تعليقات على سنن الترمذي ( 62 ) حديث ( 383 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 62 ) حديث ( 383 )

مشاهدات: 506

تعليقات على سنن (  الترمذي  )

الدرس الثاني والستون

حديث 383

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة

حديث رقم – 383-

( صحيح ) حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة : ”  أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا “

قال : وفي الباب عن بن عمر قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد كره بعض أهل العلم الاختصار في الصلاة، وكره بعضهم أن يمشي الرجل مختصرا والاختصار أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة أو يضع يديه جميعا على خاصرتيه ويروى”  أن إبليس إذا مشى مشى مختصرا  ” .

من الفوائد :

أن ابن سيرين رحمه الله الذي روى عن أبي هريرة رضي الله عنه فسَّر هذا الاختصار في الصلاة فسره بأنه وضع اليد على الخاصرة في الصلاة .

والخاصرة : هو الموطن الذي يكون عن يمين بطن الإنسان أو عن يساره مما يقرب من أسفل الظهر ، ويؤيده ما جاء عند أبي داود أن ابن عمر رضي الله عنهما ( رأى رجلا يصلي وقد وضع يده على خاصرته في الصلاة فقال هذا هو الصَلْبُ في الصلاة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه )

ويرى بعض العلماء أن الاختصار بمعنى آخر ، فيقول ” إن الاختصار المنهي عنه هنا هو ” أن يختصر في قراءته آية أو آيتين من آخر السورة ، فإذا اقتصر على آية أو آيتين يقرأ بهما من آخر السورة في الصلاة ، فهذا يسمى اختصارا .

وقال بعض العلماء : إن الاختصار المنهي عنه هو اختصار الطمأنينة ، فبدل ما يطمئن كثيرا يأتي بالقدر الواجب فقط ولا يزيد في الطمأنينة في صلاته .

وقال بعض العلماء : إن الاختصار المنهي عنه هو أن يمر بآية السجدة فلا يقرأها وإنما يتعداها حتى لا يسجد سجود التلاوة في الصلاة .

وهذه المعاني التي ذكروها وإن كانت تدخل ضمن معنى الاختصار في الصلاة إلا أن ما فسَّر به الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو ابن سيرين رحمه الله ويؤيده قول ابن عمر رضي الله عنهما كما عند أبي داود يلغي هذه المعاني ، إذاً خلاصة القول النهي عن الاختصار في الصلاة معناه أن يضع يده على خاصرته في الصلاة .

ومن الفوائد :

ما حكم هذا الاختصار في الصلاة ؟

بعض العلماء يرى أنه مكروه ، وليس بمحرم .

وبعض العلماء يرى أنه محرم لأن النهي واضح وصريح ومطلق غير مقيد وغير مصروف – وهو الصواب – أن وضع اليد على الخاصرة في الصلاة محرم ، لأن الأصل في النهي التحريم .

ومن الفوائد :

لو قال قائل ما سبب النهي ؟

سبب النهي اختلف فيه العلماء ، وقد ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله ، فقال بعض العلماء : إنه فعل الشيطان ، فإن الشيطان يضع يده على خاصرته فنهينا عن التشبه به ، وهذا يحتاج إلى دليل .

وقال بعض العلماء : هو استراحة أهل النار ، فأهل النار لهم استراحة واستراحتهم على هذه الصورة ، وهذا أيضا يحتاج إلى دليل .

وقال بعض العلماء : إن هذه حالة الشعراء إذا أنشدوا أشعارهم ، وهذا لا يليق بالمسلم أن يكون حاله في الصلاة كحال هؤلاء الشعراء لاسيما أن الشعراء معظمهم ممن لا يكثر من ذكر الله عز وجل .

وقال بعض العلماء : إن هذا فعل المتكبرين ، فتجد أن المتكبر يضع يده على خاصرته ، وهذا باعتبار الواقع الذي ذكره هذا العالم من أن المتكبرين في زمنه يفعلون هذا الفعل ،لكن في زمن آخر قد لا يصدق عليهم ، كما أنه لا يصدق على الشعراء في زمن آخر .

وقال بعض العلماء : إن هذا هو فعل أهل المصائب ، فمن أصيب بمصيبة فإنه يضع يده على خاصرته .

والصواب/ ما جاء  عند البخاري عن عائشة رضي الله عنها ( أن هذا هو فعل اليهود ) ونحن نهينا عن التشبه بهم ، قال ابن حجر رحمه الله ” هذا أعلى ما ورد في النهي عن الاختصار في الصلاة “

وأما الأقوال الأخرى فلا تنافي بينها ، ونحن نقول علينا أن نقتصر على ما جاء به النص من قول عائشة رضي الله عنها ( أن هذا من فعل اليهود ) فلا يجوز لنا في الصلاة أن نضع اليد على الخاصرة .

بعض العلماء عمم هذا فقال : إن وضع اليد على الخاصرة في الصلاة أو في غير الصلاة مكروه ، ولا ينبغي للمسلم .

ونحن نقول لا دليل على ذلك ، إنما النهي أتى هنا عن وضع اليد على الخاصرة في الصلاة ، لكن لو أن الإنسان يرى أنه لو وضع يده على خاصرته أنه يخالف مروءة أهل ذلك الزمن الذي يعيش فيه فلا يفعل .

وقول عائشة رضي الله عنها ( إن هذا من فعل اليهود  ) عند البخاري ، زاد ابن أبي شيبة ( في الصلاة ) فاليهود يفعلون هذا الفعل في صلاتهم .

فالحق المتعين في هذا أن يقال إن العلة هي أن وضع اليد على الخاصرة في الصلاة أنه من فعل اليهود ، والدليل قول عائشة رضي الله عنها .

ومن الفوائد :

أن على المسلم إذا دخل في الصلاة أن يكون على أحسن حال ، لأنه لا شك ولا ريب أن من وضع يده على خاصرته في الصلاة لم يكن متأدبا بالأدب المطلوب ، لأنه سيقابل رب العالمين ، تصور  لو أن إنسانا قابل ملكا من ملوك الدنيا ووضع يده على خاصرته فإن هذا لا يليق بمقام هذا الملك ، فكيف يليق بملك الأملاك عز وجل ؟!

ولذا أتت السنة من أن اليدين تكون لها أحوال في الصلاة ، ومما يؤكد النهي عن الاختصار في الصلاة مما يؤكده غير ما ورد أن السنة جاءت من فعله عليه الصلاة والسلام أن اليدين له حال وشأن في كل موطن من مواطن الصلاة ، تجد أنه إذا كان قائما يضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر ، إذا ركع تكون اليدان على الركبتين ، إذا سجد تكون على الأرض ، إذا جلس بين السجدتين أو في التشهد وضع اليد اليمنى على فخذه الأيمن واليد اليسرى على فخذه الأيسر ، وهكذا ، مما يدل على أن الاختصار ليس له محل في الصلاة .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الاختصار يشمل لو اختصر بيد واحدة أو بيدين ، فإن هذا من باب أولى ، فإذا نهي أن يضع يده على خاصرة واحدة من باب أولى أنه ينهى عن وضع كلتا اليدين على خاصرتيه .