قال ابن القيم رحمه الله :
” إن هذا الاسم وهو ( الله ) جامع لجميع أسماء الله جل وعلا الحسنى وصفاته العلا . “
وقال رحمه الله / :
” إن صفات الجمال والجلال أخص بها اسم الله فهذا الاسم أخص بها من غيره من الأسماء وصفات الفعل والمشيئة والتدبير ونحو ذلك أخص بها اسم الرب وصفات البر والإحسان والجود واللطف أخص بها اسم الرحمن “
ويقول رحمه الله في هذا الاسم وهو الله :
” ما قيل في حالة هم إلا فرجة ولا في كربة إلا نفسها ، ولا تعلق به خائف إلا أمن ، ولا استشفى به مريض إلا شفي فبه تفرج الهموم وتنفس الكروب وتطلب الحاجات وهذا الاسم لم يعرف أن هناك من تسمى به “
ولذا قال عز وجل :
{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
على أحد وجوه التفسير. فلم يتسم بهذا الاسم أحد .
وأصل كلمة الله / الإله :
والله مشتق من الإله فحذفت الهمزة التي في الإله فالتقى اللامان فأدغمتا فأصبح الله ، وإنما قيل مشتق لكي يتضمن صفة لله جل وعلا ، وهي صفة الألوهية
ومعنى الله هو:
المألوه أي المعبود مع المحبة والتعظيم ، هو المألوه مع المحبة والتعظيم ، بعد كلمة الله الرحمن ثم الرحيم فيكون ذكر اسمي الرحمن الرحيم من باب ذكر الخاص بعد العام .
في مستهل حديثنا قلنا :
(( إن لفظ الجلالة [ الله ] جامع لكل أسمائه جل وعلا الحسنى وصفاته العلا ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الرحمن الرحيم ]
لا شك أنهما داخلان في لفظ الجلالة الله لكن ذكرا من باب ذكر الخاص بعد العام ، وهذا ما يسمى عند البلاغيين بالإطناب للتنويه بشأن هذين الاسمين .
ولعل- والله أعلم – أن ذكر هذين الاسمين دون غيرهما مع أن أسماءه جل وعلا كلها حسنى بلغت الغاية في الحسن والكمال والجمال لأنه عز وجل قضى وقضائه نافذ بان رحمته سبقت غضبه وأنه عز وجل يجب أن يرحم عباده .
ولذا كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( خلق الله مائة رحمه فجعل جزءا واحدا في الأرض فمن هذا الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه فإذا كان يوم القيامة كمل جل وعلا الرحمة بهذه الرحمة ) )
ولذا :
النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات رأى امرأة ملهوفة يكاد أن يطير قلبها فإذا بها تبحث في السبايا فرأت طفلا لها فأخذته وضمته إلى صدرها
فقال عليه الصلاة والسلام :
(( أتظنون أن هذه طارحة ولدها في النار ؟
قال الصحابة : ” لا يا رسول الله كيف وهي بهذه الحال كاد أن يطير عقلها ؟!
” فقال عليه الصلاة والسلام :
(( لله أرحم بعباده من هذه بولدها ))
ولذا في غالب ما يذكر من أسمائه جل وعلا في معرض الحديث عن يوم القيامة يذكر اسم الرحمن
قال تعالى :
{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } النبأ37
وقال تعالى :
{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ }
وقال تعالى :
{ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ }
فلعل هذا هو السبب في ذكر هذين الاسمين ، ولا شك أن هناك فوائد ولكن كما قال تعالى :
{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }
قال :
الرحمن الرحيم
لو قال قائل :
لماذا لم يقل بسم الله الرحمن أو بسم الله الرحيم ؟
فيقال إنما ذكر أكثر من اسم لأسباب من بينها :
وهي قاعدة في باب الأسماء والصفات :
[ أنه في مقام إثبات أسماء الله جل وعلا وصفاته يكون التفصيل وفي مقام نفي أسماء عن الله جل وعلا يكون الإجمال ]
ففي الإثبات التفصيل ، وفي النفي الإجمال
لأن هذا هو المدح وهو الكمال ولا تخرج عن هذه القاعدة إلا لاعتبارات أخرى
ففي مقام الإثبات يكون التفصيل .
ولذا في آخر سورة الحشر قال تعالى :
{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) }
هذا تفصيل للأسماء لأن فيه مدحا وكمالا
فلو أتيت إلى ملك من ملوك الدنيا ولله المثل الأعلى فقلت له : أنت كريم أنت شجاع أنت معطاء أنت حليم أنت صبور فيكون هذا مدحا ولهذا فصل
أما في النفي فيكون الإجمال
ولذا قال تعالى :
{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }الإخلاص4
وقال تعالى :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }
لأن إجمال النفي مدح لكن لو فصلت لأصبح ذمنا فلو أتيت لملك من ملوك الدنيا وقلت له : لست بكناس ولا فراش ولا زبال فيكون ذلك ذمنا لا مدحا
الأمر الثاني :
هل اسم الرحمن يؤكده اسم الرحيم ، فيكون هذا من باب التكرار ، أو أن لكل اسم معنى يختلف عن المعنى الذي في الاسم الآخر ؟
فإذا قلنا إن الرحيم هو نفس الرحمن فإن كان نفس المعنى فهو توكيد وإن لم يكن فهو تأسيس
ومعنى تأسيس :
أن في هذا الاسم معنى غير المعنى الذي في الاسم الآخر أما إذا قلنا توكيدا فالمعنى الذي في هذا الاسم هو المعنى الذي في هذا الاسم والصحيح أنه ليس توكيدا وإنما هو تأسيس
والدليل هو:
ــ أن هناك قاعدة أصولية لغوية
وهي:
[ أن اللفظ إذا دار بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى إلا بدليل يدل على التوكيد ] وذلك لن التوكيد ليس فيه زيادة معنى أما التأسيس ففيه زيادة معنى فلهذا يختلف المعنيان هنا
ــ أن القاعدة في اللغة العربية تقول :
[ إن اختلاف المبنى يدل على اختلاف المعنى ]
فـ ” الرحمن “على وزن فعلان
و الرحيم على وزن فعيل
فهل فعلان بنيته نفس بنية فعيل ؟
الجواب / لا ، ومن ثم يختلف المعنى .
إذاً اسم الرحيم ليس مؤكدا لاسم الرحمن ، فللرحمن معنى وللرحيم معنى ،
فيقول بعض العلماء : إن الرحمن يدل على الصفة العامة ،
ولتعلم أن صفات الله عز وجل يكون إثباتها بثلاث طرق وهي :
أولا :
أن يصرح بها في النصوص الشرعية كقوله تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }
فهذا نص صريح على أن الرحمة صفة من صفات الله جل وعلا
الثاني :
عن طريق الفعل ، فإذا ذكر الله جل وعلا أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم فعلا لله جل وعلا فنشتق منه صفة
الأمثلة من القرآن :
قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ } تثبت صفة المجيء
قوله تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ } تثبت صفة القول ،
والأمثلة من السنة :
قوله صلى الله عليه وسلم :
(( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا )) تثبت صفة النزول
الثالث :
تشتق الصفة من الاسم
فـ ” الرحمن ” – صفة الرحمة
و ” الغفور ” – صفى المغفرة
و ” السميع ” – صفة السمع
فقول بعض العلماء :
” أن الرحمن يدل على الصفة العامة أي إن الرحمة التي في الرحمن هي صفة الرحمة العامة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم فهو يرحم جل وعلا الكفار فهو يرزقهم ويشفيهم ويعطيهم في هذه الدنيا فرحمته جل وعلا للخلق كلهم من الإنس والجن والدواب والحشرات وهذه هي صفة الرحمة العامة التي تضمنها اسم الرحمن .”
أما الصفة التي في الرحيم فهي الصفة الخاصة بالمؤمنين قال تعالى :
{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }
ولم يقل : وكان رحمن بهم ،
وبعض العلماء يقول :
” إن اسم الرحمن دل على الصفة من غير أن نقسم لا صفة رحمة عامة ولا صفة رحمة خاصة “
فيقول :
” إن الرحمن يدل على صفة الرحمة ، والرحيم يدل على فعله جل وعلا بالمرحوم “
ولذا يعبر البعض عن القول الأول فيقول :
الرحمن تضمن صفة الرحمة الواسعة والرحيم تضمن صفة الرحمة الواصلة
والصحيح :
أنه لا تعارض بين هذين القولين
فهو جل وعلا له صفة الرحمة والخاصة
وهو جل وعلا يرحم جميع خلقه في الدنيا ويرحم المؤمنين في الآخرة
فلا تعارض بين هذين القولين ،
ويميل ابن القيم إلى القول الثاني فيكون متصفا بالرحمة ويرحم ولذا قال كما أسلفنا لم يأت ( رحمن بهم )
وقوله قوي
وذلك لأن الله عز وجل قال في حق المؤمنين :
{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }
وقال في عموم الناس :
{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }
ولم يقل : إن الله بالناس رحمن بهم
واسم الله جل وعلا :
(( الرحمن )) هو من الأسماء التي لم يتسم بها أحد من قبل ولذا قال بهذا بعض المفسرين في قوله تعالى :
{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
ولم يعرف أحد تسمى به فيما بعد سوى مسيلمة الكذاب ولما تسم به عاقبه الله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة فألصق الله به وصفا لا يكاد ينفك عنه إذا ذكر
فإذا قلنا مسيلمة :
نجد أن اللسان يجري بوصفه بأنه الكذاب وليس مسيلمة الكاذب فالكاذب على وزن فاعل وإنما الكذاب على وزن فعال وهذه صيغة مبالغة لكثرة كذبه فقد بلغ ركنا من أركان الكذب
والبسملة :
قال بعض العلماء – بناء على أثر لا يدرى ما صحته من ضعفه -قال به بعض المفسرين
قال :
((إن البسملة مسلحة من ملائكة النار ))
، يعني سلاح يقي من ملائكة النار ، ولا دليل على ذلك وهم قالوا قولهم هذا بناء على أن البسملة تتكون من تسعة عشر حرفا وعدد خزنة أهل النار كما ذكر عز وجل في سورة المدثر:
{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فكل حرف يقابل ملكا .