تفسير البسملة ( 2 )
تتمة فضل البسملة
وتفسير كلمة (( بسم )) (1 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مضى طرف من حديث حول أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في فضل البسملة :
بسم الله الرحمن الرحيم
وما ورد :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح ابن حبان :
قال : (( كل أمر ذي بال لا يذكر فيه اسم الله فهو أقطع ))
وهذا الحديث :
يضعفه بعض العلماء كالألباني
وهناك من يحسنه كابن الصلاح
وعمل المسلمين من السابق يدل أن لهذا الحديث أصلا
وأن كل أمر ذي بال لا يذكر فيه اسم الله فهو أقطع
ولكن يتنبه إلى أمر :
وهو أن بعض المواطن التي ابتدأ بها النبي عليه الصلاة والسلام حديثه من غير ذكر البسملة لا يجوز أن تذكر فيه البسملة فيكون ذلك من الابتداع في الدين لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))
وفي رواية مسلم :
(( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))
يعني : مردود عليه
وذلك لو أن الخطيب بسمل في بداية الخطبة فهذا بدعة :
فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفتتح خطب الجمعة بالبسملة وإنما افتتحها بالحمد
كذلك :
لو أن المؤذن قبل أن يؤذن قال :
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم شرع وقال : الله أكبر
فنقول : إن هذا الموطن ليس موطن بسملة
لم ؟
لأن النبي عليه الصلاة والسلام وردت في عصره هذه العبادات وهذه المواطن ولم يبسمل فيها عليه الصلاة والسلام :
ـــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم :
الباء :
هنا للاستعانة على القول الصحيح من قول علماء اللغة
فيكون العبد مستعينا باسم الله على قضاء حاجته
سواء كانت هذه الحاجة قراءة أو خطبة أو جماعا لزوجته
أو دخولا للمسجد
أو خروجا من المسجد
أو دخولا للبيت
أو خروجا من البيت
أو ما شابه ذلك من هذه المواطن
فيكون العبد مستعينا باسم الله
والاسم هنا :
ليس المراد الواحد من الأسماء بل كل أسماء الله
وذلك :
أن القاعدة عند علماء الأصول :
أن المفرد إذا أضيف إلى معرفة فإنه يعم
فالاسم هنا مفرد فأضيف إلى لفظ الجلالة الله
فيكون المعنى :
أستعين بأسماء الله عز وجل
أي : مستعينا بجميع أسماء الله جل وعلا
والاسم :
من حيث اللغة
من حيث الاشتقاق اللغوي :
قال بعض أهل اللغة :
مشتق من السمو
وذلك لأن الشخص يسمو ويرتفع باسمه عن الآخرين
ولذا :
اسمك محمد تسمو به وترتفع به عن أسماء غيرك
زميلك : اسمه عبد الله يرتفع بهذا الاسم عن غيره
وقال بعض علماء اللغة :
مشتق من السمة :
وهي العلامة
وذلك أن اسمك علامة عليك على ذاتك على شخصك
فاسمك مثلا : محمد
فمحمد علامة على ذاتك
اسم ذلك الرجل : عبد الله هو علامة على ذلك الرجل
وهلم جرا
وأسماء الله حسنى :
قال تعالى :
{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }
ومعنى الحسنى : التي بلغت في الحسن غايته وأكمله
ولذا:
الاسم الذي لا يشتق منه صفة فإنه لا يكون اسما لله
فمثلا :
قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
قال الله عز وجل :
(( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ))
ليس معنى ذلك :أن الدهر اسم من أسماء الله
وإنما تفسير معنى (( وأنا الدهر )) ما جاء بعده : (( أقلب الليل والنهار ))
ولذا في بعض الروايات :
(( لي الليل والنهار ))
فدل على أن الدهر ليس اسما من أسماء الله
لم ؟
لأنه اسم جامد لا يشتق منه صفة
و لتعلم :
أن أسماء الله ليست مجردة من المعاني
بينما المخلوق :
قد يكون الاسم له مجردا
كيف ؟
شخص اسمه عبد الله ، من العبودية لله لكن قد يكون من أفجر الناس
إذًا : لم يكن له من اسمه نصيب
إنسان اسمه محمد :
ومحمد معناه أنه محمود على ما يكون من الصفات
فقد يكون هناك شخص : اسمه محمد وهو ذميم عند الناس
لكن :
أسماء الله جل وعلا
وكذلك أسماء القرآن
وكذلك أسماء النبي عليه الصلاة والسلام
ليست أسماء مجردة
وإنما لها معاني ، وتشتق منها صفات
ولذا سما الله ووصف القرآن بأنه ضياء
فيكون ضياء في الواقع وفي الحقيقة فلا يمكن أن يخرج من أن يكون ضياء
وصف الله القرآن بأنه شفاء لا يمكن أن يكون غير شاف
لكن العلة والخلل إذا قرئت الآية أو السورة ولم ينتفع بها فالخلل من القارئ أو من المقروء عليه
أما الآية فليس فيها خلل
وكما أسلفنا قول ابن القيم رحمه الله :
(( إن الأذكار وقراءة القرآن بمثابة السلاح والسلاح بضاربه ))
فلا عيب ولا خلل ولا نقص في آيات الله ولا في كتابه
النبي عليه الصلاة والسلام :
اسمه محمد
وهو مأخوذ من اسم المفعول :
يعني : أنه محمود عليه الصلاة والسلام على ما فيه من الصفات الحميدة
وليس اسما مجردا
ولذا يحمد عليه الصلاة والسلام
يحمد متى ؟
حمد في الدنيا
ويحمد يوم القيامة
ولذا يقول تعالى :
{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }
الإسراء79
فالمقام المحمود :
كما فسر في حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه الشفاعة الكبرى
وليس معنى ذلك أن يحصر المقام المحمود في الشفاعة الكبرى بل إنه عليه الصلاة والسلام يحمد في كل موطن من مواطن يوم القيامة
إذًا :
لم يكن هذا الاسم عاريا من المعنى
اسمه أحمد :
كما ذكر جل وعلا في سورة الصف:{ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }
ومعنى أحمد :
أنه أكثر من غيره يحمد
كما قال ابن القيم
وهناك قول بأنه أحمد الناس لربه
فهو أعظم الناس حمدا لله ولاشك في أنه من أكثر ومن أعظم الناس حمدا لله
لكن يقول ابن القيم :
” إن معنى أحمد مثل معنى محمد ، فمحمد هو محمود ، ومعنى أحمد : أنه أكثر من يحمد أكثر من غيره “
ولو كان معنى أنه أكثر الناس حمدا لربه لكان مسمى بالحامد كما سميت أمته بالحمادين
فالشاهد من هذا :
أن أسماء الله ليست مجردة من المعاني
ولذا كل اسم تشتق منه صفة
وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة
ومعتقد أهل السنة والجماعة :
” أن كل اسم لله جل وعلا يجب أن تؤمن بأنه قد تضمن صفة تليق بهذا الاسم “
ويجب كذلك أن تؤمن بالأثر الذي يكون من هذا الاسم :
إذًا :
يجب أن تؤمن بالاسم :
مثل الرحيم
هذا اسم
يجب أن تؤمن بأن هذا الاسم قد تضمن صفة وهي صفة الرحمة
يجب ان تؤمن بصفة الرحمة
كذلك يجب أن تؤمن بالأثر الذي يقتضيه هذا الاسم
ما هو الأثر ؟
أنه يرحم جل وعلا
فهو الرحيم ذو الرحمة التي يرحم بها عباده جل وعلا
وهلم جرا في جميع الأسماء :
السميع :
يشتق منه صفة السمع
وهو جل وعلا يسمع
ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسمائه أنها توقيفية لا يجوز لنا أن نختلق أو أن نخترع أو أن نضع أسماء له
مثال ذلك :
القديم الأزلي :
ليس اسما لله
لم ؟
لأنه لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام
الفرد :
من حيث المعنى صحيح
القديم الأزلي من حيث المعنى صحيح
الفرد : ليس اسما من أسماء الله
لم ؟
لأنه لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام
لكن لو أردنا أن نخبر عنه جل وعلا :
فرق بين الإخبار وفرق بين الإنشاء :
فرق بين أن ننشئ اسما له جل وعلا وفرق بين أن نخبر عنه جل وعلا
فلو قلنا : يا أحد يا فرد
كما لو دعا إنسان وقال : يا أحد يا فرد
فيجوز
لم ؟
لأنه مخبر عن الله
مثل قول بعض الناس :
يا هادي
يا دليل
يا دليل هذا إخبار
فيجوز أن نخبر عنه
لم ؟
لأنه يدل عباده جل وعلا على الخير وعلى الهدى
وأسماء الله كما أنها حسنى
فكذلك صفاته عليا
قال تعالى : { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }
يعني : الصفة العليا
وصفاته أوسع في نسبتها إليه من الأسماء
كيف ؟
الأسماء توقيفية إن ورد في الكتاب قُبِل
إن ورد في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام قبل
أما الصفة فإنها أوسع
لم ؟
لأن إثبات الصفة لها من ثلاث طرق :
إما عن طريق الاسم
مثل :
قولنا الرحيم تشتق منه صفة الرحمة
السميع : السمع
البصير : البصر
وهلم جرا
الطريق الثاني :
أن ينص النص عليها :
كما قال تعالى :
{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }
فالرحمة هنا : منصوص عليها في كتابه جل وعلا فتثبت إذا جاء في الكتاب أو في السنة
الطريق الثالث :
عن طريق الفعل :
مثل قوله تعالى : { وَجَاءَ رَبُّكَ }
نثبت له صفة المجيء
{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ }
نثبت له صفة المشيئة
لكن لا نقول بأنه الجائي
لا نقول بأن من بين أسمائه الجائي
ولا من بين أسمائه الشائي
لم ؟
لأن الأسماء توقيفية لا يمكن أن تشتق من طريق
إنما طريق إثباتها ما ورد في الكتاب والسنة
أما الصفة فمن ثلاث طرق
وأسماؤه جل وعلا ليست محصورة في عدد معين
ولو قال قائل :
ماذا تقولون في حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ))
هنا مذكور العدد
ما هو هذا العدد ؟
تسعة وتسعين اسما
فكيف نوفق بين قولنا هذا وبين هذا الحديث الكريم الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ))
نتحدث عن ذلك في الدرس القادم إن شاء الله مع مزيد من المسائل حول أسماء الله وصفاته