تفسير البسملة ( 3 )
تتمة تفسير لفظ ( بسم )(2 )
أسماء الله وصفاته
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازال الحديث حول أسماء الله وصفاته
أسماؤه جل وعلا لا تحصى ولا تحصر في عدد معين
وأما حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ))
فإن هذا الحديث إنما يعنى به العدد المذكور في الكتاب وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
وإلا فهناك أسماء له عز وجل قد استأثر بعلمها
ويدل لهذا ما جاء في دعاء الهم وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام
(( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ ))
موضع الشاهد :
(( اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي))
الحديث
فموضع الشاهد من هذا الحديث :
قوله عليه الصلاة والسلام :
(( أو استأثرت به في علم الغيب عندك ))
وإذا كانت أسماؤه جل وعلا غير محصورة
فكذلك صفاته
لم ؟
لأن كل اسم يشتق منه صفة
فإذا كانت الأسماء قد استأثر الله بشيء منها فكذلك الصفات
ولو قال قائل :
ما معنى أحصاها في حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ))
الجنة : مبتغى المؤمنين ومطلب الحريصين فكل يحب أن يكون من أهل الجنة وكل يسعى إلى هذه الجنة العظيمة التي هي أعظم السلع كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة ))
لو قال قائل :
ما معنى الإحصاء هنا ؟
حتى أقوم بهذا الإحصاء فأتحصل على هذه السلعة الغالية عند الله ؟
فنقول :
إن الإحصاء في هذا الحديث معناه :
أن تحفظ هذه الأسماء وأن تفهم معانيها ليست أسماء مجردة فإن لهذه الأسماء معاني
ومما يدل على أن لها معاني :
أن الله قال :
{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }
ومن بين آيات القرآن :
آيات الصفات
فالله أمرنا أن نتدبر جميع الآيات
لتعلم :
أنه ليس هناك آية خفية عن عموم المسلمين
قد تخفى معاني بعض الآيات على بعض أما على الكل فلا
وأما قوله عز وجل :
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }
المتشابه :
هو الذي لم يظهر معناه
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }
بمعنى : أن هذا المتشابه لا يعلم تأويله وحقيقة أمره وما يؤول إليه إلا الله
لكن ما هو هذا المتشابه الذي لا يعلم تأويله ولا حقيقة أمره إلا الله ؟
كيفية صفات الله
معتقد أهل السنة والجماعة أن نثبت أن لله صفات
ما طريق إثباتها ؟
عن طريق الكتاب والسنة
لكن لتعلم :
أن لهذه الصفة كيفية لكنها خفية علينا لا نعلمها :
فمثلا قوله تعالى : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
من صفاته السمع والبصر فنثبتها
لكن حقيقة السمع أهو كسمع المخلوق أو هو على صفة معينة أو كيفية معينة ؟
هذا لا يجوز أن ندخل أفهامنا وعقولنا فيها
ولذا :
لما سأل رجل الإمام مالك :
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
كيف استوى ؟
فقال رحمه الله : الاستواء معلوم
يعني : معلوم من حيث اللغة فهو العلو والارتفاع والصعود
(( الاستواء معلوم والكيف مجهول ))
يعني : كيفية استوائه جل وعلا على العرش لا ندرك ذلك
(( والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ))
إذًا :
مما يستأثر الله به من الآيات كيفية صفاته جل وعلا
فالله جل وعلا : له يد
لكن لا نكيفها
لا نقول : إن هذه اليد كيفيتها كذا وكذا
هذا لا يجوز
لكن علينا أن نثبت كما أثبت السلف رحمهم الله
ولذا قال عمر بن عبد العزيز :
(( قف حيث وقف القوم ))
يعني : الصحابة رضي الله عنهم
(( فإنهم عن علم وقفوا ))
كذلك مما يستأثر به جل وعلا :
حقيقة نعيم الجنة
كما قال تعالى :
{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17
الأسماء هي الأسماء
نخيل في الجنة
عندنا في الدنيا نخيل
لكن نخيل الجنة كنخيل الدنيا في الكيفية والصفة والحقيقة ؟
لا
ولذلك :
ليس في الدنيا مما في الجنة كما قال ابن عباس إلا الأسماء
ولذا قال تعالى :
{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ }
على أحد وجوه التفسير :
يعني في الدنيا
{ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا }
الاسم هو الاسم
لكن الطعم واللذة يختلفان
أما بقية آيات القرآن فإنها معلومة عند المسلمين
إن خفيت بعضها على بعض العلماء فإنه لا تخفى على البعض الآخر
لم ؟
لأن الله أمرنا ان نتدبر آياته ولا يمكن أن يتدبر ما ليس بمفهوم
إذًا :
هذه الصفات وهذه الأسماء لها معان
ولذا أمر بتدبر الآيات
أعظم آيات القرآن هي آيات الصفات
مثال على ذلك
آيةُ الكُرْسِي هي أعظمُ آيةٍ في القُرآن
لِمَ؟
لأنَّها اشْتَملتْ على أَسْمَاءٍ لله وصِفَاتٍ له عزّ وجلّ
تجد الآية قد تحدثت عن أسمائه وصفاته :
{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }البقرة255
سورة الفاتحة :
لماذا كانت أعظم سورة ؟
لأنها ابتدأت بالتوحيد
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
بل إن قوله تعالى :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
قد اشتملت هذه الآية على أنواع التوحيد الثلاثة :
توحيد الربوبية
وتوحيد الألوهية
توحيد الأسماء والصفات
لماذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ؟
لأنها أخلصت في ذكر أسماء الله وصفاته
فيا ترى ما معنى حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من أحصاها دخل الجنة )) ؟
من حفظها وعرف معانيها وعمل بمقتضاها
قد تحفظ هذه الأسماء
وبالمناسبة هذه الأسماء لم يأت حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذكرها فتركت مبهمة من أجل أن يتأمل ويتدبر المسلم كتاب الله جل وعلا ليستنبط ويستخرج هذه الأسماء
وما جاء عند الترمذي عقيب ذكر هذا الحديث في عد هذه الأسماء فإنها كما قال شيخ الإسلام :
” ليست ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام “
إنما هي من أحد الرواة فلا يعتد بها ولا يعول عليها
فليست ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام
إذًا :
حفظها : عرف معانيها
عمل بمقتضاها
قد يحفظها
قد يعرف معانيها
لكنه لا يعمل بمقضتاها
لو قال قائل :
كيف نعمل بمقتضى الأسماء والصفات ؟
فنقول :
مثلا :
قول الله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
من أسمائه السميع :
حفظت هذا الاسم عرفت معناه من أن له سمعا وأنه يسمع كيف تعمل بمقتضى هذا الاسم ؟
أن تحذر من أن تقول شيئا يغضب الله جل وعلا
لم ؟
لأنه يسمع
هذا هو العمل بمقتضى أسماء الله
قال جل وعلا :
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }المجادلة1
قالت عائشة رضي الله عنها :
(( تبارك سمع الله ، والله إني لفي الحجرة وما سمعت كلامها مع النبي عليه الصلاة والسلام وسمع الله كلامها من فوق سبع سموات ))
من أسمائه:
البصير :
كيف نعمل بمقتضى هذا الاسم ؟
أن تحذر من أن تعمل شيئا يغضبه ويسخطه عز وجل
لم ؟
لأنه يراك
{ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
من أسمائه جل وعلا :
الشافي
كيف يعمل بمقتضى هذا الاسم ؟
إذا كنت مريضا فتذكر أن من بين أسمائه عز وجل : (( الشافي ))
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }الشعراء80
دعاء النبي عليه الصلاة والسلام كان يرقي به المرضى :
(( اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي ))
(( أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ))
والله لو قيل هذا الدعاء من قلب خالص ، واستقبله قلب المريض بقلب خالص والله يرفع مرضه من أول مرة
عثمان بن أبي العاص :
قال : لما أسلمت وجدت في قلبي حرجا وتألمت في بعض جسدي فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ضع يدك على ما تألم من جسدك وقل ثلاث مرات : بسم الله ثم قل سبعا : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ))
يقول : ففعلتها فشفاني الله
قد يقولها قائل في هذا العصر ولا تنفع قد يقولها مائة مرة ولكنها لا تنفع
العيب فيها ؟
لا والله
العيب فينا
العيب في قلوبنا
فالشاهد من هذا :
أن من بين أسمائه الشافي فإذا علمت أنه هو الشافي وأن ما تفعله من تعاطي الأدوية والذهاب إلى الأطباء إنما هو سبب فلتعتقد بقلب جازم وتحسن الظن بربك أنه سيشفيك
(( ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ))
وكم من شخص قد آيس منه الأطباء
وقالوا :
لا شفاء له ولا علاج له انتظروا حتى يأتيه اليقين
فتعطلت الأسباب عندهم لكن قد يكون هناك ابن أو قارئ أو قريب قد امتلأ قلبه بالإيمان وبالثقة بالله عز وجل فيقرأ على هذا المريض لأن الأسباب الدنيوية كلها انقطعت ولم يبق إلا سبب الله عز وجل
فقرأ والقصص في هذا كثيرة جدا
وأعلم قصص أناس أصيبوا بمرض السرطان قرئ عليهم القرآن فشفاهم الله كأن لم يكن بهم وجع :
{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
وهكذا جميع أسمائه عز وجل
إذا أردت ان تدخل الجنة :
فعليك أن تحفظها
وأن تعلم معانيها
وأن تعمل بمقتضاها
وللحديث تتمة إن شاء الله