تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن والعشرون من حديث ( 406 ) حتى ( 409 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن والعشرون من حديث ( 406 ) حتى ( 409 )

مشاهدات: 460

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الثامن والعشرون

من حديث ( 406 ) حتى ( 409 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ باب الاستتار عند الاغتسال ]

حديث رقم – 406-

( صحيح )  أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا النفيلي قال حدثنا زهير قال حدثنا عبد الملك عن عطاء عن يعلى :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر  )

( من الفوائد )

أن على المسلم أن يحفظ عورته أثناء الاغتسال وألا يغتسل في المكان البارز الذي هو الفضاء إذا كان لا يأمن أن ترى عورته ، أما إذا أمن من ألا ترى عورته إذا كان في الفضاء فإن الأحاديث الآتية تدل على الجواز

( ومن الفوائد )

أن الإطلاع على عورة الإنسان من غير قصد لا يلام عليه الإنسان ، لأن ذلك يقع اتفاقا لا قصدا ، لكن لا يجوز له أن يتبع النظر مرة أخرى .

( ومن الفوائد )

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعلم أمته ما يحتاجون إليه ، فكلما حصل موقف يحتاجون فيه إلى التعليم علمهم ، بل كان ” يصعد المنبر في غير الجمعة فينبه أصحابه رضي الله عنهم على ما يريد التنبيه عليه ” ومن ذلك هذه القضية .

( ومن الفوائد )

أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر اسم الرجل لأن ذكر الأسماء لا فائدة منها ، وإنما المقصود أن يُحذر الناس من هذا الفعل الذي لا يليق ، فإذا دعت حاجة ما إلى أن يذكر الاسم فلا بأس بذلك ، كما ذكر جل وعلا بعض الأسماء في القرآن ، لأن هناك مقاصد عظمى في ذكر أسمائهم ، مثل أبي لهب ، ومثل زيد بن حارثة رضي الله عنه ، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى على شخص ما لا ينبغي قال ( ما بال أقوام يفعلون كذا ) لأن المقصود هو الإصلاح لا التشهير بالخلق .

( ومن الفوائد )

أنه مما ينبغي على المتحدث قبل أن يبدأ حديثه أن يصدره بالحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى .

 

 

( ومن الفوائد )

أن فيه إثباتا لأسماء لله سبحانه وتعالى ، ذكر منها ( الحليم والحيي ) أي من الحياء ، وذكر منها ( الستِّير ) فهذه أسماء أثبتها الشرع من طريق السنة

( ومن الفوائد )

أن العمل إذا أحبه الله عز وجل دل على أنه طاعة ، فهنا جل وعلا يحب الحياء والسِتر ، وهذا شامل لكل شيء ، فستر عورات المسلمين أمر مطلوب ، إلا إذا ترتب على هذا الستر مفسدة كبرى ، كأن يكون الشخص معروفا بهذا الفعل الشنيع الذي يتكرر منه ، فلا يستر عليه ، لأن المصلحة في إظهار أمره ، لا في التستر عليه .

( ومن الفوائد )

أن على الخلق أن يفعلوا ويطبقوا ما يحبه الله عز وجل ، فإن في ذلك خيرا لهم .

حديث رقم – 407-

( حسن صحيح ) أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال حدثنا الأسود بن عامر قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   إن الله عز وجل ستير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء )

( ومن الفوائد )

أن من أراد أن يغتسل في الفضاء عليه أن يستتر بشيء ، سواء استتر بإنسان أو بدابة أو بشجرة ، المهم ألا تظهر عورته ، وهذا على سبيل الوجوب ، ولذلك قال ( فليتوار بشيء )

( ومن الفوائد )

أنه قال ( فليتوار ) حذفت ( الألف ) لأنه مجزوم ( بلام الأمر ) وعلامة جزمه حذف حرف العلة .

وقد جاء في بعض النسخ الإتيان بالألف ، وهذا مخالف في الظاهر للقواعد العربية ، لأن

[ الفعل المعتل يجزم بحذف حرف العلة ]

وهذا يكثر في بعض النصوص الشرعية ، وأحيانا في الأبيات الشعرية ، فما الجواب عن ذلك ؟

الجواب /

أن المتحدث إذا تحدث فعليه أن يتحدث بما اشتهر ، فلو نطق إنسان بهذه اللفظة من باب أن يخبر شخصا فقال ( فليتوارى بشيء ) فنقول لحنت في اللغة ، لكن ما أتى مما هو مشابه بهذا مما يرد في الشرع أو يرد على ألسنة أهل اللغة والعرب فيحمل على محملين

المحمل الأول : أن بعض أهل اللغة عامل الفعل المعتل معاملة الفعل الصحيح ، فأثبت حرف العلة.

المحمل الثاني : أن بعض أهل اللغة يشبع الحركة حتى يتولد منها الحرف المناسب لها ، فالمناسب للفتحة هو الألف ، فهذا إشباع للحركة.

حديث رقم – 408-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا عبيدة عن الأعمش عن سالم عن كريب عن بن عباس عن ميمونة قالت :   وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء قالت فسترته فذكرت الغسل قالت ثم أتيته بخرقة فلم يردها )

( من الفوائد )

أن الاستتار يكون بإنسان ، فالعموم الوارد في الحديث السابق في الحديث السابق ( فليتوار بشيء ) من بين هذه الأشياء التي يستتر بها

( الإنسان ) كما فعلت ميمونة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( ومن الفوائد )

أن المرأة عليها أن تخدم زوجها بالمعروف

( كل على حسب عرفه ) فالقروية – كما قال شيخ الإسلام رحمه الله – القروية تخدم القروي على حسب عرفهم  ، والبدوية تخدم زوجها البدوي على حسب عرفهم ، وهذا واضح من فعل ميمونة رضي الله عنها – إذ هيئت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء الغسل ، وهذا يضعف قول بعض الحنابلة من أن المرأة ليست ملزمة بخدمة زوجها ، فإذا أراد منها غداء أو عشاء أو تنظيف البيت فلا تلزم بهذا ، وهذا قول ضعيف ، لأن من المعاشرة بالمعروف أن تخدم الزوجة زوجها بالمعروف .

( ومن الفوائد )

أن الرعيل الأول في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تربوا على الخير الصغير منهم والكبير ، الذكر والأنثى ، فابن عباس رضي الله عنهما خالته ميمونة رضي الله عنها ، ونقل منها ما نقلته وما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن البيئة لها أثر على الأطفال إما سلبا وإما إيجابا ، ولذلك أخرجت تلك البيئة الصالحة أمثال ابن عباس رضي الله عنهما الذي نقل لنا هذا العلم ، وأمثاله رضي الله عنه كثير .

( ومن الفوائد )

أن بعض العلماء : كره أن يتنشف المتوضأ أو المغتسل بعد وضوئه أو بعد غسله ، لصنيع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته ميمونة رضي الله عنها بخرقة لكي ينشف أعضاءه فلم يُردها .

وقد أخطأ بعضهم : فضبط قولها

( فلم يُردْها ) قال ( فلم يَرُدَّها ) فاختلف المعنيان ( فلم يُرِدها ) يعني لم يستعملها ، وأما الضبط الآخر المغلوط فيه ( فلم يَرُدَّها ) يعني أنه استعملها .

والصواب / فلم ( يُرِدها ) لأنه جاء في رواية أخرى ( أتته بمنديه فرَدَّه وجعل ينفض الماء بيده ) فهذه الرواية صريحة في أن الضبط الصحيح ( فلم يُردها )

ويرى بعض العلماء : أن التنشيف بعد الطهارة ( مباح ) لم ؟ قالوا لأمور :

أولا : لأن هناك حديثا عند الترمذي ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء ) ولكن هذا الحديث مُضعَّف عند كثير من العلماء .

ثانيا : هذا الحديث ، قالوا إن إتيان ميمونة رضي الله عنها بهذه الخرقة يدل على أن هذا الفعل كان مستساغا ومفعولا منه صلوات ربي وسلامه عليه في أيام سابقة ، وإنما رَدَّ الخرقة :

إما لعدم حاجته إليها ، وإما لأن بها قذرا ، أو لعذر آخر من الأعذار .

والصواب /  أن التنشيف مباح ، من فعله فلا حرج ومن تركه فلا حرج .

[ باب االاستتار عند الاغتسال ]

حديث رقم – 409–

 (صحيح )  أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه قال فناداه ربه عز وجل يا أيوب ألم أكن أغنيتك قال بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركاتك )

( ومن الفوائد )

أن الاغتسال في الخلاء الذي هو الفضاء عرياناً من غير ستر إذا أمن من ألا ترى عورته لا بأس به ، لفعل أيوب عليه السلام ، وهذا بناء على [ أن شرع من قبلنا شرع لنا ] والمسألة خلافية بين علماء الأصول : هل شرع ما قبلنا شرع لنا  ؟ بمعنى ما أتى به النص الصحيح مما فعلته الأمم السالفة أهو شرع لنا أم ليس بشرع لنا ؟

الجواب /

المسألة تحتاج إلى تحرير لمحل النزاع ، ويكون ذلك على ثلاثة أنواع:

النوع الأول : أن يتأتي شرع ما قبلنا مخالفاً لما في شرعنا ، فيرفض ، ومن ذلك  ” أن المذنب إذا أذنب توبته أن يُقتل ، كما في قصة من عبد العجل” فهذا مخالف لشرعنا فلا يقبل .

النوع الثاني : أن يأتي شرع من قبلنا موافق لشرعنا فيقبل ، لا لأنه شرع لمن قبلنا وإنما لأن شرعنا أجازه ، مثل ” حدٍّ الزنا للمحصن ” فحده أن يرجم وهذا موجود عند اليهود ، وشرعنا أتى به ، فنأخذ به لأن شرعنا أتى به .

النوع الثالث – وهو محل النزاع : إذا أتى شرع من قبلنا وشرعنا لم يأت بخلافه ولم يأت بقبوله ، فهل يقبل أو لا ؟

الجواب / خلاف بين العلماء :

والصواب /

أنه يقبل ، لأنه ما أتى في شرعنا عبثا ، وإنما أتى لحكمة ، ولذلك جل وعلا لما ذكر قصة يوسف عليه السلام ، قال جل وعلا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }يوسف111، ولما ذكر جل وعلا الأنبياء في سورة الأنعام قال جل ووعلا {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }الأنعام90 .

فيكون هذا الحديث حجة لمن اغتسل عريانا في الصحراء دون أن يستتر بشيء إذا أمن من أن لا تظهر عورته .

لو قال قائل : لو نام الزوجان عريانين ليس عليهما شيء أيجوز هذا أم لا ؟

الجواب / كره بعض الفقهاء هذا الأمر ، بل كره بعضهم أن يجامع الرجل زوجته وقد خلع كل ما عليها وخلع كل ما عليه لحديث

( ولا يتجردان تجرد العيرين )

ولكن هذا الحديث ضعيف   .

^واستدلوا بقول عائشة رضي الله عنها

( ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا رأيت منه )

يعني ما رأيت قبله ولا رأى قُبلي ، ولكن هذا الحديث ضعيف ، فدل على الجواز .

 ( ومن الفوائد )

أن فيه دليلا على أن الله سبحانه وتعالى قد منح أيوب مالاً بعد أن أخذ منه ماله القديم ، وقلت هذا لأن المفسرين قالوا ” إن الله سبحانه وتعالى ابتلى أيوب بالمرض وبفقدان ماله وأهله ” والآيات الآتية في ذلك {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ }الأنبياء84.

ولم يُذكر المال  ، فلماذا ذكروا المال ؟

لعل ما استندوا إليه هو هذا الحديث .

فلو قال قائل :

أين دليل المفسرين الذين قالوا ” إن أيوب فقد ماله ؟

نقول هذا الحديث .

 

 

( ومن الفوائد )

أن ابن آدم ولو علت منزلته وقدره قد حُبب إليه المال ، فإن أيوب عليه السلام جعل يحثوا هذا الذهب في ثيابه ، فلما عاتبه الله عز وجل بقوله ( يا أيوب ! ألم أكن أغنيتك ؟ ) لأن أعظم الغنى أن يغتني القلب بطاعة الله وبالقناعة ، فإذا أغنى الله عز وجل نفسك كانت يداك ملأى وإن كانت خالية حسا ، وأما إذا لم يغن الله عز وجل قلبك أصبحت يداك خاوية خالية ولو كانت مليئة بالمال حسا ، وهذا أمر مشاهد ، فرد عليه أيوب عليه السلام ( بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركاتك )

فسمى أيوب عليه السلام المال بركة باعتبار ما يؤول إليه ، ولا شك أن المال بركة إذا وفِّق الإنسان لكسبه من طريق الحلال وأنفقه فيما يجب ويستحب ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :

( نِعم المال الصالح للرجل الصالح )

وسمى الله عز وجل المال خيرا  { إِن تَرَكَ خَيْراً }البقرة180، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }العاديات8 ، باعتبار أن المال يوصل صاحبه إذا وفق إلى فعل الخير .

( ومن الفوائد )

أن في ظاهره أن أيوب عليه السلام كلمه الله عز وجل بلا واسطة ، والذي يظهر أن هناك واسطة ، لأن السلف ذكروا ” أن الله سبحانه وتعالى ما كلم أحدا من البشر من غير واسطة إلا ثلاثة آدم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام “.