر من أن أكثر الرواة أوقفوا هذه الجملة على ابن عباس ، لأن شعبة قد رفعها ، والقاعدة في الأصول في علم الحديث أن من رفع مقدم على من أوقف ولو كثر عدد الموقفين ، لأن الرافع معه زيادة علم ، فيكون معنى الحائض أي البالغة من باب التأكيد على أن الذي يؤثر على صلاة المصلي في البطلان المرأة البالغة .

ومن الفوائد :

أن الحمار يقطع الصلاة بقطع النظر عن هذا الحمار من حيث النوع ومن حيث الحجم ومن حيث السن ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وطرأ علي الآن ما حكم الحمار الوحشي هل يدخل أم لا ؟

الجواب :

إذا نظرنا إلى عموم الحديث وجدنا أنه يدخل لأنه حمار ، و ( أل ) من أدوات العموم .

وإذا نظرنا إلى أن هذا الحمار قليل وجوده في المدن وبين الناس قلنا يخرج ؟

فهو محتمل ومحتمل والأقرب أنه لا يخرج ، لأن الحمار الوحشي قد يستأنس ، وهناك قاعدة في الأصول [ إن الصورة النادرة لا تخرج من العموم ] ومثلوا لها بأمثلة منها [ لو أن شخصا قرصته عقرب فأمنى بشهوة ] أيجب عليه الغسل أم لا ؟ يقولون يجب عليه الغسل .

سؤال : هل البغل يأخذ حكم الحمار ؟

الجواب : أظن أنه لا يدخل لأنه موجود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره ، وبعض الفقهاء نص على ذلك .