تعليقات على سنن الترمذي
الدرس الحادي والسبعون
أبواب السَّهو
باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام
حديث 393 – 395
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام
حديث رقم – 393-
( صحيح ) حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد الكلام )
قال وفي الباب عن معاوية وعبد الله بن جعفر وأبي هريرة .
حديث رقم – 394-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما بعد السلام )
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه أيوب وغير واحد عن بن سيرين وحديث بن مسعود حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا صلى الرجل الظهر خمسا فصلاته جائزة وسجد سجدتي السهو وإن لم يجلس في الرابعة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا صلى الظهر خمسا ولم يقعد في الرابعة مقدار التشهد فسدت صلاته وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة .
( من الفوائد )
كلام الترمذي رحمه الله معلقا على هذا الحديث ، وهذا الحديث سبق وأن تعرضنا لمسائه وفوائده وهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
ومن مزايا سنن ” الترمذي ” أنه رحمه الله أنه يذكر كلام أهل العلم ، ويذكر تصحيح أو تضعيف شيخه ” البخاري ” ولذا فإن سنن الترمذي من أحسن السنن في هذا الباب ، وهو ذكر آراء العلماء حول ا لحديث .
ذكر هنا رحمه الله / أن الجمهور يرون أن من زاد في صلاة الظهر على أربع فكانت خامسة أن سجدتي السهو مجزئة له .
وذكر رحمه الله أهل الكوفة ” الحنفية ” وذكرنا أنهم يرون ” أنه إذا لم يقعد للتشهد بعد الرابعة وإنما واصل الركعة الخامسة بالركعة الرابعة فإن صلاته تفسد .
فيقال / يرد عليكم بهذا الحديث ، وهو حديث ابن مسعود ، إذ ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس ركعات للظهر متتابعات )
ومع ذلك ما أعاد الصلاة ، وإنما ( سجد للسهو )
باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو
حديث رقم – 395-
( شاذ بذكر ” التشهد ” ) حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال أخبرني أشعث عن بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم )
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .
ذكر الترمذي رحمه الله إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي رواه عنه محمد بن سيرين ، وذكر حديث عمران بن حصين .
( من الفوائد )
” أن بعض الروايات أتت بذكر ” التشهد في سجدتي السهو “
بمعنى / أنه إذا سلَّم وكان قد سها ، فإنه يسجد للسهو ، ثم يرفع فيقول ” رب اغفر لي ” ثم يسجد السجدة الثانية ، ثم يرفع ويذكر التشهد قبل أن يسلم “
لكن هذه الرواية ” شاذة “
فالصواب / أنه لا تشهد في سجدتي السهو ، سواء كانت هاتان السجدتان قبل السلام أو بعد السلام .
بعض العلماء فرَّق / قال إذا سجد قبل السلام في السهو فيكفيه التشهد السابق الذي وقع في الصلاة .
أما إذا سجد بعد السلام فهي سجدة منفصلة عن الصلاة فتحتاج هاتان السجدتان إلى تشهد .
والصواب / أنه لا تشهد في سجدتي السهو ، سواء سجدتهما قبل السلام أو بعد السلام .
( ومن الفوائد )
أن محمد بن سرين رحمه الله ثقة عالم ، وهو من أعلم الأمة بتأويل الرؤى ، وليعلم أن الكتاب الذي يتناقل وينسب إليه ليس له .
وكان رحمه الله يتحرى في تعبير الرؤى تحريا بالغا ، ويسأل الرائي أسئلة كثيرة ، لم ؟
لأن الرؤيا في الحقيقة هي ” فتيا ” لا كما يصنع في مثل هذه الأزمان ، التي انتشرت فيها برامج هذه الرؤى ، وأصبح الناس ينشغلون بالسؤال عن مناماتهم أكثر مما ينشغلون عن أمور حياتهم ، حتى إن بعضهم إذا ودَّع أخاه للنوم قال ” أتمنى لك أحلاما سعيدة “
لا شك أن تفسير الرؤى حرص عليه الإسلام ، لكن أن تكون بمثل هذه الحال ، فهذا ليس من الإسلام في شيء ،لم ؟ لأنهم لم يراعوا الآداب الشرعية في المنامات ، ليس كل ما يُرى يفسر ، بعض الناس ما يراه يفسره – هذا خطأ – النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :
( لما أتاه رجل وقال يا رسول الله إني رأيت في المنام أن رأسي قُطع وأنه يتدحرج وأنا أتبعه ، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا تخبر بتلاعب الشيطان بك ” )
ولذا جزء من هؤلاء المعبرين لا ينصحون الناس بمثل هذه الآداب ، يفترض أن يبينوا للناس ماذا يصنعون إذا رأوا رؤيا مفرحة ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند البخاري :
( الرؤيا من الله والحُلُم من الشيطان )
الرؤيا / هي الشيء المفرح .
الحُلُم / هو المزعج .
ولذا جاء عند مسلم أن ما يراه المسلم في منامه على ثلاث حالات /
الحالة الأولى / ” إما رؤيا صالحة ” تسعد قلبه .
الحالة الثانية / ” أن يرى حُلُما ” وهو الشيء المزعج .
الحالة الثالثة / أن يرى ” أضغاث أحلام ” فما يهتم به في يقظته يرد عليه في منامه ، وهذا لا حكم له ، إنسان يفكر بأن يشتري سيارة ، فيرد عليه في منامه أنه يشتري سيارة .
إنسان سيقدم على الزواج / فإذا به يرى أنه تزوج في المنام ، فهذه لا يترتب عليها حكم .
لكن إن كانت مفرحة فليحمد الله عز وجل إذا استيقظ من منامه ، وليحدث بها من يحب ، ولا يحدث بها أي شخص .
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
( وليبشر )
وإن كانت مزعجة / فإن عليه من الآداب :
” أن ينفث عن يساره ثلاثا .
وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا .
وأن يستعيذ بالله عز وجل من شر هذه الرؤيا المزعجة مرة واحدة .
وأن يتحول من الجنب الذي كان عليه إلى الجنب الآخر .
وإن قام فتوضأ وصلى ، فهذا حسن .
وفي شأن المعبرين / لا يلزم أن يوفقوا للإجابة ، أبو بكر رضي الله عنه – كما عند البخاري :
( لما فسَّر رؤيا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، قال يا رسول الله ” أصبت أم أخطأت ؟ قال أصبت بعضا وأخطأت بعضا )
وهو أبو بكر رضي الله عنه ، أعمق الناس علما وفهما وإيمانا وصفاءً للقلب ، فكيف بحال أهل هذا الزمن ؟!
وبعض الناس يتولع بالرؤيا ويرتب أحلامه عليها، وربما تسوء حالته إذا فسرت له رؤيا بغير ما يناسبه .
قال ابن حجر رحمه الله كما في الفتح مبينا تعريف الرؤيا ، قال :
” هي اعتقادات يخلقها الله عز وجل في قلب النائم ، فإن وافقت الملك أسرته ، وإن وافقت الشيطان أزعجته “
قال رحمه الله ” مثل ما يعتقد الإنسان نزول المطر لما يرى الغيم “
فقد ينزل وقد لا ينزل ، وهذه المنامات قد تقع وقد لا تقع .
وفي هذا الزمن كل من قال ” أنا معبر : تولع الناس به ، يأتي إنسان ويقول رأيت كذا ، يقول له سيكون كذا ، ولذلك يمكن أن يتسلق بها الإنسان إلى الشهرة ، ولو لم يكن لديه شيء من هذا العلم ، ولذلك في مثل هذا الزمن يجب إذا فسرت رؤيا ، يقال ” ما دليلك ؟ على أي شيء بنيت هذا التفسير ” ؟
فإذا كان العالم الشرعي يخطئ في النص الشرعي الذي هو أمامه فمن باب أولى أن يخطئ في مثل هذه الأمور .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .