تفسير البسملة ( 8 )
تفسير لفظ ( بسم ) [ 7 ]
فضيلة الشيخ :زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقول العبد : بسم الله
هكذا وردت في كتاب الله
وذلك بإجماع الأمة أنها جاءت في سورة النمل
وذلك لما قالت تلك المرأة التي قال المفسرون :
(( أن اسمها بلقيس قالت :
{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }
ما دلائل كرمه ؟
{ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
فإجماع الأمة منعقد على أن البسملة جزء من آية في سورة النمل
ولذا :
إذا أراد العبد أن يكون كريما في تصرفه أو في قوله أو في فعله يقول : بسم الله
ودليل هذا :
ما سبق إيراده من قوله عليه الصلاة والسلام :
(( كل أمر ذي بال لا يذكر فيه بسم الله فهو أبتر))
اسم الله :
جاء في كتاب الله تنزيهه :
قال تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} }
فصار التنزيه والتسبيح للاسم فكيف يكون ذلك ؟
أليس التسبيح والتنزيه لله جل وعلا ؟
بلى
قوله تعالى :
{ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } الواقعة74
قوله عز وجل :
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الإنسان25
المراد من الأمر بتسبيح الاسم أو ذكره :
المراد من ذلك كما قال ابن القيم :
أن يتوافق القلب مع اللسان بالذكر
كيف ؟
لأن الذكر ضده النسيان
ذكرت الشيء وضده نسيته
والنسيان محله القلب
فلو قال : سبح ربك
لكان اللفظ ينطلق في أول مفهومه على الذكر بالقلب فكأنه قال : سبح ربك ناطقا باسمه
ولذا : أفضل الأذكار أن يتوافق القلب واللسان معا
ونحن بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا ونذكر إخواننا حال الأذكار :
أن يجمع بين هذين الأمرين
لأن جملة منا أو الغالب منا يذكر الأذكار
سواء كانت أذكارا تقال بعد الصلاة أو عند المساء أو عند الصباح أو عند دخول المنزل أو عند الخروج منه أو عند جماع الزوجة أو ما شابه ذلك من هذه الأذكار نجد أننا نصب اهتمامنا على اللسان دون أن يكون للقلب تعلق بهذا الذكر اللساني
وهذا خطأ
وهذا هو أقل درجات فضائل الذكر
لأن أفضل الأذكار أن تقول الذكر بلسانك ويتوافق مع ذلك قلبك
ومن ثم :
ينتفع القلب بهذا
ولذا قال ابن القيم :
قال : (( إذا كان للعبد ورد في صباحه وفي مسائه يتوافق قلبه مع لسانه فإنه أبعد من أن يصاب بالسحر أو أي شيء من الأذى ))
المرتبة الثانية : الذكر بالقلب
المرتبة الثالثة :الذكر باللسان
فالذكر بالقلب أرفع درجة من الذكر باللسان
وذلك : كأن يتأمل الإنسان بديع صنع الله
أو أن يتأمل معاني ذكر من الأذكار دون أن ينطق لسانه بهذا فإن القلب ينتفع بهذا انتفاعا عظيما
ولذا شيخ الإسلام يقول : إن الذكر للقلب بمثابة الماء للسمك
كيف هذا ؟
واضح تفسيره ؟
هل يمكن أن يستغني السمك عن الماء ؟
لا يمكن
ولذا إذا خرج من الماء يموت
فكذلك القلب إذا لم يرد عليه ذكر الله فإنه يموت
ولذا قال تعالى :
{ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
قال :
تطمئن القلوب
بينما في آية أخرى ماذا قال ؟
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }
سبحان الله!
هناك خوف عند ذكر الله
وهناك اطمئنان عند ذكر الله
قال العلماء :
” إن القلب ليجل وليخاف عند ذكر آيات الوعيد “
وإن القلب ليطمئن حينما يسمع آيات الوعد
ولذا جمع بينهما عز وجل في قوله :
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا }
لأن أعظم أنواع الذكر هو القرآن
يلي ذلك في ذكر الله :
الذكر الذي هو التسبيح : سبحان الله والحمد لله ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله
يلي ذلك في مرتبة الأذكار :
الدعاء فالدعاء ذكر
ولذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( أفضل الدعاء : الحمد لله وأفضل الذكر : لا إله إلا الله ))
فيقول رحمه الله :
(( إن الذكر للقلب بمثابة الماء للسمك ))
ولذا تقول عائشة :
” إن الاستغفار للقلب بمثابة الخرقة النظيفة للمرآة “
الخرقة النظيفة تنظف المرآة تجعلها برَّاقة لامعة نضرة
فكذلك الاستغفار يصقل القلب
ودليل هذا :
ما جاء عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام :
(( إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب منه واستغفر صقل منها))
يعني : تنظف قلبه وتطهر قلبه
فأفضل الأذكار :
أن يتوافق القلب مع اللسان
ثم بعد ذلك : ذكر القلب
وشيخ الإسلام القائل هذه العبارة نرى أنه يفعلها في حياته فماذا كان يقول :
يقول في جلسته التي بعد صلاة الفجر يقول :
(( هذه غدوتي إذا تركتها خارت قواي))
هذا الذكر الذي يكون بعد صلاة الفجر بمثابة المدد والقوة لشيخ الإسلام
إذًا :
الذكر يقوي البدن
ولذا :
فاطمة رضي الله عنها لما أتت النبي عليه الصلاة والسلام تطلب منه خادما ليعينها على شئون البيت وقد تأثر جسمها ويداها من العمل فبماذا أرشدها عليه الصلاة والسلام ؟
أرشدها هي وزوجها علي أن يقولا عند النوم :
(( سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين ))
قال عليه الصلاة والسلام : (( فهي خير لكما من خادم ))
قيل لعلي : أتركت هذه الأذكار ؟
قال : ما تركتها حتى ليلة صفين
ليلة المعركة ما تركها رضي الله عنه
ولذا يقول شيخ الإسلام كما في كتاب ابن القيم :
” الوابل الصيب من الكلم الطيب “
يقول : إن هذا الذكر لينفع أهل المهن الشاقة “
يعني : من كان حدادا أو نجارا ويتعب في هذه الشغلة وفي هذا العمل في صباحه ومسائه عليه أن يلتزم هذا الذكر قبل النوم فإنه يكون عونا له على عمله
وهذا مشاهد :
فيه أحد القضاة من سلف هذه الأمة كما ذكر ابن كثير في البداية وهو أحد العلماء تجاوز مئة سنة وهو يفتي وعقله معه
وأقرب مثال على لذلك : الشيخ ابن باز قد بلغ التسعين وهو بكامل قواه
فهذا الرجل ويسمى القاضي الطيب قفز ذات يوم قفزة ووثب وثبة ما يثبها الشباب فسئل : كيف تقفز هذه القفزة في مثل هذا السن حتى الشاب لا يقفز هذه القفزة ؟!
فقال رحمه الله : هذه جوارح حفظناها في الصغر
عن ماذا ؟
عن المعاصي
فحفظها الله لنا في الكبر
ألم تسمعوا وصية النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عباس لما كان رديفا له قال :
(( احفظ الله ))
المراد : احفظ دينه وأوامره وشرعه (( احفظ الله يحفظ )) { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)}
فـ (( احفظ الله يحفظك ))
فهذا الذكر قوة
ولذا :
يجب علينا أن نكون أحياء القلوب
فالذكر القلبي يشمل ما يكون في بديع صنع الله عز وجل
ليكن الإنسان في حله وترحاله في مسائه ونهاره وصباحه أن يكون حي القلب
وحياة القلب بهذا الذكر سهل ميسر على من يسره الله عليه :
مثال ذلك :
لو أن الله أنزل المطر ثم ازدهرت الأرض وأصبحت أرضا معشبة خضراء تشرئب إليها الأنظار وتستمتع بها القلوب ورأيت هذه الخضرة أين قلبك من جنات النعيم
هذا ذكر
إذا رأيت النار توقد أين قلبك من نار الآخرة
لما قال عز وجل عن نار الدنيا ممتنا بها على عباده :
{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً }
تذكر بماذا؟
تذكر بنار الآخرة
{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ }
للمسافرين
فالمسافر إذا كان في سفره وأوقد هذه النار ليستنفع بها ويطبخ عليها طعامه فعليه أن يتذكر تلك النار العظمى
ولذا ذكرها جل وعلا قبل المتعة قال : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ }
والقاعدة في النصوص :
تقديمه يدل على اهتمام الشرع به
إذا رأى الإنسان حشرة مؤذية يتذكر أن هناك من الحشرات ما خلقها الله في ناره ما هو أعظم وأشد فيتذكر القلب بهذا وهلم جرا
إذا رأيت متع الدنيا وجمالها فتذكر ما يكون في الآخرة
إذا رأيت ظلمة في هذه الدنيا فتذكر ظلمة القبور وظلمة الصراط
وما شابه ذلك
هذا هو الذكر المعنوي
ثم يلي ذلك : الذكر باللسان
وهو في المرتبة الثالثة
إذًا :
نعود إلى ما ابتدأنا به فقوله جل وعلا : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} }
لماذا نزه الاسم ؟
المراد من ذلك :
أن نذكر الله ناطقين باسمه
ولأن النبي عليه الصلاة والسلام من سنته إذا قرأ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} }
ماذا يقول ؟
يقول :سبحان ربي الأعلى
لم يقل : سبحان اسم ربي الأعلى
وللحديث تتمة إن شاء الله