بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل
حديث رقم 348-
( صحيح ) حدثنا أبو كريب حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ).
حديث رقم -349-
حدثنا أبو كريب حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : بمثله أو بنحوه قال وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وسبرة بن معبد الجهني وعبد الله بن مغفل وبن عمر وأنس قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أصحابنا وبه يقول أحمد وإسحاق وحديث أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث غريب ورواه إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا ولم يرفعه واسم أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي
من الفوائد :
هذا الحديث سبق وأن تُحدث عنه وذكرنا جملة من الفوائد في الدرس السابق ، ومحصلة ما ذكر أن الصلاة في معاطن الإبل وفي مباركها لا تصح ، لظاهر الحديث ، لأن النهي يقتضي الفساد ، وأما الصلاة في مرابض الغنم فإنه يباح فعل الصلاة فيها ، وهل يكون مندوبا أو لا ؟ الصحيح أنه ليس بمندوب ، وإنما حكم عليه الصلاة والسلام بالأمر بالصلاة في مرابض الغنم لئلا يتوهم متوهم أنها تأخذ حكم مبارك الإبل .
ومن الفوائد :
أنه جاء حديث ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل والبقر ) فتكون البقر داخلة في ضمن هذا الحكم الذي هو مناط بالإبل ، ولكن قال ابن حجر رحمه الله إن هذا الحديث ضعيف ، فهذه الزيادة ضعيفة ، يقول لو صحت لكان مناقضا لما رواه ابن المنذر ” من أن الإجماع انعقد على أن البقر كالغنم في إباحة الصلاة في مرابضها )
فخلاصة القول أن البقر كالغنم في هذا الحكم ولا تدخل ضمن الإبل ، وما جاء من زيادة من النهي عن الصلاة في مبارك البقر فهي زيادة ضعيفة .
حديث رقم -350-
( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن أبي التياح الضبعي عن أنس بن مالك : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ”
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو التياح الضبعي اسمه يزيد بن حميد .
من الفوائد :
أن في ظاهره قد يقال إن الصلاة في مرابض الغنم سنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، فيكون الجواب كما أسلفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرابض الغنم من باب بيان أن الغنم لا تأخذ حكم الإبل ، وبيانه عليه الصلاة والسلام لبعض الأحكام قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل وقد يكون بالإقرار وقد يكون بالفعل والقول معا ، فإنه بين أن الغنم لا تأخذ حكم الإبل بقوله كما بين أنها لا تأخذ حكم الإبل بفعله .
باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به
حديث رقم -351-
( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع ويحيى بن آدم قالا حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال : ” بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع ” )
قال : وفي الباب عن أنس وبن عمر وأبي سعيد وعامر بن ربيعة قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن صحيح وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن جابر والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا لا يرون بأسا أن يصلي الرجل على راحلته تطوعا حيث ما كان وجهه إلى القبلة أو غيرها .
من الفوائد :
أن الصلاة على الدابة حال السفر جاءت بها السنة من فعله عليه الصلاة والسلام ، وهذا يكاد أن يكون إجماعا ، فلا خلاف بين أهل العلم في الصلاة على الدابة إذا كانت نافلة وكان ذلك حال السفر ، وإنما الخلاف وقع إذا كان هذا حال الحضر ، فإذا أراد أن يتطوع الإنسان وهو راكب دابته وكان في الحضر أيكون ذلك مستحبا له ؟
اختلف العلماء في هذا : الظاهرية يرون أن له ذلك ، لما جاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال ( كانوا – يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – يصلون على دوابهم حيث ما توجهت بهم ) قالوا وهذا الإطلاق يقتضي أنه شامل للحضر والسفر ، فليس فيه تقييد بالسفر .
ويمكن أن يبنى هذا القول على قول من يقول إن المطلق لا يحمل على المقيد ، بل يعمل بهما كليهما ، فإذا جاء نص مطلق ونص مقيد فلا نحمل المطلق على المقيد بل نعمل بالمطلق كما نعمل بالمقيد ، وهذه مسألة أصولية ، فيقولون جاء التقييد بالسفر وجاء الإطلاق بالحضر والسفر ، إذاً نعمل بهذا ونعمل بهذا ، ما جاء في السفر نعمل به ، وما جاء من الإطلاق كما ذكر النخعي رحمه الله مطلقا لم يقيد بحال حضر ولا سفر نعمل به .
ولكن الصواب : أن المطلق يحمل على المقيد وأن هذا الفعل ما صدر منه عليه الصلاة والسلام إلا في السفر .
وهذا لا يكون إلا في النوافل ، أما في الفرائض فلا ، ولذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين ( كان يصلي على راحلته حيث ما توجهت به غير أنه لا يفعل ذلك في الفريضة ) فدل على أن الفريضة خارجة من هذا الحكم ، اللهم إلا إذا كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك ، وذلك بأن يكون الإنسان على راحلته وهناك أمطار غزيرة لا يستطيع أن ينزل فيصلي الصلاة المعتادة ، هذا أمر آخر ، لأنه في حال الاضطرار ، أما نحن فنتحدث عن حال الاختيار فلا يكون إلا في النوافل فقط بجميع أنواعها ، سواء كانت مطلقة ، أو مقيدة بسبب كالوتر.
وهل الأفضل له أول ما يبدأ أن يستقبل القبلة ثم يصلي حيثما توجهت به دابته ؟
جاء عند أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل بدابته القبلة ثم يصلي حيث ما وجهت به ركابه )
فبعض العلماء قال إن هذا الحديث لا يصح ، لأنه خالف ما جاء في الصحيحين ، فما جاء في الصحيحين لم يذكر فيه أنه إذا أراد أن يصلي استقبل في أول صلاته القبلة ، فلم يأت هذا في الصحيحين ، إنما أتى عند أبي داود فيكون ضعيفا ، والصواب أن الحديث ثابت ومن ثم فنحن نقول إن الأفضل والأكمل والأحسن لمن أراد أن يتطوع في السفر الأفضل له أن يستقبل أول ما يبدأ صلاته يستقبل القبلة ثم يصلي حيث ما توجهت به دابته ، ولو صلى ابتداء إلى غير القبلة فلا بأس في ذلك ، لكن حديثنا هنا عن الأفضل .
ويدخل في ذلك الحكم جميع المركوبات القديمة والحديثة ، فهما سواء ، فلو أراد الإنسان أن يتطوع وهو في سفره وهو راكب سيارته فلا بأس في ذلك ، فالحكم هو هو .
والمقصود من هذا الفعل أن يشجع الإنسان على الإكثار من النافلة ، ولأن المسافر لو ألزم بأن ينزل من دابته فيصلي ويتطوع ما يشاء لثقل عليه ، ومن ثم يترك التطوع، لكن الشرع أباح له هذا الأمر في السفر ، بينما في حال الحضر كما أسلفنا الصحيح أنه لا يصلي إلا وهو على الأرض فيأتي بالأركان والواجبات ، لأنه إذا صلى وهو راكب سيارته سيترتب على ذلك ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان سجوده أخفض من ركوعه ، يعني يومئ إيماءً .
وهذا يدل على أن الإنسان إذا لم يستطع أن يأتي بالركن على وجهه الشرعي فليومئ إيماء وليكن السجود أخفض في الإيماء من الركوع .
لو قال قائل : لو كان المسافر يمشي على قدميه هل نلزمه إذا أراد أن يركع وأن يسجد أن يقف ويركع ويسجد ؟
قولان لأهل العلم ، والصواب عدم الإلزام بذلك ، لم ؟ لأننا لو نظرنا إلى المقصود الشرعي وهو تشجيع هذا المسافر على النافلة وجدنا أن الشريعة تسامحت في مثل هذا الأمر .
ومن الفوائد :
قول ابن عمر رضي الله عنهما ( غير أنه لا يفعل ذلك في الفرائض ) استفاد منه العلماء قاعدة ، وهي ( أن الأصل تساوي النوافل مع الفرائض في الأحكام إلا ما دل الدليل على استثناء أحدهما ) ولذا استثنى هنا قال ( إلا الفرائض ) فدل على أن المعهود لديهم مسبقا أن النافلة مثل الفريضة في الأحكام .