بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في كراهية السَّدل في الصلاة
حديث رقم – 378-
( حسن ) حدثنا هناد حدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن عسل بن سفيان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السَّدل في الصلاة ”
قال وفي الباب عن أبي جحيفة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعا إلا من حديث عسل بن سفيان وقد اختلف أهل العلم في السدل في الصلاة فكره بعضهم السدل في الصلاة وقالوا هكذا تصنع اليهود وقال بعضهم إنما كره السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد فأما إذا سدل على القميص فلا بأس وهو قول أحمد وكره بن المبارك السدل في الصلاة .
من الفوائد :
فإن هذا الحديث مختلف فيه بين المحدثين أهو حديث حسن أو أنه حيث ضعيف ؟
فبعض الأئمة يرى أنه ضعيف بسبب ” عِسْل ” المذكور في هذا الحديث ويضبط بفتح العين والسين ” عَسَل “
قالوا إنه انفرد به في روايته عن عطاء ، وهو ضعيف ولذا ضعفه الإمام أحمد .
وبعض العلماء يرى أنه حسن باعتبار المتابعين لعِسل بن سفيان ، ومن بين هؤلاء الألباني رحمه الله ، قالوا إن عسل تابعه سليمان الأحول كما جاء في رواية أبي داود ، وكذلك تابعه عامر الأحول كما جاء في معجم الطبراني ، فلم يبق الحديث على ما ذكره أولئك الأئمة من الضعف والانفراد بل هو متابع ، ومن ثم فإن الحديث يكون حسنا .
وبناء على الاختلاف في هذا الحديث أتى الخلاف بين أهل العلم في حكم السدل :
منهم من قال : إنه جائز .
ومنهم من قال: بالجواز بناء على أن هذا الحديث لم يبلغه ، كالإمام مالك رحمه الله .
ومنهم من قال : بالكراهة في جميع الأحوال في الصلاة وخارج الصلاة .
ومنهم من قال : بالكراهة في الصلاة .
ومنهم من قال : اتفق العلماء على أنه مكروه ، وهذا هو نقل النووي رحمه الله ، وخولف في ذلك إذ إن الإمام مالك رحمه الله ما كان يرى النهي عن السدل .
ومنهم من يرى : التحريم، لأن الأصل في النهي هو التحريم
فتخلص من هذا الكلام : هذه الأقوال ، والصحيح – بما أن الحديث ثابت – الصحيح التحريم ، لأن النهي صريح .
وأما بالنسبة إلى قول من يقول إنه نهي للكراهة خارج الصلاة وداخل الصلاة فيقال لا يسلم لكم بذلك ، لم ؟ لأن الرواية أتت بالتنصيص على الصلاة ، قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السَّدل في الصلاة )
فالقول الصواب أنه محرم .
بعض العلماء عنده قاعدة وهي [ إذا كان الحديث متأرجحا بين القبول والرفض نجعله في منزلة بين منزلتين ، لا نقول بالتحريم ولا نقول بالإباحة ، وإنما يوضع في منزلة بين هاتين المنزلتين وهي الكراهة ]
إذاً ما هو السَّدل ؟
قال بعض العلماء : أن يلبس الثوب وقد أرخى طرفيه ولم يضمه على يديه ، كما يحصل من بعض الناس حينما يلبس ” فروة أو مشلحاً ” يرسل أطرافه .
وقال بعض العلماء : إن السدل هو أن يضع الثوب على رأسه ثم يرسله دون أن يضم يديه به .
وقال بعض العلماء : إن السَّدل هو أن يلتحف بثوبه دون أن يجعل ليديه مخرجا ، وهذا ما يشبه بـ ( الصمَّاء ) .
وقال بعض العلماء : إن السدل هو الإرخاء ” سدل الثوب ” يعني أرخاه حتى صار مسبلا ، فيمكن على هذا القول يستدل على تحريم الإسبال بهذا الدليل .
والصواب : أن هذه الكلمة وهي كلمة ( السَّدل ) كلمة مشتركة ، فتجمع هذه الأقوال كلها ، فتكون هذه المعاني داخلة ضمن السدل فيمنع ، لكن ما لبس على وجه العادة مما اعتاد الناس عليه لا يدخل في النهي ، يعني لو جرت عادت الناس أنهم لما يلبسوا المشلح – كما هو واقعنا – يلبسه ويرخيه دون أن يدخل يديه ، فلا بأس بذلك ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما نهى عن الصماء ، وكذلك على ما ذكر هنا من أن السدل أن يلتحف بثوبه دون أن يخرج يديه فعله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( التحف بثوبه فإذا أراد أن يكبر أخرج يديه وكبر ) فاستفيد من هذا أن ما جرت عادة الناس بلبسه فلا إشكال ، لكن لما لم تجر العادة فإنه يدخل ضمن النهي .
ولو قال قائل : ما الحكمة من السَّدل ؟
سبق وأن قلنا أن أي أمر أو أينهي أعظم الحكم هو ما جاء به الشرع ، الشرع نهى وهذه أعظم الحكم ، لقوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ \}الأحزاب36 ، علمت الحكمة أو لم تعلم يجب عليك أن تنفذ إذا أتى الأمر وتنزجر إذا أتى النهي ، هذا هو الواجب لأنك عبد ، فتأتمر عند الأمر وتنتهي عند النهي ، ولذلك عائشة رضي الله عنهما كما في الصحيحين لما سألتها معاذة ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟! ) ما ذكرت حكمة ، وإنما قالت ( كان ذلك يصيبنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) لكن لو أن الإنسان علم الحكمة كان أحسن وأكمل ، لكن إن لم يعرفها ينتظر حتى يعرفها ثم يأتمر أو ينتهي ؟ لا ، هذا يكون مذموما ، ومع هذا كله فالعلماء استنبطوا حِكما ، فمن بين الحكم :
أنه ينظر إلى تلك المعاني المذكورة ، فإن كان المقصود من السدل هو الإسبال فيكون في ذلك ما يتبع الإسبال من حكمة النهي ، وإن كان المقصود من السدل هو الاشتمال فإنه يمنع الإنسان من أن يأخذ راحته في الصلاة ، بل ربما لو اعتدى عليه دابة أو هامة ما تمكن من ذلك ، وبالنسبة إلى المعاني الأخرى فإنها خلاف العادة ، ولا ينبغي للمسلم أن يخالف عادته إلا إذا أتى نص ، ولذلك هناك ضابط وهو [ إتباع العُرف فيما ليس بمحرم ولا مكروه سنة ] ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة ) لأنه خالف عادته ، فدل هذا – كما قال العلماء – على أنه لو اتبع العادة فيما ليس بمحرم وليس بمكروه فإنه يكون مأجورا على هذا .
سؤال : لماذا لا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل وفعله لبيان الجواز ؟
الجواب :
هذا لو كان السدل مقتصرا على معنى واحد ، لكن السدل له أكثر من معنى فيبقى الحكم على التحريم .