تفسير البسملة ( 12)

تفسير البسملة ( 12)

مشاهدات: 476

تفسير البسملة [ 12 ]

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قلنا في الليلة الماضية : إن أركان العبادة ثلاثة :

محبة

ورجاء

وخوف

ومن نال هذه  المراتب  والدرجات الثلاث العالية فإنه ينال الرفعة والدرجة العالية عند الله

وكيف نعزز هذه المراتب ؟

وكيف  نتحصل عليها ؟

وكيف نصل إليها ؟

يقول  شيخ الإسلام : ” إن محبة الله تزيد بأمر “

قال : ” أن تكثر من النظر في نعم الله وفي آياته وفي مخلوقاته فإذا نظرت إلى النعم التي أسبغها الله عليك أحببته لأن القلوب جبلت على حب  من أحسن إليها فكيف وأنت تتقلب صباح مساء ليل نهار في  نعم الله :

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }

ولذا :

قال عز وجل بعدها في ختام الآية :   {  إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

يظلم نفس ويكفر نعمة الله

والله لو عاد عقل العاصي إليه ما تجرأ على أن يعصي الله

ولذا يقول السلف :

(( كل من عصى الله فهو جاهل ولو كان اعلم الناس  ولو كان أذكى الناس ولو كان أعقل الناس ))

لم ؟

لأنه جهل عظمة الله عز وجل

لا تنظر إلى المعصية من  حيث هي  ولكن انظر إلى عظمة من عصيت

ولذا قال تعالى :

{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ }

بجهالة منهم

ولذا : من أطاع الله فهو العالم

ليس العالم الذي يحفظ النصوص الشرعية دون أن يكون  بحفظه لها عمل وتطبيق

فمن حفظ النصوص كانت حجة عليه إن لم يعمل بها

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : (( القرآن حجة لك أو حجة عليك ))

(( كل الناس يغدو ))

ما في أحد إلا وهو يغدو

لا يظن أحد أنه ممكن أن ينحبس لابد أن يغدو :

إما إلى طاعة الله

وإما إلى معصيته

ولذا يقول عليه الصلاة والسلام :

(( أصدق الأسماء  : حارث وهمام ))

لم ؟

لأن كل إنسان يهم ويحرث يعني : يعمل  يكسب

وهذه طبيعة ابن آدم

ولذا جاءت عبارة السلف موجزة مختصرة :

” النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية “

لا تظن أنك إذا بعدت عن طاعة الله عز وجل أنك تكون في  معزل عن معصيته كلا

إن لم تطع الله عصيته

ولذا قال تعالى في آية النحل :

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } النحل18

انظروا إلى هاتين الآيتين :

قال في سورة إبراهيم :

{  إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

ومع كفره مع ظلمه مع جحوده قال عز وجل في آية النحل  : { إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } النحل18

يتجاوز ويعفو جل وعلا

فمحبة الله تزيد بالنظر في آلاء الله :

{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الذاريات21

علي بن أبي طالب  خرج ذات يوم من الخلاء فمسح بطنه وقال : يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها

أي والله

انظروا :

إلى من أصيب بمرض الفشل الكلوي نسأل الله أن يشفي جميع مرضى المسلمين :

انظروا : كم يمكث من الساعات في تنظيف بدنه

ثم ماذا يعقب هذا التنظيف  من آلام ومن متاعب

بينما هو جل وعلا أخرج منك هذه القاذورات بسهولة ويسر

هذه نعمة {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الذاريات21

{أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ }البلد8

يقول بعض السلف :

إذا أردت أن تعرف  قدر نعمة الله عز وجل عليك فغمضْ  عينيك دقيقة أو دقيقتين

تشعر بنعمة عظيمة لا توازيها أي نعمة

{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)  }

تصور لو أنك أعمى أصم أبكم كيف يكو ن حالك

دخل بعض السلف على شخص يئن من الفقر يشكو حاله وفقره :

قال : سبحان الله ! أتريد أن يكون لك مئة ألف بعينك

قال : لا

قال : مئة ألف بأذنيك ؟

قال :لا

قال : مئة ألف بأنفك

قال : لا

ثم جلس يعد عليه من نعم الله عز وجل

قال :  سبحان الله! أرى عندك مئين  من الآلاف وأنت تشكو الفقر

فكانت هذه الكلمة زاجرة لهذا الرجل

فلنتأمل عظم نعم الله عز وجل

ولذا قال عز وجل  :

{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }آل

أولو اللباب هم أصحاب العقول

قال عز وجل :

{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) }

أي : لذي عقل

لأن العقل يحجر صاحبه عما يضره

{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ }

قال عز وجل :

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً }

يخلف أحدهما الآخر

خلفة لمن ؟

{ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }

لو نظرنا إلى هذه الأرض والسماء

{ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) }

لو أن الإنسان أحضر قلبه حينما يسافر إلى أي بقعة من البقاع ثم نظر إلى هذه الأرض العظيمة وما فيها من جبال وأشجار مختلفة متنوعة

ألا تدل هذه على عظم الله ؟

وفي كل شيء له آية     تدل على انه واحدُ

سبحانه وتعالى

إذًا : لنتفكر في آلاء الله وفي بدائع صنعه عز وجل

فمحبة الله تزداد بذلك

أما خوف الله فيزداد بالنظر والتأمل في آيات الوعيد

 

إذا كان عندك قليل خوف فتذكر آيات الوعيد

اقرأ كتاب الله وما أعده من الأهوال والعظام في يوم القيامة :

تطاير الصحف

الميزان

الصراط

النار

وما أعد الله لأهلها من أنواع الجحيم

بهذا تعود إلى رشدك ويزيد معك الخوف من الله عز وجل

أما  زيادة الرجاء :

رجاء الله فيقول رحمه الله :

” بالنظر إلى آيات الوعد :

ما  ذكره الله من خيرات ونعيم للمتقين في  يوم القيامة في عرصات القيامة في الجنة

هذه تزيد رجاءك

اقرأ في الآيات التي تتحدث عن تكفير السيئات والذنوب هذه تزيد رجاءك

ولتعلم :

أن الرجاء لا يمكن أن يخلو من عمل :

ومن كان يرجو الله وهو لا يعمل فرجاؤه كاذب

الدليل :

قال عز وجل :

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

انظروا :

أعظم الشرائع :

الإيمان

والهجرة

والجهاد

ومع ذلك :

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

مع هذه ا لأعمال : { أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } البقرة218

الخوف الذي لا يدعوك إلى العمل الصالح هو خوف كاذب

لأن البعض يخاف من الموت

ما حقيقة وطبيعة خوفه من الموت ؟

أنه لا يرغب أن يفارق أهله وأمواله وبيته

هذا خوف كاذب

الخوف الذي لا يدعوك إلى العمل الصالح خوف  مدخول فيه

قال عز وجل  :

{ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)  }

قالت عائشة : (( يا رسول الله ، أهم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ؟

قال : لا يا ابنة الصديق ، هم الذين يصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم ))

هذا هو الخوف الحقيقي

ولتعلم :

أنه لا خوف بدون رجاء

ولا رجاء بدون خوف

كلاهما متلازمان

حينما ترجو شيئا تخاف أن يفوتك وأن يذهب  عنك

وإذا خفت شيئا رجوت أن يبتعد وأن ينصرف عنك

الرجاء والخوف متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر

فالخوف مستلزم للرجاء ، والرجاء مستلزم للخوف

ولذا قال السلف : إن الرجاء  والخوف يجب أن يكون العبد بينهما كما هو حال الطائر مع جناحيه

الطائر :

إذا لم يستو جناحاه فإنه يسقط

فكذلك الرجاء  والخوف يجب أن تسير بينهما

لم ؟

لأنك إذا غلبت جانب الخوف قنطت من رحمة الله

وإذا غلبت جانب الرجاء أمنت مكر الله

وكلاهما شر

إذا غلبت جانب الخوف قنطت من رحمة الله

أو يئست  من رحمة الله

وهناك فرق بين  اليأس  والقنوط :

القنوط : هو استبعاد حصول المطلوب :

ولذا لما جاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام الملائكة إلى إبراهيم وبشروه بالغلام قال :

{ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }

القنوط ضلال فهو استبعاد حصول المطلوب الذي هو آتي

أما اليأس : استبعاد زوال المكروه الذي هو واقع بالإنسان

الذي وقع على الإنسان يستبعد هذا الإنسان زوال هذا المكروه

ولذا  :

لما وقع المكروب بيعقوب عليه الصلاة والسلام بذهاب ابنيه ماذا قال لبنيه :

قال : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87

فهناك فرق بين الرجاء  والخوف

إذا غلب جانب الرجاء  وقع في الأمن من مكر الله

وتدنست نفسه في الذنوب والعصيان :

{  أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }الأعراف99

ولذا : لو تأملنا النصوص وجدنا أن الله يجمع بين الرجاء  والخوف :

قال عز وجل :

{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }السجدة16

{ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ }

وقال عز وجل  :

لما ذكر الأنبياء لما أنقذهم ورفع ما بهم من البلايا في سورة الأنبياء قال :

{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الأنبياء90

قال عز وجل :

{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) }

{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } غافر3

النبي عليه الصلاة والسلام في  دعاء النوم :

(( اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك … الحديث ))

فلابد أن يكو ن العبد بين الرجاء  وبين الخوف وللحديث إن شاء الله تتمة