تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 52 )
حديث ( 461 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
( باب المحافظة على الصلوات الخمس )
حديث رقم – 461-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز : أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول الوتر واجب قال المخدجي فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة )
من الفوائد :
أن العالم قد يجتهد ولا يُوفق لإصابة الحق ، كما هو حال أبي محمد ، ولكن المسلم إذا استراب في مسألة أتته يجب عليه أن يستوثق من العلماء الكبار ، ولذا ذهب إلى عبادة بن الصامت واعترض طريقه من أجل أن يستوثق من هذه الفتيا ، ولا شك أن هذا الأدب نحتاج إليه في هذا العصر ، لأن هذا العصر لما انفتح الناس انفتاحا كثيرا على وسائل التواصل وأصبح المجال متاحا لكل شخص أن يتحدث تركت فتاوى العلماء الكبار ، فيأتي شخص إلى بعض المُسَلَّمات إما في التحريم وإما في التحليل ثم يأتي بفتوى من عنده تناقض ما جاءت به الأدلة الشرعية ، كما مر معنا في هذا الزمن من إباحة وجواز ” عيد ميلاد الشخص ” ومن ” جواز الغناء ” يعني لو نظر الإنسان إلى مثل هذه الفتيا ، نرى أن هذه الفتيا ليست في الحقيقة مبنية على اجتهاد ، وإنما يخالطها هوى ، ومع ذلك رحَّب بها من رحَّب بناء على شهوة في نفسه ، ولكن يقال مثل هذه الفتوى هل أفتي بها من قبل من قِبل علماء كبار ؟
العلماء السابقون الكبار قالوا بتحريم هذه الأشياء ، فلماذا لا نرجع إلى علمائنا الكبار الذين يحرصون على الدليل ، لماذا لا نرجع إليهم في مثل هذا الزمن فيما لو اشتبهت علينا الفتاوى ، مع أن مقام من يفتي في هذه الأشياء ومن هذه المُسَلمات لا يصل إلى مقام أبي محمد ، لأن ذاك صدرت منه على سبيل الاجتهاد ، بينما هؤلاء صدرت من غير اجتهاد لأن النصوص صريحة ، بل إن من أعجب العجائب أن يقال في مثل هذه الأشياء ” إن الله اصطفاني في هذا العصر حتى أبين للناس جواز الغناء، هذا كلام لا يمكن أن يقوله عاقل ، والله المستعان ، نسأل الله عز وجل الثبات .
ومن الفوائد :
أن عبادة رضي الله عنه نسب إلى أبي محمد ” الكذب ” ليس الكذب الذي هو الإخبار بخلاف الواقع – لا – وإنما الكذب الذي هو الخطأ ، لأن الكذب يطلق ويراد منه ” الإخبار بخلاف الواقع “
ويطلق ويراد منه ” الخطأ ” كذب فلان ” يعني أخطأ فلان ، وهذا يرد كثيرا ، ومن تتبع الأحاديث وجد أن بعض الرواة إما من الصحابة وإما من التابعين رضي الله عنهم يقولون في شخص ما لما نقل شيئا قالوا ” كذب ” وليس المقصود أنه أخبر بخلاف الواقع ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لذلك الرجل الذي أتى وشكى إليه أن أخاه يجد في بطنه وجعا ، قال ( اسقه عسلا ، فسقاه فزاده استطلاقا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال اسقه عسلا ، فزاده استطلاقا ، فلما أتاه الثالثة ، قال صدق الله وكذب بطن أخيك ) اسقه عسلا فسقاه فشفاه الله ) يعني أخطأ بطن أخيك هذا العلاج ، لأن الإنسان إذا ابتلي بمرض لا ينتظر الشفاء من أول ما يتناول هذا العلاج ، فهذا الحديث يفيد بأن الإنسان يكرر العلاج مرة ومرتين وثلاث وأكثر حتى يصيب هذا العلاج موضعه بإذن الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن تنصيص النبي صلى الله عليه وسلم على أن الصلوات المفروضة خمس يدل على أن ما عدا الصلوات الخمس ليست واجبة ، فعندنا [ الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ] خمس صلوات ، لأنه نص على العدد ، فدل على أن ما عداها ليس بواجب
إذاً من يقول بوجوب الوتر يرد عليهم بهذا، لكن لو قال قائل : من قال بوجوب صلاة العيد ، ومن قال بوجوب صلاة الكسوف – كما هو رأي ابن القيم رحمه – هل يرد عليه بهذا الحديث ؟
نقول : لا ، لم ؟ لأن المقصود من ( الصلوات الخمس ) المطلقة ، التي لم تقيد بسبب ، لأنه قد تجب صلاة بسبب أمر طارئ مثل ” الكسوف والعيدين “
ومن الفوائد :
أن من حكمة الله عز وجل أن فرض على هذه الأمة خمس الصلوات في اليوم وفي الليلة ، لم ؟
لأن ابن آدم في حاجة ماسَّة إلى أن يناجي الله عز وجل ، ولذا جعلت متفرقة ، لم تجعل في وقت واحد وينتهي منها الإنسان – لا – وإنما جعلت في أوقات متعددة من الليل ومن النهار ، لأن الإنسان بحاجة ماسَّة إلى أن يجدد إيمانه بهذه الصلاة ، وكيف لا يتجدد إيمانه بهذه الصلاة وقد سماها الله عز وجل إيمانا { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143,
يعني صلاتكم .
ومن الفوائد :
خطورة من فرَّط في هذه الصلاة ، فإن من فرَّط فيها فإنه عرضة لعقاب الله عز وجل ، لكن من فرط فيها وتركها أيكفر أم لا ؟
قال بعض العلماء : لا يكفر ، استدلالا بهذا الحديث ( إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) فدل هذا على أنه تحت المشيئة ، ومن كان تحت المشيئة فإنه ليس بكافر ، هذا ما يستدل به من هذا الحديث .
ولكن نقول : هذا الحديث ليس دليلا على أن من ترك الصلاة ليس بكافر ، وإنما هذا الحديث يضم إلى الأحاديث الأخرى ، لأن الأحاديث الأخرى أتت بأنه ( خمس صلوات من أتم خشوعهن وركوعهن كان على الله عهد أن يدخله الجنة ) فدل هذا على ماذا ؟
دل على أنه يصلي ، ولكنه فرَّط في شيء منها ، فهذا الذي يعاقب ، ولا يكون دليلا على أن ترك الصلاة ليس بكفر .
_كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ” ترك الصلاة ” ) يعني جعلها فاصلة بين الرجل وبين الشرك والكفر ، فهو إما أن يكون في هذه الجهة أو في الجهة الأخرى ، لأن [ البينونة تقتضي الفصل والقطع ]
&كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في السنن ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )
&كيف وعبد الله بن شقيق رحمه الله قال كما عند الترمذي ( ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة ) يعني أي عمل يتركه الإنسان من العبادات ولو كان واجبا فإنه معرض لعقوبة الله ، ولكن يمكن أن يعفو الله عنه إلا الصلاة ، فإنهم يرون أن من ترك الصلاة فإنه يكون كافرا ، وهذا دليل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم أو على أن الأمر المعتاد والمعهود عندهم أن من ترك الصلاة فإنه يكون كافرا بالله عز وجل .
&كيف وقد مر معنا في حديث أبي عوف السابق لما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( ألا تبايعونني ؟ فقلنا يا رسول الله قد بايعناك ، فعلام ؟ قال ” على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تقيموا الصلاة )
فدل هذا على أنها من المبايعة .
&كيف وقد جمع النبي عليه الصلاة والسلام بينها وبين التوحيد .
واستدل بعض العلماء بقوله تعالى {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الروم31 ، لما ختم الآية بقوله { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الروم31 دل على أن ترك المذكور الذي من بينه الصلاة يكون شركا بالله عز وجل ، وإن كان بعض العلماء لا يراه دليلا .
ولذا هذه الصلاة من فرَّط فيها فإنه يفرط في خير عظيم ، إضافة إلى ما يصيبه من البلايا والشرور في الآخرة تصيبه البلايا في هذه الدنيا .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( الصلاة نور ) نحن بحاجة إلى النور في مثل هذا العصر بالذات ، نحن بحاجة إلى النور في قلوبنا ، النور في بيوتنا ، النور في وجوهنا ، النور في حياتنا كلها ، الناس في هذا العصر لديهم من الملهيات ومن الأشياء المادية التي قد تسعد في ظاهرها قلوب الناس ، ولكنهم ليسوا بسعداء ، عندهم أموال ولكنهم ليسوا بسعداء ، عندهم أولاد لكن ليسوا بسعداء ، ما السبب ؟
بعد الناس عن طاعة الله عز وجل ، ومن أعظم ما يطاع الله عز وجل به هذه الصلاة ، ولذلك هذه الصلاة تكون نورا في قبر الإنسان ، تكون له نورا في معاده ، في صحيح ابن حبان ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الرجل إذا أُدخل في قبره يأتيه ملكان فتأتي الصلاة فتقول ما قبلي مدخل ) يعني اذهبا فابحثا عن جهة أخرى ، لم ؟ لأن صلاته تنافح عنه في قبره ، ولذلك يشع نور في قبر الإنسان من أسباب ذلك الصلاة ، لأنها من العمل الصالح .
والصلاة نور في محشر الإنسان ، يوم ينطفئ نور المنافقين ، يبقى نور المتقين ، جاء في صحيح مسلم ( أن هناك ظلمة قبل مرور الناس على جسر جهنم ) لا يبصر الإنسان فيها شيئا ، لما يمر المؤمنون والمنافقون يكون لديهم نور ، المنافقون لديهم نور لأنهم أتوا بالنور في الظاهر ، لكن الباطن عروا منه ، فلما يسيروا في هذا المكان ينطفئ نورهم ، فيطلبون من المؤمنين أن يتريثوا حتى يأخذوا شيئا من نورهم ، قال الله عز وجل عن المؤمنين {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }الحديد12 ، بينما المنافقون {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } فيُرد عليهم { قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورا} أي في الدنيا ، هذا ليس مكان للنور ، النور انتهى ، إنما يؤخذ النور من الدنيا ، ما الذي في الدنيا من النور ؟ العمل الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة بعد توحيد الله عز وجل ” الصلاة “
{ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }الحديد13 ، فالحرص الحرص الشديد على إقامة هذه الصلاة ، وإذا أقمنا هذه الصلاة نحرص على أن نقيمها على الوجه المطلوب، لأن قلوبنا لما تدخل في هذه الصلاة نجد أنها منشغلة بهذه الدنيا ، لأن الإنسان قد يسرع في صلاته من أجل حاجة يريد أن يقضيها ، نسي أو جهل أو تجاهل أن الذي يقضي الحوائج هو ربه الذي يناجيه ، بعض الناس يحرص يقول ربما تفوتني مثلا الصفقة الفلانية أو التجارة الفلانية ، لا تعجل ، لم ؟ لأن الله عز وجل قادر على أن ييسر هذا الأمر ، انطرح بين يديه عز وجل ، فالقضية قضية مهمة جدا فيما يتعلق بهذه الصلاة ، فنسأل الله عز وجل أن يجعل قلوبنا خاشعة حينما نحضر فيها .