تعليقات على سنن الترمذي ( 51 ) حديث ( 361 ) الجزء الثالث – ( 64 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 51 ) حديث ( 361 ) الجزء الثالث – ( 64 )

مشاهدات: 501

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الحادي و الخمسون  

حديث 361 ( 3 )- 364

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا

حديث رقم – 361

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش فصلى بنا قاعدا فصلينا معه قعودا ثم انصرف فقال :   إنما الإمام أو إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ” )

قال : وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وجابر وبن عمر ومعاوية قال أبو عيسى وحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش حديث حسن صحيح وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث منهم جابر بن عبد الله وأسيد بن حضير وأبو هريرة وغيرهم وبهذا الحديث يقول أحمد وإسحاق .

وقال بعض أهل العلم إذا صلى الإمام جالسا لم يصل من خلفه إلا قياما فإن صلوا قعودا لم تجزهم وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبن المبارك والشافعي .

هذا الحديث فوائده كثيرة حتى لا نضيق على الأذان بكثرة الفوائد ، فلربما يأتي في موضع آخر ونزيد فيه ، لكن من بين الألفاظ التي تقال بعد الرفع من الركوع كما ذكر هنا :

( ربنا ولك الحمد )

وورد ( ربنا لك الحمد )

وورد ( اللهم ربنا ولك الحمد )

وورد  ( اللهم ربنا لك الحمد )

وورد ( لربي الحمد ) كما عند أبي داود .

وورد عند مسلم ، وبعض العلماء يرون أن الموضع ليس موضعه وآخرون يرون أنه موضع له ( اللهم لك الحمد )

باب منه

حديث رقم – 362-

( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا شبابة بن سوار عن شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت :   صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا ” )

قال أبو عيسى : حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدا وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعد .

من الفوائد :

هذا الحديث يذكرنا بمسألة سابقة وهي : هل كان الإمام هو الرسول صلى الله عليه وسلم أم كان أبا بكر رضي الله عنه ؟

فهذا الحديث الذي معنا وهو حديث عائشة رضي الله عنها يدل على أن الإمام هو أبو بكر وأن المأموم هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورجحنا فيما مضى أن الإمام هو الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل ما ذكره الترمذي رحمه الله ، وقد استغرب حديث عائشة رضي الله عنها من باب أن الإمام كان النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا ذكر رحمه الله أن الناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهناك من الأئمة من رأى أن الإمام هو أبو بكر لحديث عائشة رضي الله عنها .

وهناك من جمع بينها كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله من أن القصة متعددة ، مرة كان الإمام هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومرة كان الإمام هو أبو بكر رضي الله عنه .

ولكن من ظاهر النصوص أن الإمام هو الرسول صلى الله عليه وسلم .

حديث رقم -363-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا شبابة بن سوار حدثنا محمد بن طلحة عن حميد عن ثابت عن أنس قال :   صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به ” )

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح قال وهكذا رواه يحيى بن أيوب عن حميد عن ثابت عن أنس وقد رواه غير واحد عن حميد عن أنس ولم يذكروا فيه عن ثابت ومن ذكر فيه عن ثابت فهو أصح .

من الفوائد :

أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة ، ولا يلزم أن يصلي بثوبين وإن كان الأفضل أن يصلي بثوبين ، لكن الصلاة بالثوب الواحد جائزة ، ويكون ملتحفا به قد عممه بدنه بالالتحاف به ، وهذا لا يكون إلا إذا كان الثوب واسعا ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ( إذا كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به ) وثيابهم ليست كثيابنا ، فثيابهم من الإزار والرداء .

باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا

حديث رقم – 364-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا بن أبي ليلى عن الشعبي قال :   صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به القوم وسبح بهم فلما صلى بقية صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل بهم مثل الذي فعل ” )

قال : وفي الباب عن عقبة بن عامر وسعد وعبد الله بن بحينة قال أبو عيسى حديث المغيرة بن شعبة قد روي من غير وجه عن المغيرة بن شعبة قال أبو عيسى وقد تكلم بعض أهل العلم في بن أبي ليلى من قبل حفظه قال أحمد لا يحتج بحديث بن أبي ليلى وقال محمد بن إسماعيل بن أبي ليلى هو صدوق ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئا وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة رواه سفيان عن جابر عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة وجابر الجعفي قد ضعفه بعض أهل العلم تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهما والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا قام في الركعتين مضى في صلاته وسجد سجدتين منهم من رأى قبل التسليم ومنهم من رأى بعد التسليم ومن رأى قبل التسليم فحديثه أصح لما روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة 

من الفوائد :

أن بعض العلماء ضعفه من قِبل سوء حفظ محمد بن أبي ليلى ، والمحدثون رحمهم الله فيما مضى يحرصون على حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتمييز صحيحها من سقيمها ، حتى لو كان إماما في فن من الفنون ، لكنه سيء الحفظ فإنه لا يقبل حديثه ولو كان ورعا تقيا لكنه يهم فإنه لا يؤخذ بحديثه .

وهذا الحديث صححه الألباني رحمه الله وصححه أيضا غيره باعتبار الشواهد الأخرى ، فهناك شواهد من الأحاديث تدل على أصل أن من قام من التشهد الأول فاستتم قائما فالأصل أنه يمضي في صلاته ويجبر هذا الترك بسجود السهو ، ولذا ذكر الترمذي رحمه الله حديث المغيرة وفيه أن من قام من الركعتين فلم يستتم قائما جلس ، فإن استوى قائما فلا يجلس وليسجد للسهو ، وطعن فيه باعتبار جابر الجعفي ، وقد عدَّله بعض الأئمة ، ولكن المجرحين له قولهم أثبت ، لأنه رافضي بل فيه تعصب للرفض ، ولذا قال ابن حبان رحمه الله نقموا عليه لأنه يؤمن برجعة علي إلى الدنيا ، ولذلك ما عليه المحققون أن هذا الرجل ضعيف لا يحتج به ، وهذا ما قاله ابن حجر رحمه الله في تقريب التقريب وفي تلخيص الحبير، لكن كما سيأتي معنا الألباني رحمه الله أثبت الحديث كما في سنن أبي داود ، وكما قلت لكم إن تصحيح الألباني رحمه الله لهذا الحديث أو لحديث المغيرة إنما هو باعتبار الشواهد الأخرى .

ومن الفوائد :

أن من قام من الركعتين فلم يجلس للتشهد الأول فلم يستتم قائما فعليه أن يجلس ، ولكن هل يلزم بسجود سهو نظير هذه الحركة التي قام بها ؟

قولان لأهل العلم ، والصواب أنه لا يلزم بالسجود بل لا يستحب .

وورود الحديث هنا ليس لذكر مسائل سجود السهو – كلا – ولذا سأختصر فيما يتعلق بسجود السهو إلى أن يأتي بابه  لكن أريد أن أبين أنه إذا لم يستو قائما فليجلس ، فإذا جلس هل عليه سجود سهو أو لا ؟ قولان ، والصواب عدم سجود السهو في حقه .

أما إذا استتم قائما فظاهر هذا الحديث أنه لا يجلس ، بمعنى أنه لا يعود إلى التشهد سواء قرأ الفاتحة أو لم يقرأ الفاتحة ، شرع فيها أو لم يشرع فيها ، ولذا لو رجع فإن صلاته تبطل إذا كان عالما متعمدا .

بينما المشهور عند الحنابلة أنه إذا استتم قائما فلم يشرع في الفاتحة ، قالوا لو رجع يكره ، لكن لو أنه شرع في قراءة الفاتحة فيحرم عليه ، لم ؟ قالوا لأنه لما شرع في قراءة الفاتحة شرع في ركن آخر .

والصواب / أنه إذا استتم قائما لا يجوز له أن يعود ، سواء شرع في قراءة الفاتحة أو لم يشرع ، لكن ماذا  عليه لما ترك التشهد ؟ عليه سجود السهو ، لكن متى يسجد ، هل يسجد قبل السلام أو بعد السلام أو هو مخير بين الأمرين ، فله أن يسجد قبل السلام أو إن شاء سجد بعد السلام ؟

أقوال ، وهناك قول رابع يفصل في هذا ، فيقول يجب السجود للسجود قبل السلام في مواطن ، ويجب السجود للسهو بعد السلام في مواطن ، وهذا رأي لشيخ الإسلام رحمه الله ، ولن أتعرض للخلاف حتى يأتي باب سجود السهو، ولكن من باب التقريب لطالب العلم قول شيخ الإسلام رحمه الله قول وجيه ، ولكن هناك آخر وهو قول يختاره الشيخ ابن باز رحمه الله وهو قول له قوة أنه مخير بين الأمرين ، وعند الحنابلة أن السجود كله قبل السلام إلا إذا سلم قبل أن يكمل صلاته ، كما لو سلم من ركعتين في رباعية .

لكن في مثل هذا الحديث يسجد للسهو قبل السلام .

ومن الفوائد :

أن الإشارة في الصلاة لا تبطل بها الصلاة ولو فهمت ، ولذلك مثل هذا الحديث وأحاديث أخرى تضعف الحديث الوارد عند أبي داود ( من أشار في صلاته بإشارة تفهم فليعدها ) أي يعيد الصلاة ، باعتبار أن الإشارة إذا  فهمت كانت بمعنى الكلام .

ومن الفوائد :

أن تنبيه الإمام يكون بالتسبيح ، وكذلك تنبيه المأمومين من قِبل الإمام يكون بالتسبيح ولذلك سبح ، قال ( فسبح بهم ) يقولون إن ( الباء ) هنا بمعنى ( اللام ) أي سبح لهم ، كما في قوله تعالى {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ }العنكبوت40 ، أي لذنبه .

ولذا إذا أراد الإمام من المأمومين شيئا فليسبح بهم أو ليشر إليهم .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث وما فيما يشابهه أن فيه دليلا للشافعية الذين يقولون من ترك واجبا من واجبات الصلاة متعمدا فإن صلاته لا تبطل ، لأنه عليه الصلاة والسلام ترك التشهد الأول متعمدا .

والصواب : أن من ترك التشهد الأول متعمدا فإن صلاته تبطل ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حصل منه ترك التشهد الأول ما ترك الأمر هكذا ، بل إنه عليه الصلاة والسلام جبره بسجود السهو ، فدل على أن سجود السهو قد جبر الخلل الحاصل بترك التشهد ، ومعلوم أن سجود السهو زيادة في الصلاة ، فكونه يؤتى به ، يدل على أنها عوض عن التشهد الأول الذي تركه .

ومن الفوائد :

أن السهو في الصلاة لا يسلم منه ابن آدم مهما علت منزلته ، حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا ما جاء من حديث ( إنما أنسى لأشرع ) لا أصل له ، فإن السهو الحاصل منه عليه الصلاة والسلام لطبيعته البشرية ، فسهوه ونسيانه ليس من أجل التشريع – لا – بل هو حقيقة وواقع .

ومن الفوائد :

أن من سها في صلاته لا يجوز له أن يبطلها ويستأنفها من جديد ، لأنه لو قيل بهذا لما كان في مشروعية سجود السهو أي فائدة ، إذاً من سها في صلاته فزاد فيها أو نقص عليه أن يأتي بالمشروع وهو سجود السهو ، حتى ولو كثر سهوه ، فلو سها في صلاة ما أربع مرات أو خمس مرات أو عشر مرات فإنه لا يجوز له أن يقطعها بحجة أن هذه الصلاة قد حصل فيها ما حصل ، بل عليه أن يجبرها بسجود السهو ، ولو كان في قطعها خير وكمال لفعله النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن باب أولى ألا يعيدها مرة أخرى لو صلاها بسجود السهو ، لأنه ليس هناك سبب ، ولذلك يروي ابن عمر رضي الله عنهما كما عند أبي داود ( لا تصلى الصلاة في يوم مرتين )

ومن الفوائد :

أن الإمام إذا جزم بصواب نفسه فإنه لا يعتد بتسبيح المأمومين ولو سبح الكل ، لأنهم سبحوا به جميعا ومع ذلك لم يلتفت إليهم ، لم ؟ لأنه جزم بصواب نفسه لفعل النبي عليه الصلاة والسلام ، ولذا لو أن الإنسان كان إماما وسبح به على أنه أخطأ ، لكن عنده يقين أنه لم يخطئ فلا يلتفت لتسبيح هؤلاء المأمومين ، لكن لو كان بعض هؤلاء المأمومين يجزمون بخطئه ؟

تأتي إن شاء الله معنا هذه المسألة في سجود السهو .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .