تعليقات على سنن الترمذي ( 73 ) حديث ( 398-399 ) الجزء الأول

تعليقات على سنن الترمذي ( 73 ) حديث ( 398-399 ) الجزء الأول

مشاهدات: 466

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس الثالث والسبعون 

حديث 398-399- 1

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

 ( باب ماء جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان  )

( صحيح  ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن خالد بن عثمة البصري حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثني محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن بن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :   إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليبن على واحدة فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على ثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم

 قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح وقد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف من غير هذا الوجه رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم 

( من الفوائد )

أن هذا الحديث ينضم من حيث الحكم مع ما جاء في حديث أبي سعيد ، وحديث أبي سعيد مر معنا ، وذكرنا أنه يعارضه حديث ابن مسعود رضي الله عنه :

( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه )

وخلاصة ما ذكر أن المسلم متى ما شك في صلاته ، فإن الصواب وهو القول الراجح وذكرنا الخلاف في المسألة أن الصحيح أنه إذا تساوى طرفا الشك ، بمعنى أنه لا يدري أصلى ثلاثا أم أربعا ولم يترجح له شيء أنه يبني على اليقين ، ما هو اليقين ؟ الأقل .

تفسير اليقين في حديث أبي سعيد ( ليبن على ما استيقن ) تفسيره : ما جاء هنا :

( إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليبن على واحدة ، وإن صلى ثلاثا أو أربعا فليبن على ثلاث )

وهنا يأتي فضل معرفة الروايات والأحاديث /

فحديث أبي سعيد ( إذا شك أحدكم في صلاته فليبن على ما استيقن ) ما هو اليقين ؟

اليقين من حيث المعنى هو الأقل ، لكن لما يأتي دليل صريح كهذا الحديث وهو حديث عبد الرحمن يكون بذلك أقوى وأقوى ،فيكون اليقين هو الأقل ، فإذا شك وتساوى أطراف الشك فيبني على اليقين .

لكن إن شك وغلب على ظنه أنها ثلاث أو أنها أربع فليبن على ما ترجح عنده .

وسجود السهو في الشك المتساوي الأطراف يكون قبل السلام

وسجود السهو في الشك الذي يغلب أحد طرفيه يكون بعد السلام .

قال  رحمه الله :

(باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر )

( صحيح ) حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن أيوب بن أبي تميمة وهو أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة :  

 أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم كبر فرفع ثم سجد مثل سجوده أو أطول

قال أبو عيسى وفي الباب عن عمران بن حصين وبن عمر وذي اليدين قال أبو عيسى وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال بعض أهل الكوفة إذا تكلم في الصلاة ناسيا أو جاهلا أو ما كان فإنه يعيد الصلاة واعتلوا بأن هذا الحديث كان قبل تحريم الكلام في الصلاة قال وأما الشافعي فرأى هذا حديثا صحيحا فقال به وقال هذا أصح من الحديث الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم إذا أكل ناسيا فإنه لا يقضي وإنما هو رزق رزقه الله قال الشافعي وفرقوا هؤلاء بين العمد والنسيان في أكل الصائم بحديث أبي هريرة وقال أحمد في حديث أبي هريرة أن تكلم الإمام في شيء من صلاته وهو يرى أنه قد أكملها ثم علم أنه لم يكملها يتم صلاته ومن تكلم خلف الإمام وهو يعلم أن عليه بقية من الصلاة فعليه أن يستقبلها واحتج بأن الفرائض كانت تزاد وتنقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما تكلم ذو اليدين وهو على يقين من صلاته أنها تمت وليس هكذا اليوم ليس لأحد أن يتكلم على معنى ما تكلم ذو اليدين لأن الفرائض اليوم لا يزاد فيها ولا ينقص قال أحمد نحوا من هذا الكلام وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا الباب 

( من الفوائد )

بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق وأنه بشر ينسى كما  ينسى البشر ، ولذا سلَّم صلى الله عليه وسلم من ركعتين في صلاة رباعية ، ولم يأت بالركعتين الأخريين إلا بعدما نبه صلى الله عليه وسلم .

( ومن الفوائد )

أن هذه الصلاة التي وقعت منه صلى الله عليه وسلم جاءت رواية أنها : ( إحدى صلاتي العشي )

وجاء في رواية أخرى التأكيد على أنها (صلاة الظهر )

وجاء عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال :

( لقد أخبرني أبو هريرة بها لكني نسيت )

وما جاء من رواية ( أنها إحدى صلاتي العشاء ) فهذا خطأ من النساخ  ، وهذا غلط واضح ، لأن صلاة المغرب ثلاث ركعات

ويقوي من قال إنها صلاة العصر : ما جاء في حديث عمران رضي الله عنه عند مسلم : ( أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث ركعات ثم سلَّم )

ولكن هل ما وقع في حديث عمران هو نفس ما وقع في حديث أبي هريرة ؟ أم أنهما واقعتان منفصلتان ؟ فحصل السهو منه صلى الله عليه وسلم مرتين ؟

هذا خلاف بين المحدثين ، ورجح ابن حجر رحمه الله أن القصة واحدة ، بدليل أن ابن سيرين وهو ممن روى حديث أبي هريرة ، قال ( حدثني عمران من أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم ) ففيه تأكيد على أن القصة واحدة .

وبعضهم يرى أنها ليست قصة واحدة : بدليل أن السهو الواقع منه هنا في حديث أبي هريرة من ركعتين ، بينما في حديث عمران من ثلاث .

فقال ابن حجر رحمه الله : لعل من قال إنها ثلاث ركعات باعتبار أنه قام إلى الثالثة ، لا أنها ثلاث ركعات .

لكن من يقول إنها واقعة منفصلة يقول : في حديث أبي هريرة : ( لما سلَّم صلى الله عليه وسلم أتى إلى خشبة في المسجد واتكأ عليها وشبك بين أصابعه وهو غضبان )

بينما حديث عمران ( فإنه دخل بيته )

فتكون قصة أخرى.

قال ابن حجر رحمه الله : لعل من قال ( إنه دخل بيته ) ظانا منه أنه لما أتى إلى هذه الخشبة ظن أنه دخل بيته وهو لم يدخل بيته .

وهذه التوجيهات وإن كان فيها ما فيها ، لكن يقول رحمه الله ” الجمع بين القصتين بأضعف الاحتمالات أولى  من القول بأنهما واقعتان “

وإذا كانت الواقعة واحدة فإن اسم ذي اليدين وضح في حديث عمران من أنه ( الخرباق )

وسمي ذي اليدين : لأن في يديه طولا ”

لكن أهو ذو الشمالين ؟

فإن كان هو ذا الشمالين كما قال – الزهري رحمه الله –فإنه يكون دليلا للحنفية على ما ذكروا من أن من تكلم في صلاته ناسيا أو جاهلا فإن صلاته تبطل ، لم ؟ لأن هذه القصة قبل تحريم الكلام ، بدليل أن ذا اليدين وهو ذو الشمالين – كما قال الزهري – فإنه مات في غزوة بدر .

لكن يشكل على هذا : فنقول إن أبا هريرة روى هذا الحديث ، فيقولون : إنه حديث مرسل من مراسيل الصحابة .

فيقال لهم : إن أبا هريرة صرَِّح كما عند مسلم قال :

( بينما نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )

فصرَّ ح أنه حضر ، وأبو هريرة قد أسلم عام خيبر ، فتكون هذه القصة متأخرة ، فلا دليل على ما ذكره الحنفية .

والعجيب أن من يقول إن ذا الشمالين هو ذو اليدين هو محمد بن شهاب الزهري الذي أثر عنه غزارة العلم وسعة الحفظ ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في مقدمة أصول التفسير يقول ” من أوسع الناس حفظا ” ومع ذلك ما سلم من الغلط ، فدل على أن ابن آدم مهما كان قويا في الحفظ أو العلم إلا أن السهو لا يسلم منه أحد ، مع أنه الزهري ، وأثر عنه حتى في ديانته أنه قال لو نادى منادي من السماء ” أن الكذب حلال ما كذبت “

فخلاصة القول :

ابن حجر رحمه الله يرى أنها واقعة واحدة ، وذكرت كلام الحنفية حتى إذا أتيتنا على كلامهم يكون لديكم دراية لما نقوله إن شاء الله تعالى .