تعليقات على سنن النسائي ـ الدرس ( 62 )
باب صلاة العصر في السفر
الحديث رقم ( 478)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
478 – أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ « مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ » . قَالَ عِرَاكٌ وَأَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ « مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ »
حديث صحيح
ــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد هذا الحديث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث يضبط بضابطين :
” من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهلَه ومالَه” بنصب الأهل والمال
ويصح الوجه الثاني ” من فاتته صلاة العصر فكانما وتر أهلُه ومالُه” بالرفع
فإذا جعلنا من وتر بمعنى سلب ؟، فسلب تتعدى إلى مفعولين أين المفعول الأول ؟ نائب الفاعل هو
وأهله هذا هو المفعول الثاني
وماله معطوف على أهله
فإذا كان معنى وتر بمعنى سلب فننصب (( مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ))
وإن جعلنا [ وتر ] بمعنى أخذ فإنها لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد فيكون المعنى فكأنما ” أخذ أهله وماله “ فيكون إعراب أهله نائب فاعل وماله معطوف على أهله الذي هو نائب الفاعل
وهذا إن دل يدل على شمول وسعة اللغة العربية وأن على المسلمين أن يعنوا بها عناية تامة
وما يكون من كلام في هذا الزمن عدم الرغبة في اللغة العربية وما يشاع حولها من أنها صعبة الفهم، وأن الناس يكرهونها ولا يريدون تعلمها ، ولا يريدون التحدث بها فإنه خلل خطير ومنزلق عظيم لم ؟
لأنه نزل القرآن بلسان عربي مبين فكيف تفهم القرآن
السنة قائلها عربي فصيح عليه الصلاة والسلام فكيف تفهم السنة ؟
ولذا :
علينا أن نمحي ما علق بالذهن من صعوبة اللغة العربية ، وأن تحبب هذه اللغة في نفوس الأجيال
ولذا :
لو أن الإنسان فهم اللغة العربية وقرأ القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وفهم ما فيها من فوائد ما ترك حمل المصحف ولا الاطلاع في السنن كما هو شأن السلف الذين ورثوا لنا تراثا عظيما من المعلومات والفوائد كلها هذه الفوائد ، وهذا التراث كله موجود في القرآن وفي السنة
ولذا :
بتغير حركة ليس بحرف بتغيير حركة ليس بتغيير حرف يتغير المعنى
ولذلك :
أقرب مثال كلمة “فقه فلان “ فقِه فلان تقول فقَه وتقول فقُه فلان بكسر القاف الأولى وبفتح القاف في الثنية وبضم القاف في الثالثة :
فقِه فلان : بكسر القاف يعني فهم فلان في بداية أمره
فقَه فلان: بفتح القاف أي بمعنى أنه أتقن فهمه صار متقنا للفهم
فقُه فلان : أصبح الفقه سجية له
انظروا بمجرد تغيير حركة تغير المعنى مما يدل على عظم اللغة العربية
ومن فوائد هذا الحديث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضيلة صلاة العصر
وقد جاءت أحاديث كثيرة ببيان فضلها كقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (( من صلى البردين دخل الجنة )) والبردان هما العصر والفجر
وكقوله عليه الصلاة والسلام : (( ” من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله ” ))
وكما سيأتي معنا إن شاء الله في حضور الملائكة لهذه الصلاة مع صلاة الفجر
وهناك أحاديث أخرى ومن ضمن هذه الأحاديث هذا الحديث الذي معنا : ((مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ))
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
((مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ))
ما هو هذا الفوات لصلاة العصر ؟
هل هو فوات الوقت المختار ؟
هل هو ترك الصلاة كلية فلم يصلها حتى بعد الوقت ؟
هل الفوات عدم حضور صلاة الجماعة ؟
الصحيح والأقرب :
أنه فوات وقتها المختار بمعنى أنه إذا صلى صلاة العصرصلاها بعد اصفرار الشمس فتكون صلاة العصر قد فاتته
ولذلك في حديث بريدة السابق : ((كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِى يَوْمٍ ذِى غَيْمٍ فَقَالَ
بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( قَالَ « مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ »))
هم أخروها من أجل الغيم هم سيصلون لكن يخشى أن تقع صلاتهم خارج الوقت المختار فدل هذا الحديث وهو حديث بريدة وهو أن الفوات المذكور هنا هو فوات صلاة العصر بحيث تصلى بعد خروج وقتها المختار
ما خروج وقتها المختار ؟
بعد اصفرار الشمس
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بيان عظم الذنب الذي يلقاه الإنسان إذا أخر صلاة العصر إلى ما بعد اصفرار الشمس من دون عذر
ولذلك :
كما عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام : (( ” تلك صلاة المنافق يرقب الشمس فإذا كان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا “))
وخطورة تأخير صلاة العصر إلى ما بعد اصفرار الشمس على ما رجحنا خطورته خطورة أخرى مذكورة هنا فكونه يحبط عمله وكون الجنة تفوته (( من صلى البردين دخل الجنة )) إلى غير ما يذكر من مخاطر في ترك صلاة العصر
هنا أمر خطير أنه ( كأنما وتر أهله وماله) ما معنى هذا الكلام ؟
قال بعض العلماء :
قوله : (( فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ )) قالوا هذا للتحذير يعني ليحذر المسلم من تأخير صلاة العصر إلى ما بعد اصفرار الشمس كحذره من فوات أهله وماله يعني كما أنك تحذر حذرا شديدا من ألا يذهب أهلك ومالك بين يديك سلبا ونهبا من قطاع الطرق فكذلك احرص على ألا تفوتك صلاة العصر
وقال بعض العلماء :
إن من فاتته صلاة العصر عليه أن يندم ندما عظيما كندم من سلب وأخذ أهله وماله بين يديه لأنه وقع في خطر عظيم
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” الندم توبة “ ولذلك من شروط التوبة الصحيحة : أن يندم على ما فعله من ذنب
وقال بعض العلماء :
(فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) معناه أنه يفوته خيرعظيم في الآخرة لو قدر فوات هذا الفضل في هذه الدنيا ما قدر إلا بفوات من سلب منه أهله وماله
فيجتمع عليه غمان من يسلب ماله وأهله قهرا وعدوانا يجتمع عليه غمان
ما هما هذان الغمان ؟
ــ غم إرجاع أهله وماله
ــ وغم الأخذ بالثأر
فهو يريد أن يعود إليه أهله وماله بل لا يكتفي بهذا بل عليه غم آخر تصور لو أنه استرد أهله وماله يزول الغم كله ؟ يبقى غم آخر وهو غم الطلب بالثأرحتى ينتقم ممن صنع هذا
فكذلك من فاتته صلاة العصر اجتمع عليه غمان ؟
ما هما ؟
ــ فوات الأجر
ــ ووقوع الإثم
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن ذكر المال والأهل هنا يدل على أن أعظم ما يسعد به الإنسان في دنياه الأهل والمال
ولذلك قال تعالى : (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))
هذا من حيث الأصل لكن هذا المال وهؤلاء الأهل نعمة إن لم يتصرف فيها التصرف الصحيح الشرعي وإلا ستكون هذه النعمة منقلبة إلى نقمة
ولذلك قال عز وجل : (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ))
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بيان حرص النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم الخير لأمته وعلى تحذيرهم من الشر فجعل عليه الصلاة والسلام يبين خسارة من ترك الصلاة وفوات أجر من ترك الصلاة وجعل يضرب الأمثلة كما في هذا الحديث
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن كلمة ((وتر أهله وماله )) الوتر يختلف عن الشفع فكأن هذا الحديث يشير إلى أن من فاتته صلاة العصر فكأنما لم يبق له شيء من أهله وماله فأصبح وحيدا
فلربما يسفهم من دون ذكر ( وتر أهله وماله ) قد يفهم أنه بقي شيء من ماله لأنه قد يطلق الكل على البعض فلما أتى بهذه الكلمة فكأنما لم يبق له شيء أبدا فأصبح وحيدا فريدا لا مال ولا أهل
ولم بالذات الأهل والمال ؟
قلنا إنهما زينة وكذلك المال والأهل يعدان عضدين للإنسان ولذلك قال تعالى عن الوليد بن المغيرة : ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11))) انظروا قارنوا بين ” من وتر أهله وماله “ وتر أصبح وحيدا ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) )) أتى وليس له مال ولا أهل فما الذي جرى ؟ ((وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدودًا (12))) ذكر المال في الحديث ((وَبَنِينَ شُهُودًا (13)))