تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثلاثون
من حديث ( 415 ) حتى ( 416 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
[ باب الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين ]
حديث رقم – 415-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد قال حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال حدثنا أبي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال حدثتني أم هانئ أنها : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يغتسل قد سترته بثوب دونه في قصعة فيها أثر العجين قالت فصلى الضحى فما أدري كم صلى حين قضى غسله )
( من الفوائد )
أن الشيء الطاهر إذا اختلط بالماء فلم يغير اسمه لم يزل طهورا .
وفي هذا دليل لمن قال من العلماء ويختاره شيخ الإسلام رحمه الله :
من أن الماء يقسم إلى قسمين
[ طهور ونجس ]
وليس هناك ما يسمى
[ بالماء الطاهر ] كما قسمه فقهاء الحنابلة ، فإن في هذا الحديث دليلا على ما ذهب إليه رحمه الله .
بينما قد يجيب فقهاء الحنابلة على هذا الحديث من أن هذا الطاهر شيء يسير لم يؤثر في الماء .
والصواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله : لأن الله سبحانه تعالى قال { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ }المائدة6 ، فأمر بالتطهر بالماء ولم يقل ماء صافيا ، فدل على أن الماء إذا بقي على مسماه صح التطهر به .
( ومن الفوائد )
أن أم هانئ رضي الله عنها – أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وكانت فاطمة رضي الله عنها تستره أثناء هذا الغسل .
( ومن الفوائد )
أن خبر المرأة العدل هو كخبر الرجل العدل ، فنقلت أم هانئ رضي الله عنها هذا الخبر فقبلته الأمة .
( ومن الفوائد )
أن فيه دليلا لمن قال ” بسنية صلاة الضحى ” فعلا منه صلى الله عليه وسلم ، أما سنته القولية في الضحى فقد دلت عليها أحاديث كثيرة ، أما بالنسبة إلى فعله فهذا الحديث دليل لما قال من العلماء إن الرسول صلى الله عليه وسلم ” صلى صلاة الضحى “
والمسألة في صلاة الضحى من حيث عدم سنتيها أو سنتيها مطلقا أو سنتيها لسبب ، مسألة متنازع فيها ، وليس هذا المقام مقام ذكرها إذ سيرد علينا بإذن الله تعالى أدلة يتحدث فيها عن صلاة الضحى .
مع أن الأقرب / أن صلاة الضحى مسنونة مطلقا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ) إلى أن قال ( ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) فإذا كان العبد له ثلاثمائة وستون مفصلا عليه أن يتصدق على كل مفصل ، دل هذا على عظم صلاة الضحى ، وأن الركعتين في ذلك الوقت يظفر العبد بها على ثلاثمائة وستين صدقة .
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء : لا يرى أن هذه الصلاة صلاة ضحى ، وإنما هي ( صلاة الفتح ) فذكرت أم هانئ رضي الله عنها ( انه صلى صلاة الضحى ) بمعنى أنه أوقع هذه الركعات في هذا الوقت ، وإلا فليست سنة ضحى .
وجاءت الرواية الأخرى أنه ( صلى ثمان ركعات ) .
وعلى ما رجحنا من سنية صلاة الضحى ، ليس هذا الحديث دليلا لنا نقتصر عليه بل هناك أدلة أخرى منها ما ذكرناه آنفا .
( ومن الفوائد )
أن هذه الصلاة التي صلاها صلوات ربي وسلامه عليه سواء قلنا إنها صلاة ضحى أو صلاة الفتح ، تدل هذه الصلاة على أن المسافر له أن يتطوع بما شاء مما زاد على الفرائض ما عدا الرواتب ويستثنى من الرواتب ” ركعتا الفجر “
فإذاً من سافر مثلا إلى مكة فإنه لا يصلي السنن الرواتب ، ولكن لا يحرم من الصلاة فيصلي صلاة الضحى ويصلي ما شاء من التطوع ركعتين فأكثر ، إنما الذي يسقط في حقه السنن الرواتب ما عدا سنة الفجر .
( ومن الفوائد )
أن الاغتسال في مكان يمكن أن يمر به أحد لا بأس به إذا لم يُر من عورته شيء .
( ومن الفوائد )
أن أم هانئ رضي الله عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي تُؤمِّن قريبا لها ، فقال صلى الله عليه وسلم ( قد أمَّنَّا من أمَّنت يا أم هانئ وأجرنا من أجرت ) فأرادت أن تؤمِّن قريبا لها كان كافرا حتى لا يؤذى بقتل أو أسر ونحوه ، وهذا يدل على أن الأمان يصح عقده من كل مسلم ولو كان أنثى .
[ باب ترك المرأة نقض رأسها عند الاغتسال ]
حديث رقم – 416–
(صحيح ) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير أن عائشة قالت : لقد رأيتني اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه فنشرع فيه جميعا فأفيض على رأسي بيدي ثلاث مرات وما أنقض لي شعرا )
( من الفوائد )
بيان حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته ، فقد كان يغتسل معهن كما ذكرت عائشة رضي الله عنها هنا .
( ومن الفوائد )
أن [ اسم الإشارة يتضمن إشارة إلى مبهم ] لكن هذا المبهم بُين هنا ، قالت ( فإذا تور ) يعني إناء ، فالمشار إليه منها رضي الله عنها هو ( التور ) الذي مثل الصاع أو دونه .
( ومن الفوائد )
بيان سنية تقليل الماء في الغسل فإنها رضي الله عنها اغتسلت معه صلى الله عليه وسلم من هذا المقدار وهو صاع أو دونه ، فيكون هذا الحديث إما واقعة أخرى غير ما ذكرت رضي الله عنها من أنها ( تغتسل معه من إناء يقال له الفرق ) و( الفرق ) ثلاثة أصواع .
وإما أن يكون ( الفرق ) ليس فيه من الماء إلا بمقدار الصاع .
ولعل الأوجه أن يقال : ” إنهما حادثتان ” لأنها عبرت هنا ( بالتور ) وعبرت هناك ( بالفرق ) .
( ومن الفوائد )
أن عائشة رضي الله عنها لم تنقض شعرها في هذا الغسل ، وإنما كانت تفيض عليه ثلاثاً ، فيكون دليلا لمن قال إن المرأة لا تلزم بنقض شعرها إذا اغتسلت للجنابة ، سواء وصل الماء إلى أصول الشعر أو لم يصل .
وهذه المسألة سبق وأن كررناها أكثر من مرة ، من أن النقض ليس بلازم إذا وصل الماء إلى أصول شعرها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يروي بشرته )
مع أن من قال بالقول الآخر قالوا : يفرق فيه بين الرجال والنساء ، ولكن مما يدل على ضرورة إيصال الماء إلى أصول الشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم سلمة ( أمر أن تغمز قرونها بالماء )
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء أخذ منه : أن الاغتسال يسن فيه التثليث ، فيعمم البدن ثلاث مرات .
والصواب / أنه مرة واحدة ، وإنما هذا التثليث للرأس لاستيعابه ، لا لتكراره ، كما صنع صلوات ربي وسلامه عليه ( عمم بدنه بالماء مرة وصب الماء على شق رأسه الأيمن ثم الأيسر ، ثم أخذ حفنة فقال بها على وسط رأسه ) فلا يستحب إذاً التثليث .
ومن قال بالتثليث أتى بدليل آخر : قال إن الوضوء يثلث فمن باب أولى الغسل ، لأنه أعظم منه .
نقول : هذا الدليل لا يعول عليه ، لأن الشرع فرق بينهما .
( ومن الفوائد )
أن المشترط في الغسل ( الإفاضة ) وهي إسالة الماء ، أما ( الدلك ) فلا يشترط ، خلافا لمن اشترط لصحة الدلك لصحة الاغتسال – كبعض المالكية – فهذا الحديث وغيره يُرد به عليهم ، لأن الإفاضة لا تتضمن دلكاً .