بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل
حديث رقم – 226-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبيد قال حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن موسى الجهني قال أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتني عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا )
من الفوائد :
أن المقدار الذي كان يغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم من الماء يتفاوت ، فلا يلزم ما حُدِّد في الأحاديث ، بل يجزئ من ذلك ما انطبق عليه اسم الاغتسال فلو كان أقل من ذلك أو أكثر فلا بأس بذلك شريطة ألا يصل بالإنسان إلى حدِّ الإسراف .
ومن الفوائد :
أن ( ثمانية أرطال ) هي نصف الفَرَق ، ومر معنا أن الفرق” ثلاثة أصواع ” فيكون هذا المقدار صاع ونصف الصاع أو ما يقاربه .
حديث رقم – 227-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص سمعت أبا سلمة يقول : دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع فسترت سترا فاغتسلت فأفرغت على رأسها ثلاثا )
من الفوائد :
أن تحديد مقدار الماء ليس واجبا إنما حصل به اسم الاغتسال .
ومن الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على طمأنة السائل فالفعل ، فإن عائشة رضي الله عنها قامت واغتسلت بهذا المقدار ، ولا يلزم أن تكون عائشة – وحاشاها رضي الله عنها – لا يمكن أن تكون على مرأى منه ، وإنما كان بينها وبينه سترٌ من باب أن هذا القدر كافٍ في الغسل ، لأن بعضا من الناس قد يقول إن هذا الغسل لا يكفيني – كما سيأتي إن شاء الله في حديث جابر رضي الله عنه .
حديث رقم – 228-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بالفَرَق وهو أكثر من صاع ، حتى ولو قيل إن الفرق قد شاركته عائشة رضي الله عنها في ذلك فإنه يكون بذلك قد اغتسل بأكثر من الصاع .
ومن الفوائد :
جواز اغتسال المرأة مع زوجها كما كانت عائشة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن الفوائد :
الرد على ما اشتهر عند الحنابلة من أن الرجل إذا جامع زوجته يكره له أن يرى فرجها ، واستدلوا بحديث ضعيف وهو قول عائشة رضي الله عنها ( لم يرَ مني ولم أر منه ) يعني لم ير مني الفرج ولم أر منه فرجه ، ولكن هذا الحديث يرد على هذا الرأي ، ويضعف هذا الحديث .
فالصواب أن للرجل أن يرى فرج زوجته أثناء الجماع وهي كذلك لها أن ترى فرج زوجها أثناء الجماع .
حديث رقم – 229-
( صحيح ) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله قال حدثنا شعبة عن عبد الله بن جبر قال سمعت أنس بن مالك يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي )
من الفوائد :
أن اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم هنا بالأمداد ، فالمكوك هو المد ، وقد قيل إنه الصاع ، ولكن الصواب أنه هو المد لورود حديث آخر يدل على ذلك ( كان يتوضأ عليه الصلاة والسلام بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )
حديث رقم – 230-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله فقال جابر : يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء قلنا ما يكفي صاع ولا صاعان قال جابر قد كان يكفي من كان خيرا منكم وأكثر شعرا )
من الفوائد :
أن بعض الناس قد لا يرى أن الصاع كافٍ في حقه ، فبين جابر رضي الله عنه أن هذا الهدي هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان أتقى لله عز وجل من البشرية كلها وأكثر وأوفر شعرا ومع ذلك كان يكفيه الصاع .
ومن الفوائد :
أن الصاع يوضع فيه الماء ، ومن ثم فإن المائعات مكيلات يجري فيها الربا ، فلو أن إنسانا استبدل مع شخص لترا من العصير بلترين فقد وقع في الربا، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط في المكيل المطعوم أن يتساويا وأن يكون القبض قبل التفرق ، ولذلك عبارة الفقهاء [ المائعات مكيل ] ذكروا ذلك في باب الربا ، واستثنوا من ذلك الماء ، قالوا لأن الماء يتمول عادة ولا يحصل به الربا ، هذا فيما ذهبوا إليه في العصر القديم ، لكن في هذا العصر الماء الآن يباع ويتعب عليه وهي المياه الصحية ، ومن ثم فإن الماء المعهود عندنا ( الصحي ) يدخل فيه الربا .
ومن الفوائد :
الرد على من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولو لم يقصد المخالفة ، لأنه أراد أن يستبين من هذا الأمر من أنه لا يكفيه ، فرُد عليه بالجواب المناسب حتى ولو كان في باطن أمره غير معترض ، المهم من اعترض على سنة النبي صلى الله عليه وسلم يؤنب ويوجه إليه اللوم ولو لم يقصد المعارضة ، وهناك أحاديث أخرى تدل على هذا الأمر .
ومن الفوائد :
الرد على الموسوسين الذين يقولون إن هذا الماء قليل ولا يكفينا فلربما ما زال الحدث الأكبر عنا ، فنخشى أن نلقى الله عز وجل وقد أدينا عبادات يشترط لها الطهارة ، فنقول – سبحان الله – النبي صلى الله عليه وسلم أتقى لله عز وجل منكم ومع ذلك كان يكفيه هذا القدر من الماء .
باب ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك
حديث رقم – 231-
( صحيح ) أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن معمر عن الزهري ح وأنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر وبن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وهو قدر الفرق )
باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد
حديث رقم – 232-
( صحيح ) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن هشام بن عروة ح وأنبأنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعا )
ومن الفوائد :
حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته حتى فيما يتعلق بالاغتسال .
ومن الفوائد :
أن إدخال الجنب يده في الإناء لا يؤثر فيه ، فتخرج هذه الحالة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا يغتسل فيه من الجنابة ) يعني في الماء الدائم ، فذلك اغتسال وهذا غمس عضو من الأعضاء ، فلا يتأثر الماء بانغماس اليد ، إذا لو كان متأثرا لما اختلفت يد عائشة رضي الله عنها ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الإناء .
حديث رقم – 233-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت كنت أغتسل : انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة )
من الفوائد :
بيان فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن لهن من الفضل ما استفيد منهن في نقل ما يجري بينهن وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا أمر خفي ، فلو لم ينقلن لما علمنا بهذه الحال .
حديث رقم – 234-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء اغتسل أنا وهو منه )
من الفوائد :
بيان مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ كان كل منهما يسبق الآخر في أخذ الماء ، وهذا من باب التلطف والمداعبة ، ولا شك أن هذا موقف نبيل ضرب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة وأجملها وأحسنها وأشرفها في التعامل بين الزوجين ، فيا ليت المسلمين يطبقون ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام ، وهذا يدل على عظمته عليه الصلاة والسلام في كل موطن ، مع أن بعضا من الناس قد يقول عندي هموم أو عندي أشغال أو ما شابه ذلك ، فلا يكون عنده – في ظنه- مجال أن يمازح أهله أو أن يلاطفهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمة حملا لهمومها وللرسالة ولما يلتقي به مع الناس ولما يحصل له من الأذى ، ومع ذلك نجد أن له عليه الصلاة والسلام عظمة في كل شيء .
حديث رقم – 235-
( صحيح ) أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد )
حديث رقم – 236-
( صحيح ) أخبرنا يحيى بن موسى عن سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن بن عباس قال أخبرتني خالتي ميمونة أنها : كانت تغتسل ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد )
من الفوائد :
بيان أن هذه الحال ليست محصورة في عائشة رضي الله عنها ، بل كان يشاركها غيرها من زوجاته عليه الصلاة والسلام ، ومن ثم فإن على المتعدد أن يحرص على أن يساوي بين زوجاته حتى في أقل الأشياء ولو لم تكن واجبة عليه ، حتى ولو كان يحب الأخرى دون الأخرى في القدر فيعطي كل امرأة ما يعطيه للمحبوبة لدى نفسه ، فعائشة رضي الله عنها أحب النساء إليه ، ومع ذلك ما كان يخصها بهذا الشيء .
حديث رقم – 237-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن سعيد بن يزيد قال سمعت عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول حدثني ناعم مولى أم سلمة رضي الله عنها : أن أم سلمة سئلت أتغتسل المرأة مع الرجل ؟ قالت نعم إذا كانت كيسة رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركن واحد نفيض على أيدينا حتى ننقيهما ثم نفيض عليها الماء قال الأعرج لا تذكر فرجا ولا تباله )
من الفوائد :
أن جملة ( لا تذكر فرجا ولا تَبَالَه ) يعني لا تصبح بلهاء ، فهذه تفسرها الجملة الأولى ( إذا كانت كيِّسة ) يعني عاقلة تحسن التعامل مع زوجها أثناء الاغتسال بحيث تكون لطيفة في ذلك متوددة ، تعرف قدر زوجها .
ومن الفوائد :
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا لا يخص في هذا الشأن زوجة دون أخرى ، فقد شاركت عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن أم سلمة وميمونة .
ومن الفوائد :
أن ( المِركن ) هو الإناء .
باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب
حديث رقم – 238-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال : لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الامتشاط كل يوم ) وهذا يشمل الرأس واللحية ، فيمتشط غبا ، يعني يوما بعد يوم .
مع أن بعض العلماء يقول بجوازه كل يوم لورود ما يدل على ذلك ، ولا شك أن حديث الني صلى الله عليه وسلم ( نهى عن كثير الإرفاه ) يؤكد على أن الإنسان لا يعتني بمظهره اعتناءً مبالغا فيه ، لا شك أن إظهار الإنسان نفسه في صورة جميلة ونظيفة ، لا شك أنه أمر مطلوب ، لكن لا يكون جُلَّ همِّه ، فإن لديه من الواجبات ما هو أعظم من ذلك ، فيكون النَصَف هو الاعتدال ، اللهم إلا إذا كان الإنسان إذا ترك الامتشاط يكون شعثا وتتغير صفات وجهه ، وكذلك المرأة فهي بحاجة إلى أن تتزين بكثرة لزوجها ، فلا بأس بذلك .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن أن يبول الإنسان في مستحمه ثم يغتسل فيه )
وبعض العلماء : أخرج الأرض المبلطة ، لأن الماء يجري فيها ولا تشرب الأرض النجاسة .
وبعض العلماء : عمم ، وهو الصواب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال : إن النهي عن اغتسال الرجل بفضل المرأة إنما هو ما نزل من أعضائها ، كان ينزل الماء الذي تغتسل به في الإناء ، فإن هذا منهي في حقه ، وكذلك الشأن في حقها .
والصواب : أن هذا ليس هو المقصود ، وإنما المقصود أن تغتسل المرأة من إناء ويببقى في الإناء فضله ، لأنه عليه الصلاة والسلام قال ( وليغترفا جميعا ) فهذه الجملة ترد على من قال إنه هو الماء النازل من الأعضاء .
ومن الفوائد :
أن التراب غير داخل هنا ، فلو أن امرأة تيممت من إناء فيه تراب فضربت على جزء من هذا التراب وبقي تراب آخر لم تضرب عليه ، أيدخل في النهي ؟
الجواب : لا ، هذا ما ذكره فقهاء الحنابلة رحمهم الله من استثناء التراب .
باب الرخصة في ذلك
حديث رقم – 239-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال حدثنا شعبة عن عاصم ح وأخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يبادرني وأبادره حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي قال سويد يبادرني وأبادره فأقول دع لي دع لي )
من الفوائد :
أن المصنف رحمه الله حمل الجواز مما نهي عنه في الحديث السابق لهذا الحديث ، ولكن هذا الحديث لا يسعفه ، لأنهما كانا يغترفان جميعا ، بينما الحديث السابق أن تنفرد المرأة بالاغتسال ثم تبقى فضلة ثم يأتي الرجل فيغتسل به ، فهذا الاستدلال لا يسعفه فيما ذهب إليه رحمه الله .
ومن الفوائد :
أن الحديث أثناء الاغتسال جائز ولو كان حديثا مشتركا من الطرفين كما كان يقول عليه الصلاة والسلام لها ( دعي لي ) وتقول له ( دع لي ، دع لي ) .
باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها
حديث رقم -240-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا إبراهيم بن نافع عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين )
من الفوائد :
أن الإناء ذُكر ثم ثني بذكر القصعة ، فتكون القصعة بيانا لهذا الإناء ، ما هو هذا الإناء ؟ قصعة .
ومن الفوائد :
أن الشيء الطاهر إذا كان بالماء وكان قليلا فإنه لا يؤثر في الماء ولا يسلبه الطهورية ، وهذا ما يمكن أن يذهب إليه بعض الفقهاء ، فإذا كثر فإنه يؤثر فيه ، فيخرج من الطهور إلى الطاهر ، فيكون طاهرا في نفسه لكنه ليس بمطهر لغيره
والصواب : أن هذا الحديث دليل لشيخ الإسلام من أن الماء ينقسم إلى قسمين إما نجس وإما طهور ” لأنه ليس في الشرع قسم ثالث يسمى بالطاهر وليس عليه دليل ، فمتى ما وقع الطاهر في الماء وبقي اسم الماء فإنه يكون طهورا ، سواء كان هذا العجين قليلا أو كان كثيرا ، سواء كان هذا الطاهر قليلا أم كثيرا ، فمتى ما قلنا إن هذا ليس بماء كأن نقول هذه قهوة أو هذا مشروب لوجود هذه المادة التي نزلت في الماء فبها ، وإلا فالأصل أنه طهور
ومن الفوائد :
بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من شظف العيش ، فإن الإناء الذي يُعجن فيه أحيانا يغتسلون منه
ومن الفوائد :
أن بدن الجنب طاهر إذ لو كان نجسا لتنجس الماء من اغتراف اليد من الإناء ، والأدلة على ذلك كثيرة .
ومن الفوائد :
أن ذكر ( القصعة ) يدل على أن مقدار الماء في الغسل غير محدد .
باب ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة
حديث رقم – 241-
( صحيح ) أخبرنا سليمان بن منصور عن سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضها عند غسلها من الجنابة قال إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على جسدك )
من الفوائد :
أن في ظاهره أن فيه دليلا لمن قال إن حثي المرأة على رأسها ثلاث حثيات كافٍ ، سواء وصل الماء إلى أصول الشعر أو لم يصل .
والصواب : أن الماء لابد أن يصل إلى أصول الشعر ، فإذا وصل لا يحتاج إلى نقضه .
باب ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام
حديث رقم – 242-
( صحيح ) أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا أشهب عن مالك أن بن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بالعمرة فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك )
من الفوائد :
أن الحاج المتمتع إذا خشي أن يفوته الوقوف بعرفة ولم يؤدِ عمرته لعذر ، كأن تتعطل سيارته ولم يتمكن وخشي أن يفوته الحج والوقوف بعرفة أو أن يكون هناك عذر شرعي كأن تكون المرأة معذورة باستمرار دم الحيض، فإنه يجب على هذا المتمتع أن يدخل الحج على العمرة فيصبح قارنا ، لأن عائشة رضي الله عنها استمر معها الدم ، وكانت حاضت بسرف ، موضع قبل مكة ، فدخلت عليها ليلة عرفة وما زال الدم معها ، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الفعل .
ومن الفوائد :
الرد على من قال من العلماء : إن الامتشاط ينهى عنه المُحْرِم ، فإن في هذا دليلا على أن الامتشاط للمحرم جائز ، مع أن العلماء يتفقون على أنه متى ما أمن من عدم سقوط الشعر فله أن يمتشط ، لكن إذا لم يأمن فقولان ، والصواب أن هذا الحديث يدل على أن الامتشاط جائز ، سواء أمن من سقوط الشعر أو لم يأمن ، لكونها كانت مُحرمة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن الحاج يجوز له أن يغتسل ، لأن هذا الغسل ليس للطهر من الحيض ، لأنها ما زالت حائضا
ومن الفوائد :
أن المتمتع إذا فرغ من عمرته يستحب له عند الحج ما يستحب له عند الإحرام من الميقات ، من التنظف والاغتسال ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرها هنا بالاغتسال .
ومن الفوائد :
أن المرأة المحرمة لها أن تفعل ما يفعله الحاج ما عدا الطواف حتى تطهر .
ومن الفوائد :
أن الطهارة ليست بشرط في فعل النسك ، إلا ما جاء الدليل باشتراط الطهارة فيه ، وهو الطواف
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم طيَّب خاطرها وإلا فهو عليه الصلاة والسلام قد قال لها ( طوافك بالبيت وبين الصفا والمرأة يسعك لحجك وعمرتك ) فكانت حجتها قراناً كافية عن العمرة ، لكنها وجدت في نفسها أن يذهب غيرها بعمرة منفصلة وهي بعمرة متضمنة في حج ، فطيَّب خاطرها عليه الصلاة والسلام وأرسل معها أخاها عبد الرحمن إلى التنعيم .
ومن الفوائد :
أن أخاها لم يؤد العمرة ، مع أنه ذهب بها إلى التنعيم ، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولم يأمر عليه الصلاة والسلام الصحابة بأداة عمرة بعد النسك ، فدل على أن تعدد العمرة في السفرة الواحدة ليس بمشروع إلا في حالة واحدة وهي حالة ما إذا شابهت هذه الحالة حالة عائشة رضي الله عنها ، وهي ما إذا شابهت هذه الحال حالة عائشة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن المصنف رحمه الله ذهب إلى هذا الحديث يدل على أن المرأة الحائض مطلوب منها أن تنقض شعر رأسها عند الاغتسال وأن الحائض تختلف عن الجنب ، وهذا قد يكون دليلا من قال إن المرأة في غسل الجنابة لا يلزمها أن تنقض شعر رأسها بينما في الحيضة يلزمها .
والصواب : أن هذا الحديث لا يدل على ذلك ، لم ؟ لأن هذا الاغتسال ليس اغتسالا للطهر من الحيض ، فإنها لو اغتسل أيذهب عنها العذر ؟ لا يذهب عنها ، فدل على أن الاغتسال للإحرام
ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء
حديث رقم – 243-
( صحيح ) أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا حسين عن زائدة قال حدثنا عطاء بن السائب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال حدثتني عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة وضع له الإناء فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء حتى إذا غسل يديه أدخل يده اليمنى في الإناء ثم صب باليمنى وغسل فرجه باليسرى حتى إذا فرغ صب باليمنى على اليسرى فغسلهما ثم تمضمض واستنشق ثلاثا ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات ثم يفيض على جسده )
من الفوائد :
أن السنة في حق المغتسل ألا يدخل يديه في الإناء مباشرة وإنما ينظفهما ، فلعل أن يكون بهما وسخ أو قذر ، فينظفهما قبل أن يدخلهما الإناء .
ومن الفوائد :
أن السنة أن يأخذ حفنة من ماء بيده اليمنى ويصب بها على يده اليسرى فيغسل فرجه باليسرى ، وإذا فرغ فإنه يغسل يديه مرة أخرى مبالغة في التنظف إزالة للقذر والأذى .
ومن الفوائد :
أن اليسرى تكون لما يستقذر واليمنى تكون للتكريم
ومن الفوائد :
رجحان قول من يقول بأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وفي الغسل .
باب ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء
حديث رقم – 244-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يزيد قال حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ على يديه ثلاثا ثم يغسل فرجه ثم يغسل يديه ثم يمضمض ويستنشق ثم يفرغ على رأسه ثلاثا ثم يفيض على سائر جسده )
من الفوائد :
بيان عدد غسل الكفين قبل أن تدخل في الإناء ، فتغسل ثلاث مرات ، ثم إذا غسل الفرج فإنه مبالغة في التنظيف يعود فيغسل يديه .
إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه
حديث رقم – 245-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا محمود بن غيلان أنبأنا النضر قال أنبأنا شعبة قال أنبانا عطاء بن السائب قال سمعت أبا سلمة أنه : دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء فيصب على يديه ثلاثا فيغسلهما ثم يصب بيمينه على شماله فيغسل ما على فخذيه ثم يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق ويصب على رأسه ثلاثا ثم يفيض على سائر جسده )
من الفوائد :
أن المني قد يتعدى المحل فيكون على بعض أعضاء الإنسان ، فالسنة في حقه أن يغسل هذا المني من أجل ألا يتعدد محله فيما لو صب الماء على جميع بدنه ، فالسنة أن يبدأ بغسله أولا قبل أن يشرع في الاغتسال حتى لا ينتشر في أكثر من موضع .
باب إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده
حديث رقم -246-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : وصفت عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة قالت كان يغسل يديه ثلاثا ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى فيغسل فرجه وما أصابه قال عمر ولا أعلمه إلا قال يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاثا ثم يصب عليه الماء )
من الفوائد :
أن الأحاديث السابقة مختصرة ، فقد وضحت هنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل بعض أعضاء الوضوء .
ومن الفوائد :
أن المضمضة والاستنشاق في الغسل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثلاث مرات .
ذكر وضوء الجنب قبل الغسل
حديث رقم 247-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرف ثم يفيض الماء على جسده كله )
من الفوائد :
أن غسل القدمين كان قبل إكمال الغسل وليس مؤخرا عن الغسل لقولها ( ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ) وقد جاءت أحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر غسل قدميه إلى ما بعد الغسل ؟
فقال بعض العلماء : لعله كان بالمكان أذى فأخر غسل قدميه حتى لا يكرر غسلهما مرة أخرى .
والصواب : أن السنة جاءت بغسل القدمين قبل إكمال الغسل ، بمعنى أن الوضوء مكتمل ، وجاءت السنة بأن الوضوء لم يكتمل فلما بقي غسل القدمين أفاض النبي صلى الله عليه وسلم على بدنه ثم أخر غسل القدمين، فهذه سنة وهذه سنة ، وورد أنه توضأ وضوءا كاملا بغسل القدمين ثم بعد الغسل أعاد غسل القدمين مرة أخرى ، فالأمر في ذلك واسع .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا في تخليل النبي صلى الله عليه وسلم شعر رأسه بالماء ، وأن فيه دليلا لمن قال إنه يجب أن يصل الماء إلى أصول الشعر ، سواء كان الجنب رجلا أم امرأة .
وفيه أيضا دليل لمن قال بأن إيصال الماء إلى أصول البشرة إنما هو خاص بالرجال وليس بالنساء ، لأن هذا فعل منه عليه الصلاة والسلام ، وحينما أمر المرأة الجنب لم يأمرها بالنقض .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( سائر ) تدل على البقية ، أي ما بقي من سائر بدنه مما لم يصبه الماء ، فكأن الروايات التي جاءت بكلمة ( سائر ) لا يلزم فيها أثناء الغسل أن يغسل أعضاء الوضوء التي غسلها للوضوء ، فهو في أول الوضوء غسل وجهه ويديه ، فهل إذا اغتسل وعمم بدنه بالماء هل يلزمه أن يعود مرة أخرى ويغسل وجهه ويديه مرة ثانية إذ غسلها أول الأمر للوضوء وغسلها في المرة الثانية للغسل ، أيلزمه ذلك ؟
على رواية ( سائر جسده ) لا يلزمه ، ولكن الرواية هنا تدل على أنه يلزمه ( ثم يفيض الماء على جسده كله ) فدل على أن الكل قد أصابه .
قد يقول قائل : إن الرواية هنا من باب الأغلبية ، ولكن يحرص الإنسان على أنه يتعاهد أعضاء الوضوء التي غسلها للوضوء مرة أخرى أثناء الغسل .
باب تخليل الجنب رأسه
حديث رقم – 248-
( صحيح ) أخبرنا عمرو بن علي قال أنبأنا يحيى قال أنبأنا هشام بن عروة قال حدثني أبي قال حدثتني عائشة رضي الله عنها عن : غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة أنه كان يغسل يديه ويتوضأ ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره ثم يفرغ على سائر جسده )
من الفوائد :
أن ( السائر ) كما قال بعض العلماء لم ترد في اللغة إلا على البقية ، كما ذكر ذلك الصنعاني رحمه الله في السبل ، ولكن هذا محتمل وهذا محتمل .
حديث رقم – 249-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثا )
من الفوائد :
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الماء إلى البشرة ، ولذلك أتت بلفظة ( يشرِّب رأسه ) مما يدل على الاستغراق والحرص .
ومن الفوائد :
أن الفقهاء قالوا ما وجب في شعر الرأس يجب في سائر الشعور ، ولذلك يتعاهد – كما قالوا – شعر اللحية وشعر الحاجبين في التخليل إسناداً لحديث ( إن تحت كل شعرة جنابة ) وقياسا على شعر الرأس .