بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء ” لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار
حديث رقم -377-
( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن بن سيرين عن صفية ابنة الحارث عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار )
قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وقوله الحائض يعني المرأة البالغ يعني إذا حاضت قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف ، قال الشافعي وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة .
من الفوائد :
أن العلماء بناء على هذا الحديث اختلفوا في عورة المرأة البالغة الحرة ، فقال بعض العلماء :
إنه يجب عليها أن تستر جميع بدنها ، فلا يجوز لها أن تخرج الوجه ولا الكفين ولا ظهور القدمين ولا الشعر فكلها عورة في الصلاة .
وقال بعض العلماء : يجوز لها أن تكشف فقط عن وجهها ، أما جميع بدنها وفي جملته اليدان فيجب أن تكون مستورة .
وقال بعض العلماء : يجب أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين .
وقال بعض العلماء : يجب أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وظهور القدمين .
ومن استثنى الوجه قال هذا باعتبار أن الوجه معتاد من الصحابيات رضي الله عنهن أنهن يصلين ووجوههن مكشوفة
ومن استثنى مع الوجه الكفين قال بهذا إضافة إلى ما قاله عز وجل { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يعني ما جرت العادة بظهوره ، والعادة جرت أن يظهر الوجه والكفان .
ومن استثنى مع الوجه والكفين ظهور القدمين وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله ، قال بأن العادة جرت من أن الأقدام تنكشف في عصر الصحابة رضي الله عنهم .
والصواب من هذه كله : أن المرأة يجب أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، أما بالنسبة إلى القدمين فيجب عليها أن تستر ظهور قدميها ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار من غير إزار ؟ فقال عليه الصلاة والسلام إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ) هذا الحديث قال عنه ابن حجر رحمه الله في البلوغ ( صحح الأئمة وقفه ) يعني أنه موقوف على أم سلمة ، لأن أم سلمة رضي الله عنه سألتها امرأة أتصلي المرأة بدرع وخمار من غير إزار ؟ فذكرت هذا الحديث ، فقالوا إنه من قولها .
الصنعاني رحمه الله يقول ” لو قيل إنه من قولها ، فإن له حكم المرفوع ولا مسرح للاجتهاد فيه “
وعلى ذلك فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين .
ومن الفوائد :
أن ستر العورة سواء كان للرجل أو للمرأة يجب في جميع الصلوات ، لأنه هنا عمم ، فأي صلاة لها تكبيرة إحرام ولها تسليم فيجب أن تستر فيها العورة ، إذا أتينا إلى السنة الراتبة يجب ، إذا أتينا في صلاة الجنازة يجب ، وهكذا .
ومن الفوائد :
أنه نص على الحائض ، وليس المقصود الحائض ، لأن الحائض لا تصلي ، لكن المقصود من ذلك البالغة ، وهذا فيه دليل على أن الحيض من علامات بلوغ المرأة ، ونظير هذا ما جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ) معلوم أن المحتلم يجب عليه الغسل سواء كان يوم جمعة أو لم يكن ، لكن لما قال (واجب على كل محتلم ) يعني بالغ، فدل هذا على أن الاحتلام وهو إنزال المني من علامات بلوغ الذكر .
وإذا كان المقصود من ذلك البالغة فإن ما دون البالغة لا تأخذ هذا الحكم ، قلنا عورة المرأة الحرة البالغة أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين – هذا في الصلاة – لكن بالنسبة إلى النظر فإنه يجب على المرأة أن تغطي حال بروزها للرجال الأجانب يجب عليها أن تغطي وجهها وكفيها ، فحديثنا عن الصلاة ، ولذلك لو كان عندها أجانب وهي تصلي فيجب عليها أن تستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان .
إذاً دل هذا بمفهوم المخالفة أن من لم تبلغ ليست كذلك ، فلا تأخذ هذا الحكم ، ولذلك البنت التي لم تبلغ فإن عورتها العورة المعتادة من السرة إلى الركبة ، هذا في الصلاة ، أما في قضية النظر والخروج فلا يجوز، وقاعدة [ أي أنثى بالغة أو غير بالغة إذا كانت محلا للشهوة فيجب عليها أن تستر جميع بدنها إذا كانت عند غير المحارم لها ]
لكن لو قال قائل : إذا أرادت أن تكشف عند محارمها في غير الصلاة ؟
فنقول : ما جرت العادة بكشفه مما لا يخل بالمروءة ، مثل الكفين والوجه والشعر ومثل جزء من اليدين ، فهذا مما جرت العادة به ولا يخل بالمروءة ، ولا ينظر إلى عادات الناس ، الآن بعض النساء تكون شبه العارية تخرج صدرها أو شيئا من ظهرها ، فهذا لا يجوز لها أن تخرج عند محارمها ، بل نص شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى أن المَحْرَم إذا كان يفتتن بمحارمه كأخته أو خالته أو ما شابه ذلك فإنه يحرم عليه أن ينظر إليها وأن يخلو بها سدا لباب الفاحشة .
فإذاً عورة من لم تبلغ في الصلاة ما بين السرة إلى الركبة .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث فيه دليل لمن قال من العلماء إن الأمة والحرة سواء في هذا الحكم ، فالحرة البالغة عورتها في الصلاة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، قالوا كذلك الأمة وهي المملوكة لا فرق ، لم ؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) وهي ممن تحيض ، فتأخذ حكم الحرة ، والأصل أن الإماء والأحرار يستويان في الأحكام إلا ما جاءت من أدلة تستثني الإماء ، وقد جاءت أدلة تستثني الإماء في مسائل أخرى .
وبعض العلماء يقول : عورة الأمة ولو كانت بالغة مثل عورة الرجل في الصلاة من السرة إلى الركبة ، لم ؟ قالوا لما ورد عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا زوَّج الرجل خادمه ) يعني مملوكه ( أو أجيره فلا يحل له أن ينظر إلى ما بين السرة والركبة ) هنا قال الخادم والأجير أين موضع الأمة ؟ قالوا ورد عند أبي داود ( إذا زوج الرجل عبده أمته فلا يحل له أن يرى عورتها ) قالوا يحمل هذا الحديث على ذلك الحديث .
ولكن الصواب أن الأمة المملوكة إذا كانت بالغة فإنه يجب عليها في الصلاة أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، وأما بالنسبة إلى هذا الحديث فليس بظاهر ، لأنه قال ( فلا يحل له أن ينظر إلى عورتها )
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا – كما قال ابن حجر رحمه الله – لجمهور العلماء على أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة ، فمن أخل بستر العورة فإن صلاته لا تصح ، وهذا هو رأي الجمهور ، لم ؟ لأنه قال ( لا يقبل الله ) فنفى القبول ، ولتعلموا أن النفي على ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى : نفي الوجود .
المرتبة الثانية : نفي الصحة .
المرتبة الثالثة : نفي الكمال .
هنا ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) لا يمكن أن ننفي الوجود لأن الصلاة موجودة ، امرأة تصلي لكنها كشفت شعرها ، إذاً لا ننظر إلى هذه المرتبة .
ثانيا : نفي الصحة ، فلما قال ( لا يقبل الله ) دل على أن صلاتها غير صحيحة .
أحيانا يكون النفي ليس للصحة وإنما لفوات الكمال ، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة بحضرة طعام ) فهذا الحديث نفي للكمال ، فلو إن إنسانا قدم له الأكل والناس يصلون وهو مشتهي هذا الأكل وقلبه سينشغل بهذا الأكل وأتى يصلي ، نقول له الأجدر بك أن تأكل ثم تأتي وتصلي ، لكن لو أتى وصلى نقول خالفت ولكن صلاتك صحيحة ، لم ؟ لأنه فاتك الكمال لأن قلبك سينشغل بهذا الطعام عن هذه الصلاة .
ومن الفوائد :
أنه لما ذكر عورة المرأة دل على أن عورة الرجل تختلف ، إذاً ما عورة الرجل ؟
فعورة الرجل من السرة إلى الركبة ، لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله ( عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة ) إذاً السرة إذا ظهرت صحت الصلاة ، الركبة إذا ظهرت صحت الصلاة على الصحيح من أقوال العلماء .
إذاً الكلام ما بين السرة والركبة ، إذاً الفخذ عورة ، فلابد أن يكون هذا اللباس الذي يلبسه صفيقا بحيث لا يصف لون البشرة من بياض أو حمرة أو سواد ، بعض الناس الآن يلبس ثوبا شفافا ويلبس سروايل إلى نصف فخذه ، فإذا رأيت فخذه رأيت لون البشرة ،فهذا لا تصح صلاته ، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتنبه لمثل هذا الأمر ، لكن إذا لم ير لون البشرة ولكن يرى حدود السروال لا إشكال ، فالمعول عليه لون البشرة ، ولذلك بعض الناس قد يلبس البنطلون ويكون ضيقا – مع أنه لا ينبغي للرجل أن يلبس بنطلونا يضيق عليه – فتظهر تقاسيم عورته إذا ركع أو سجد فصلاته صحيحة ، لم ؟ لأنه يلبس لباسا صفيقا لا ترى منه البشرة .
لو قال قائل : لو أن شخصا ظهر شيء من عورته في الصلاة فما حكم صلاته ؟
نقول الحكم يختلف إن كان متعمدا أو غير متعمد ، إن كان متعمدا فصلاته باطلة ، وإن كان غير متعمد فننظر إذا كان هذا الذي ظهر شيئا يسيرا ولو طال الزمن فنقول صلاته صحيحة ، أو كان فاحشا وقرب الزمن يعني أنه لما تبين له ستر عورته هنا تصح الصلاة ، ولذلك عمرو بن سلمة رضي الله عنه ( لما كان يصلي بهم كان له ثوب يخرج شيء من عورته ، فقالت إحدى النساء واروا عنا سوءة إمامكم ) دل على أن مثل هذا قد يقع للإنسان ، لكن على المسلم أن يكون حريصا على صلاته وأن يأتي بشروطها وبأركانها على الوجه المطلوب شرعا .