الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب المحاسبة على الصلاة
حديث رقم – 466-
( صحيح ) أخبرنا أبو العوام عن قتادة عن الحسن بن زياد عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن وجدت تامة كتبت تامة وإن كان انتقص منها شيء قال انظروا هل تجدون له من تطوع يكمل له ما ضيع من فريضة من تطوعه ثم سائر الأعمال تجرى على حسب ذلك )
من الفوائد :
هذا الحديث له علاقة بالحديث السابق ، فما سبق من ذكر فوائد هي نفس الفوائد تحت هذا الحديث ، مما يدل على فضل النوافل وأن النوافل ترقِّع ما يحصل من خلل في الفرائض ، وهذا ليس خاصا بالصلاة وإنما في سائر الأعمال الواجبة التي لها تطوعات ونوافل ، فإن نافلتها ترقع ما يحصل من خلل في فريضتها .
حديث رقم – 467-
( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا النضر بن شميل قال أنبأنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول ما يحاسب به العبد صلاته فإن كان أكملها وإلا قال الله عز وجل انظروا لعبدي من تطوع فإن وجد له تطوع قال أكملوا به الفريضة )
يقال في هذا ما قيل في الأحاديث السابقة ، ولكن هنا فائدة :
أن الباء المذكورة في الحديث الأول في الباب تكون زائدة ، ما الذي أدرانا أنها زائدة ؟ اللفظ الآتي فقد جاءت كلمة الصلاة من غير حرف الباء قال ( صلاته ) بينما في الحديث الأول ( بصلاته ) فدل على أن الباء المذكورة في الحديث الأول تكون زائدة ، والحرف الزائد يقوي ويؤكد المعنى ، ما هو المعنى ؟ المعنى أن أعظم ما يحاسب به العبد من حقوق الله عز وجل إذا كان موحدا لأن من ليس بموحد يحاسب حساب توفية بمعنى تحصى عليه أعماله ثم يرمى في النار ، لكن هنا إذا كان موحدا يحاسب أول ما يحاسب على صلاته ، فالباء أتت من باب التأكيد والزيادة في المعنى على أهمية الصلاة .
باب ثواب من أقام الصلاة
حديث رقم – 468-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي قال حدثنا بهز بن أسد قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد بن عثمان بن عبد الله وأبوه عثمان بن عبد الله أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب أن رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم … ذرها كأنه كان على راحلته )
من الفوائد :
بيان خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغير والكبير ، مع الجاهل والمتعلم ، إذ وقف لهذا الرجل ليجيبه عما سأل ، وهذا إن دل يدل زيادة على ما ذكرنا من خلقه عليه الصلاة والسلام أنه يريد أن ينشر الخير ، فمن تتبع سيرته صلى الله عليه وسلم وجد أنه يحب نشر الخير ونشر العلم ، ولذلك أوقفه هذا الرجل وهو على دابته ولم يغضب صلوات ربي وسلامه عليه ، وهذا فيه تأديب لمن لا يسمع لسؤال المحتاج إلى الجواب ، فإنه وهو النبي صلى الله عليه وسلم صبر وأوقفه هذا الرجل وأمسك بدابته حتى سأله عن هذا الأمر العظيم ، لاسيما إذا كان هذا الأمر عظيما يحتاج إليه السائل ، وإلا فقد يؤخر جوابه صلى الله عليه وسلم لمصلحة ، إما لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يُسأل ، أو أنه مما لا يحتاج إليه ، أو أنه قطع عليه كلامه ، ولذلك عند البخاري ( لما أتاه ذلك الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ، قال يا رسول الله متى الساعة ؟ فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ) فبعضهم قال لم يسمع ، وبعضهم قال كره ما سمع ( فلما فرغ قال أين السائل ؟ قال أنا يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانظر الساعة ، قيل وما إضاعتها ؟ قال إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) ولذلك عليه الصلاة والسلام ( لما كان يخطب أتاه رجل فقال يا رسول الله رجل لا يعرف دينه جاء يسأل عن دينه ، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم حديثه ) مع أنه في الحديث السابق لم يقطع ( فقطع خطبته صلى الله عليه وسلم ونزل من على المنبر وجلس على كرسي ثم علَّم الرجل ما يحتاج إليه ثم صعد عليه الصلاة والسلام وأكمل خطبته ) فعلى العالم أن يعرف حاجة السائل ، فإن كانت حاجته مُلِحَة وداعية فواجب عليه أن يبادر وألا يؤخر ، ولكن إن لم تكن هناك حاجة فإنه لا بأس بتأخيرها .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( يُدخلُني الجنة ) يصح أن تجزم ( يدخلْني ) إما لأنه جواب الأمر ، فالفعل المضارع إذا جاء جوابا للأمر فإنه يجزم ، كما قال عز وجل { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ }النور30 ، جواب للأمر { قلْ } والأصل ( يغضون ) من الأفعال الخمسة ، فيصح بالجزم على جواب الأمر ، ويصح أن يبقى على ما هو عليه من باب أنه مستقل عن الجملة السابقة .
ومن الفوائد :
بيان أن هذه المذكورات في الحديث سبب من أسباب دخول الجنة ، وهذه الأشياء المذكورة في الحديث داخلة ضمن عبادة الله عز وجل ، فلو أتى بالجملة الأولى كفت ، لكنه أتى بهذه الأشياء التي بعدها من باب التأكيد على أهمية هذه الأشياء .
لو قال قائل : لماذا ذكر صلة الرحم وترك أشياء أخرى ؟ مع أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن أعمال فاضلة وذكر جوابا غير هذا الجواب ؟
نقول : لا شك أن صلة الرحم لها فضل ، ومما يدل على فضلها لو أراد أحد أن يتكلم عن صلة الرحم وأن يستشهد عليه أن يأتي في النصوص التي يأتي بها بهذا الحديث وأنه سبب من أسباب دخول الجنة ، كما أن قطعها سبب لحرمانه من دخول الجنة ابتداء إلا إذا رحمه الله عز وجل ، ولذلك قال صلى الله عليه سلم ( لا يدخل الجنة قاطع )
لكن لماذا أتى بهذه الجملة ؟
إما لأنه عليه الصلاة والسلام علم بقرائن الأحوال أن هناك ضعفا في صلة الرحم فأراد أن يؤكد عليها .
وإما أنه علم أن هذا الرجل هو بحاجة في نفسه لهذا الأمر فيكون عنده شيء من التقصير فأراد أن يؤكد له هذا الأمر .
ولو نظرنا إلى جُمل هذا الحديث لوجدنا أنها اشتملت على حقوق الله عز وجل وعلى حقوق المخلوقين ، فحق المخلوق صلة الرحم .
ومن الفوائد :
أن على العالم أن يتحمل غلظة أسلوب السائل إذا علم منه الجهل ، ولا شك أنه لما سأله هذا السؤال دل على أنه جاهل ، وقد أساء بعض الشيء من حيث الصورة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذ أمسك براحلته ، ولذلك أمر عليه الصلاة والسلام هذا الرجل بأن يذرها يعني أن يتركها لأنه حبس النبي صلى الله عليه وسلم عن مسيره
ومن الفوائد – ولعلها ما يريده النسائي رحمه الله :
أن الصلاة التي أُكِّد عليها من أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة أراد أن يبين أن الصلاة التي تكون مقبولة ويكون لصاحبها الأجر وأنه يكون شريفا في ذلك اليوم هي الصلاة التي تقام وليست أي صلاة ، ولذلك تنظرون إلى النصوص الشرعية {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }البقرة43 ، لم يقل ( صلوا ) لا ، وإنما {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } قال ( وتقيم الصلاة ) بمعنى أن الصلاة تقام على وجهها المطلوب شرعا ، وذلك بالإتيان بشروطها وبأركانها وبواجباتها وبآدابها ، وكلما كان المسلم حريصا على إقامتها كلما كان أكثر نجاة يوم القيامة ، وكلما كانت الإقامة لها قليلة أو ضعيفة كلما كانت النجاة يوم القيامة ضعيفة ، والجزاء من جنس العمل { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46
باب عدد صلاة الظهر في الحضر
حديث رقم – 469-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة سمعا أنسا قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة العصر ركعتين )
من الفوائد :
بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا لنا الشرع ، ومن الشرع ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم ،فالطعن فيهم والقدح فيهم من قِبل الروافض وأشباههم هو قدح في الشرعية ، لأنه إذا قُدِح في هؤلاء الذين نقلوا لنا الشرع هو قدح في الشرعية ، فكيف تقبل أخبارا من أشخاص يتهمون بالكذب أو يتهمون بالخيانة ، إذاً السبُّ الحاصل والذم الواقع من الروافض وأشباههم على الصحابة رضي الله عنهم هو قدح في شرع الله لأنهم هم الذين نقلوا لنا هذا القرآن ، قدح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قدح في الله عز وجل لأن الله عز وجل لم يختر لنبيه صلى الله عليه وسلم صحبة طيبة – على كلامهم – قدح في النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يختر الصحبة المناسبة التي تنقل عنه ، فهذا يدل على فضل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ، كيف وقد أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه في مواطن كثيرة .
ومن الفوائد :
أن ما بين ذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة وبين المدينة مسافة يسيرة تعد بالفراسخ يعني بالكيلوات اليسيرة ، فبعض الناس زعم أن هذه المسافة هي مسافة القصر، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لما صلى في المدينة الظهر صلى أربعا ، ولما خرج إلى ذي الحليفة صلى العصر ركعتين ) فتوهموا أن هذه المسافة هي مسافة القصر – وليس بصحيح – لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من المدينة ما حرج إلى ذي الحليفة – لا – هو خرج إلى مكة حاجَّا ، فكانت المسافة التي يريدها مسافة طويلة ، ومن ثم فإنه يؤخذ من هذا الحديث أن المسلم متى ما عزم السفر وهو في بلدته لا يجوز له أن يترخص برخص السفر ، يعني لا يقول أنا سأصلي الظهر والعصر معاً لأنني عازم بعد قليل على السفر ، نقول خطأ ، لا تجمع ولا تقصر إلا إذا خرجت ، ما الدليل ؟ فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لما كان في المدينة صلى الظهر أربعا ، ما ترخص برخص السفر ، لكن لما خرج إلى ذي الحليفة وبقي فيها يريد مكة قصر ، وهذا يدل على أن الإنسان متى ما خرج عن بلدته ولو كان يرى البنيان فله أن يترخص برخص السفر – عندنا – لو أراد الإنسان مثلا أن يسافر إلى مكة ، نقول له لا يجوز لك أن تترخص برخص السفر لأنك في بلدتك ،لكن لما تخرج من البلدة ولو بشيء يسير لك أن تفعل ذلك ، تصور لو أن إنسانا يريد مكة فخرج ونحن في الرياض من حين ما يتجاوز البنيان مثل – مخطط الغروب – من حين ما يتجاوزه له أن يقصر ، بمعنى أنه لو وصل الكوبري الذي عنده نقطة التفتيش جاز له أن يجمع وأن يقصر ، لكن لو كان يريد أن يتوجه إلى ” المزاحمية ” نقول لا ، ليست المسافة مسافة قصر ، ومن ثم فإن المسلم متى ما كان مريدا للسفر وتجاوز عامر بنيان بلدته له أن يقصر ولو تجاوزها بشبر ، يعني لو كان يرى البيوت خلفه فله أن يقصر وأن يجمع .
كذلك لو أنه قدم من مكة وبلدته الرياض وقبل أن يدخل يرى البنيان فله أن يجمع وأن يقصر ، إلا إذا دخل بلدته ، ولذلك قال أنس رضي الله عنه ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فلم يزل يصلي ركعتين حتى دخل المدينة ) يدل على أنه كان يقصر إلى أن دخل المدينة ، ولذلك في صحيح البخاري ( قالوا لعلي رضي الله عنه لما أراد أن يقصر ، قالوا يا علي هذه بيوت الكوفة نراها ) وهو قد استوطن الكوفة آنذاك ( قال لا ، حتى ندخلها ) يعني مازلنا مسافرين حتى ندخلها ، تصور لو أن إنسانا مثلا قدم من مكة ووصل المزاحمية ولم يصل الظهر والعصر وأراد أن يجمع بين الظهر والعصر فله ذلك ، ولو كان سيصل إلى الرياض التي هي منطقته ولو كان سيصل إليها قبل العصر ، لأن الإنسان بما أنه في وصف السفر له أن يفعل رخص السفر ، والإنسان لا يدري ما يعرض له ، ربما أظن أنني سأصل ، ربما يأتيني عارض من العوارض يمنعني من أن أصل في الوقت الذي أنا متوقع أن أصل فيه قبل تلك الصلاة
وصلى الله وسلم على نبينا محمد