تعليقات على سنن الترمذي
الدرس التاسع والستون
أبواب السَّهو
حديث 391
( 2 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
باب ما جاء في سجدتي السَّهو قبل التسليم
حديث رقم – 391-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب :
” أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس )
( ومن الفوائد )
أننا ذكرنا الأقوال في سجود السهو ، متى يكون قبل السلام أم بعد السلام ؟
هناك قول آخر نقله الشوكاني رحمه الله في “نيل الأوطار ” من أنه يسجد قبل السلام أو بعد السلام كصنيع النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن إن لم يرد دليلٌ على صورة وقعت فهو بالخيار .
بينما قول الإمام أحمد – رحمه الله – كما مر معنا ، يكون قبل السلام ، وإن لم يرد دليل على صورة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم فيسجد قبل السلام على الأفضلية .
فخلاصة هذا القول : أنه يسجد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
وكم سها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
خمس مرات ، وقيل أربع ، وسيأتي حديث عن هذا الأمر الخامس – إن شاء الله تعالى .
فيسجد كما سجد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن إن لم يأت دليل على صورة واقعية ، فهو مخير ، ما الدليل ؟
ما جاء عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم
( إذا سها الرجل فزاد أو نقص فليسجد سجدتين )
ولم يقل ” قبل السلام أو بعد السلام .
( ومن الفوائد )
أن الترمذي حكم على هذا الحديث بأنه :
( حسن صحيح )
ولا شك في صحته ، لم ؟
لأن البخاري ومسلما رحمهما الله رويا هذا الحديث .
وإذا قال الترمذي رحمه الله في حديث
( حسن صحيح )
فمراده / أنه أتى من طريقين أحدهما ” حسن ” والآخر ” صحيح .
( ومن الفوائد )
أن من ترك واجبا من واجبات الصلاة فإنه يجبره بسجود السهو “
فعندنا أركان ، وعندنا واجبات الصلاة ، وعندنا سنن الصلاة “
إذا أردت أن تعرف أحكام سجود السهو – وأحكامه سهلة – لكن حتى تعرف تلك الأحكام لابد أن تعرف القاعدة ، ما هي القاعدة ؟
أن تعرف أركان الصلاة وواجبات ، وسنن الصلاة
كم أركان الصلاة ؟
” أربعة عشر ركنا “
الركن الأول : القيام مع القدرة .
الركن الثاني : تكبيرة الإحرام .
الركن الثالث : ” قراءة الفاتحة .
الركن الرابع : ” الركوع ”
الركن الخامس : الرفع منه ”
الركن السادس : ” السجود “
الركن السابع : ” الرفع منه “
الركن الثامن : ” الجلوس بين السجدتين “
الركن التاسع : ” التشهد الأخير ”
الركن العاشر : ” الجلوس للتشهد الأخير ”
الركن الحادي عشر : ” الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير .
الركن الثاني عشر :” التسليمتان ”
الركن الثالث عشر : ” الترتيب ”
الركن الرابع عشر : ” الطمأنينة “
( واجبات الصلاة )
كم عددها ؟
” ثمانية “
أولاً : ” التكبيرات الزوائد ” ما عدا تكبيرة الإحرام .
ثانيا : قول ” سبحان ربي العظيم في الركوع “
ثالثا : قول ” سمع الله لمن حمده “
رابعا : قول ” ربنا ولك الحمد “
خامسا : قول ” سبحان ربي الأعلى في السجود”
سادسا : قول ” رب اغفر لي بين السجدتين “
سابعا : ” التشهد الأول “
ثامناً : ” الجلوس للتشهد الأول “
فإذا عرفت الأركان والواجبات ، فما سواها فهي سنن .
النبي صلى الله عليه وسلم هنا :
( قام في صلاة الظهر وعليه جلوس )
يعني قام من التشهد الأول ، ترك واجبا من واجبات الصلاة فيُجبر .
والركن إذا ترك يجب أن يؤتى به ، وحديثنا إذا ترك سهواً ، فالركن أو الواجب إذا تركا عمدا بطلت الصلاة ، فحديثنا هنا عن السهو .
الركن / إذا ترك سهوا في الصلاة يؤتى به وبما بعده – من أجل الترتيب – ويسجد للسهو .
والواجب / إذا ترك وفارق الإنسان محله ، لا يعد وإنما يستمر في صلاته ، وقبل أن يسلم يسجد للسهو .
هنا ترك النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول ، فاستمر صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم سجد .
لكن لو أنه لم يستتم قائما ، نهض ثم تذكر ؟
يجب عليه أن يجلس، كما جاء في حديث المغيرة ، لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه .
لكن هل عليه سجود سهو أم لا ؟
قولان ، والأقرب أنه لا شيء عليه إذا جلس، لأنه إذا جلس سيأتي بالتشهد .
قلنا قول ( سبحان ربي الأعلى ) واجب .
لو أن الإنسان قال في سجوده ( سبحان ربي العظيم ) ثم قبل أن يرفع تذكر فقال ( سبحان ربي الأعلى )
هل يسجد للسهو ؟
لا يسجد للسهو .
مسألة : لما رفع من السجود تذكر أنه لم يقل ( سبحان ربي الأعلى ) هل يرجع فيسجد ؟
لا ، لم ؟
لأنه وصل الركن .
مسألة : لو أن الإنسان في الركوع فقال ( سمع الله لمن حمده ) قال تذكرت أني لم أقل
( سبحان ربي العظيم ) هل يرجع إلى الركن ؟
لا
يستمر ويسجد للسهو .
مسألة / لو أنه رجع متعمدا عالما بالحكم ، فما الحكم ؟
الجواب / تبطل صلاته ، فلا يجوز له أن يرجع لحديث المغيرة :
( إذا قام الرجل من الركعتين فاستتم قائما فلا يجلس وليسجد سجدتين )
مسألة / لو أنه في ثنايا القيام والنهوض تذكر ، فقال لا أستمر ، ما الحكم ؟
الجواب / تبطل صلاته .
مسألة / لو ترك سنة ، هل يسجد للسهو ؟
الجواب / لا يستحب إلا إذا ترك السنة التي جرت عادته أن يفعلها فنسيها ، هنا يستحب وليس بواجب .
ولذلك من عادة الإنسان أنه ” يستفتح ” والاستفتاح سنة ، لأنه ليس من ضمن الأركان ولا من ضمن الواجبات التي سبقت قبل قليل ، فلو أنه ترك دعاء الاستفتاح متعمدا صحت صلاته .
لو أنه نسي دعاء الاستفتاح سهوا ، فالسنة في حقه أن يسجد .
( ومن الفوائد )
أن الأحكام المتعلقة بسجود السهو تشمل الجميع ” الإمام والمنفرد “
وأما المأموم فله تفصيل .
( ومن الفوائد )
أن الأحكام المتعلقة بسجود السهو تشمل صلاة الفرض وصلاة النفل “
لو قال إنسان أنا أصلي النافلة فبإمكاني أن أقطع الصلاة ، فلماذا تلزمونني إذا سهوتُ أن أسجد للسهو في صلاة النافلة ؟
نقول : يلزمك وتأثم إن لم تسجد للسهو ، لم ؟
لأن هذه عبادة يجب أن تؤديها على مقتضى الشرع وإلا لا تصلي ، فلست بملزم أن تصلي صلاة النفل ، لكن إن صليتها فوقع منك سهو ، فيجب عليك أن تسجد للسهو .
فنقول له : هي صلاة نفل ، لكن هل يحق لك أن تترك قراءة الفاتحة ؟ أو تدع الركوع ؟
الجواب / لا ، فإذا صليت النافلة فيجب أن تؤدى على وجهها الشرعي .
( ومن الفوائد )
أن قوله ( وعليه جلوس )
( عليه ) تفيد الوجوب ، ففيه دليل على أن الجلوس للتشهد الأول بما فيه ذكره الذي هو التشهد ، أنه من ” الواجبات “
وبالتالي فيه ردٌ على الشافعية الذين يقولون :
إن التشهد الأول ليس بواجب ، لم ليس بواجب ؟
قالوا / لو كان واجبا ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد ، فكيف يعمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يسجد وهو زيادة في الصلاة ؟
فما سجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليجبر الخلل والنقص الذي حصل منه في ترك التشهد الأول .
( ومن الفوائد )
أن الترمذي رحمه الله ذكر أن ” سجود السهو يكون دائما قبل السلام ” كما نقل ذلك عن الشافعية ، من أنه ” آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم “
ولكن نقول : ما رواه الشافعي ” من أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام وبعد السلام وكان آخر الأمرين السجود قبل السلام “
فهو حديث لا يثبت .
( ومن الفوائد )
أن فيه دليلا للحنفية ، فإنهم يقولون ” إن التسليمتين ليستا واجبتين ” ولذا يقولون لو أنه فرغ من التشهد فأحدث أو أكل أو شرب صحت صلاته ، فإذا أتى بأمر يناقض الصلاة بعد التشهد صحت صلاته .
ما دليلكم ؟
قالوا / ما جاء هنا ( فلما أتم صلاته سجد ) ولم يذكر التسليم .
والجواب عن ذلك /
قوله ( فلما أتم ) بناء على أنه في آخر الصلاة ، ومن قارب إكمال الشيء فكأنه قد فرغ منه ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ماذا قال ؟
( من شهد صلاتنا ، وقد وقف بعرفة فقد تم حجه )
هل انتهى حجه ؟
لا ، لكن لما أوشك على الفراغ من الحج بوقوفه بعرفة ، أطلق عليه أنه ( تم حجه )
ثم نقول : ورد عند ابن ماجه ( فلما أتم صلاته إلا أن يسلم سجد سجدتين )
والأدلة قائمة على أن التسليمتين من أركان الصلاة .