الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
ومن الفوائد :
أن هذه الدابة جاءت في الأحاديث الأخرى بأنها البراق ، وذلك لأنها كالبرق ، لسرعتها ، ولذلك يضع خطوه عند منتهى طرفه ، ولذا قال العلماء “ إنه في مثل هذه الحال قطع المسافة بخطوة واحدة ” لأن الإنسان بإمكانه أن ينظر إلى السماء بنظرة واحدة فينتهي بصره بنظرة واحدة إلى السماء ، فيكون هو عليه الصلاة والسلام في مسيرته الأرضية من مكة إلى بيت المقدس ، ويسمى بالبيت المقدس ، ويسمى ببيت ” إيلياء “ كما جاء بذلك الحديث ، يكون هو عليه الصلاة والسلام في هذه الرحلة قضاها في خطوة واحدة .
وإن كان – كما قال بعض العلماء من أنه صعد على البراق – والصحيح أنه لم يصعد بالبراق وإنما صعد بالمعراج وهو سلم له درج كما قال ابن كثير رحمه الله ” سلم له درج لا يعلم كيفيته إلا الله عز وجل ” – فعلى قول من يقول إنه صعد بالبراق يكون قطعها في سبعة خطوات .
وأُتي بالبراق عليه الصلاة والسلام ولم يؤت بخيل ولم يؤت بإبل من باب إشعاره أنه في رحلة سلمية ، لأن مثل هذا الحيوان لا يؤخذ في الحروب ، وإلا فالله عز وجل قادر على أن يذهب به من مكة إلى بيت المقدس من غير هذه الدابة ، ولكن من باب التطمين له عليه الصلاة والسلام ، من باب إظهار المعجزة في حيوان لم يسبق له العادة أنه يسير هذا السير ، ولذلك مرت عليه أشياء عليه الصلاة والسلام ما لو كان غيره في موطنه ما ثبت ، ولذلك مع هذا كله قال عز وجل {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }النجم17 صلوات ربي وسلامه عليه ، وهذا يدل على ثباته وقوته عليه الصلاة والسلام ، لأنه صُعد به إلى أعلى ما يكون ، حتى صعد به إلى مكان لا يصل إليه جبريل عليه السلام ، ولذلك قال عز وجل {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }الصافات164 ، وهذا ذكر عن الملائكة ، وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام بلغ مرتبة لم يبلغها غيره من الخلق ، مما يدل على أنه أفضل الخلق على الإطلاق ، عليه الصلاة والسلام.
ومن الفوائد :
أن قوله ( إنك لن تستطيع أن تقوم بها )
إما أن تكون في عداد المنكر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم من سبر حاله وجد أنه قادر على أن يأتي بالخمسين وبأكثر .
وإن قلنا إنها غير منكرة فاعتبار ما آل إليه علم موسى عليه السلام من أن البشر بطبيعتهم لو وُكِّلوا إلى أنفسهم ما قاموا بهذا ، فكونه كبشر لا يقوم هو وأمته بهذا ، لكن لما منَّ الله عز وجل به عليه من القدرة والإعانة فإنه يرتقي إلى ما هو أعلى ، ولذلك هذه الخمس الصلوات لم يعجز عنها أناس ، بل كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون ، هذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما في الصحيحين ( لما زوجه أبوه امرأة فجاء ينظر إليها ، فسأل عمرو بن العاص زوجته ؟ قالت نِعم الرجل ما كشف لنا كنفا ) عبارة عن أنه كان يصوم رضي الله عنه في النهار ويصلي بالليل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل كله ؟! قال نعم ، قال لا تفعل ) فهؤلاء ارتقوا إلى أعلى ما يكون ، فهذه الجملة إما أن نقول إنها منكرة ، وإن قلنا إنها غير منكرة فإن هذا ما آل إليه علم موسى عليه السلام من أن النبي عليه الصلاة والسلام لكونه بشرا لا يستطيع هذا ، لأن البشر إذا وكلوا إلى أنفسهم وكلوا إلى ضعف ، ولذلك من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه وهي أيضا محبة لأمته ، قال ( إني أحبك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول ” اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )
حديث رقم – 451–
( صحيح ) أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن عبد الله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة وإليها ينتهي ما عرج به من تحتها وإليها ينتهي ما أهبط به من فوقها حتى يقبض منها قال {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى }النجم16، قال فراش من ذهب فأعطى ثلاثا الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة ويغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيئا المقحمات )
من الفوائد :
بيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم إذ عُرج به إلى أعلى مقام إلى سدرة المنتهى ، وسميت بهذا الاسم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ( لأن علم الخلائق ينتهي عندها ) وأشار في هذا الحديث إلى ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا يدل على رفيع منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ، فتجاوز إلى مقام علا به جبريل وسائر من في الملكوت الأعلى .
ومن الفوائد :
أن هذه السدرة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنها في السماء السادسة ، بينما جاءت الأحاديث الأخرى ( بأنها في السماء السابعة ) فيكون هناك تعارض ، فإما أن يقال : بأن هذا الحديث شاذ ، والصحيح ما ورد في الصحيحين ( أنها في السماء السابعة )
وإما أن يقال وهو الأرجح – أن هذه السدرة أصولها في السماء السادسة بينما تمتد إلى السماء السابعة ، فيكون في ذلك جمع بين الأحاديث ولا يكون هناك تعارض بينهما .
ومن الفوائد :
أن هذه السدرة لما رآها النبي صلى الله عليه وسلم غطاها شيء من الحشرات ، وهو ( الفراش ) وفي رواية ( جراد ) فلم يعمد عليه الصلاة والسلام أن يلتفت يمنة أو يسرة ليمعن النظر لكي يرى ما ستره هذا الفراش ، وهذا من أمانته عليه الصلاة والسلام ، ولذلك مدحه عز وجل لما ذكر غشيان السدرة قال {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى }النجم16قال بعدها {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }النجم17، يعني ما زاغ ومال بصر النبي صلى الله عليه وسلم عما أُمر أن ينظر إليه { وَمَا طَغَى }ولا تجاوز أن يرى ما لم يؤمر بالنظر إليه .
ومن الفوائد :
جاء في الأحاديث الأخرى أن نبق هذه السدرة ( كقلال هجر ) والقلة تصل إلى ” قربتين “ يعني الثمرة تصل إلى القربتين ، وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا بورقها كآذان الفيلة ) فهي عظيمة الشأن .
وهذا يجعلنا نؤمن بما خفي علينا ، لأن هذا من الأمور الغيبية التي أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عليها وأخبرنا بها فيجب أن نؤمن بها بما ورد إلينا من غير بحث وتقصٍ في أمور أخرى لم نؤمر بالبحث عنها .
ومن الفوائد :
أن الانتهاء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان انتهاء إلى مكان سمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم صوت الأقلام ، يعني ما تكتبه الملائكة مما تؤمر بنقله وبنسخه من اللوح المحفوظ ، ولذا مر عليه الصلاة والسلام كما عند الطبراني ( مر عليه الصلاة والسلام على جبريل ، قال فرأيته كالحِلس البالي من خشية الله ) والحلس هو كساء يوضع على متن البعير ، كالحلس الخَلِق ، فهذا جبريل عليه السلام الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند ( له ستمائة جناح ، الجناح الواحد ما بين المشرق والمغرب يسد الأفق ) ومع ذلك من خشية الله عز وجل كأنه حلس بالي قد جمع بعضه إلى بعض .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كُرِّم بأشياء في هذه الرحلة السماوية ورأى أشياء ، فرأى الجنة ، ورأى النار ، ورأى عمرو بن لحي الذي أتى بالأصنام إلى جزيرة العرب ( رآه يجر قصبه ) يعني أمعاءه ( في النار ) ورأى ( امرأة من حِمْيَر سوداء تنهشها هرة إذا أقبلت وإذا أدبرت ) وهي المرأة التي حبست الهرة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )
ورأى ( صاحب المحجن ) وهو سارق الحجيج ، فكان له محجن يسرق الحجيج ، فإذا لم ينتبه إليه أخذ ما سرق ، وإن انتبه إليه قال هذا من المحجن .
ورأى صلى الله عليه وسلم ( من سرق بدنه التي أهداها إلى الكعبة ) فأخذها رجل ولم يعمل بها على حسب ماأراده النبي صلى الله عليه وسلم .
ورأى صلى الله عليه وسلم ( شجرة الزقوم ) كما قال عز وجل { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ }الإسراء60 ، فلما رآها كانت فتنة لبعض الناس كأبي جهل ، ففي المسند ( لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الزقوم ، قال أبو جهل ائتوا لي بتمر وزبد ، فجعل يأكل هذا بهذا ويضحك ويقول لا نرى الزقوم إلا هذا ) استهزاء وسخرية لما ذكره عليه الصلاة والسلام .
وشم النبي صلى الله عليه وسلم رائحة زكية طيبة من ماشطة بنت فرعون ، بنت فرعون لها ناشطة تمشط شعرها فسقط المشط من يدها فقالت ” بسم الله “ فقالت بنت فرعون أبي ؟ قالت لا ، ربي وربك ورب أبيك ، فأخبرت هذه البنت أباها فرعون ، فقال لها أولك رب غيري ؟ قالت ربي وربك الله ، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت وأمر أن تقذف فيها هي وأولادها ، فقذفت فيها ، ولا شك أنها إذا قذفت في هذه الآنية لا شك أنها ستخرج رائحة ، فبدل الله عز وجل لها هذه الرائحة برائحة طيبة زكية .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث نصَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي ثلاثة أشياء ” الصلوات الخمس – وخواتيم سورة البقرة – وأنه يغفر لأهل الكبائر من أمته إذا لم يشركوا بالله عز وجل شيئا “
ومعلوم أن الصلوات الخمس فرضت في السماء ، وإنما فرضت في السماء لحكمة يعلمها الله عز وجل ، قد يكون من بينها إظهار وبيان عظم هذه الصلاة وأنها هي العبادة الوحيدة التي فرضت من الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير واسطة .
ولعل فرضها في العلو من باب أن من أتى بها على وجهها أنه يعلو ، ولا شك في ذلك ،أن من أتى بالصلاة على أحسن ما يكون فإن يكون في علو في دنياه وفي أخراه .
وقد مر معنا أنها فرضت خمسين صلاة ، لكنها تخففت بمشورة موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم حتى استقربت على خمس .
ومن الفوائد :
هنا إشكال وهو : أن قضية الإسراء والمعراج وقع في مكة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، قبل أن يهاجر إلى المدينة ، ومعلوم أن هاتين الآتين مدنيتان ، ويؤيد ذلك ما جاء عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بينما أنا جالس إذا سمت نقيضاً ) يعني صوتا ( فقال جبريل هذا ملك من الملائكة نزل إلى الدنيا لم ينزل من قبل ، وقال أبشر بنورين أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة )
فكيف هنا يعطى هاتين الآتين قبل الهجرة وقد نزل بهما ملك ، أو نزل الملك مبشرا النبي عليه الصلاة والسلام بهما ؟
الجواب عنه هذا :
أن النبي عليه الصلاة والسلام لما عُرج به أُخبر أنه سيعطى في مستقبل حياته خواتيم سورة البقرة ” فلما مضى زمن وانتقل إلى المدينة نزلت هاتان الآيتان ، فلا يكون هناك تعارض بين الأحاديث .
ومن الفوائد :
لو قال قائل : كيف تكون هاتان الآيتان نورا ؟
نقول : هما نور على وجه الخصوصية ، لأن القرآن كله نور { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174 ، فهاتان الآتيان على وجه الأخصية هما نور ، ولذلك في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام ( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )
كيف كفتاه الشر والبلاء ، وقيل كفتاه عن قيام الليل .
والأصح والأقرب هو الأول ، لأن قيام الليل لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن من كفي البلاء فإنه في نور .
والمكرمة الثالثة / أن الله عز وجل وعده بأن يغفر لأهل الكبائر من أمته إذا لم يشركوا به شيئا ، وهذا يدل على فضل التوحيد ، فإن من أتى بالتوحيد ، ومن لوازم الإتيان بالتوحيد أن يترك الشرك ، فإنه في خير وعافية من عذاب الله عز وجل ، حتى لو أتى بالكبائر لكن إتيانه بالكبائر لا يجعله في مأمن كامل من عذاب الله ، لأن الأمان من عذاب الله إما أنه أمان كامل وإما أمان ناقص، فإن عُذِّب بقدر ما أتى به من جُرم من هذه الكبائر فإن مصيره إلى الجنة فيكون مأمنه من النار يكون مأمنا ناقصا ، وقد يعفى عنه ، لكن من لم يأت بالكبائر ولم يصر على الصغائر وأتى بالتوحيد الذي هو الأصل فإنه في مأمن كامل من عذاب الله عز وجل ، فيكون دخوله إلى الجنة من أول أمره .
ومن الفوائد :
أن الكبائر سميت بـ ( المقحمات ) لأن من اقتحمها أقحمته في النار ، فهي تقحم صاحبها في النار ، ولذلك وصفت في الحديث بأنها ( مقحمات ) فلا يكون الإنسان مطمئنا تمام الاطمئنان بهذه المكرمة أنه يكون سالما سلامة كاملة من عذاب الله ، لأنه وصفها بالمقحمات ، يعني قد تقحمه إذا ارتكبها ، فيكون معنى هذه الجملة أن غفران الله عز وجل الذي جاء في هذا الحديث لأناس من هذه الأمة وليس للجميع، لأن الأحاديث الأخرى لا تدل على ذلك .
سؤال : …كيف الجمع بين الدليلين المتعارضين ؟…………….
الجواب / عندنا قاعدة شرعية تقول [ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ] يعني حديث يقول كذا ، وحديث في ظاهره يقول كذا ، لأن الإشكال ليس فيما ورد في الشرع – لا – لأنه من لدن حكيم عليم ، لكن قد يقوم قائم التعارض عند العلماء ، فهنا إذا ورد مثل هذا ، مع أننا نجزم جزما يقينيا أنه لا تعارض فيما جاء عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن الحق لا يتعارض ولا يتناقض ، فيكون مجيء هذا النص ومجيء النص الآخر يكون مجيئهما متوافقا ، لكن ما هي العلة ؟ فكيف نوفق ؟ بعض الناس لا يُوفَق حينما لا يُوَفِق ، يدخل عليه الشيطان ويوهمه بأن في الدين اضطرابا واختلافا ، فيزيغ عن الخير ، قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } يعني هذا الذي خفي معناه وهذا المحكم الذي ظهر معناه ، كلٌ من عند ربنا ، وما كان من عند الله لا يمكن أن يكون فيه اختلاف { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } ومع ذلك هؤلاء الراسخون في العلم يدعون الله عز وجل ألا يزيغ قلوبهم كما زاغ قلوب غيرهم {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8 ، بما أن الكل من الله عز وجل فلا يمكن أن يكون هناك تناقض ، ولذلك وصف الله عز وجل القرآن كله بأنه محكم {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }هود1 ، يعني متقن لا اضطراب فيه ولا اختلاف ، ووصفه بأنه متشابه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ }الزمر23 ، يعني يشبه بعضه في الحسن والجمال ، ولكن وصف في آية بأن المعظم منه محكم ، وهناك بعض الآيات فيه تشابه ، فهذه الآيات التي فيها تشابه هذه تخفى على بعض من الناس ، فيريد الله عز وجل بهذا المتشابه الذي أتى به أن يظهر حقيقة الإيمان عند البشر ، فيكون اختبارا ، مثل ما حصل من نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ }البقرة143 ، فآمنوا بها ، فهذا من باب الابتلاء والاختبار ، فبعضهم يزيغ ، وبعضهم لا ، يقف صامدا وقوف الجبال ويعلم أنه من عند الله ، وهنا يبحث عن الطرق التي يمكن أن تجمع هذه الأدلة ، [فإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ] إذا استطعنا أن نوفق فهذا خير ، فإن لم نستطع فلابد أن نبحث عن مُرجح ، لأن عقولنا قد تعجز وقد تكسل عن أن توفق ، فهنا نرجح ما يمكن ترجيه بالمرجحات التي تعضد أحد القولين .