تعليقات على سنن الترمذي ( 81 ) حديث ( 405 ) الجزء الأول

تعليقات على سنن الترمذي ( 81 ) حديث ( 405 ) الجزء الأول

مشاهدات: 454

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس الحادي والثمانون

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

405-1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

 ( أما بعد :

فقد قال الترمذي رحمه الله :

( باب في نسخ الكلام في الصلاة   )

( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحرث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال :  

 كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام

 قال وفي الباب عن بن مسعود ومعاوية بن الحكم قال أبو عيسى حديث زيد بن أرقم حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم قالوا إذا تكلم الرجل عامدا في الصلاة أو ناسيا أعاد الصلاة وهو قول سفيان الثوري وبن المبارك وأهل الكوفة وقال بعضهم إذا تكلم عامدا في الصلاة أعاد الصلاة وإن كان ناسيا أو جاهلا أجزأه وبه يقول الشافعي 

 

( من الفوائد )

أن الكلام أثناء الصلاة في أول الإسلام كان مباحاً ، فكان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة ، حتى نزلت هذه الآية :

{ وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238

لكن أكان الكلام المباح قبل التحريم في أول الإسلام أكان لكل كلام أم لكلام معين وما عداه فلا ؟

الجواب / كان كلاما معينا ، ما هو ذلكم كلام ؟

هو الكلام الذي تقتضيه الحاجة ،ولذا في رواية البخاري :

( كان يكلم الرجل صاحبه في الصلاة في حاجته )

قال ابن حجر رحمه الله : ” هذا يدل على أنهم ما كانوا يتكلمون بالكلام من غير حاجة .

( ومن الفوائد )

لو تكلم شخص في الصلاة فما حكم صلاته ؟

نقول : إن كان متعمدا من غير عذر بطلت صلاته .

لكن إن كان متعمدا لعذر ، يعرف أن هذا كلاما ، وأقدم على

هذا الكلام لعذر ، مثل ما مرَّ معنا :

” لو أن الإمام لبِّس عليه في صلاته ، فسبَّح به الناس فسجد فسبحوا به فركع ، فما يدري ما هو موطن السهو عنده ، هنا لو تكلم شخص على رأي بعض العلماء – وهو رأي قوي – لتصحيح الصلاة فصلاته من باب إخباره بموطن الخلل جائز وصلاته باقية ، ولا يلزم بالإعادة .

هذا إذا خشي على الصلاة أن تكون ألعوبة ، مرة يركع ، مرة يقرأ ، ولم نتمكن من تبيين الخطأ له لا بتسبيح ولا بذكر ولا بآية ، يمكن أن نقول {  وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }العلق19

من باب التأكيد على أنه لم يسجد ، أو نقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا }الحج77 ، من باب أن الخطأ حصل في الركوع ، لكن إذا لم يفهم ولم يبق إلا أن تكون بين أمرين أن تكون الصلاة بهذه الصورة أو أن يتكلم شخص ، هنا قال جملة من العلماء ” يتكلم “

والدليل : قصة ذي اليدين التي مرت معنا ، تكلم لما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين ، وقال يا رسول الله “

( أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال صلى الله عليه وسلم لم أنس ولم تقصر الصلاة ، ثم سأل عليه الصلاة والسلام أبا بكر وعمر ، فأشارا إليه أن نعم )

فتكلما رضي الله عنهما .

ولكن بعض العلماء يقول : يتكلم شخص ، والأحوط له أن يتستأنف الصلاة من جديد ، لكي يبقي صلاة الجماعة على حساب مصلحته هو .

هذه هي الحالة الثانية في الكلام” الكلام المتعمد في الصلاة من غير عذر ” تبطل به الصلاة .

” الكلام المتعمد في الصلاة لعذر ” أجاز جماعة من أهل العلم ذلك .

” الكلام في الصلاة من غير عمد ” إما لجهل وإما لنسيان وإما من باب الإكراه “

هل تبطل صلاته أم لا ؟

الصواب / أنه إن تكلم جاهلا أو ناسيا أو مكرها فإن صلاته صحيحة ، والدليل قصة ذي اليدين ، فإنه إن جاز الكلام لعمد لعذر إذاً لغير عذر من باب أولى ، ويدل له حديث معاوية بن الحكم كما عند مسلم :

( صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطس رجل فقال معاوية يرحمك الله )

فقول ( يرحمك الله ) لا يجوز في الصلاة ، ولذلك :

( لما عطس رفاعة وحمد الله ) لم يشمَّت ، فلم يقولوا له :

( يرحمك الله )

فقال معاوية ( يرحمك الله ، فقال معاوية : فأحدق القوم بأبصارهم إلي ، فقلت وا ثكل أمِّياه ، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونني ، فسكت ، فلما فرغ صلى الله عليه وسلم قال معاوية والله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن منه ، والله ما شتمني ولا ضربني ولا نهرني ، وإنما قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والذكر وقراءة القرآن )

ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة مع أنه تكلم ، لكن كلامه هنا عن جهل .

إذاً / ما سوى الجهل من الأعذار يكون ملحقاً بالجهل .

ولذلك قد يتكلم الإنسان على وجه الإكراه ، يمكن وهو يصلي تقع عليه حديدة على رأسه فيقول ( أح )

يمكن أن يمر بالإنسان موقف أمامه ضحك منه ، والضحك في الصلاة يبطلها – ولا يجوز للإنسان أن يجلب الضحك ، وإن وُجد ما يجلب الضحك فيجب أن يدافعه ، لكن بعض المواقف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسلم من الضحك .

أما من يقول بأن الصلاة تبطل : لأن حديث زيد أرقم وحديث ابن مسعود رضي الله عنهما نسخا حديث ذي اليدين ، كيف ؟

قالوا : لأن قصة ذي اليدين في أول الإسلام ، لأن ذا اليدين مات في غزوة بدر ، فيكون أبو هريرة رضي الله عنه لم يحضر قصة ذي اليدين .

لكن نقول : الذي روى قصة  ذي اليدين أبو هريرة – رضي الله عنه – وهو قد حضرها ولم يحضر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا في السنة السابعة ، بدليل أنه قال كما عند مسلم :

( بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم )

وإنما يكون الذي قُتل في غزوة بدر هو ذو الشمالين .

فخلاصة القول ما ذكرناه :

– الحالة الأولى : أنه إن تكلم في الصلاة عامداً من غير عذر بطلت .

– الحالة الثانية : إن تكلم عامداً لعذر  ، فجملة من العلماء يرون صحة ذلك ، ومن العذر ” أن ينجي الإنسان من هلكة ” كأن يكون هناك شخص سيقع في حفرة عميقة يعلم أنه لو وقع فيها من هو غير مُبصر لمات ، فينبهه ولو كان في صلاته .

  • الحالة الثالثة :

إن تكلم لعذر من غير تعمد إما جهلا وإما نسيانا أو إكراها ، هنا الصواب صحة الصلاة .

 ( ومن الفوائد )

في حديث ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين :

( أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلَّمت عليه ، فلم يرد علي ) لأنه عهد أن النبي صلى الله عليه وسلم يكلمهم في الصلاة ، وابن مسعود – رضي الله عنه – أتى من هجرة الحبشة ، وكان الكلام مباحاً قبل هجرة ابن مسعود ، فلما رجع :

( وسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد صلى الله عليه وسلم السلام )  فكأنه وجد في نفسه (  فقال صلى الله عليه وسلم إن في الصلاة لشغلا )

يعني أن الأمر نُسِخ وانتهى .

( ومن الفوائد )

أن ابن مسعود – رضي الله عنه – هاجر إلى الحبشة ورجع ، وزيد بن أرقم – رضي الله عنه – استدل بالآية على أن الكلام في الآية نسخ ، والآية في [ سورة البقرة ] وسورة البقرة مدينة ، والهجرة إلى الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة ، فأيتهما أصح قصة ابن مسعود وهي بمكة أم قصة زيد بن أرقم وهي بالمدينة ؟

قال بعض العلماء : يقدَّم حديث زيد بن أرقم ، وتكون قصة ابن مسعود في مكة ، ولا يعني أن الحكم ينسخ ، ويتأخر نزول الآية .

وقال بعض العلماء : لا تعارض وهو الصحيح ، لم ؟

لأن ابن مسعود رضي الله عنه هاجر إلى الحبشة مرتين الهجرة الأولى والهجرة الثانية ، الهجرة الأولى هاجر إلى الحبشة فوشى الخبر أن أهل مكة أسلموا ، فقدم ابن مسعود ومن معه –كما هو معروف في السيرة – وإذا بالأمر ليس كذلك ، فصبُّوا عليهم أنواع العذاب ، فهاجر ابن مسعود – رضي الله عنه – إلى الحبشة مرة أخرى ، ولما قدِم لم يقدم على النبي – صلى الله عليه وسلم من الهجرة الثانية إلا وهو – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة .

فيكون المقصود من قدوم ابن مسعود – رضي الله عنه – من الهجرة الثانية ، وبذلك يتفق الحديثان ، بدليل :

أنه في بعض الروايات :

( أن ابن مسعود – رضي الله عنه – استدل بالآية )