تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثاني والأربعون حديث ( 448 ) جزء ( 1 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثاني والأربعون حديث ( 448 ) جزء ( 1 )

مشاهدات: 415

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الثاني والأربعون

حديث ( 448 )  جزء ( 1 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ كتاب الصلاة ]

( فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين في إسناد حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – واختلاف ألفاظهم فيه )

حديث رقم – 448-

( صحيح )  أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام الدستوائي قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ أقبل أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن فغسل القلب بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ثم انطلقت مع جبريل عليه السلام فأتينا السماء الدنيا فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجيء جاء فأتيت على آدم عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من ابن ونبي ثم أتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فمثل ذلك فأتيت على يحيى وعيسى فسلمت عليهما فقالا مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الثالثة قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فمثل ذلك فأتيت على يوسف عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الرابعة فمثل ذلك فأتيت على إدريس عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الخامسة فمثل ذلك فأتيت على هارون عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء السادسة فمثل ذلك ثم أتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزته بكى قيل ما يبكيك قال يا رب هذا الغلام الذي بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر وأفضل مما يدخل من أمتي ثم أتينا السماء السابعة فمثل ذلك فأتيت على إبراهيم عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي ثم رفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالفرات والنيل ثم فرضت علي خمسون صلاة فأتيت على موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال إني أعلم بالناس منك إني عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لن يطيقوا ذلك فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك فرجعت إلى ربي فسألته أن يخفف عني فجعلها أربعين ثم رجعت إلى موسى عليه السلام فقال ما صنعت قلت جعلها أربعين فقال لي مثل مقالته الأولى فرجعت إلى ربي عز وجل فجعلها ثلاثين فأتيت على موسى عليه السلام فأخبرته فقال لي مثل مقالته الأولى فرجعت إلى ربي فجعلها عشرين ثم عشرة ثم خمسة فأتيت على موسى عليه السلام فقال لي مثل مقالته الأولى فقلت إني أستحي من ربي عز وجل أن أرجع إليه فنودي أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي بالحسنة عشر أمثالها  )

من الفوائد :

هذا الحديث ذكره النسائي رحمه الله ليبن فرضية الصلاة وأين ومتى فرضت .

ومن الفوائد :

أن ( بينا ) ظرف مكان ، قد تشبع حركة ” النون ” فيتولد منها ألف ، فيقال ( بينا ) كما هنا ، وربما تضاف ” الميم ”  فيصح أن تقول ( بينما ) .

ومن الفوائد :

أن الإنسان قد يكون في حالة ثالثة غير حالة النوم واليقظة ، فيكون بين حالة النائم وحالة اليقظان ، وهذا كما وقع لرسولنا عليه الصلاة والسلام يقع لبعض من الناس ، فقد يرى شيئا فيقول رأيت كأنني لست بنائم ولا بيقظان .

ومن الفوائد :

أن قوله ( إذ أقبل أحد الثلاثة ) هؤلاء ملائكة ، والذي أقبل هو ” جبريل عليه الصلاة والسلام ” أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه الصلاة والسلام نائما بين رجلين ، وهما ( حمزة وجعفر ) رضي الله عنهما .

ومن الفوائد :

أن ( إذ ) ظرف لما مضى ، فتختلف عن ( إذا ) وإن كانت إحداهما قد تأتي في مكان الأخرى ، لكن الأصل أن ( إذ ) ظرف لما مضى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن واقعة ماضية ، ولذا إذا أردت التفريق بين ( إذا وإذا ) فـ ( إذ ) لما مضى ، و ( إذا ) لما يستقبل ، فاقرأ ما في سورة المدثر ، قال تعالى { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ{33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ{34}

ففرَّق هنا فجعل في الليل ( إذ ) لأنه مضى ، وجعل ( إذا ) للمستقبل لأن الصبح أتى .

ومن هنا فإن بعض من تولع بعبادة القبول والشفاعة عند أصحابها ، يستدلون بقوله تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64 ، فيقولون أمرنا بأن نأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لنا ، والآية مطلقة ، في حياته وبعد وفاته .

فيرد عليهم بأنه أتى بـ { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ } يعني فيما مضى .

ومن الفوائد :

أن النوم بين شخصين لابأس به إن لم يخش فتنة ، لكن من حيث الأصل لو نام الإنسان وهو بين صاحبين له فلا بأس .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه الصلاة والسلام من الشمائل الطيبة ، فإنه ما ترفع عن النوم بين أصحابه، ولاسيما إذا كانوا أقرباء كحمزة وجعفر رضي الله عنهما .

ومن الفوائد :

أن ( الطَسْت ) ينطق بفتح الطاء، وينطق بكسرها ( الطِست )

و ( الطست ) مؤنث ليس بمذكر ، وهذه الطست من ذهب ، وقد مر معنا أن ( من ) تأتي لمعاني وهنا نوعها ( بيانية ) تبين نوع هذا الطست وأنه من ذهب .

لو قال قائل : إن فيه دليلا على جواز استعمل الذهب ؟

فيجاب / بأن هذا ليس في حال الدنيا ، وإنما هو فيما يتعلق بالملكوت الأعلى لأن هذا الفعل وهو وضع الحكمة والعلم في هذا الذهب إنما هو فيما يتعلق بما سيكون للنبي صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى .

أو يقال : إن هذا السؤال ينبغي ألا يطرح ، لم ؟ لأن الآمر هو الله عز وجل، والفاعل لهذا الأمر الملائكة ، ولا علاقة للآدميين بهذا الأمر .

لو قال قائل : لماذا الذهب ؟

قال بعض العلماء : لبريقه ولمعانه ، فإن الذهب علامة على ما سيكون لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من اللمعان والنضارة .

ويمكن أن يقال : إن استعمال الذهب لبيان أن ما في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بحظ الشيطان سيذهب .

ويمكن أن يقال : إن استعمال الذهب دليل على الذهاب وأنه سيذهب إلى رحلة أخرى.

وهذه المعاني ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح .

ومن الفوائد :

أن قوله ( ملآن حكمة وإيمانا )

( ملآن ) مذكر  ، وقلنا إن ( الطست ) مؤنث ، فكيف يتوافق هذا الوصف ؟

الجواب / أنه أتى بكلمة ( ملآن ) بصيغة المذكر باعتبار الإناء ، يعني إناء من ذهب ملآن .

مع أنه وردت رواية ( ملآ ) بصيغة المؤنث فلا إشكال في ذلك .

ومن الفوائد :

أن العلم لا يفيد وحده ، فقد يكون الإنسان لديه لكنه ليس بحكيم ، بمعنى أنه لا يضع هذا العلم في موضعه المناسب ، وهذا مشاهد في زمن هذه الفتن المعاصرة ، نجد أن بعضا من طلاب العلم ولج في هذه الفتن ولم يستحضر الحكمة أو لم يستحضر ماذا يقول فيما تؤول إليه الأمور ، فوقع في زلل ، ولذا لو كان الإنسان لديه علم وحصلت مثل هذه الفتن عليه أن يتحدث إذا تحدث بحكمة ، إذا لم تتضح له الأمور ليس بلازم في شرع وليس بمكلف من الشرع أن يتحدث وأن يصدر أي خطاب في كل فتنة ، لست بمكلف ، هذا لم يأمرنا الله عز وجل به ، فالشاهد من هذا أنه جمع بين الحكمة والإيمان ، لأن الإيمان يتعلم ، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ }الشورى52 ، وكما قال بعض الصحابة ( تعلمنا العلم والإيمان ) فالإيمان يتعلم ، لكن هذا العلم لابد أن يكون معه حكمة ، ولذا لما أثنى الله عز وجل على بعض الأنبياء قال {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً }يوسف22 .

لو قال قائل : الحكمة والإيمان هل هي محسوسة أم هي معنوية ؟

معنوية ، فكيف وضعت وقد ملئ الإناء بهما ؟

نقول كما قلنا سابقا من أن هذا أمر يتعلق بالأمور الغيبية ، ويمكن أن يقال – كما قال بعض العلماء – إن في هذا الإناء شيئا محسوساً له أثر وقد ملأ الإناء إذا وضعت فيه الحكمة والإيمان .

وأقرب من هذا كله : أن الله عز وجل قادر على أن يجعل المعاني محسوسات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به كما سيأتي هنا قابل من ؟ الأنبياء ، وأين أجسادهم ؟ في الأرض ، فتكون أرواحهم تكيفت على أنها أجسام ، وكذلك الموت أليس معنويا ؟ بلى، ولكنه يؤتى به على صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار .

فإذاً الأقرب أن الحكمة والإيمان وهما معنيان الله عز وجل قادر على أن يجعلهما محسوسات ، ولذلك عبر عنها بأن ( الطست ملآن ) وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي خيرا عظيما من الإيمان والحكمة .

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .