تفسير البسملة ( 18)

تفسير البسملة ( 18)

مشاهدات: 474

تفسير البسملة ( 18 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الملائكة عليهم السلام وهم حملة العرش  ومن حوله يقولون :

{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا }

رحمة الله عز وجل التي هي صفة من صفاته

قد جاءت في مواطن كثيرة في كتاب الله

ولكن السؤال الذي يستوقفنا :

لماذا جمع بين علم الله ورحمته ووصفا بالسعة ؟

{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا }

أي  : وسعت كل شيء علما

والأدلة على هذا كثيرة :

قال عز وجل :

{ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ }

وقال تعالى :

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }

وأما بالسنة إلى العلم :

فقد قال عز وجل في مواطن كثير ة من بينها :

{ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } طه98

شعيب كما قرأنا في هذه الليلة قال :

{ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا }

إبراهيم عليه السلام قال :

{ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا }

{ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } الطلاق12

إذًا :

هناك سعة رحمة الله

وسعة علم الله

المخلوق قد يرحم لكن رحمته ليست عن علم

وإنما قد تكون في بعض الأحيان رحمة عن جهل

وأضرب أمثلة :

قد يمرض الابن فيصرف له الطبيب دواء

وإذا بهذا الدواء لا يستسيغه هذا الطفل ولا يرغب فيه

فإن رحمه الأب ولم يلزمه بشرب الدواء :

ما الذي يكون مآل هذا الطفل  ؟

شدة المرض

إذًا :

رحمته هنا رحمة عن جهل

لكنه لو ألزمه مع أنه لا يستسيغ شرب هذا الدواء تكون هذه الرحمة من هذا الأب عن علم لأنه يعلم أن شفاء هذا الطفل بإذن الله عن طريق  هذا العلاج

مثال آخر :

الأب لو ترك ابنه الذي يبلغ سن التمييز من السابعة فما أعلى لو تركه لا يؤدي صلاة الفجر في شدة حر أو في شدة برد من باب الرحمة له

قال : لوالدته أو لزوجته : لا توقظيه دعيه ينام من باب الرحمة به حتى لا يمسه حر ولا يؤذيه برد

هنا رحمه

رحمة عن جهل

لأنه سيتجرع مصائب هذا الابن إذا كبر

لكنه لو أيقظه هذه هي الرحمة الحقيقة

لم ؟

لأنها رحمة نابعة عن علم

لكن لو تركه فهي رحمة عن جهل

والأمثلة في هذا كثيرة :

لو أن الشاب  طلب من أبيه أمورا يرغبها هو لكنها محرمة في الشرع :

كأن يلح على أبيه أن يدخل قنوات فضائية مثلا

وإذا بهذا الابن يلح عليه ويصر عليه فأدخلها من باب الرحمة له

ما تظنون في هذه الرحمة ؟

رحمة ناشئة عن جهل

لكن إن منعه هذه هي الرحمة الحقيقة التي ينتفع بها الابن والأب في دنياهما قبل أخراهما

ولذا :

سبق معنا :

أن الإنسان كلما اتسع علمه اتسعت رحمته

وسبق بيان هذا

كلما اتسع علمه اتسعت رحمته

أعطيك مثالا :

لو أتاك سائل يسأل وأنت لا تعرفه ، أنت تجهل حاله

ومن ثم :

فإن رحمتك به تكون قليلة فتعطيه قليلا من المال

أو ربما لا تكون هناك رحمة فلا تعطيه شيئا

لم ؟

لأنك لا تعلم بحاله

لكن لو كانت لديك أمارات وعلامات على صدقه

ترحمه

لكن ليست بتلك الرحمة فتعطيه

لكن :

لو علمت أن هناك سائلا وفقيرا محتاجا وقفت على حالته وعلمت ما لديه وما هو مورده ألا ترحمه ؟

بلى

تكون هذه الرحمة له أوسع

لم ؟

لأنها تابعة لعلمك

فلما اتسع علمك بحال هذا الرجل اتسعت رحمتك

إذًا :

الله وسع كل شيء علما

وسعت رحمته كل شيء

وأعطيكم أمثلة على تعلق سعة علم الله بسعة رحمته :

هو جل وعلا يعلم كل شيء :

ومن ثم فإن هناك دوابا وحشرات لا يعلمها إلا هو عز وجل ومن ثم رحمها فأدرَّ عليها رزقها :

{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا }

بعض الدواب :

بعض الحشرات :

لا تستطيع أن تذهب فتأتي برزقها فيأتيها رزقها

لم ؟

لأن الله علم بها

لو أن الأمر موكول إلينا لماتت وهلكت

{ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ }

ختام الآية :

{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

ولذا قال تعالى :

{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ }

في التصرف

في التدبير

في الشئون

سبحان الله!

كل

يمكن :النمل امة لها شانها حياتها

النحل امة

{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ }

ما الذي بعدها ؟

{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }

وهو اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء

{ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

انظروا :

ختام الآية :

{ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

تحشر هذه الدواب حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء

وهذا من باب الرحمة

لم ؟

لأنه جل وعلا علم ما جرى بين هذه الدواب  من التناطح فأصبحت إحداهما مظلومة فرحمها عز وجل فيبعثها يوم القيامة فيقتص لها

وهذا من باب الرحمة  لها

ولذا  : لما قال فرعون لموسى وهارون عليهما السلام :

{ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)  }

أعطى كل شيء من الخلق ما يحتاج إليه ثم هداه إلى طريقته دون أن يكون هناك عائل ومحاسب ورقيب ومتابع عليه

من الأمثلة على تعلق سعة علم الله بسعة رحمته عز وجل :

والأمثلة كثيرة:

من الأمثلة :

أن البكاء وهو البكاء رحمة من  الله

بكيت – عبد الله – من فرح هذه رحمة منه سبحانه

بكيت من حزن هذه رحمة

فالله لما علم حاجتك إلى البكاء رحمك فأبكاك

{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }

فإنه إذا جاء ما يفرحك فضحكت هذه حالة سرور فهذه رحمة

إذا جاء ما يحزنك ودمعت عينك فهذه رحمة لأنها من باب التنفيس .

النبي عليه الصلاة والسلام لما وضع ابن ابنته ونفسه تقعقع

يعني : تخرج

بكى عليه الصلاة والسلام

نزلت منه دمعة فقال سعد  :

(( وأنت يا رسول الله! ))

قال : (( هذه رحمة ))

انظروا :

قال :

(( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ))

لما علم عز وجل أنك محتاج إلى الأجر ، وأن غيرك محتاج للاتعاظ أنزل بك البلاء

فإنه عز وجل لما أنزل بك البلاء إنما أنزله رحمة بك ، لأن هذا البلاء صادر عن علم فرحمك عن علم

لم ؟

لأن هذا البلاء يكفر ذنوبك

يمكن أن يكون هذا المرض عظة لك

قد يكون البعض متجبرا متسلطا لا يرى الناس  شيئا لا يرى أحدا أعلى منه

فينزل الله به هذا البلاء فيستكين ويخضع ويشعر بضعفه

وكم من شخص كان متجبرا متسلطا على نفسه بالذنوب أو متسلطا على الخلق  بالظلم والطغيان لما نزل به المرض استكان

ومن ثم :

فهذه رحمة :

لأن الله أعاده إلى صوابه

فهذه رحمة من الله عز وجل له

قد لا تكون رحمة لك أنت

قد تكون رحمة لأن ينزهك عن هذا

قد لا تكون رحمة لهذا الظالم

قد ينزل الله عز وجل بهذا الطاغية بلاء فلا يصبر فيتسخط ، ولا يخضع

لكن هذا البلاء رحمة لغيره

لأن هناك أناسا إذا رأوا هذا الطاغية كيف أذله الله عز وجل رجعوا عن غيهم

ومن ثم :

فإنها رحمة من الله لهؤلاء

ولذا قال تعالى :

{ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ }

ما الذي بعدها ؟

{ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }  آل عمران30

فلما حذرنا نفسه لأنه يعلم :

هو أعلم بنا من أنفسنا

ومن ثم :

هو أرحم بنا من أنفسنا

ولذا :

أنزل الكتاب

هو يعلم أن البشر لا يمكن أن تصلح لهم حياة ولا تستقيم لهم أمور إلا بهذا الكتاب الذي يصيرهم على الطريق المستقيم :

ولذا قال :

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ }

ما الذي بعدها ؟

{ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

فإذا نظر الإنسان وجد أن هناك أمثلة تدل على :

تعلق علم الله بسعة رحمته

 

ولذا :

تأملوا :

إذا ذكر الخلق في آيات كثيرة يذكر العلم :

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }

آيات كثيرة

تجد ترابط

لم ؟

لأنه علم بأحوال الخلق

ومن ثم :

رحمهم عز وجل

علم بما عليه الخلق ورحم الخلق

ولذا :

لما قالت بنو إسرائيل للنبي :

{ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا }

إلى آخر ما ذكر

قال :

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ }

هذا تصورهم :

أن الناس يقيمون بالمال

{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }

في العلم :

حتى يرحم

لأن القائد إذا لم يكن لديه علم بأحوال رعيته وبأحوال من هم تحته ما رحمهم

لكن إذا علم بهم رحمهم

قال : { وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ }

ما الذي بعدها ؟

{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }  البقرة247

واسع الرحمة

واسع الملك

واسع العطاء

ولذا هو عز وجل يقتر على بعض الناس :

لأنه يعلم أن الرزق لو انبسط له لطغى :

{ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ }

هكذا بعض الناس

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ }

لم ؟

{ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ }

{ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) }

يفترض أن يكون هذا المال وهؤلاء البنون نعمة من الله لكن هؤلاء يطغون

{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) }

لكن قد يقتر عز وجل لأنه يعلم : – وهذا من مصلحته ، ولذا لا تحزن على ما فاتك ولا تفرح بما أتاك فالله أعلم بك

ربما تحزن على شيء تظنه خيرا وإذا به شر عليك

ولذا قال : { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

خزائن السموات والأرض :

من الأرزاق

والأمطار

والخيرات

{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }

يعني :يقتر

ما الذي بعدها ؟

{ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذا يصلحه الفقر

وهذا يصلحه الغنى

وهذه الأمثلة تكون مفتاحا لك في التأمل والتدبر في سعة علم الله وسعة رحمته