تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الرابع والأربعون حديث ( 448 ) جزء ( 3 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الرابع والأربعون حديث ( 448 ) جزء ( 3 )

مشاهدات: 478

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الرابع والأربعون

حديث ( 448 ) جزء ( 3 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ كتاب الصلاة ]

( فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين في إسناد حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – واختلاف ألفاظهم فيه )

حديث رقم – 448-

 ( صحيح )  أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام الدستوائي قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ أقبل أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن فغسل القلب بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ثم انطلقت مع جبريل عليه السلام ، فأتينا السماء الدنيا فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجيء جاء فأتيت على آدم عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من ابن ونبي ثم أتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فمثل ذلك فأتيت على يحيى وعيسى فسلمت عليهما فقالا مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الثالثة قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فمثل ذلك ، فأتيت على يوسف عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الرابعة فمثل ذلك فأتيت على إدريس عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء الخامسة فمثل ذلك فأتيت على هارون عليه السلام فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي ثم أتينا السماء السادسة فمثل ذلك ثم أتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزته بكى قيل ما يبكيك قال يا رب هذا الغلام الذي بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر وأفضل مما يدخل من أمتي)

من الفوائد :

أن النبي عليه الصلاة والسلام صعد ومعه جبريل عليه السلام ، وهل كان بصحبتهما البراق كما فهم ذلك بعض العلماء ؟

أم أن الصعود منه عليه الصلاة والسلام كان على المعراج وهو سلم له درج ؟

يقول ابن كثير رحمه الله : هذا هو الصواب ، ولا يظن أن الصعود على البراق .

يقول ابن كثير رحمه الله ” هذا المعراج هو سلم له درج ولكن لا يعلم كنهه إلا الله عز وجل .

ومن الفوائد :

أن قوله ( فأتينا السماء الدنيا ، فقيل من هذا ؟ قال جبريل )

يدل على أن الطارق للباب إذا سئل من ؟ لا يقل ( أنا ) وإنما يذكر اسمه ، هذه هي السنة ، ولذا لما أتى جابر رضي الله عنه فطرق باب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( فقال من ؟ قال أنا ، فقال عليه الصلاة والسلام ” أنا أنا ” ) كأنه كرهها ، ولذا إذا طرقت بابا فسئلت من ؟ فلتذكر اسمك أو صفة أو كنية أو لقبا يوضحك .

ومن الفوائد :

أن للسماء الدنيا خزنة وملائكة ، وهم موكلون بحفظها ، ولذلك سألوا من ؟ فأجابهم بأنه جبريل .

ومن الفوائد :

أن قولهم ( من معك ؟ ) كأنهم شعروا بأن جبريل ليس وحده ، فكأن هناك قرائن تدل على أن معه شخصا آخر ، ولذا قالوا ( من معك ؟ )

ومن هنا فإن الأخذ بالقرائن معتبر في الشرع ، ولذلك ذكر الفقهاء أمثلة في كتاب القضاء على أن القرائن يؤخذ بها في بعض القضايا .

كما قال الشاهد في سورة يوسف { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ{26} وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ{27} فأعطاهم الحكم المبني على القرينة .

ومن الفوائد :

أن قولهم ( وقد أُرسل إليه ؟! ) يمكن أن يشكل هذا القول بأنهم لا يعلمون بأن الله عز وجل أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي !

ولكن لا إشكال ، لم ؟ لأن علم أهل السماء ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة  ، ولكن الإرسال المسؤول عنه هنا هو إرساله لهذا المعراج ، يعني أرسل إليه لكي يعرج به ؟

ومن الفوائد :

أن الملائكة رحبت بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا ( مرحبا به )  وهذا الترحيب ترحيب يتضمن السلام لبعض الروايات التي تدل على ذلك ( من أنه ما مر على ملأ من الملائكة إلا رحبوا به وسلموا عليه واستبشروا بقدومه إلا ملكا واحدا وهو مالك ، سلم عليه ورد عليه السلام ولم يضحك )

ومن الفوائد :

أن قولهم ( ونعم المجيء جاء )

 قال العلماء إن في هذه الجملة ” تقديما وتأخيرا وحذفا ”

الأصل ( جاء ونعم المجيء مجيئه ) فقدم ( نعم المجيء ) على ( جاء ) وأين المحذوف ( مجيئه )

ويمكن أن يقال : إن الاسم الموصول هنا محذوف ، فيبقى الحال على ما هو عليه ، فنقول ( فنعم المجيء الذي جاء )

ومن الفوائد :

أن آدم عليه السلام هو أبو الأنبياء .

ومن الفوائد :

أن آدم عليه السلام في السماء الأولى .

لو قال قائل : لم كان في السماء الأولى ؟

قال بعض العلماء : – كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح – قالوا من أجل أن تعرض عليه أرواح بنيه ، فتعرض عليه أرواح أصحاب اليمين وتعرض عليه أرواح أصحاب الشمال ، فإذا نظر إلى أرواح أصحاب اليمين ضحك واستبشر ، وإذا نظر إلى أرواح أصحاب الشمال بكى وتأثر ، فلعل مقامه في السماء الدنيا من أجل أن أرواح بنيه تعرض عليه ، فتكون قريبة منه .

 

ومن الفوائد :

أن الترحيب الحاصل من آدم عليه السلام يتضمن سلاما ، وإنما ذكر الترحيب لأن الضيف يفرح إذا رُحِّب به ، ولذا زاد آدم فقال ( مرحبا بك من ابن ونبي ) وهذا مما يدخل السرور على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه آتٍ إلى مكان لم يأت إليه من قبل ، ولذا تأنيسه والترحيب به يزيل عنه المخاوف .

ومن الفوائد :

لو قال قائل : إن أجساد الأنبياء في الأرض فكيف قابلهم ؟

الجواب عن هذا كما ذكر ابن حجر  رحمه الله في الفتح :

إما أن أجسادهم نقلت إلى الملأ الأعلى فالتقت بأرواحهم ليلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم تشريفا له .

وإما أن أرواحهم تشكلت في صورة أجسادهم .

ومن الفوائد :

أن لكل سماء خزنة وملائكة أمناء عليها .

ومن الفوائد :

أن عيسى ويحيى عليهما السلام قريبان من بعض فهما ابنا خالة .

ومن الفوائد :

لو قال قائل : لماذا عيسى عليه السلام في السماء الثانية ؟

يمكن أن يقال : إن الجواب عن هذا لأن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان ليحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتل المسيح الدجال ، وأما كون يحيى عليه السلام معه فلأنه قريب له ، وابن الخالة بمنزلة الأخ ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الخالة بمنزلة الأم ) .

ومن الفوائد :

أن الترحيب حصل من يحيى وعيسى بالنبي عليه الصلاة والسلام ولكن ذكرا أنه نبي ، وهذا يؤنسه وأيضا ذكرا أنه أخ قالا ( مرحبا بك من أخ ونبي ) بخلاف آدم عليه السلام فإنه قال ( ابن ) .

ومن الفوائد :

أن يوسف عليه السلام في السماء الثالثة ، وقد جاء عند مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى يوسف وقد أعطي شطر الحسن ) بمعنى أن الجمال قسم إلى نصفين نصفه ليوسف والنصف الآخر وزِّع على الخلق .

وهنا يأتي إشكال وهو : هل جمال النبي عليه الصلاة والسلام جزئ من النصف الثاني ؟

فإن كان كذلك فإن يوسف أجمل من النبي عليه الصلاة والسلام .

وقد جاء حديث عن الترمذي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بأنه أحسن الأنبياء وجها ) ولكن هذا الحديث فيه ضعف ، فيبقى الأمر على ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من أن يوسف أعطي شطر الحسن ، ولو صح هذا الحديث الذي عند الترمذي لكان النبي عليه الصلاة والسلام فائقا على يوسف ، وعلى كل حال أردت بهذه الفائدة أن أبين أن ما جاء عند الترمذي أنه حديث ضعيف ، فلو صح الحديث نقول أعطي يوسف عليه السلام شطر الحديث ما عدا النبي عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

لو قال قائل : لماذا كان يوسف عليه السلام في السماء الثالثة ؟

لم أجد جوابا مناسباً في كون يوسف عليه السلام في السماء الثالثة ، وإنما هي احتمالات بعيدة .

ومن الفوائد :

أن إدريس عليه السلام كان في السماء الرابعة لأن الله عز وجل قال  {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }مريم57 .

ومن الفوائد :

أن ما يذكر في كتب التاريخ من أن إدريس هو جد أو أب لنوح ليس بصحيح ، لم ؟ لأنه لو كان جدا أو أبا لنوح عليه السلام لقال إدريس ( مرحبا بالابن ) لأنه من المعلوم أن الأنبياء من نسل نوح وإبراهيم ، كما قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ }الحديد26 ، فلو كان جدا أو أبا لنوح لقال إدريس مرحبا بالابن .

ومن الفوائد :

لو قال قائل : لم هارون عليه السلام كان في السماء الخامسة ؟

الجواب / يمكن أن يقال : من أجل أن يكون قريبا من أخيه موسى ، لأن موسى عليه السلام في السماء السادسة .

ومن الفوائد :

أن موسى عليه السلام في السماء السادسة .

ومن الفوائد :

أن بكاء موسى عليه السلام إما أن يكون بكاء أسف أو بكاء فرح ، فإن كان بكاء فرح فلا إشكال في ذلك ، فإنه أراد أن يوصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فضله عن طريق هذا البكاء الذي يبشر به النبي عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن الإنسان قد يبكي فرحا .

لكن لو قلنا إن بكاء موسى عليه السلام كان أسفا وحزنا فيرد إشكال ، وهو كيف يأسى ويحزن موسى على هذا الفضل المعطى للنبي عليه الصلاة والسلام ، أهو حسد ؟

فيجب عن هذا / أن الحسد لا يمكن أن يحصل من موسى عليه السلام ، لاسيما وأنه في الملأ الأعلى ، والحسد بعيد عن أهل تلك الأماكن ، فيكون بكاؤه عليه السلام حسد غبطة ، ومعلوم أن حسد الغبطة جائز وهو أنه كان يتمنى أن يكون أتباعه كأتباع النبي عليه الصلاة والسلام في الكثرة ، مع أن له أتباعا كما مر معنا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ، فقيل هذا موسى وقومه ) لكن لم تكن الكثرة التابعة لموسى كالكثرة التابعة للنبي عليه الصلاة والسلام ، فحسده حسد غبطة ، يعني تمنى أن يحصل له مثل ما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام من كثرة الأتباع ، وذلك لأنه إذا تمنى ذلك يكون له الأجر الأعظم لأن ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه )

ومن الفوائد :

أن موسى عليه الصلاة والسلام وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ( غلام ) وليس في هذا استصغار من شأن النبي عليه الصلاة والسلام ، لم ؟ لأن كلمة الغلام في اللغة قد تطلق على الشيخ الكبير إذا كان قد استجمع قواه ، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت لديه قوة بدنية ، حتى قال أنس رضي الله عنه ( كنا نرى أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطي قوة ثلاثين رجلا ) كما عند البخاري ، فوصف بالغلام تشريفا للنبي عليه الصلاة والسلام ، إذ بلغ هذا السن وقد استجمع قواه ، ومع استجماع قواه حصلت له هذه الفضائل الكثيرة العظيمة في هذا الزمن من العمر  .

ومن الفوائد :

بيان فضل هذه الأمة ، وفضلها استمدته من اتباعها للنبي عليه الصلاة والسلام ، فواجب عليها أن تحرص على هذا الإتباع حتى تنال هذا الشرف ، ويبقى لها هذا الفضل .