تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 51) حديث ( 458 ) جزء ( 2 ) حتى ( 460 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 51) حديث ( 458 ) جزء ( 2 ) حتى ( 460 )

مشاهدات: 437

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس ( 51)

حديث ( 458 ) جزء ( 2 ) حتى ( 460 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب كم فرضت في اليوم والليلة  ؟ )

حديث رقم 458

( صحيح )  أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي سهيل عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول :  ” جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفهم ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خمس صلوات في اليوم والليلة ”

قال هل علي غيرهن ؟ قال لا ، إلا أن تطوع ، قال وصيام شهر رمضان ، قال هل علي غيره ؟ قال لا إلا أن تطوع وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال هل علي غيرها ؟ قال لا إلا أن تطوع ، فأدبر الرجل وهو يقول ” والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أفلح إن صدق ” )

من الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أفلح إن صدق ) قدَّم جواب الشرط على فعل الشرط وأداته ، وإلا فالأصل ( إن صدق أفلح ) فلماذا قدَّم ؟

قال بعض العلماء : هذا دليلٌ على أن جواب الشرط يجوز أن يقدم على فعل الشرط وأداته إذا فهم من السياق ، فالأصل ( إن صدق أفلح )

وقال بعض العلماء : إن ذكر الفلاح قبل ذكر ( إن صدق ) من باب التأكيد على تحقق فلاح الرجل إذا نفَّذ ما وعد به ، ولذلك يجوز أن يقدم ما هو حقيق بالتأخير لأغراض ، من بينها ما ذُكر هنا .

ومن الفوائد :

أن هذا الرجل كان ينادي من بُعد لقوله ( له دوي ) بفتح ” الدال ” وهو الصوت الذي ينشأ من بعد ، فيكون ما نسميه بـ ” الصدى “

ورفع الصوت منه يدل على جهله ، لأنه لا يعرف مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد عُذر في ذلك لجهله .

وقد قال بعض العلماء إن اسمه ( ضمام بن ثعلبة )

ومن الفوائد :

أن هذا الرجل قدم من نجد ، فهو من أهل نجد .

والنجد هو المكان المرتفع ، هذا من حيث الأصل ، وليس المقصود من ( نجد ) المذكور هنا ليس المقصد نجد جزيرة العرب – لا – وإنما المقصود هو نجد المدينة ، ونجد المدينة هو العراق ، ولذلك ما جاء من أحاديث تذم نجدا ، وأن ( الفتن تخرج من نجد ) فإنها أحاديث صادرة منه عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة ، فيكون المقصود من ذلك ( العراق ) وقد جاء تصريح العراق في روايات أخرى .

ومن الفوائد :

أنه قال ( هل علي غيره ) وفي روايات ( هل علي غيرهن ) فرواية ( غيرهن ) واضحة ، فهي ترجع إلى الصلوات ، لكن رواية ( هل علي غيره ) راجع إلى الأمر ، يعني هل علي غير ما ذُكر .

ومن الفوائد :

أن هناك رواية أتت عند مسلم ، قال عليه الصلاة والسلام ( أفلح وأبيه إن صدق )

وهنا حلف منه عليه الصلاة والسلام بأبي هذا الرجل ، ومعلوم تلك الأحاديث التي جاءت بالنهي عن الحلف بغير الله ، منها حديث ابن عمر رضي الله عنه في السنن ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) ومنها ما جاء في صحيح البخاري ( لا تحلفوا بآبائكم ) فكيف حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هذا الرجل ؟ وكيف يجاب عن هذه الرواية ؟

قال بعض العلماء : إن هذا الفعل الصادر منه عليه الصلاة والسلام قبل النهي ، لأنهم كانوا في الجاهلية يعتادون الحلف بالآباء ولم يأت النهي عن ذلك .

ويؤكد هذا أن هذا الرجل أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقواعد الإسلام وأصوله .

وقال بعض العلماء : إن الأصل ( أفلح والله إن صدق ) فكانوا لا يضعون النقط ، فالناظر إلى هذه الكلمة يظن أنها ( أفلح وأبيه ) وإنما هي ( أفلح والله )

وقال بعض العلماء : إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فلديه من تعظيم الله عز وجل ما ليس عند غيره .

وقال بعض العلماء : إن هذه الرواية ( شاذة ) لأن الوارد في الصحيحين ( أفلح إن صدق ) فتكون هذه الرواية التي انفرد بها مسلم رحمه الله تكون شاذة ، والشاذ [ من خالف فيه الثقة من هو أوثق منه ]

وقال بعض العلماء : إن هذا من اللفظ الذي يجري على اللسان من غير قصد معناه ، وهذا لا شك في ضعفه ، لم ؟

لأنه لا يجوز للمسلم أن يتلفظ بلفظ مخالف للشرع ، وإن كان لا يقصد معناه ، وإلا فقد يحتج علينا من يخلف بالنبي ويقول أنا لم أقصد ، هي جرت على لساني .

فيكون أقرب الأقوال : أن هذا قبل النهي

ورواية مسلم من قبيل المتشابه ، وهذه النصوص المتشابه لا نعول عليها وندع تلك الأحاديث الكثيرة ، ولذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( أدركني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحلف بأبي ، فقال لا تحلفوا بآبائكم ، قال فما قلتها لا ذاكرا ولا آثرا ) حتى لم أروِ عن غيري ، مما يدل على أنه منهي عنه في جميع الأحوال ، ولذلك هذه الرواية إما أن يقال بأنها قبل النهي ، أو أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يتعدى إلى غيره لاسيما وأن عندنا نصوصا كثيرة تنهى عن الحلف بغير الله وإلا لو قيل بذلك فقد تأتي ألفاظ عظيمة في الشرك واعتادها الناس ونقول هذا جائز ، أو نقول إنها شاذة ، لكن نحاول بقدر المستطاع أننا لا نرد الرواية ، لكن على المسلم أن ينظر بكلتا عينيه وأن هناك نصوصا كثيرة تنهى عن الحلف بغير الله جاءت على وجه العموم ، وهناك أحاديث أخرى جاءت على وجه الخصوص تنهى عن الحلف بالآباء ، ولذلك لما أتى ذلك الرجل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم ( ما شاء الله وشئت ) وقد اعتادوها ، ولما أتى اليهودي وقال ( إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد ) يعني جرى على ألسنتهم ، ومع ذلك لما قال ( ما شاء الله وشئت ، قال أجعلتني لله ندا ، قل ما شاء الله وحده ) مع أنه أمر جرى على ألسنتهم .

حديث رقم – 459-

( صحيح  ) أخبرنا قتيبة قال حدثنا نوح بن قيس عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :   يا رسول الله كم افترض الله عز وجل على عباده من الصلوات قال افترض الله على عباده صلوات خمسا قال يا رسول الله هل قبلهن أو بعدهن شيئا قال افترض الله على عباده صلوات خمسا فحلف الرجل لا يزيد عليه شيئا ولا ينقص منه شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدق ليدخلن الجنة )

من الفوائد :

أنه قال ( صلوات خمسا ) بالنصب ، لأنها مفعول به ، افترض الله هذه الخمس الصلوات .

أما رواية الرفع ( صلوات خمس )

إما إن نقول : هي صلوات خمس .

وإما أن نقول : هي صلوات خمس ، ولم يؤت بالألف لأن العادة الغالبة عند المحدثين أنهم [ إذا ذكروا المنصوب حذفوا منه الألف]

كما لو قال ( سمعت أنسا ) يحذفون الألف من باب التخفيف .

ومن الفوائد :

أن الفلاح المذكور في الرواية الأولى فُسِّر في هذه الرواية ، قال ( إن صدق ليدخلن الجنة ) فدل على أن أعظم الفلاح الذي يحصل عليه الإنسان أن يدخل الجنة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة )

ومن الفوائد :

أن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة ، وهذا تفضل من الله عز وجل وكرم ، مع أن هذه الأعمال قد يشوبها ما يشوبها من الخلل والتقصير ، لكن من كرمه عز وجل جعل العمل الصالح سببا لدخول الجنة ، وإلا فالجنة عظيمة لا يمكن أن يكون العمل الصالح موازيا لها ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( اعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ) على أنها معاوضة وتماثل ، يعني لا يظن أن عمله مكافئ لهذه  الجنة ، ( قالوا حتى أنت يا رسول الله ؟ قال حتى أنا ) وما هو عمله عليه الصلاة والسلام ؟ عمله عظيم ( قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) فدل على أن العبد لو خرج من بطن أمه ساجدا لله عز وجل مصليا راكعا تاليا إلى أن يتوفاه الله لن يكون هذا العمل مماثلا للجنة ، وإنما جعل الله عز وجل العمل الصالح ولو قلَّ مع ما قد يعتريه من النقص والخلل جعله عز وجل سببا ليس عوضا ، جعله سببا لدخول الجنة ، قال عز وجل { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل32 ، يعني بسبب ما كنتم تعملون وهذا فضل من الله عز وجل .

( باب البيعة على الصلوات الخمس )

حديث رقم – 460 –

( صحيح )   أخبرنا عمرو بن منصور قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال أخبرني الحبيب الأمين عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :   ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فرددها ثلاث مرات فقدمنا أيدينا فبايعناه فقلنا يا رسول الله قد بايعناك فعلام قال على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وأسر كلمة خفية أن لا تسألوا الناس شيئا )

من الفوائد :

أن هذه المبايعة مبايعة خاصة لبعض أصحابه ، وإلا فالمبايعة العامة هي لجميع الصحابة رضي الله عنهم ، وهي مبايعة على الإيمان بالله والإيمان به صلوات ربي وسلامه عليه ، لكن هذه مبايعة خاصة للتأكيد على ثلاثة أشياء  ( التوحيد ) مع أنهم قد بايعوه من قبل وعلى المحافظة على هذه الصلاة .

( وأسر كلمة خفية ) وهي ( ألا تسألوا الناس شيئا ) ولذلك هذا الجمع الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المبايعة ( كان أحدهم يسقط سوطه وهو على دابته فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه ) تحقيقا وإنفاذا لهذه المبايعة التي جرت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على أن سؤال الناس لا ينبغي ، ثم ينظر إن سأل الناس مالهم فهذا لا يجوز إن كان يتكثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( من يسأل أموال الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر ) فلا يجوز له ، لكن إن كان محتاجا يجوز له عند الضرورة ، ولكن لا ينبغي له ، بل عليه أن يسعى في الأرض ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب فيبيعه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه )

إلا عند الضرورة أو يسأل السلطان ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( المسألة خدوش ) يعني في وجه الرجل ( إلا أن يسأل السلطان أو في أمر لابد له منه ) فسؤال الناس أموالهم حرام ، إلا إذا كان في ضرورة أو سأل الإنسان السلطان ، لأن السلطان هو ولي على بيت مال المسلمين ، وبيت مال المسلمين حق للجميع .

ومن ثم فإنه لم يسأل شيئا ليس له ، وإنما هو سأل شيئا له حق ونصيب منه .

النوع الثاني من أنواع السؤال :

” أن يسأل الناس شيئا غير المال ” كأن يسألهم أن يخدموه ، أو يناولوه شيئا ، هذا لا يصل إلى التحريم ، ولكن ينبغي للمسلم ألا يفعل ذلك ، ويجوز في حالة واحدة ” إذا كان الناس يحبون أن يخدموه ويتشرفون بذلك ” فهنا لا بأس ، ولذلك كان بعض من الصحابة يسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر له ماءً ، أو يحضر له نعليه ، لم ؟ لأنهم كانوا يتشرفون بخدمته صلوات ربي وسلامه عليه ، وهذا له أدلة كثيرة .

النوع الثالث : وهو أن يسأل أهل العلم ، فهذا لا يدخل في الحديث ، فإن الواجب على المسلم فيما أشكل عليه أن يسأل أهل العلم ، لقوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43